أساطيرنا العراقية كنز مسرحي مختف 1
أساطيرنا العراقية كنز مسرحي مختف
(دعوة لاستلهام الاسطورة في كتابة نص مسرحي للأطفال)
جاسم محمد صالح
مسالة الاستفادة من الاساطير العراقية القديمة في تأليف مسرحيات للاطفال مسالة لها أهميتها في النواحي التربوية والنفسية والتراثية وقد انتبه إلى هذه المسالة المهمة كتاب ومؤلفون غربيون وعرفوا أهمية هذا الكنز التراثي وثرائه وعمق فائدته بالنسبة للاطفال فقرؤوه باهتمام واستوعبوه ثم بدؤوا في إعداده كنص مسرحي يخلب الالباب ويشد إليه النفوس وقد نجحوا في عملهم هذا أيما نجاح والدليل على ذلك هو استمرارهم في التوجه في السير في هذا المجال لو القينا نظرة عابرة على قائمة المسرحيات التي الفت وآخرجت للاطفال في الغرب لوجدنا على الفور أن معظم مسرحياتهم مقتبسة ومعدة من حكايات شعبية أسطورية سواء أكانت قديمة أم حديثة ولم تقتصر مسالة الاقتباس والاعداد هذه على أساطيرهم القومية بل تعدى ذلك إلى الاستفادة من أساطير الشعوب الاخرى لا سيما الاساطير العربية القديمة والهندية والصينية واليابانية .
لقد استفاد أولئك الكتاب من جماليات الاسطورة وقدموها للاطفال فمن المسرحيات التي كتبوها وكانت لها جذور أسطورية وشعبية هي مسرحية : ( هاجر في الصحراء أليس في بلاد العجائب أمير الثلج سندريلا توم سويار ملابس الامبراطور الجديدة بيتر بان الطائر الازرق جزيرة الكنز بينوكيو روبين هود وليم تلي زمارهاميلان ) وغيرها الكثير من المسرحيات التي آخرجت ومثلت عشرات المرات وفي أزمنة مختلفة .
إن أدبنا الشرقي وخصوصا الادب العراقي القديم امتلا بهذا الفيض الزاخر من الاساطير والحكايات الشعبية سواء على مستوى تاريخ العراق القديم (السومري البابلي الاشوري ) أوعلى تاريخ الاقطار العربية الاخرى مرورا بالاساطير الفرعونية وانتهاء بالاساطير الكنعانية والفينيقية ( ما قبل الاسلام ) كـ (تغريبة بني هلال جابر وجبير عنترة بن شداد العبسي سيرة الاميرة ذات الهمة ) ... الخ من قصص الدولة العباسية مثل:( الف ليلة وليلة ) على الرغم من تزاوج هذه الاساطير وتأثرها وتأثيرها أيضا في أساطير وحكايات الامم المجاورة .
إن هذه الاساطير محببة إلى نفوس الاطفال لا سيما إذا تمكن كاتب ماهر من الاقتباس والتشذيب من إعادة صياغتها فانه سرعان ما يرى أثرها السحري في نفوس الاطفال حيث ينبغي لنا : ((أن نعترف بالاثر السحري الذي تحدثه هذه القصص الخالدة في نفوس الاطفال)) لان هذه الاساطير والحكايات وفي أعمها الاغلب تصلح لان تُمسرح للاطفال لغناها في الافكار الانسانية وامتلائها بالاحداث والحركة ولنضج ووضوح عقدتها الدرامية لان اغلب (( الحكايات الاسطورية التي تتناول أبطالا كبارا وبطلات تشكل مادة صعبة لمسرحيات الاطفال وإذا مُسرحت قصص البطولة الواقعية منها والخرافية فقد تكون مصدر ترويج والهام لهم )) فالطفل يحب المسرحية التي تشد خياله وتربطه إليها لانها تملك عقدة قوية أما الامور الاخرى فإنها تأتي بالدرجة الثانية لدى الطفل (( فليس المهم أن تكون أفكار المسرحية خارقة أو أن تكون حافلة بالاحداث والافكار الغريبة )) لهذا كان واجب المؤلف المسرحي في حالة الاعداد والاقتباس من هذه الاساطير أن يكون حذرا فهناك قصص درامية تستحوذ اهتمام الاطفال كقصص الحب وهناك قصص تعتمد على السحر بشكل أساس كجانب إنساني له قدرته في نواحي الابداع وبالتالي فان الطفل يصاب بخيبة أمل حينما يشاهد المسرحية بدون تعاطف أو رغبة حيث لا بطل في المسرحية يتفاعل معه ولا فكرة مفيدة بالنسبة له .
