الشعر الكوردي و ترجمة الجبال

الشعر الكوردي و ترجمة الجبال...

بدل رفو نموذجاً

بدل رفو المزوري

[email protected]

النمساغراتس

اسعد الجبوري

لم نكن نعرف الشعر الكوردي عن كثب. كانت ملامساتنا له تتم عن طريق الاستشعار عن بعد،مرة بفعل التجهيل به أو تغييب رموزه وأصوات خشية من وصول رائحة الدم إلينا،ومرة بفعل ما بني من أسوار حوله في محاولة لوضع الحركة الشعرية الكوردية في قفص النسيان .

  ففي الأعوام البعيدة الماضية ،كانت رقعة الشعر الكوردي لا تتعدى مساحة ضيقة قابلة للانكماش بفعل القهر والحروب وسياسات التطهير العرقي والاقصاء والتغييب/الأمر الذي أدى إلى شل حركة القصيدة الكوردية وأثقل أقدامها بالأغلال منعاً من أن ترتحل من الأمكنة الضيقة المظلمة للسفر وتجاوز الحدود.هكذا كانت القصيدة الكوردية في عمومها،عدا  نسب قليلة منها استطاعت الفرار من الخنق أو الإعدام أو الحبس.

كنا نستشعر تلك المرارة البليغة التي في جوف النصوص الشعرية الكودية،وكيف كان يصارع الشاعر أو الشاعرة الكوردية مناخات الفرن اليومي الملتهب رصاصاً وسموماً ودماراً وانتهاكات.كان الشعر يتنفس أرواح البشر المعلقين بآلامهم في عراء التاريخ.

وكانت القصائد الكوردية مثل نسور جريحة تنمو فوق الجبال القريبة  على الدوام من الله .نسور تنظر إلينا من هناك بأعين مركبّة لم يستطع العمى أن يغلق عليها باباً أو نافذة فيكسر أمتداد بصرها الذي كان مصوباً نحو أكثر من شمس وأبعد من مستقبل ،لأننا نجد في الشعر الكوردي بلاغة في مقاومة العدم ،وبما يفوق ضراوة وعناد الجرانيت في البقاء.

وإذا كان حبس القصائد الكوردية والتضييق عليها  ومنع تدفقها إلى خارج مساحات الحرب والصراع هو شأن من شؤون الحكومات، فان تلك القصائد كانت تنمو في الذات الإنسانية وتتكاثر وتسافر في الأنفس دون خوف أو تردد ،حيث تعايشت تلك قصائد مع مطاردة البنادق وكيف لا تترك الكلمات فرائس للقهر خلف الجدران المظلمة .

وإذا كان الانفراج قد بدأ راهناً،بعد خروج الشعر الكوردي من سجون الزمن الأسود،فان صورته كشعر عميق بتجارب ضخمة متعددة البلاغات والمدارس والرؤى،قد تجعله في موقع أدبي متقدم مع الحركات الشعرية في العالم .فالشعر الكوردي لا يقل أهمية عن الشعر الفيتنامي ولا عن بقية المواقع التي يتمتع به الشعر المقاوم للموت في قارات العالم.

الشعر الكوردي لا يستنسخ الجبال،فيأخذ منها صوره بتلك الارتفاعات الشاهقة ،بل هو النسخ الذي يشق الصخر ليمنحها المعنى من كل قطرة دم تلون بها عبر تاريخ الصراع ما بين رعاة الموت وبين دعاة العيش تحت شمس نوروز بحرية وبهاء.

ولأننا نعرف اليوم حجم التطور والخلق  الذي يرافق حركة الشعر الكوردي-معنى ومبنى- في العالم العربي والعالم أجمع، فقد نجتمع على أن ما أصاب الشعر الكوردي من حداثة قد بلغ تجليات هامة وعديدة خاصة بالنسبة للشعراء الكرد ممن يكتبون باللغة العربية في العراق وسوريا وأروبا،لأن هؤلاء  شعراء فرادة وقوة وفيض وحداثة قد لا تتوفر في تجارب عربية مهمة.

الشاعرات والشعراء الكورد ممن يكتبون بالعربية،شيطلائكة جميلون يدركون كيف يمكن للنص الصاعق أن يتحقق بنسبة عالية من اللعب باللغة ،وبنسبة أقل من الهدوء. هم شعراء كثر.هم شعر يؤسس لتيار خاص به. نقرأ لهم يومياً ونشعر بعظيم الفيضان الذي استطاعوا تأسيسه داخل اللغة العربي.

فيما الشعراء الكورد ممن لم نستطع قراءة نصوصه بلغتهم الأم،فسرعان ما اقتربنا منهم سريعاً،بعد أن أدخلنا الشاعر بدل رفو منازلهم من خلال ترجماته العميقة التي تطهرت من براثن أمراض الترجمات السريعة كما يحدث عند نقل الشعر في بقية اللغات ،فهذا الشاعر المترجم المجتهد ترجم نصوصاً تُشعر القارئ بشيء من الثقة بما تذهب إليه المعاني من مديات غاية في الجمال والبلاغة والعمق،وكأننا نقرأ النصوص الأصل.

ان العمل الأدبي الذي يمارسه صديقنا الشاعر بدل رفو من خلال ترجمة الشعراء الكرد إلى العربية وبعض اللغات وعلى مدى سنوات وسنوات،منحه مكانة غاية في جمال المشقة أو مشقة الجمال،خاصة إذا ما قلنا أن من يتصدون لأعمال الترجمة في عالم الشعر،إنما توضع تحت تصرفهم امكانات جدية لمواصلة الطريق،لا أن تكون الترجمة بمثل مشقة(( الأس أم اس)) ولا أن يكون الترجمان قاطع جبال عابر .

ان الاهتمام بنقل التجارب الشعرية الكوردية إلى اللغات الأخرى، هو عمل وطني خالص.هو فعل جعل الشعر الكوردي أحد مفاصل الآداب في العالم.ولا أعتقد بأن حناجر الجبال لا تستحق هذا النقلة التي ستكشف للقارئ العالمي والرأي العام ،كم تمتلئ حناجر شعراء كوردستان من الفظاعات والآلام والأنين والدم والخوف والقتلى.وإذا ما ذهبت الريح بعطر الموت عن بعض المخلوقات وعن بعض الأراضي هنا وهناك،فان رائحة قنابل الكيمياء ما تزال تنبعث من عمق أغلب قصائد كوردستان  .

 

تحية لصديقنا بدل رفو شاعراً ومترجماً في يوم تكريمه الذي هو تكريم لكل شاعر كوردي تمت ترجمة نصوصه في سياق هذا الجهد الخلاق الذي يضع الشعر الكوردي ضمن مجرى الشعر في العالم.

ملاحظة: سيقام المهرجان التكريمي للاديب بدل رفو يو 7102010 في دهوككوردستان العراق

أسعد الجبوري

شاعر وروائي

مدير موقع الإمبراطور الإليكتروني

 لعموم مؤلفي الإبداع حول العالم