تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 51

تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 51

مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها

[ تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ " رَسائِلُ الْجاحِظِ " ]

د. محمد جمال صقر

[email protected]

قالَ

قُلْتُ

آيَةٌ أُخْرى لا يَعْرِفُها إِلَّا الْخاصَّةُ - وَمتى ذَكَرْتُ الْخاصَّةَ فَالْعامَّةُ في ذلِكَ مِثْلُ الْخاصَّةِ - وَهِيَ الْأَخْلاقُ وَالْأَفْعالُ الَّتي لَمْ تَجْتَمِعْ لِبَشَرٍ قَطُّ قَبْلَه ، وَلا تَجْتَمِعُ لِبَشَرٍ بَعْدَه ؛ وَذلِكَ أَنّا لَمْ نَرَ وَلَمْ نَسْمَعْ لِأَحَدٍ قَطُّ ، كَصَبْرِه وَلا كَحِلْمِه وَلا كَوَفائِه وَلا كَزُهْدِه وَلا كَجودِه وَلا كَنَجْدَتِه وَلا كَصِدْقِ لَهْجَتِه وَكَرَمِ عِشْرَتِه وَلا كَتَواضُعِه وَلا كَعِلْمِه وَلا كَحِفْظِه وَلا كَصَمْتِه إِذا صَمَتَ وَلا كَقَوْلِه إِذا قالَ وَلا كَعَجيبِ مَنْشِئِه وَلا كَقِلَّةِ تَلَوُّنِه وَلا كَعَفْوِه وَلا كَدَوامِ طَريقَتِه وَقِلَّةِ امْتِنانِه . وَلَمْ نَجِدْ شُجاعًا قَطُّ إِلّا وَقَدْ جالَ جَوْلَةً وَفَرَّ فَرَّةً وَانْحازَ مَرَّةً ، مِنْ مَعْدودي شُجْعانِ الْإِسْلامِ وَمَشْهودي فُرْسانِ الْجاهِليَّةِ كَفُلانٍ وَفُلانٍ . وَبَعْدُ فَقَدْ نَصَرَ النَّبيَّ - صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - وَهاجَرَ مَعَه قَوْمٌ ، وَلَمْ نَرَ كَنَجْدَتِهِمْ نَجْدَةً وَلا كَصَبْرِهِمْ صَبْرًا ، وَقَدْ كانَتْ لَهُمُ الْجَوْلَةُ وَالْفَرَّةُ كَما قَدْ بَلَغَكَ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ وَعَنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الْوَقائِعِ وَالْأَيّامِ ؛ فَلا يَسْتَطيعُ مُنافِقٌ وَلا زِنْديقٌ وَلا دُهْريٌّ أَنْ يُحَدِّثَ أَنَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - جالَ جَوْلَةً قَطُّ ، وَلا فَرَّ فَرَّةً قَطُّ ، وَلا خامَ عَنْ غَزْوَةٍ ، وَلا هابَ حَرْبَ مَنْ كاثَرَه .

أقوى أدلة نبوته - صلى الله عليه ، وسلم ! - بعد القرآن ، خُلُقه الذي كان به قرآنا يمشي على الأرض ؛ من ثم ينبغي أن يُدْعى الناس إلى الإسلام بالقرآن أولا ، ثم بخلق رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - آخرا ! وليُعْرَضْ في هذا وذاك كلامُ الكافرين كما يعرض كلام المؤمنين ، مهما أنكر الكافرون ما ينقلون ؛ فإن الإنكار كما قال أبو عثمان ، غير المعارضة ، ولم يعارضه عالم !

لَرُبَّ قَوْلٍ شَريفِ الْحَسَبِ جَيِّدِ الْمُرَكَّبِ وافِرِ الْعِرْضِ بَريءِ مِنَ الْعُيوبِ سَليمٍ مِنَ الْأَفْنِ ، قَدْ ضَيَّعَه أَهْلُه ، وَهَجَّنَهُ الْمُفْتَرونَ عَلَيْهِ ؛ فَأَلْزَموهُ ما لا يَلْزَمُه ، وَأَضافوا إِلَيْهِ ما لا يَجوزُ عَلَيْهِ !

فإذا ذهبتَ تُنافِحُ عنه قيل لك هذا وهمك ؛ فلا تَحْمِلْ عليه غيرك !

لَيْسَ كَشْفُ الْمُتَّهَمِ مِنَ التُّجَسُّسِ ، وَلَا امْتِحانُ الظَّنينِ مِنْ هَتْكِ الْأَسْتارِ . وَلَوْ كانَ كُلُّ كَشْفٍ هَتْكًا وَكُلُّ امْتِحانٍ تَجَسُّسًا ، لَكانَ الْقاضي أَهْتَكَ النّاسِ لِسِتْرٍ ، وَأَشَدَّ النّاسِ كَشْفًا لِعَوْرَةٍ !

