قراءة في رواية عري الذاكرة لأسعد الأسعد

قراءة في رواية عري الذاكرة لأسعد الأسعد

جميل السلحوت

[email protected]

صدرت هذه الرواية عام 2003 عن منشورات بيت المقدس للنشر والتوزيع في رام الله وتقع في 181 صفحة من الحجم المتوسط ،وصمم غلافها الخارجي الفنان خالد حوراني.

وهذه الرواية ليست الأولى للأديب أسعد الأسعد، فقد سبق وأن صدرت له رواية "ليل البنفسج" عام 1989 .

وأسعد الأسعد شاعر قبل أن يكون روائيا، فقد صدرت له عدة دواوين شعرية منها:- الميلاد في الغربة، كلمات عن البقاء والرحيل وأنت.. أنا.. القدس والمطر. كما أنه باحث صدرت له دراستان بحثيتان في كتابين هما:- "الأرض والممارسة الصهيونية" و"المناهج الدراسية في الأرض المحتلة". إضافة إلى عشرات الأبحاث والقصص التي نشرت في مجلة الكاتب التي أسسها عام 1979 ورأس تحريرها إلى أن توقفت عن الصدور عام 1994 بعد أن صدر منها 165 عددا .

وكانت تعتبر مجلة الثقافة الإنسانية، الوحيدة في الأراضي الفلسطينية. إضافة إلى آلاف المقالات التي نشرت في مختلف الدوريات الصادرة في الأراضي المحتلة خصوصا في صحيفة "البلاد" التي أسسها وأصدرها في الأراضي المحتلة عام 1995 وتوقفت عن الصدور عام 1998 .

ولأسعد الأسعد قصائد مغناة منها " نزلنا ع الشوارع" التي رددها شبان الأراضي الفلسطينية في طول البلاد وعرضها خصوصا في الأنتفاضة الأولى.

وهكذا فإننا أمام أديب متعدد المواهب، لكنه وقبل كل شيء إنسان يحترم إنسانيته كما يحترم إنسانية الآخرين، إنه إنسان حقا، فهو دائم البحث عن المعرفة لا يدعي لنفسه شيئا، ولا أزال وسأبقى أتذكر ما قاله في حلقة نقاش حول روايته الأولى "ليل البنفسج" بعد أن استمع لجميع كلمات المتحاورين ونقاشاتهم،:-

"هذا هو النص الذي كتبته، لم أخطط أن أكتب رواية، ولا أدعي ذلك، لكن هذا ما استطعت كتابته، ولكم أن تقيموه كيفما شئتم، ولكم أن تبينوا ما فيه من إيجابيات وسلبيات، وأنا شاكر لكم في كل الأحوال".

وللتذكير فقط فإن أسعد الأسعد بدأ حياته معلم مدرسة، ثم عمل محررا في صحيفة الفجر المقدسية، وفي صحيفة الطليعة الأسبوعية، إلى أن تفرغ لمجلة الكاتب، وبعدها صحيفة البلاد، وفي السبعينات شارك في تأسيس دائرة الكتاب في الملتقى الفكري العربي في القدس، هذه الدائرة التي تحولت لاحقا إلى "اتحاد الكتاب الفلسطينيين"، وشغل عضوا ورئيسا للهيئة الإدارية لهذا الاتحاد لعدة دورات، كما أنه شارك في تأسيس اتحاد الصحفيين الفلسطينيين وهو الآن مدير عام في وزارة الثقافة الفلسطينية.

أما بالنسبة لعمله الروائي هذا "عري الذاكرة" فإنني وقبل الدخول في هذا العمل أود التنويه إلى أن الكاتب أخطأ عندما لم يكتب عليه "الجزء الثاني" حيث أن الجزء الأول "ليل البنفسج" الصادر في العام 1989 قد مضت عليه سنوات، ويصعب على القارىء أن يستوعب بناء الشخصيات في "عري الذاكرة" إذا لم يفهم بداياتها في "ليل البنفسج". كما آمل أن لا يقع القارىء في خطأ آخر وهو عدم توقع صدور الجزء الثالث كما توحي بذلك نهاية "عري الذاكرة".

مضمون الرواية:_

تمثل الرواية تسجيلا لنظرة شخصية لبدايات الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب حزيران 1967، وذلك من خلال عدد من الأشخاص كل واحد منهم له تجربة خاصة، ما لبثت لتشكل تجربة جماعية فرضها الواقع المعاش والمظالم التي مارسها المحتلون والتي أفرزت بدورها فعل مقاومته.

