رؤية نقدية في نص (هكذا أبدو أكثر تناقضا)

رؤية نقدية في نص (هكذا أبدو أكثر تناقضا)

للشاعرة الكبيرة ضحى بوترعة

جوتيار تمر

النص: بقلم ضحى بوترعة

هكذا أبدو أكثر تناقضا

مع فكرة تنحني للسياق

مع ريح تجمع أخطاءها وتركض في نفسها

مع عشاق يتطايرون فوق نومهم

لاشي يحتدم في شريان امرأة تنحني لليل

وتنهض على ايقاع ساعتها الرمليّة

في تمام الحيرة تعبر يدي الصلاة البعيدة

ومكيدة المعنى في دمي

لكأنني ليل مخلوع

أبدو أكثر انسجاما

مع لغة تلهو بالنوايا

مع حدائق تخففت من فصولها

وجسد يثير انتباه التراب

مع غرفة تركض في تعب الشهوة

في تمام الحيرة

تتناسل فينا

أنحاء أخرى مغلقة

القراءة النقدية: جوتيار تمر

هكذا أبدو أكثر تناقضا

 هكذا أبدو أكثر تناقضا

مع فكرة تنحني للسياق

مع ريح تجمع أخطاءها وتركض في نفسها

مع عشاق يتطايرون فوق نومهم

 لايمكن فصل العنوان عن النص في هذه القصيدة، فعلى الرغم من امكانية وضعه ضمن مصاف العناوين ذات الوظيفة الشعرية البحتة لكونه يهيمن على الابعاد والوظائف الاخرى للغة، حيث يتحقق هذا البعد تبعاً لرومان" ان استهداف الرسالة بوصفها رسالة والتركيز على الرسالة لحسابها الخاص هو ما يبطع الوظيفة الشعرية للغة" وضحى من خلال هذا العنوان استطاعت ان تعبث بالاعراف اللغوية السائدة، وكذلك استطاعت ان تخلل بنية العلاقات المألوفة بين الدال والمدلول، فاحدثت منذ البدء تصدعاً بلاغياً واضحاً، فالعنوان" هكذا أبدو أكثر تناقضا" ذا ايحاء متنامي، ونصيته اكثر قوة على اخراج نصه من لعبة الثنائيات المتضادة، فبغدو المتلقي على تخوم اللاحسم وتعددية التأويل، وهذا ما يجعل من العنوان مدخلاً شعرياً رائعاً يرفد النص قوة ايحائية تجبر المتلقي على التأني اثناء خوضه في اعماق النص، على ان النص ذاته منذ البدء جاء مكملاً للقيمة الفعلية والدلالية والايحائية للعنوان، فقد استطاعت ضحى من خلال اشتغالها على الثنائيات المتضادة ان تخلق تصدعاً واضحاً في مسار التلقي، بحيث اجبرته على استخدام مخيلته الذاتية لاستقطاب الصور المتاخمة على حافات المعاني ضمن سيرورة الحدث الشعري المتميز، فجاءت الافعال" تنحني،، تجمع،، تركض،، يتطايرون.." لتضع الملامح الاساسية الرابطة للثنائيات التي اتخذت ضحى منها معبراً لسكب رؤاها الذاتية.