وإنما يخاف الكشف والامتحان ، كلُّ مَجْروحٍ يخشى إِنْ كَشَفَ أَنْ يُكْشَفَ !

أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْيَهودَ لَوْ أَخَذُوا الْقُرْآنَ - فَتَرْجَموهُ بِالْعِبْرانيَّةِ - لَأَخْرَجوهُ مِنْ مَعانيهِ ، وَلَحَوَّلوهُ عَنْ وُجوهِه ؛ وَما ظَنُّكَ بِهِمْ إِذا تَرْجَموا : " فَلَمّا آسَفونَا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ " ، وَ" لِتَصْنَعَ عَلى عَيْني " ، وَ" السَّماواتُ مَطْويّاتٌ بِيَمينِه " ، وَ" عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى " ، وَ" ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ " ، وَقَوْلَه : " فَلَمّا تَجَلّى رَبُّه لِلْجَبَلِ جَعَلَه دَكًّا " ، وَ" كَلَّمَ اللّهُ موسى تَكْليمًا " ، وَ" جاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا " !

ولقد تمنى علينا من خلال أحد برامج الاتجاه المعاكس بفضائية الجزيرة منذ سنوات ، كاتب لبناني نصراني - بعض اسمه رفيق أو وفيق أو وديع - يحب الخير للناس جميعا ، أن نترجم القرآن للهجاتنا العربية ، حتى نفهمه ونعيشه ! يريد لنا من الخير ما لم يخطر ببال إبليس ، أن يَضيعَ القرآن ، ونضيع !

كَأَنَّ إِبْراهيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - حينَ صارَ فِي اللّهِ مُخْتَلًّا ، أَضافَهُ اللّهُ إِلى نَفْسِه ، وَأَبانَه بِذلِكَ مِنْ سائِرِ أَوْلِيائِه ؛ فَسَمّاهُ خَليلَ اللّهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِياءِ ، كَما سَمَّى الْكَعْبَةَ بَيْتَ اللّهِ مِنْ بَيْنِ جَميعِ الْبُيوتِ ، وَأَهْلَ مَكَّةَ أَهْلَ اللّهِ مِنْ بَيْنِ جَميعِ الْبُلْدانِ - وَسَمّى ناقَةَ صالِحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ ! - ناقَةَ اللّهِ مِنْ بَيْنِ جَميعِ النّوقِ . وَهكَذا كُلُّ شَيْءٍ عَظَّمَهُ اللّهُ - تَعالى ! - مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَثَوابٍ وَعِقابٍ - كَما قالوا : دَعْهُ في لَعْنَةِ اللّهِ ، وَفي نارِ اللّهِ ، وَفي حَرْقِه - وَكَما قالَ لِلْقُرْآنِ : كِتابُ اللّهِ ، وَلِلْمُحَرَّمِ : شَهْرُ اللّهِ . وَعَلى هذَا الْمِثالِ قيلَ لِحَمْزَةَ - رَحْمَةُ اللّهِ وَرِضْوانُه عَلَيْهِ ! - أَسَدُ اللّهِ ، وَلِخالِدٍ - رَحْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِ ! - سَيْفُ اللّهِ ، تَعالى !

وعلى هذا جريت من قصيدتي " سيرة العلامات والنجوم " ، في قولي :

" وَمُنوفُ اللّهِ لَحْمي وَدَمي

طافَتْ مَعي

وَافْتَرَشَتْ في مَضْجَعي قَلْبي " !

قَدْ يَجوزُ أَنْ يَكونَ في نَبيٍّ مِنَ الْأَنْبِياءِ خَصْلَةٌ شَريفَةٌ ، وَلا تَكونَ تِلْكَ الْخَصْلَةُ بِعَيْنِها في نَبيٍّ أَرْفَعَ دَرَجَةً مِنْهُ ، وَيَكونَ في ذلِكَ النَّبيِّ خِصالٌ شَريفَةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ . وَكَذلِكَ جَميعُ النّاسِ ، كَالرَّجُلِ يَكونُ لَه أَبَوانِ ، فَيُحْسِنُ بِرَّهُما وَتَعاهُدَهُما وَالصَّبْرَ عَلَيْهِما ، وَهُوَ أَعْرَجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الْجِهادِ ، وَفَقيرٌ لا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْفاقِ - وَيَكونُ آخَرُ لا أَبَ لَه وَلا أُمَّ لَه ، وَهُوَ ذو مالٍ كَثيرٍ وَخَلْقٍ سَويٍّ وَجَلَدٍ طاهِرٍ - كذا ، والصواب " ظَاهِرٍ " - فَأَطاعَ هذا بِالْجِهادِ وَالْإِنْفاقِ ، وَأَطاعَ ذلِكَ بِبِرِّ والِدَيْهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِما .

فيحمد اللهَ الصالحون ويشكرونه ، فأما الفاسدون فيتحاسدون ، حتى ليغفل كل منهم عن نعمة الله التي عنده ، لأنه لا يريد لغيره أن يختص بنعمة ليبست عنده ، فكأنما يطلب الألوهية ، تعالى الله علوا كبيرا !

كانَ اللّهُ - تَعالى ! - يُكَلِّمُ آدَمَ كَما كانَ يُكَلِّمُ الْمَلائِكَةَ ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْأَسْماءَ كُلَّها ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُعَلِّمَهُ الْأَسْماءَ كُلَّها إِلّا بِالْمَعاني كُلِّها ، فَإِذا كانَ ذلِكَ كَذلِكَ فَقَدْ عَلَّمَه جَميعَ مَصالِحِه وَمَصالِحِ وَلَدِه ، وَتِلْكَ نِهايَةُ طِباعِ الْآدَميّينَ ، وَمَبْلَغُ قُوَى الْمَخْلوقينَ .

ولا سيما أنه سيُكَوِّنُ من الأسماء تراكيبه ، بل سيشتقّ أو يولِّد منها أفعاله ، ثم يستغني بهذا وذاك في التعبير . فأما الأدوات فمن الأسماء ثم الأفعال تُؤْخَذ بالتطوير الذي يصيب مبانيها ومعانيها جميعا .

لَعَمْري إِنّا لَنَجِدُ فِي الصِّبْيانِ مَنْ لَوْ لَقَّنْتَه أَوْ كَتَبْتَ لَه أَغْمَضَ الْمَعاني وَأَلْطَفَها وَأَغْمَضَ الْحُجَجِ وَأَبْعَدَها وَأَكْثَرَها لَفْظًا وَأَطْوَلَها ، ثُمَّ أَخَذْتَه بِدَرْسِه وَحِفْظِه - لَحَفِظَه حِفْظًا عَجيبًا ، وَلَهَذَّه ( سرده ) هَذًّا ذَليقًا ( فصحيا ) ! فَأَمّا مَعْرِفَةُ صَحيحِه مِنْ سَقيمِه ، وَحَقِّه مِنْ باطِلِه ، وَفَصْلُ ما بَيْنَ الْمُقَرِّ بِه وَالدَّليلِ ، وَالِاحْتِراسُ مِنْ حَيْثُ يُؤْتَى الْمَخْدوعونَ ، وَالتَّحَفُّظُ مِنْ مَكْرِ الْخادِعينَ وَتَأَتِّي الْمُجَرِّبِ وَرِفْقِ السّاحِرِ وَخِلابَةِ الْمُتَنَبِّئِ وَزَجْرِ الْكُهّانِ وَأَخْبارِ الْمُنَجِّمينَ ، وَفَرْقُ ما بَيْنَ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَأْليفِه - فَلَيْسَ يَعْرِفُ فُروقَ النَّظْمِ وَاخْتِلافَ الْبَحْثِ - هكذا - وَالنَّثْرِ ، إِلّا مَنْ عَرَفَ الْقَصيدَ مِنَ الرَّجَزِ ، وَالْمُخَمَّسَ مِنَ الْأَسْجاعِ ، وَالْمُزْدَوِجَ مِنَ الْمَنْثورِ ، وَالْخُطَبَ مِنَ الرَّسائِلِ - وَحَتّى يَعْرِفَ الْعَجْزَ الْعارِضَ الَّذي يَجوزُ ارْتِفاعُه ، مِنَ الْعَجْزِ الَّذي هُوَ صِفَةٌ فِي الذّاتِ ؛ فَإِذا عَرَفَ صُنوفَ التَّأْليفِ عَرَفَ مُبايَنَةَ نَظْمِ الْقُرْآنِ لِسائِرِ الْكَلامِ ، ثُمَّ لا يَكْتَفي بِذلِكَ حَتّى يَعْرِفَ عَجْزَه وَعَجْزَ أَمْثالِه عَنْ مِثْلِه ، وَأَنَّ حُكْمَ الْبَشَرِ حُكْمٌ واحِدٌ فِي الْعَجْزِ الطَّبيعيِّ ، وَإِنْ تَفاوَتوا فِي الْعَجْزِ الْعارِضِ .

وأكثر المجتهدين في طلب علم القرآن من المتأخرين ، إما هم بمنزلة صبيان المتقدمين ، لا يُعتمد عليهم في تمييز نظمه ، ولا في معرفة العجز عنه ، فكيف يعتمد عليهم في المحاورة به والدعوة إليه والمنافحة عنه !

