الإسراء في روضة الشعر العربي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كان الشعر العربي  وما زال  حافظة تختزن الوقائع، ومرآة تعكس الأحداث والمشاعر، وقلبًا يلهج بالآلام والآمال، وكان  وما زال  من أهم العوامل التي تهز وجدان الأمة وضمائرها، ويستحثها للنهوض ذيادًا عن الحياض، ودفاعًا عن الكرامة والأعراض.

وكان لواقعة الإسراء مكان ملحوظ، ومكانة متميزة في الشعر العربي على مدار العصور، ارتباطًا بالقدس والمسجد الأقصى، والمسجد الحرام، واستلهامًا لقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).الإسراء 1

ونقدم للقارئ بعض القطوف من الشعر الحديث الذي عالج هذا الحدث المعجز الجليل، مع الإشارة إلى ملامح من توجهه الفكري، وطابعه الفني.

 ففي أغلب شعر مدرسةالإحياء التي كان رائدها محمود سامي البارودي (1839م  1904م) يجنح تصوير هذا الحدث الجليل إلى "العرض الأفقي" وتفصيل جزئيات الحدث، كما نرى في قول أحمد شوقي:

أسـرى  بـك الله لـيـلاً إذ iiملائكه
لـمـا  خـطـرتَ به التفوا بسيدهم
صـلـى وراءك منهم كل ذي iiخطر


والرسْل في المسجد الأقصى على قدم
كـالـشهْبِ  بالبدر، أو كالجندِ iiبالعلم
ومـن  يـفـز بـحـبيب الله iiيأتمم

**********

وبعد النكبات الكبرى التي نزلت بفلسطين بقيام بنت السفاح إسرائيل، وتشرد أبناء الأرض الحقيقيين، والمذابح التي راح ضحيتها آلاف من الشيوخ والنساء، والأطفال، تلبس الحديث عن القدس والإسراء، بمشاعر تتدفق بالحزن والأسى، يقول الشاعر يوسف العظم.

الوحيُ  والتنزيل iiوالأحرفُ
وسـورة  الإسراء ما رتلت
تـبارك  القدس وما iiحولها
في كل صدر من دمي دفقة



والآيُ والإنجيل iiوالمصحفُ
إلا  وأسـماع الدني iiترهف
وصـخرة القدس بنا iiتهتف
وكـل  عـين دمعة iiتذرف

ويقول "شاعر الإنسانية المؤمنة"عمر بهاء الدين الأميري:

يا يوم معراج الرسول وأنت في        كر  الدهور  هداية  وسلام

عذرًا  إذا  خنق  البكاء  تحيتي        لك والأبي على البكاء يلام

**********

 وعندما تهل ذكرى الإسراء، استقبلها قلمي برهافة إحساس، واحتفاء المحبين، وبين نورانية الحدث، ومظاهر الطبيعة، وقلت:

وها قد هلت iiالذكرى
فأصبح جدبها روضًا
محمدُ يا رُبَى iiيسري
فسبحان الذي iiأسْرى
فـما زاغت له iiرؤيا




عـبـيـرًا فاح iiريَّاه
وشـادي النور ضواه
تـمَـلـيْ من iiمُحياه
بـه  فـي ظل iiنُعماه
ومـا كـذبـته iiعيناه

ولكن سرعان ما يتذكر القلم الواقع المر الذي تعيشه فلسطين، والأمة العربية، فتسيطر عليه نبرة من الحزن العميق، فيقول:

 لقد هلت رُؤَى الذكرَى        وملء قلوبنا الآه

 وقد  نزَّت جراحُ القلْ        بِ  مما  قد لقيناه

وكثيرا ما تمتزج هذه النبرة الحزينة بدفقة من الهياج والغضب، كما نرى في الأبيات التالية للشاعر يوسف العظم:

أقدام من داست رحابَ الهدى؟
مـن  لوث الصخرة تلك التي
وأمـطـر الـقـدسَ iiبأحقادِهِ
ودنـس الـمـهدَ على iiطهره



ووجْـهُ  مَن في ساحِها iiأغبر؟
كـانـت بمسرى أحمدٍ iiتفخر؟
فـاحـترق اليابسُ iiوالأخضر؟
إلا عـدو جـاحـد iiأكـفَـر؟

ولكن هذا الحزن لم يقد إلى الوهن، والذلة والاستسلام، بل على العكس من ذلك كان قوة دافعة إلى التصدي للعدو الغاشم بقوة، وحزم وصبر لا ينفد، وأمل في النصر لا يعرف اليأس، فالشاعر "سليم زعنون" يختم قصيدة له بقوله:

 زغرودة النصر خلف الأهل صارخة           لا للخضوع ولا للظلْم والظلَم

ويعبر الشاعر "محمود مفلح" عن الولاء الدائم، والوفاء الحي الذي لم تقتله المحن، ولم تنل منه النكبات، بل زادته أملاً وقوة، وتوهجًا، فيقول:

نعم ذُبحنا، وكان الذبحُ iiمتصلاً
لـكـننا ما خفضنا قط iiجبهتنا
ولا  نسينا بدرب القدس iiسنبلة
ولا تعبنا من التجديف في لجَج



ومـا رأيـنا على جزارنا وهنًا
ولا  نـكـسْنا سيوفًا حرة iiوقَنا
ولا  رغيفًا بماء القلب قد iiعُجنا
كـانـت تهز صوارِينا iiلتغرقنا

***

وما عرضناه يعد قليلاً من كثير جدًّا عالج الحدث الجليل , وقدم ما يصبح دواوين كاملة، وعلينا أن نتفاعل مع الأحداث تفاعلاً عمليًّا وسويًّا، ينطلق من الإيمان الصادق والشعور النبيل حتى نحقق النصر المبين بإذن الله ومشيئته.