أبطال الرواية:_

زيد: طالب جامعي كان طالبا في السنة الجامعية الأولى في جامعة بيروت العربية، نشبت حرب حزيران 1967 وهو يدرس في الخارج، وعاد إلى الضفة الغربية متسللا بعد وقوعها تحت الاحتلال، والتقى في إحدى البيارات بمزارع "سالم" يعمل أجيرا في البيارة، حيث ساعده في التخلص من دوريات الاحتلال، إلى أن عاد إلى رام الله وعمل في بقالة والده، وهناك التقى بزميلته "رباب" التي كانت تحبه قبل الأحتلال إلا أنه كان متعلقا بأخرى أسمها زينب والتي نزحت مع ذويها إلى الضفة الشرقية، وهنا أحب رباب التي كانت تدير "نوفوتيه" في بيت لحم، إلا أن مخابرات الأحتلال لم تتركها وشأنها خصوصا بعد أن القي القبض عليهما في أحد فنادق حيفا بتهمة المبيت هناك بدون تصريح، وهنا حاول أحد رجال المخابرات استغلال القضية لأسقاطها أمنيا، ولم ينقذهما من هذا الموقف سوى سالم الذي التقاه زيد في البيارة قرب أريحا، والذي وثقا به كثيرا، وتبين لهما لاحقا أنه يعمل في مقاومة الأحتلال، ونقل أسلحة في سيارة زيد، ثم ما لبث أن وقع زيد في أيدي المخابرات بعد أن اعترف عليه تحت التعذيب أحد المقاومين "سمير" ولم يعترف زيد بالتهمة إلى أن أوقع به أحد عملاء الأحتلال "العصافير" وأوقع بسالم أيضا بعد أن بعث زيد معه رسالة شفوية إليه، ليحكم على زيد ثلاث سنوات وعلى سالم خمس سنوات، وعلى سمير اربع سنوات، وبعد الأفراج عن زيد عمل مع والده في البقالة، وساعد المقاومة، وتعرض للاعتقال في أكثر من مناسبة خصوصا في حرب تشرين 1973 إلى أن أبعد بعد ذلك بعد أن تزوج رباب التي تعثر زواجه منها أكثر من مرة، بسبب الأعتقال، ثم بسبب وفاة والدها، وبعدها بسبب وفاة والده.

ومن خلال بناء شخصية زيد في الرواية نلاحظ أنه اشترك في المقاومة بتحريض من الاحتلال نفسه هذا الاحتلال الذي لم يتركه وشأنه، ولم يدعه يعيش حياته الخاصة.

والذي يعرف أسعد الأسعد عن قرب، هذا الكاتب الذي ولد في بيت محسير عند المدخل الشرقي لواد علي غربي القدس، والتي هدمت وتحولت إلى "بيت مائير" بعد قيام دولة اسرائيل وبعد هدمها وقتل بعض سكانها وتشريد من تبقى منهم، وهو أي الكاتب ذاق مرارة اللجوء في مخيم عقبة جبر قرب أريحا، ونما وترعرع فيه، لينتقل بعدها إلى منطقة قلنديا، وليستقربه المطاف في منطقة سميرأميس، وهو الذي خبر مرارة تجربة الاعتقال، وقسوة التعذيب في سجون الأحتلال، أقول أن الذي يعرفه سيجد أن الرواية تمثل جزءا من السيرة الذاتية للكاتب نفسه، فهو يعري ذاكرته، ويكتب شيئا مما اختزنته هذه الذاكرة، مع خليط من ذكريات رفاقه وأصحابه مطعمة ببعض الخيال ليبتعد عن واقع عاشه، لكنه مرسوم على جلده، ومحفور في ذاكرته.

وأقرب شخصيات الرواية إلى الكاتب هي شخصية زيد التي من خلالها طرح الكاتب مفاهيمه، وليس أدل على ذلك ما ورد في الصفحتين 30 + 31 عندما طرح يسري في السجن ضرورة مناقشة تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي وثورة اكتوبر الاشتراكية، رد عليه زيد "أنا لا أعترض على هذا الجانب، ولكنني أرى أن نستوعب تاريخنا قبل أن نستوعب تاريخ الأخرين". ص30 وبعدها تساءل: "وهل يناقشون في موسكو تاريخنا قبل أن يفهموا تاريخهم؟؟ لماذا لا تطلب مني أن أفهم تاريخي؟؟" ص31 .