لَيْسَ عَلَى الْمُخْبِرِ بِقِصَّةِ خَصْمِه وَالْواصِفِ لِمَذْهَبِ غَيْرِه ، أَنْ يَجْعَلَ باطِلَهُمْ حَقًّا وَفاسِدَهُمْ صَحيحًا ، وَلكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقولَ بِقَدْرِ ما تَحْتَمِلُهُ النِّحْلَةُ وَتَتَّسِعُ لَهُ الْمَقالَةُ ، وَعَلَيْهِ أَلّا يَحْكِيَ عَنْ خَصْمِه وَيُخْبِرَ عَنْ مُخالِفِه ، إِلّا وَأَدْنى مَنازِلِه أَلّا يَعْجِزَ عَمّا بَلَغوهُ ، وَلا يَغْبى عَمّا أَدْرَكوهُ .

خلاصة المناظرة المكتوبة ، ليجعلها كل طرف في حيث يَهتدي بمنارها .

كُلُّ كَلامٍ أَتَيْتَ عَلى فَرْعِه وَلَمْ تُخْبَرْ عَنْ أَصْلِه ، فَهُوَ خِداجٌ لا غَناءَ عِنْدَه ، وَواهِنٌ لا ثَباتَ لَه .

لكن المسألة هنا في مُدْرِكِ الأصول : هل أَدْرَكَها قبل فروعها أم بعدها ؟ ليُسْأَلَ عن مُتَعَلِّمِها : هل يُعَلَّمُها قبل فروعها أم بعدها ؟ ولقد يبدو لي أحيانا أن العالم لا يعرف أصول الشيء حتى يعرف فروعه !

واجِبٌ عَلى كُلِّ حَكيمٍ أَنْ يُحْسِنَ الِارْتِيادَ لِمَوْضِعِ الْبُغْيَةِ ، وَأَنْ يَتَبَيَّنَ أَسْبابَ الْأُمورِ ، وَيُمَهِّدَ لِعَواقِبِها ؛ فَإِنَّما حُمِدَتِ الْعُلَماءُ بِحُسْنِ التَّثَبُّتِ في أَوائِلِ الْأُمورِ ، وَاسْتِشْفافِهِمْ بِعُقولِهِمْ ما تَجيءُ بِهِ الْعَواقِبُ ؛ فَيَعْلَمونَ عِنْدَ اسْتِقْبالِها ما تَؤولُ بِهِ الْحالاتُ فِي اسْتِدْبارِها . وَبِقَدْر تَفاوُتِهِمْ في ذلِكَ تَسْتَبينُ فَضائِلُهُمْ . فَأَمّا مَعْرِفَةُ الْأُمور عِنْدَ تَكَشُّفِها وَما يَظْهَرُ مِنْ خَفيّاتِها ، فَذلِكَ أَمْرٌ يَعْتَدِلُ فيهِ الْفاضِلُ وَالْمَفْضولُ وَالْعالِمُ وَالْجاهِلُ .

في ذلك معنى من عاقبة المثل العربي القديم : " شَرُّ الرَّأْيِ الدَّبَريُّ " ، أي الذي يظهر بعد فوات أوان الحاجة إليه ! ومنه قولهم : إن الآراء إذا أقبلت عرفها العالم ، وإذا أدبرت عرفها العالم والجاهل ! وربما كان من إدراك ذلك إصرارُ بعض طلاب العلم والفن ، على أن يمضوا في سبلهم غير آبهين لمن يسفه من أعمالهم ! قال لي أستاذي الجليل : هلا سألت نفسك ، لماذا تكتب ما تكتب ! يريد أن ما أكتبه أغرب من أن يُتَرَقّى به إلى الدرجات العلمية العليا - إن كنتُ أريدها - وهو من المسؤولين عنها ! ثم قال لي أستاذي الجليل غير مخف كَمَدَه : فَرِّقْ بين هذا وذاك ! - أي بين العلم والفن ! - لقد طلبتُ من المسؤول ألا يحيل إليّ أي بحث لك ! فلما ذكرتُ للمسؤول نفسه كلمة أستاذي الجليل هذه أنكرها ! ولقد علمت أستاذي الجليل يظن في ذلك السياسة ، وإنما نصبر عليه منه مضطرين ! ولَكَمْ تخيلتُ أن قد تقدمتُ إلى ربي - سبحانه ، وتعالى ! - قبل أستاذي الجليل ؛ فضجَّ عليَّ أَسَفًا أَنْ ضَيَّعَني ، وأَيَّ فَتًى ضَيَّعَ ! قال قَريعُه : أنا قلت لهم إن فلانا - يعنيني - قيمة ، ينبغي أن نحافظ عليها ، وإن الجنون فنون ، وحبذا جنونه !