إن البحث عن العدد الكبير من الاساطير والقصص الدرامية الكثيرة التي يشوب البعض منها الخوف والرعب إلى درجة كبيرة يستحيل معها تحويلها إلى عمل مسرحي للاطفال أما البعض الاخر فانه يقوم على أمور سحرية بحتة تجعلنا نسقط من حسابنا فكرة التعامل معها أو إعادة صياغتها للاطفال فقد كانت الاعمال الخارقة كثيرا ما تدخل في نص مسرحي للطفل يصعب على المعد التعامل معه بشكل مباشر وبالصيغة المطروحة عليه إضافة إلى أنها صيغة مرفوضة في الوقت نفسه من قبل الاطفال المشاهدين أنفسهم .
لو كان لابطال هذه الاعمال قوة خارقة ومثلوا على خشبة المسرح لكان الامر صعبا يتجاوز قدراتنا الانسانية أو يشكل ظاهرة يصعب تصورها بشكل مباشر أو غير مباشر فان هناك موقفا صعبا للطفل في حالة تعامله مع النص فكريا وترفيهيا فانه من حيث المبدأ لا يتعاطف مع هذه الشخوص ولا يهتم بقضاياها .
من المعروف أن القصص الخرافية التي ذُكرت في السير الشعبية والتي تمثل شخوص الجن فان ذكرها جاء ليس مقصودا لذاته لمجرد التسلية أو لتفسير مظاهر كونية لعالم الجن بل استخدمه المؤلف وسيلة لخدمة البطل في الوصول إلى غايته وتحقيق ما يريد حين يعجز السلاح الواقعي كسلاح لتغليب الخير على الشر .
إن مهمات كاتب مسرحية الطفل هو أن يساهم في تنمية خيال الطفل ذلك الخيال الذي يعتبر أساسا لنمو عقله وتفكيره لهذا فهو يهرع إلى الاساطير لانه يرى فيها مادة تصلح لان يكون فيها مصدر الهام لاعمال أدبية وفنية جديدة .
لقد اُستلهم التراث الشعبي والاسطوري في كتابة مسرحيات خاصة بالكبار ومنذ وقت مبكر مثلما فعل ( محمد عبد المطلب ، محمد عبد المعطي ) اللذان كتبا مسرحيات مستلهمة من التاريخ المجيد والمشرق لامتنا العربية مثل مسرحيتي : ( المهلهل )، ( حرب البسوس ) ومثلهما فعل احمد أبو خليل القباني حين كتب مسرحيات: ( عنترة بن شداد ) و( أنيس الجليس ) و( ناكر الجميل ) و( عفيفة ) و( الامير محمود ) أو مثلما فعل الكاتب علي أنور حين كتب مسرحية :( شهامة العرب ) التي استعرض فيها قصة (عنترة بن شداد العبسي) في إطار خيالي مغامر وكان آخرهم وليس أخيرهم توفيق الحكيم حين كتب مسرحية : ( يا طالع الشجرة ) والتي كانت استلهاما رائعا من الادب الشعبي ولكن - وللاسف الشديد - فان هذا الشيء لم يحدث بالنسبة لمسرحيات الاطفال حيث ظلت بعيدة جدا عن روح استلهام التراث الشعبي واستغلال الاسطورة لتحقيق ذلك الاتجاه وجاز لنا الان أن نتساءل ولنا حق كبير في ذلك :
- كيف يمكن لطفل كندي أو ألماني أن يستوعب مسرحية (علي بابا والاربعين حرامي ) ولا يمكن لطفل عربي أن يستوعبها ؟ أو أن يتفاعل معها .
انه خوف كامن في نفوس المؤلفين والمعدين من الفشل أو عدم النجاح وهذا الخوف لا مبرر له لهذا فقد وقفنا بعيدين جدا عن التعامل مع أساطيرنا لا نجرؤ أن نقدمها لاطفالنا في حين يُقدم هذا التراث نفسه وبأسلوب متميز ومليء بالنجاح على مسارح الاطفال في الدول الغربية .
إن توجها صادقا في هذا المجال يقع على ذمة من يضطلع بهذه المسؤولية بان يكون له وعي كامل في اختيار النصوص التراثية حتى لا تكون عملية الاختيار سيئة تربويا أو غير موفقة وذات اثر سلبي على فهم الطفل لادبه الشعبي والاسطوري مما يخلق فجوة مستقبلية بينه وبينها فالاختيار الناجح لا يكون مع أسطورة بسيطة (( لا تصلح مادتها سوى لمسرحية فصل واحد بل يجب أن تكون القصة غزيرة المادة حتى نستخلص منها أحداثا لنقيم عليها عقدة المسرحية التي تشتمل على شخوص لهم صفات البشر)) فلو فعلنا هذا نكون قد وفقنا في عملنا ونكون قد قدمنا لاطفالنا ولتراثنا ولتاريخنا خدمات جلا .