وهذه القضايا والأفكار كان أسعد الأسعد المثقف اليساري يطرحها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بسنوات ومجموعة الدول الأشتراكية لسنوات عديدة، فكان يقول دائما: على الواحد منا أن يعرف أشعار المتنبي وأبو تمام والبحتري وغيرهم قبل أن يعرف أشعار بوشكين، وأن يعرف سيرة صلاح الدين الأيوبي، وسيرة خالد بن الوليد، وغيرهم من أبطال أمتنا قبل أن يعرف سيرة ماركس ولينين، وأن يعرف تاريخ أمتنا قبل أن يعرف تاريخ الثورة البلشفية في روسيا، وكان في تلك الفترة يتعرض لانتقادات شديدة من ذوي الثقافة المنغلقة ومدعي احتكار المعرفة.

ولم تكن الجرأة تنقص كاتبنا، فقد عبر ولا يزال عن أفكاره بحرية متناهية في الصحافة، تماما مثلما كان يعبر عنها في الحوارات والنقاشات مع زملائه ورفاقه.

وكذلك الأمر بالنسبة لظاهرة تحقيق المعتقلين مع من يتهمونهم بالعمالة للاحتلال في المعتقل، وما يصاحب هذا التحقيق من تعذيب وقسوة وحساسية، مما يرغم بعضهم على الاعتراف بالعمالة وهو بريء، وبالتالي تنفيذ حكم الأعدام بمن يعترفون، لذا جاء على لسان أحد المعتقلين في الرواية ردا على من يؤيد عمليات الأعدام "ومن اعطاك الحق في أن تنصب نفسك مدعيا، ومحققا، وقاضيا، وجلادا في آن واحد؟؟" ص36 .

سالم:

مزارع بسيط يعمل أجيرا في بيارة، نذر نفسه للمقاومة المسلحة بعد الاحتلال، يعي الأمور ويدركها، ويعرف خبايا النفس البشرية ويستطيع التعامل معها، لذا فهو كان المنقذ لزيد من الوقوع في حبال العمالة، والذي وجد مبررا لسمير باعترافه في التحقيق على زيد لأن قدرة الأحتمال للتعذيب عند البشر محدودة، وهو الذي غفر لزيد سذاجته واعترافه ببساطة أمام أحد العملاء بنقله للأسلحة، وحمله رسالة تحذيرية لسالم مما أوقع الأخير في الاعتقال.

رباب:

فتاة عادية، أحبت زيدا، وأخلصت له في حبها، انتظرته حتى تحرر من السجن، واستوعبت تردده في الزواج منها، وبقيت على وفائها حتى آخر لحظة، أبدت رغبتها في مشاركته مر الحياة وحلوها، حتى أنها وافقت أن تشاركه في نقل الأسلحة، وحمل تبعات ما يترتب على ذلك من أمور قد يكون أقلها السجن.

يسري:

شاب يساري يؤمن بالفكر الماركسي، كان دائم ا لتنظير في المعتقل لأفكاره، وعندما تحرر من السجن عمل في مركز للدراسات والأبحاث في نابلس، وترك التنظيم، وأخذ يجمع الأموال لحسابه الخاص، جاء على لسان سالم لزيد في المعتقل: "يسري يا عزيزي قبض مخصصات العشرات من المعتقلين أمثالك وأمثالي واستولى عليها" ص166 .

أبو زيد وأم زيد:

والدان تقليديان كل همهما هو الكد والتعب لتأمين الحياة الكريمة لأبنائهما. وكان لهما ذلك، إنهما يمثلان البساطة والبراءة.

الشكل الفني:

اعتمد الكاتب اسلوب السرد القصصي في روايته، ونقل بطريقة فنية واقعا عاشه شباب فلسطينيون تحت الاحتلال ولا يزالون، والرواية تصلح لأن تكون ابداعا تسجيليا لواقع عاشه كثيرون في الأراضي المحتلة، خصوصا فترة الأعتقال وما يصاحبها من تعذيب وحشي، وانفعالات نفسية، ووقع البعض في شباك "العصافير" عملاء الاحتلال، وما يصاحب ذلك من حياة داخل السجون، تسلب الأسرى انسانيتهم قبل أن تسلب حريتهم.

خلل في الوصف:

وقع الكاتب بأخطاء في الوصف كان يمكنه تلافيها لو أمعن النظر فيها، مثل ما ورد صفحة 143 "تزهر الأزهار البرية من كل الأنواع، فيما يغطي الحنون الأرض بكل الألوان... فتبدو كل "حبلة" كأنها قطعة سجاد عجمية، فاجأته شجرة التين من بعيد، اقترب منها وراح يلتقط ما نضج من حباتها"، وفي الصفحة السابقة لها مر ببائع بطيخ، والبطيخ والتين ينضجان في فصل الصيف، حيث لا تكون الأعشاب والأزهار.

كما أن هناك عشرات الأخطاء المطبعية والنحوية والأملائية.

يبقى أن نقول أن الرواية جميلة ومشوقة وتستحق القراءة..