الإبانة في تفصيل ماءات القرآن

د. محمد حسان الطيان

د. محمد حسان الطيان

رئيس مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة بالكويت

عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق

[email protected]

[email protected] 

"الإبانة في تفصيل ماءات القرآن" كتاب فخم جليل, أخرجته للناس وزارة الأوقاف بدولة الكويت, فأسدت لعشّاق المكتبة العربية عموماً والمكتبة القرآنية خصوصاً يداً ينبغي أن تذكر فتشكر، وأن ينوَّهَ بها ويدعى لمن كان وراءها.

 وقد جمع هذا الكتاب من وجوه الخير ما يرقى به ليكون في مصافّ المراجع المهمة في علوم القرآن الكريم, بل هو أجلُّ ما انتهى إلينا في بابه كما قال محققه.

وسأقصر كلمتي هذه على ثلاث من وجوه الخير هذه, وهي: مضمون الكتاب, ومؤلفه, ومحققه.

 أما مضمون الكتاب فهو الكلام على مواضع (ما) في القرآن الكريم على سبيل الاستقصاء والتتبع من أول القرآن إلى آخره، وقد بلغ ما ذكره المؤلف في كتابه هذا من ماءات القرآن 2398 "ما " في قراءة حفص, واستدرك عليه المحقق 218 "ما" وذكر المصنف خمس ماءات وقعت في غير قراءة حفص، فتكون عدة ماءات القرآن بالقراءات المختلفة 2621 "ما" على التحقيق وفق ما جاء في مقدمة المحقق.

وتحسن الإشارة إلى أن النحاة ذكروا لأداة (ما) في العربية أكثر من 25 وجهاً مختلفاً, بل إن بعضهم أوصلها إلى ما يزيد على 50 وجهاً، على أن المؤلف أرجعها إلى عشرة أوجه فحسب، خمسة منها أسماء, وخمسة منها حروف. فأما الأسماء: فالتعجبية, والموصولية, والشرطية، والموصوفة, والاستفهامية. وأما الحروف فالكافّة، والزائدة، والمصدرية, والنافية, والمصدرية الزمانية.

وأما مؤلف الكتاب فهو جامع العلوم أبو الحسن علي بن الحسين الأصبهاني الباقولي المتوفى سنة 542هـ. وهو كما جاء في مقدمة التحقيق من جِلّة أعيان أهل اللغة والقراءات والتفسير في عصره, كان واسع الاطلاع, غزير العلم, دقيق الفهم, بصيراً بمذاهب أهل العربية، شديد الانكباب على كتاب سيبويه، متمكناً في علومه, كاشفا لآثار أبي علي الفارسي وتلميذه ابن جني، غوّاصاً على دقائق علم العربية, واحد زمانه في علم العربية كما قال عصريّه الإمام الطبرسي صاحب التفسير المشهور بمجمع البيان (ت 548).

وقد خلف من الآثار ما يشهد بعلو كعبه, وغزارة علمه, وسعة اطلاعه. فمن ذلك كتاب الاستدراك على أبي علي، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات, والإبانة في تفصيل ماءات القرآن, وجواهر القرآن ونتائج الصنغة, وأكثر هذه الكتب مما أخرجه محقق هذا الكتاب, فهو جليس المؤلف وصاحبه برغم تطاول القرون وتباعد الزمان والمكان بينهما, وهذا أوان الحديث عنه.

وأما محقق الكتاب فهو الأخ الصديق الأستاذ الدكتور محمد الدالي أستاذ العربية في جامعة الكويت الآن, وعضو مجمع اللغة العربية بدمشق وأستاذ العربية في جامعتها كان, وما أحسبني مبالغاً إذا قلت إن فن التحقيق في زماننا قد انتهى إليه وإلى أمثاله من المحققين المتقنين المجودين، كيف لا وهو وريث مدرسة في التحقيق بدأها علامة العربية محمود محمد شاكر رحمه الله, وحمل رايتها شيخ  العربية في بلاد الشام أستاذنا العلامة أحمد راتب النقاخ رحمه الله, ونهض لها من بعده أخونا الدالي, وهو من أجلّ من أفاد من علمه وفضله وأدبه، وقد حقق أكثر كتب جامع العلوم التي وصلت إلينا كما سبقت الإشارة, فضلا عما نهد له من كتب ونفائس يضيق المجال عن عدّها واسقصائها.

 والحق أن عمله في الكتاب لم يقتصر على تحقيق النص المخطوط، بل تعداه إلى الاستدراك على المؤلف, وتخريج نصوص الكتاب, وشرحه, ومناقشته, ووضع الفهارس الفنية التي تجعل كل مسألة من مسائله على طرف الثُّمام من طالبيها.

 ولا غرو فعمل الدكتور الدالي في هذا الكتاب -كما هو العهد به دائما - عمل متقن متبصّر لا يكاد يغادر صغيرة ولا كبيرة من أمر التحقيق إلا أحصاها دراسة وتتبعاً واستقصاءً وشرحاً وتعليقاً وتخريجاً وفهرسة. وحسبي هنا مثال واحد على ذلك فيه مَنْبَهَةٌ على ماوراءه, وهو تعليقه على كلام المؤلف على قوله تعالى: {مثلاً ما بعوضة} فقد استغرق ذلك مايزيد على ثلاث عشرة صفحة من حرِّ اللفظ ودقيق المعنى في كلام موصول بكلام الأوائل من علماء النحو واللغة والتفسير علماً وبياناً وتأصيلاً وتوثيقاً، وهو لعمري – أي هذا الكلام الماتع -  بحث لا يطاوله كثير من البحوث التي تقدم للترقيات اليوم! (انظر كتاب الإبانة26_ 39)

 ومن ثم كان واحداً من ألمع المحققين في زماننا، أسأل الله له تمام العافية ودوام الهمة والإعانة على إخراج كنوز أخرى من تراثنا المطوي.

 وسيبقى له في عنق كل محب للعربية وفنونها والقرآن وعلومه يد لا تنسى ودين لا نملك رده, فحسبنا أن نقول له: جزاك المولى عن العربية وأهلها خير الجزاء.

ونتوجه كذلك بالشكر الجزيل والثناء العطر لوزارة الأوقاف بدولة الكويت التي أعانت على إخراج هذا العِلْق النفيس من أعلاق العربية والدراسات القرآنية, ولسان حالنا يردد فيها وفي المحقق أبيات ابن الرومي:

أهدى إليَّ أبو الحسينِ يدا          أرجو الثوابَ بها لديهِ غدا

وكذاك عاداتُ الكريمِ إذا         أولى يداً حُسِبَتْ عليهِ يدا

إن كان يَحْسُدُ نفسَه أحدٌ         فَلأزْعُمَـنَّكَ ذلك الأحدا