رداً على الناقد محمود الربيعي
العقاد ليس رومانتيكياً خالصاً..
وإلا لماذا هاجم أبولو!!
صلاح حسن رشيد /مصر
الشكر؛ كل الشكر للدكتور/ محمود الربيعي في دراسته(في نقد الشعر) التي أدار أحد مباحثها حول(أثر الرومانتيكية في جماعة الديوان) فسمح لنا بالتعقيب عليه، ومحاورته، وعرض بعض التساؤلات التي تتصل بموضوعه! فساحة النقد .. تتسع للجميع!
لكنَّ الملاحظ؛ أنَّ الدكتور/ الربيعي بدا بحثه من مسلَّمة؛ هي: أن جماعة الديوان رومانتيكية في آرائها، وتصوراتها، وأفكارها! وهو تصور صحيح في بعض جوانبه؛ وخاطئ في جوانبه الأخرى!
فالعقاد مثلاً؛ لا نستطيع، ولا نجرؤ على توصيف شعره، ونقده على أنه رومانتيكي من أوله إلى منتهاه!
والدليل؛ أشعار، وآراء العقاد النقدية المبثوثة في مؤلفاته، والتي تأخذ من الرومانتيكية، ومن غيرها من مناهج، ومذاهب النقد الأدبي!
فديوان(عابر سبيل) للعقاد حمل في بساطته روح الرومانسية؛ إلّا أنه جمع في أغواره شِعر العقل، والذهن، وشِعر الأحداث اليومية، وأصحاب الحرف، والمهن! فهل يمكن لنا أن نُطلِق عليه شعراً رومانتيكياً صِرفاً؟!
ولا ننسى موقف العقاد الهجومي الحاد من جماعة أبولو، ومن رائدها الدكتور/ أحمد زكي أبو شادي! وهو الموقف القائم- أساساً- حول فهم العقاد لطبيعة الشعر، وجوهره، على الصورة المخالفة لفهم أبولو لها!
ولذلك؛ كان شعر العقاد ذهنياً رومانتيكياً معاً؛ على ضوء فهم العقاد للرومانتيكية، وليس كما فهمت جماعة أبولو الرومانتيكية، من خلال نظرتها الساذجة لها! وليس كما فهم محمود الربيعي شعر العقاد، وشعر صاحبيه! ولماذا اعتبر الربيعي مجرد اتفاق مجموعة من الكُتّاب حول فكرة أدبية ما نوعاً من النقل، والتأثر؟! ألم يعلم بوجود توارد الخواطر؟!
نعم؛ قرأ العقاد، والمازني، وشكري .. أقطاب مدرسة النقد الإنجليزية؛ لكنهم أضافوا إليها من عندياتهم؛ نتيجة التثاقف، والتلاقح، والنضج الفكري لديهم!
فالعقاد؛ يرى(التجديد) أو ما يمكن أنْ نُسَمِّيها الرومانتيكية .. حركة للتغيير، والثورة على القديم؛ في الجوهر والعمق، بعيداً عن السطحية، والادعاء، ولغة الضعف، والانعزالية، والانهزامية المقيتة! فالتجديد-حسب العقاد ورفيقيه- روح تسري في العواطف والعقول؛ بانتهاج لغة جديدة، وخيال جديد، وتصورات جديدة للشعر وطبيعته!
ومن هنا؛ كان الفارق واضحاً بين رومانتيكية العقاد، والمازني، وشكري، ورومانتيكية علي محمود طه، وإبراهيم ناجي!
وأؤكد؛ أن رومانتيكية العقاد رومانتيكية في شكلها فقط؛ لكنها تيار جمع بين الذاتية-التي هي غير العاطفة لدى جماعة أبولو- وبين الخيال الصادق، واللغة الجديدة، والنظرة المستجدة إلى الكون!
ولذلك؛ كان من الظلم البيِّن وصف جماعة الديوان بالرومانتيكية فقط! لأنها أكبر في تصوراتها من هذه الحركة؛ وإلّا فأي وصف لشعر العقاد، ونقداته الثَّرَّة .. يمكن أن نخلعه عليهما؟!
وبعد؛ فلا يمنع الاختلاف؛ من الحفاوة بكتابات الدكتور/ محمود الربيعي؛ الذي اكتفى بالعيش في برجه العاجي بعيداً عن صخب الحياة الثقافية؛ فآثر السلامة؛ وإنْ كانت النتيجة عدم تفاعله مع عصره، وانسحابه غير المبرَّر! فالناقد الحق؛ هو من كان في أتون الحياة الأدبية؛ كاشفاً، ومواكباً، ومتنبئاً بالجديد المفيد!
كما لا يمنع ذلك من ضرورة الاعتراف بأفضال مدرسة الديوان؛ ولاسيما عباس العقاد؛ الذي قام بالجهد الأكبر، والأشهر في التنظير والتطبيق؛ شعراً ونقداً؛ من أجل تطوير الحركة الأدبية في مطالع القرن العشرين! وحسبه؛ أنه كان فارس الحلبة، وسيد الميدان؛ بعصاميته، وموسوعيته!
وإنْ كانت حركة النقد حول إبداعه لم تستوعب موهبته الخلّاقة بعد!
وإلّا؛ فيكفيه؛ أنه استطاع بمفرده؛ قبل أكثر من قرن؛ أن يطَّلع على أحدث نظريات الغرب النقدية والفلسفية، وأن يواكب كل جديد، وطريف، وأن ينتخل، ويُغربل؛ حتى استقامت له مدرسته النقدية الكبرى؛ وهو قابعٌ في بيته في قلب القاهرة؛ قبل أجيال المبتعثين إلى أوربا؛ الذين لم يُضيفوا إضافات العقاد، ولا تجديداته العظيمة؛ في الشّعر، والنقد، واللغة، والفكر، والثقافة!
بل؛ أستطيع أنْ أقول؛ وأنا مرتاح البال والخاطر: إن فهم العقاد للشِّعر الإنجليزي كان أعمق، وأرحب من فهم الذين ابتُعِثوا إلى لندن للدراسة!
فرحمة الله عليك يا عقاد؛ في ذكرى مرور نصف قرن على رحيلك الآن!
فحقّاً؛ لقد كشفتَ ضعف مَن جاء بعدك!