لاشي يحتدم في شريان امرأة تنحني لليل

وتنهض على ايقاع ساعتها الرمليّة

 ال(لا) هنا لم تكون واشية، تعمل على تعرية الداخلي  للمرأة، وتفضح مكنوناتها، بقدر ما هي توضيحية معبرة عن الكينونة الحقيقية تعبر عنها امرأة متمرسة لفعلها الانثوي، وهذا التمرس انما في حالة ضحى المام بما تؤول اليه الامور جراء تصدعات في جدران العلائقية الوجودية القائمة بين الانثى ومكملها، لذا فهي تستعير الشريان كعلامة موحية بديناميكية الحدث، وسريانه، فما ان يتوقف تدفق الشريان لمعينه، تكون هناك نهاية لكل شيء، لكن ضحى هنا تستشهد بالشريان لاثبات موقف يعبر عن الحالة النفسية التي قد تصل اليها امرأة، تعيش وقع تلك الانحناءات الليلة، بسبب وحدة فرضت عليها، فتصبح رفيقة التخيلات حتى تستفيق منها على وقع روتين زمني يتكرر، دون ان يحدث فيه تغييراً يتسم بالايجابية، وقد حققت"ساعتها الرملية" هنا اضافة بلاغية تصويرية قيمة للنص، من خلال قيمة المدلول وعلاقتها بالدال، ومن خلال الصورة التي استعانت بها ضحى لعتبر عن كيفية مضي الوقت، وبطئه بحيث تستحيل نفسية المرأة الى حبات رمل تدور في فلك زمني مكلوم.

في تمام الحيرة تعبر يدي الصلاة البعيدة

ومكيدة المعنى في دمي

لكأنني ليل مخلوع

أبدو أكثر انسجاما

مع لغة تلهو بالنوايا

مع حدائق تخففت من فصولها

وجسد يثير انتباه التراب

مع غرفة تركض في تعب الشهوة

تستعين ضحى بقواها الشعرية المتقدة هنا، لتعبر عن المكنون الداخلي، فتضفي على النص حالة من الترقب الذهني، والهيجان العاطفي، لتلتقط الايحاءات المتناثرة فوق وسادة الليل المستوحد، فمن معين الحيرة تنبثق تلك الصلاة الغريبة، وتتسع مداركها التخيلية، لتضيف هنا لمحة توحش لفظي" ومكيدة المعنى في دمي" تعبر عن ما وصلت اليه حالتها النفسية، فتبدأ بالتفسخ الذاتي، وتحيل لغتها الى تعبير صريح ومباشر عن المكنونات الداخلية التي توخز جسدها المستلقي على قارعة الليل، وتوخز عقلها الرافض لكل انحدار نحو هاوية غير مستديمة، وفي خضم هذا الصراع الداخلي، تأتي الثنائيات التي ترى ضحى بانها تجد نفسها فيها اكثر انسجاماً، لترسم ملامح الزمكانية القائمة انذاك بصور تثير في المتلقي لونية متغيرة غير ثابتة، لكونها تستمد بصيرتها من لغة تثور في كينونتها، وتتحدى نفسها عبر تموجات وتصدعات الحالة التي تعبر" جسد،، تثير،، تراب،، غرفة،، تركض،، تعب،، الشهوة.." فهذه اللغة الماتعة حد التشظي تثير جدلية شعرية مستعرة، فيما يخص العلاقة بين الكائن/ الذات الشاعرة، والمكنون/ اللغة، بحيث نجد بأن الالتحام الممشوق القائم بينهما هو التحام تكاملي وليس مجرد طلاسم تعبيرية تحاول الشاعرة من خلالها ان تصف حالة وموقف عبر لغة متنامية.

في تمام الحيرة

تتناسل فينا

أنحاء أخرى مغلقة

ان الانحناءة البلاغية التي تظهر هنا تجعلنا نرى بأن ثورة اللغة داخل النص انتهت، والذات الشاعرة نفسها لم تعد قادرة على وصف الداخلي بما يضاهي الحالة نفسها، لذا نجدها تسارع في ختم القصيدة، وكأني معجمها قد عاندها، ولعل هذا ما جعل ختمة النص اقل اثارة من المضمون المتقد شعراً وايحاءً وصوراً، فعلى الرغم من ان القفلة اتت مفتوحة تثير في المتلقي جدل الانحاء الاخرى المقفلة، وتثير ملكة الفضول لديه لمعرفتها، الا انها اجمالاً اتت في غير وقتها، لأن لدى ضحى المعين اللغوي الشعري الصوري الاكثر فيضاً، بالاخص عندما يتعلق المضمون بالتحولات النفسية العاطفية الجسدية عند المرأة.