طائر المئذنة

د. عبد الستار الراوي

د. عبد الستار الراوي

[email protected]

يطل طائر المئذنة على شرفات القلب ، وفوق قباب المساجد، وينزل باحات المنازل الغارقة في سلام الغائبين .

من يكتب أحزان الإنسان ؟!

هذا هو السؤال الذي عذب المحبين وأبناء السبيل السائرين بأحلامهم في متاهات الوجود ، في رحلة البحث عن المعنى ؟!

يلج عبدالله السعد بوابة المشاق الإنسانية عبر مجموعة تضم خمس وعشرين حكاية في محاولة الاقتراب من عوالم الإنسان الغائرة بالاسرار، فينشئ الكاتب أبجدية القلب التي تتجه بكل حروفها وأدواتها إلى أحوال ومقامات التوق ، الوصل، النأي، والحنين .

فيكشف لنا زوايا منسية وأمان خبيئة مكتظة بتفاصيل العشاق والفقراء؛

الصوت المفعم بأشجان الدنيا ، ومحطات الاحزان،

ورائحة القلب الاولى،

... ومناديل العشاق المبتلة بالدمع

ورحلة الثلج ، وبكاء الورد

الطائر الآتي بجنون الحب وسر العشق

النص المزدهر باللون والضوء وظلال الغربة .

 (1)

عبدالله بن علي السعد يكتب نبأ اللحظة الاخيرة، التي قد تسقط من الذاكرة، أو يطويها النسيان، ورغم شدة العتمة وضياع الاصابع، وتشابك الاشياء الصغيرة، كان عبدالله السعد في مجموعته القصصية يقظا كما الطير الحر، تلتقط روحه وصايا الامهات ، وبكاء الطرقات، ولحظات الوداع ، وحنين المنازل .

(2)

قصة الميكانيكي، لحظة كان فيه شيء عجزت عن الوصول إليه .. نوع من الإنكسار أو الشعور بالغربة ، أو المرارة ، لا أدري ماهو بالضبط ؟ ولكنه كان يجعلك تشعر به وتشفق عليه.

(3)

أماني القطار: في الرحلة الاخيرة خلاصة تجربة أليمة بقدر سعادتها .. كانت الكلمات مبعثرة ، لكنها بدت معبرة كثيرا.. مرت بعينيها بين السطور.. حياتنا قطار.. والأسرة هي محطته الأخيرة .. الأسرة مجموعة ثوابت وليست مجموعة ركاب يمرون ويرحلون .. من يأتي في المحطات ربما لايستقر ليبني بيتا ، ولكنه يرحل في المحطة القادمة.. لايصلح البناء على عربة في قطار .. للحياة معنى أعمق من ظاهر الألم . ففي الألم ينبت الفرح .

توقف القطار في المحطة الأخيرة ، وعلى الصفحة البيضاء دونت عبارات تبتسم من بين الدموع .

(4)

المهرجة : حقيبة كبيرة على شكل أرنب وردي ، .. أخذتها وسارعت بارتدائها ، واقتربت من فناء المدرسة عليها أن تقوم بدور أرنب يلاعب الصغار .. وبمجرد أن رآها الأطفال أخذوا يتدافعون .. شعرت بالسعادة لهذا الجو . .. تذكرت صغيريها تمنت أخفى القناع الباسم دموعها لاتدري لماذا بكت؟ من أجل أطفالها أم حزنا على نفسها ؟

اعتذرت المدرسة عن مواصلة برنامج الأرنب الوردي ..

شعرت بالصدمة ، وصلت إلى بيتها .. وفي صمت أخذت طفليها ولم تجب سؤال جارتها عن موعد السداد

ذلك المساء شاهد القمر ثلاثة أشباح يلتحفون الظلام .

من هم ؟

أين ذهبوا؟

ماذا حصل لهم ؟

وطوى البحر الأسئلة .

(5))

حالة نفسية : هذه ليست مذكرات .. لكنها جزء من العلاج !!

(6)

الضياع ؛ الليالي في بيتي الهادئ تجعل لدي وقتا لأتابع معزوفاته ، ومع إنني لست من النوع الذي يهتم بالموسيقى .. إلا أنني كنت أحب سماع مقطوعاته .

كان متقنا يحملك مع الأنغام في عالم من التأملات .. عزفه الهادئ يفصح عن شخصيته، اختياره الأوتار الحادة يجعلك تشعر برغبته في الصراخ كأن شيئا يؤلمه.. ولكن العجيب أنني كنت أسمعه يبكي في كل ليلة ..

(6)

طائر المئذنة

تتعلق الأرواح بالطيور والأحجار

ولكن متى ؟

إذا ارتبطت بقلب ونبض ..

في طيور السماء حب ووفاء

وفي أحجار الأرض أنس وعطاء .

(7)

الهجر

ووصلت لباب المئذنة .. كان بابا خشبيا واهنا .. خطر ببالي أن أصعد المئذنة لأرى المدينة من فوق .. دفعت الباب فأحدث صريرا ضج في السكون .. ووجدت نفسي داخل مئذنة مهجورة .

(8)

الارتقاء

كانت المئذنة من الداخل ؛ مظلمة باردة .. الغبار يملأ الأرض والسلم الحلزوني يعانق الفراغ

وحين وصلت إلى ذروتها السامقة .. بدت المدينة صغيرة .. الجبل غطى جزءا منها فيما بدا النهر واسعا و قويا،

كم تبدو دنيانا صغيرة .. لكنها على صغرها قاسية شديدة الإيلام.

(9)

لوعة الغياب

يوم الجمعة الساعة الواحدة ليلا

أتدري يا أبي : أشتاق إليك دائما .. نسيت أن أقول لك إن صغيري بصحة جيدة .. وضعت عشه قرب سريري في مكان أراه وأرى المئذنة من خلاله .. قررت أن أسميه وحيدا ..لانه بلا صحبة أو أصدقاء .. أشعر أنني مثل طائري وحيد في عالمي إلا من الذكريات .

أصبحت في كل يوم أقتطع ورقة من التقويم .. أشعر أنني اقتطعت ورقة من غربتي معها.. وأنتظر موعد الرحيل .

ابتسم الكون كله إلا ذلك الكائن الوحيد.. يسير مطأطئ الرأس كسيرا ، يخفي دمعة بحجم الدنيا ، ذلك الكائن .. هو أنا ياأبي ..

(10)

عصا الغريب

في منتصف الليل

الوحدة في مملكة الصمت ، توقظ أوجاع الكون ،

أصوات تأتي من آخرة مديات (الأين(

ذئب يعوي ،

والحطب تأكله النار ،

وعصا من خشب الزان تعانق أشرعة النار

البرد يوخز جسد الرجل الواهن

الذكرى في الغربة كما الجرح الفاغر،

عبد الله من يبكيك ؟!

تحية للكاتب المبدع علي السعد ولطيره الجميل .

               

•  طائر المئذنة للكاتب السعودي عبدالله بن علي السعد دار الفارابي .بيروت 2008