الشال الصغير الأحمر وتغييب دور الوالدين

رفيقة عثمان

الشال الصغير الأحمر- قصة للأطفال تأليف: ديمة أبو غوش، رسومات سامي زعرور، منشورات أورغاريت الثقافي، سنة النشر 2009

أقدِّم التهاني لكاتبة قصَّة "الشال الصغير الأحمر" على اختيارها هذا الموضوع، والتطرُّق له، أعني موضوع تكيُّف الأطفال مع حالات الفُقدان أو الوفاة، وخاصَّةً عند حصولها لدى أحد أفراد العائلة المُقرَّبين للطفل.

إن الاهتمام بموضوع توعية الأطفال بموضوع الفقدان، له أهميَّة كبرى في تنشئة الأطفال تنشئة سليمة خالية من

التعقيدات، والمشاكل النفسيَّة المستقبليَّة الناجمة عن تجاهل مشاعر الأطفال عند مواجهة حالة فقدان أحد المقرَّبين للطفل.

 اهتمت الكاتبة ديمة في عرض قصَّة الفقدان بطريقة سلسة وشيِّقة، سواء عن طريق الفكرة التربويَّة، أو اللغة،  أو الأسلوب.

عمدت الكاتبة في الوصول للهدف المركزي من القصَّة، بهدف تبسيط موضوع الفقدان لدى مشاعر الأطفال، وتكيُّفهم مع الموضوع.

أودُّ أن أشير إلى عدم اكتراث الكاتبة في إبراز دور الوالدين في تحمُّل المسؤوليَّة التامة في مواجهة المواقف الصعبة، وخاصّة عند فقدان الجدَّة، فقد همَّشت دور الوالدين في احتواء الموقف الصعب، بعدم تحضير الطفلة لموضوع الفقدان، وعدم إخبارها بوقوع الوفاة، والتصرُّف السليم، ومعالجة الموقف بطريقة تربويَّة تُدخِلُ الطمأنينة في نفس الطفلة.

لقد أولت الكاتبة مهمَّة إخبار الطفلة عن وفاة جدَّتها للصدفة المحضة، في بيت الجيران عندما سمعت همسًا، كما ذكرت في القصَّة:  " في بيت الجيران سمعت همسًا يقول إن جدَّتها ماتت. شعرت بأنها لن ترى جدَّته مرَّةً أخرى. صديقتها زينة أخبرتها بأن من يموت لا نراه مرَّةً أخرى."،حبّذا لو قام أحد الأبوين بهذا الدور، بإخبار سماح عن وفاة الجدَّة.ِ

إن الغموض حول إبلاغ الطفل عن حالة الفقدان، تزيد من توتر الطفل وتشوش ذهنه، بحيث يظلُّ باحثًا عن الأسباب، ويزيد من مشاعر اللوم نحو الذات، كأن يكون سببًا مباشرًا، أو غير مباشر في فقدان المقرَّبين إليه.

 أجمعت الدراسات التربويَّة على أهميَّة مواجهة الموقف عند الفقدان، وعدم تجاهله؛ لأنَّ الغموض، والتهرُّب من مواجهة الموقف يُؤَثران على نفسيَّة الطفل في المستقبل. إن معالجة الموقف الصعب بالوقت المناسب، والطريقة السليمة يُخفِّفان من شِدة وقع الحدث على نفسيَّة الطفل، ومن ثمَّ تُنشئه تنشئة سليمة نحو مستقبل أفضل، المواجهة سيِِّدة الموقف، وفي الصراحة راحة.

  لقد عبَّرت كاتبتنا بشكلِ جيِّد عن التشويش الذي ألمَّ بالطفلة سماح، بعد أن أحسّت بأن مكروهًا ما حصل لجدّتها، كما ذكرت في القصَّة: " في المدرسة، ظلت سماح شاردة الذهن، فلم تنتبه إلى معلمة اللغة العربية وهي تطلب منها أن تقرأ الدرس."،  " جلست على عتبة الباب ، وأخذت تبكي". " ذهبت سماح إلى غرفتها لتنام، فتذكَّرت حكايات جدّتها، وأخذت تبكي من جديد". "في الصباح ذهبت سماح إلى المدرسة، كانت حرارتها مرتفعةً، وبقيت في فراشها".

