امرأة في ظل الإسلام

عبير الطنطاوي

[email protected]

ابتسام أشرف الكيلاني كاتبة أصيلة ومتمرسة ، وداعية إلى الله على بصيرة ، نعرف هذا وأكثر منه من خلال مطالعتنا لكتابها الهادف " امرأة في ظل الإسلام " الذي أثار إعجابي واهتمامي إلى حد كبير ، مع أنه ليس بالرواية المليئة بالأحداث الصاخبة والعبارات البديعية ، ولا بالقصة القصيرة المترعة بالمواقف الغريبة ، ولا بالكتاب العلمي البحثي ، إنما هو باختصار معالجة لعدد من القضايا التي يثيرها أعداء الإسلام حول المرأة وشؤونها ، عالجتها الكاتبة على شكل رواية بينت فيها مدى اهتمام الإسلام بالمرأة ورعايته لها ، وحنوّه عليها ، وملاحظته لحقوقها ، إنها قصة لصديقتين التقتا بعد فراق طويل ، فقد كانتا صديقتين منذ المرحلة الإعدادية من المدرسة وتمّ اللقاء بعد أن غدت كلتاهما جدتين ذواتي ذرية وحفدة ..

ومما يشدك في هذه القصة رغبة الكاتبة في الدفاع عن الإسلام بعقلانية ولكنها بسيطة تشد القارئ ولا تنفره ، فقد كتبتها بأسلوب سهل لكنه مؤثر ، يؤثر في السيدات ربات البيوت ، صاحبات الثقافة المتواضعة ، ونحن لدينا شريحة كبيرة من نسائنا الفضليات تحتاج إلى من يكتب لهن بأسلوب بسيط ، ولكنه مشوّق ، فمن تعاملي مع ربات البيوت تجد الواحدة منهن لديها شغف وحب لمعرفة دينها وشريعتها ، ولكن المؤلفات الكبيرة ذوات الأساليب العلمية الجادة والبعيدة عن المعاصرة ، تنفرها من القراءة والثقافة ، فربة البيت التي لا تعرف في حياتها سوى الأولاد والزيارات ، عليك أن تخاطبها بالأسلوب الذي تعيش فيه ، وهذا ما قامت به الكاتبة ، فقد استعرضت الكثير من الشبهات حول موقف الإسلام من المرأة ، وردت على تلك الشبهات بسهولة ..

من تلك الشبهات ما يثار حول الإرث وتعدد الزوجات والطلاق وغيرها من القضايا ..

وكان هذا الاستعراض يتم عن طريق الحديث الدائر بين الصديقتين بطلتي القصة " زينب " وصديقتها التي هي الكاتبة نفسها ، فقد كانت تتحدث بضمير المتكلم وكأنها ترجمة ذاتية لها ، وأدخلتنا المؤلفة في قصص متعددة حيث تحدثت عن كل مراحل حياة " زينب " منذ طفولتها الحزينة بسبب فقدانها لوالدتها ثم المرحلة الدراسية في مدرسة للراهبات ومواقف الأساتذة المختلفة عن الإسلام ، تلك المواقف التي يقع فيها العديد من الطالبات والطلاب الذين يدرسون في مدارس تبشيرية ، وأحياناً في مدارس إسلامية ، ثم المرحلة الجامعية حيث عرفتنا على حياة صديقتها " فاطمة " المسلمة التي كانت تستحي من إسلامها ، ووقفت زينب معها حتى أعادتها إلى رحاب الدين وهدايته ، و " مريانا " النصرانية المتدينة التي اهتدت في آخر الأمر بعد أن مرت بتجربة صعبة وفاشلة مع زوجها .. اهتدت إلى الإسلام وآمنت به ، ولا ننسى أن نذكر أن " زينب " طبيبة ومن خلال مهنتها مرت على قضية ضرب الزوج زوجته في بلاد الغرب ، وقارنت بين الحاصل عندهم وبين ما قد يكون في الإرهاب الفكري ، ككثير من بلاد العالم ، حيث ذهب أخوها ضحية في سبيل دينه ، كما استشهد زوج صديقتها من أجل الهدف نفسه ، ومما زاد في أهمية الكتاب ؛ تلك الأفكار السامية حول الزواج ومفهومه في الإسلام ، فالزواج ليس عبارة عن شهوة وحب وغرام كما يتصوره المراهقون ، وكما تصوره شاشات التلفزيون ، بل هو عبارة عن ألفة ومودة ورحمة ، كما استعرضت لنا أحداثاً كثيرة مؤلمة مرت في حياتها كموت والدها ، وموت طفلتها ، وكيف عالجت حزنها باللجوء إلى المولى عز وجل ، وختمت قصتها بذكر الأسباب التي دفعتها إلى الهجرة وترك ديارها واللجوء إلى بلد عربي آخر فيه بعض الالتزام الديني الذي حرمت منه الكثير من دولنا العربية المسلمة .

ولعل من أكثر الأسباب أهمية هو علاقة مشبوهة قامت بين زوجها الطبيب المتدين مع ممرضته ، ورغبته في الزواج منها ، حتى يعطي مشاعره جواً إسلامياً صحياً ، وهذا ما جعل القصة مثيرة حيث علمتنا " زينب " كيف تقف المرأة لتدافع عن حياتها وحياة أولادها الثلاثة ، وتدافع عن حياة زوجها كذلك ، حتى لا يخسر الكثير مما بناه طوال سنين ، وفي هذه التجربة نصيحة للكثيرات ممن قد يتعرضن لمثل هذا الموقف .

باختصار نحن بحاجة إلى مثل هذه المؤلفات ، وكم أتمنى لو أن للإسلام كاتبات مسلمات مثقفات لهن علم باللغات الأجنبية حتى يكتبن لجيل المراهقات والمراهقين الذي ينبت في بلاد الغرب الغريب عن ديننا وأخلاقنا وعاداتنا ، وكذلك يكتبن للأمهات المسلمات في تلك الديار اللواتي جرفهن التيار ، وأصبحن كطحالب البحر ، تتوجه حيث يتوجه التيار ..