قراءة في ديوان شعرة قلبي بيضاء
قراءة في ديوان شعرة قلبي بيضاء
توفيق الشيخ حسين
" همسات تعانق أفق البرق " " قراءة في ديوان " شعرة قلبي بيضاء " ايقاع النعيب للشاعر عبدالله حسين جلاب ... بقلم : توفيق الشيخ حسين
طرق ٌ تحمل ُ في الليل جراحات العمر .. وتبحث في كل الوجوه وتتحسس الآلام التي تغرس في القلب كشعرة بيضاء .. تمر علينا مع قافلة الظلام .. وتحوم بعيدا ً تصفق للريح وتبحث عن أسماء ٍ تغيب مع الكلمات ...
أطفال تنتظر الفجر من دون وداع .. وترتحل في زهرة الأنهار تحد ّث عن الشجر والر ّمان ...
على مرأى من شرفة البحر ِ
الغراب ُ ..
والطفولة ُ هي الأخرى
لا متأبـّد ٌ في شرفته الا ّ هي :
القابرة ُ الغُراب َ ..
والعابرة ُ تحت الماء
الى زهرة ِ الر ّمان !
عن دار الينابيع للنشر والتوزيع في سورية صدرت المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر عبدالله حسين جلاب " شعرة قلبي بيضاء " ايقاع النعيب وتضم ( 35 )
قصيدة باحثة عن خيط بأتجاه الريح .. وأناس ٍ لم يعد يذكرهم أحد .. مثقلة بالحقائب تسامر نجمة الأحزان .. نجمة يؤطـّر ُ وجهها شمعة تنتظر في ترابة الجـّد .. وسماء ٌ تذرف ُ مطرها وتعانق البرق في الظلام .. وتحمل الحقائب مع نجوم الليل ...
الحقائب ُ مدافن ُ قمصانك َ
مدفنك َ الد ّوارة ُ في عين الشمس ِ
عليها زهرة الأمطار
في ترابة ِ الجـّد خرزتـك
وحصانك القصـب ُ !
يتميز شعر الشاعر عبدالله حسين بصورة شعرية واضحة تنبض بالحياة التي تجعل حروف القصيدة تلامس جذور الواقع .. وتصير أكثر وهجا ً وعمقا ً وخصوبة ً .. مع تشكيلا ً جماليا ً .. يقول " ستيفن سبندر " في كتابه " صناعة القصيدة " :
" يحتم على الشاعر المتميز ان يكون قادرا ً على التفكير بالصور , وعليه ان يمتلك سيطرة كبيرة على اللغة مثل سيطرة الرسام على حاملة ألوانه " ...
من هنا وظـّف الشاعر عبدالله اللغة والصورة والأيقاع توظيفا ً واعيا ً يتنامى فيه ايقاعات الروح ...
يبحث في دروب الحياة عن مأوى .. وتطوف بذاكرته المثخنة بالأحزان كلمات أنطفئت منذ لحظة وقوفه في وجه الريح .. ويطرق الحنين ويمضي به العمر وحيدا ً .. ويحمل حقائبه ليجمعه الطريق .. ويلفظ أنفاسه كالغريب على التراب البعيد ..
طفل ٌ يطرق ُ بحصاة المقابر ِ
صفيحته ُ :
لا يحط ّ الغراب ُ :
نعيبه ُ في الفضاءات ..
خروعة ٌ بملامح ِ أمـّي :
على ترابـها البعيــــــد !
اخرى بملامـح ِ أبــــي :
على ترابــه البعيـــــد !
وسدرة ٌ بملامــح وجهـك َ :
على ترابــــي !
ترحل الطيور مهاجرة وتضيع في منعطف النسيان .. وتجد نفسها في لحظة ٍ تحمل الآمها وتمضي عبر دروب شائكة في صمت ٍ .. وتخلد الى سكون الليل ...
في كل ّ مهجر ٍ وأنا أبحث ُ عنك ِ
يهطل ُ على ّ الليل ُ
فأسمع ُ تحليـــقة َ جناحيــــــــك
دليلي نجم ٌ في القلب ..
النوارس هي الأخرى
تبحث ُ عنك َ
عقارب الساعة تقطع صمت الليل .. وترحل ُ بعيدا ً الى قبور مهجورة .. وقلم ٌيبحث ُ في عالم الأحزان والآهات .. مع قلب ٍ يـُدفن ُ في مقابر الألم يـُحد ّثك َ عن ذكرى ماتت على أطلال الزمن المثقل بالجراح ...
بلاد َ الثلج : في حقيبتك ؟
قماشة َ الحائط ِ : تحمل ُ قبري ؟
سماء َ النهر ...
وعقارب ساعتك َ في الأصداف ؟
شبـح َ المقابر ِ : يحد ّ ثك َ ؟
أتذكر ُ صمـتك َ ؟
واسعة ٌ ذكراك َ وضـّيق ٌ قلمي ؟
موحشة ٌ أنياب ُ الأرض ِ في اليد المقبوضة الكف ّ .. تسيـّجها وحشة الكون مع شهوة الحزن .. يبحث في قاموس الأنتظار عن جرح ٍ يضمه الى صدره .. ويمضي الى البعيد في ليل ٍ أسود يحاكي صمت السنين ...
بجناحيك َ تمسك ُ النهايات ُ ..
فتسقط ُ في دمي وحشة الكون :
شعرة ُ قلبي أبيضـّت ْ
وريشـي أسود ّ !
انتظـرني ريثما آتيـك َ
بكـف ّ أمـّي من التنـّور ..
يدخل في ظله ويخطوا مع عتمة الليل تائها .. وينسج ُ خلف غيمة ٍ حزينة ٍ نسمة ً تختفي وراء ظلال القلب كأشرعة تمتد عبر فضاء الظلال الأسود ...
خطا خطواته الخضراء
فأستيقظت الأغصان !
ناديـت ُ ..
في منتصـف الر ّويا
من موتـي في الليـل
لكنه أختفى وراء غيمة ٍ في القلب !
لا تطرق ْ القلب .. وأرتحل ْ مع زهرة الأنهار .. وسر ّ في طريق ٍ الى مدافن ٍ من ورق الفردوس .. واكتب عن حقيقة دنيا الأحزان .. حين تذرف ُ مطرها الأصفر ..
وانثر الروح رمادا ً يتطاير مع الريح .. حتى تصبح سفير الجراح تحت أنقاض الزمن القاسي ...