تغييب صورة الوالدين عند مواجهة المواقف الصعبة، والحرجة، وعدم المشاركة الوجدانيَّة للأبناء، وتبادل الأفكار المختلفة معهم، وعدم منح الفرصة الكافية للتعبير عن الذات في كافَّة المواقف بشكل حر وصريح ، كل ذلك يُقلِّل من أهميَّة قيمة الدور التربوي الذي يمارسه الآباء مع الأبناء، وإبداء سطحيَّة العلاقة بين الآباء والأبناء، كذلك يُخفِّف من تكوين وصقل شخصيَّة قويّة قدوتها تُمثَّل في الوالدين. كما ذُكر في القصَّة "أرادت سماح أن تسأل والديها عن جدَّتها، وعن الموت، وكانا حزينين، فقرَّرت أن تؤجِّل ذلك".

عندما سألت سماح أمها: أسئلة حول الموت، مثل: "أين جدَّتي؟ هل ترانا؟ هل تسمعنا؟ هل هي سعيدة أم حزين؟ لم تعرف أمها أن تجيب". أستغرب من الكاتبة، لماذا هذه الصورة للأم الجاهلة، التي لم تعرف أن تُجيب جوابًا مُقنعًا حول الموضوع، لماذا الهروب من إعطاء الأجوبة الصحيحة بأسلوب سلس ومُبسَّط، إن أسلوب المصارحة مع الأبناء، أفضل طريقة للوصول إلى قلوبهم وعقولهم، لا ننكر بأن الأسئلة حول الفقدان، تكون حسَّاسة جدًّا، فيلجأ معظم الآباء للتهرب منها، واختلاق الأجوبة غير الصحيحة، للتخلُّص من المواقف المُحرجة. إن أسلوب التهرُّب هذا يُشوش العلاقة بين الأبناء والآباء، ويُنشئ شخصيَّة مُبلبلة، وغير مُتوافقة مع نفسها، لذا تنصح المراجع التربويّة  بضرورة شرح موضوع الفقدان بصراحة، للأطفال وِفق أعمار الأطفال، وباللغة المفهومة لديهم، كذلك إشراكهم بكافَّة المراسيم التي تجري داخل العائلة.

لقد ظهرت صورة الأم في اخر القصَّة بعد أن ظهرت علامات المرض، والأحلام المزعجة،  والبكاء، عندما حضنت ابنتها بعد الحلم المزعج الذي راود الطفلة حول حلمها بجدَّتها، أعتقد بأن دور الأم جاء متأخِّرًا، بعد ظهور النتائج السلبية من عدم مصارحتها حول وفاة جدّتها.

  هنالك أهميَّة كبرى في منح الأبناء حريَّة التعبير عن النفس، ومناقشتهم في كافَّة الأمور مهما كانت شائكة، أو غامضة، والأهم من ذلك أن يجيب الأهل على أسئلة أبنائهم، بأسلوب سهل، بمحاورة المنطق لديه، بلغة بسيطة، وسهلة، وعدم تأجيل أو رفض أي سؤال يطرحه الأبناء على ألوالدين، كي نّنشئ جيلاً صالحًا، وسويًّا مع نفسه، ومع الآخرين.

إن مشاركة الأم في النهاية، كان جميلا عندما ضمَّتها إلى صدرها، وقالت لها: "ستبقى الجدَّة حيَّة في قلوبنا، طالما بقينا نحبُّها، ونذكر أيامها الجميلة معنا".

كذلك عندما قام الأصدقاء بتسليتها في اللعب، حبَّذا لو كان هذا الموقف بعد تدخُّل الأهل.

 بالنسبة لحلم الطفلة، عندما أخبرت أمها: "بأنها ستحلم بجدِّتها، لكن حلمها هذه المرّة، سيكون جميلا." أعتقد بأنه لا توجد سيطرة على أحلامنا، ليس في نوعيَّة الحلم، أو في توقيته. حبَّذا لو استبدلت الكاتبة الحلم بالتفكير، وتخزين المشاعر نحو ذكرى عَطِرة للمقرَّبين المفقودين.   

اختفاء صورة الأب أثناء  المواساة، ومعالجة الموقف جَنًا إلى جنب مع الأم.

خلفيَّة الكتاب:

لا يوجد ترقيم للصفحات.

الرسومات فيها تخطيط، لا تلمس فيها التعبيرات ، أو الحركات التلقائيَّة، صور فيها نوع من القيود. نوعيَّة الورق قويَّة وجيِّدة.

اختيار العنوان كان مناسِبًا، وغير مباشر.

بالإمكان اقتناء الكتاب بسعر مقبول، بحيث يستطيع معظم الأطفال في فلسطين، أو خارجها،  من كافَّة الطبقات الاجتماعيّة شراؤه.

أتمنَّى النجاح والتقدُّم للكاتبة  ديمة أبوغوش، ومزيدًا من العطاء.