اللصوصية الأدبية.. وفاء دلّة نموذجاً
اللصوصية الأدبية.. وفاء دلّة نموذجاً
د
. حمزة رستناويأولاً : تمهيد عام
بداية سيكون موضوع المقال ظاهرة السرقات الأدبية , و ليس موضوعات من قبيل التأثر الأدبي و التناص السميائي مثلاً الذي استحدثته كريستيفا و هو يشير إلى: مختلف الصلات في الشكل و المحتوى التي تربط النص بنصوص أخرى حيث تستمد النصوص وجودها من نصوص أخرى " أسس السيميائية لدانيال تشارندلر "و قد قسّم النقاد العرب القدامى السرقات الأدبية إلى سرقة الألفاظ و سرقة المعنى و إلى سرقة الألفاظ و المعنى ,و الأخير هو أقبحها.
السرقة من حيث هي إدعاء ملكية هي في حقيقتها للآخرين , فعل يتنافى مع معيار النزاهة و الذوق السليم ..و يطعن في مصداقية الكاتب. و لصوص الأدب كغيرهم هم لصوص , فمنهم من يسرق بخفّة و مكر , و منهم من يسرق بشكل فج و فضائحي , و مثال هذا حادثة جرتْ مؤخراً , و الطريف فيها أنها جاءت في سياق النشاطات الثقافية الرديفة على الثورة السورية , فضمن فعاليات جائزة ايبلا للإبداع في دورتها الأولى 2014 م في باب الشعر , فاز أنس عبد ولي , بالجائزة الأولى في مجال الشعر بقصيدته المعنونة " قصيدة الغياب " , ليتبين بعدها أن هذه القصيدة هي دمج لقصيدين منشورتين سابقا للشاعر تمام تلاوي (قصيدة أتذرع بالنوم لكي تذهبي + قصيدة الصبي الذي ظن القذيفة كرة " و قد تداركت اللجنة المنظمة الأمر و قامت لاحقا بحجب المرتبة الأولى عنه.
الكاتب أو المبدع العربي الذي يتعرض للسرقة عادة لا يخسر ماديّا حيث أن الانتاج الادبي و الفكري عربيا هو أساساً بلا عائد تقريباً , و السارق كذلك لا يتعرض لأي رادع أو ملاحقة عدا الضرر المعنوي , و كثيرا ما يتساهل الوسط الادبي في هذه الظاهرة , و يتم تجاوزها و تناسيها في حال وجود مصالح وازنة و فيتامين واو حتى ان ظاهرة السرقات الفكرية انتشرت في الاوساط الاكاديمية و الجامعات , و بين الحين و الحين نسمع عن رسائل ماجستير أو دكتوراه مسروقة ..و قد كتب فهمي الهويدي مقالا طريفا في ذلك بعنوان " دكتوراة للبيع" .
و قبل أن أتناول نموذج السرقة الأدبية المخصوصة في المقال , و كخلاصة , من الضروري بمكان التأكيد على مبدأ الملكية الفكرية تربويا و اعلاميا و قانونيا. و لكن في ظل واقع عربي مزري هناك من يسرق مساعدات مخصصة للاجئين السوريين من السوريين انفسهم , و هناك من يبيع دبابات غنمها الثوار في معارك مع الجيش الاسدي , قد يبدو الحديث عن السرقات الادبية نافلة و من توافه الأحداث , وشيء لا يستحق الكتابة و التداول..و هذا في الحقيقة السبب في تأخري بنشر تفاصيل السرقة الادبية لوفاء دلّة , و لكن من جهة أخرى , بالنهاية المبدأ واحد..و السكوتْ و الاهمال سيدفع السارقْ سواء كان المادّياتْ أو المعنوياتْ للاستمرار بارتكاب الفعل الشائن.
ثانياً : تمهيد خاص
عَرَّفَنِي عليها الصديق الشاعر أديب حسن محمد صيف 2002 م في مقهى الروضة في دمشق , عندها أهديتها مجموعتي الشعرية الأولى الصادرة حديثا " طريق بلا أقدام "..و مرّت الأيام لم أتواصل معها الا فيما ندر , بعد ذلك قرأتُ في ملحق جريدة الثورة مقال للكاتب ماهر عزّام منشور بتاريخ 11-9-2006 م بعنوان " قراصنة الفكر و حقوق المؤلف من شبكة الصيادين إلى كيس السرقة ". في المقال المذكور يعرض ماهر عزّام لقصص في مجموعتها القصصية " زينة الدنيا " مسروقة من تولستوي , و من الشاعر و القاص الراحل آصف عبد الله , و هو زميلها في مجلة أسامة , مع تغيير أسماء شخصيات القصص الى أسماء أطفالها.
و لكي لا نستغيب المذكورة , قامت وفاء دلّا بالرد على هذا الاتهام - الذي يستطيع أي قارئ مُهتم تأكيده حيث أن مجموعتها " زينة الدنيا " متوافرة و من اصدارات وزارة الثقافة السورية 2005 م – بمقال في نفس الجريدة بعنوان " ما معنى التشهير بالشعراء و الأدباء " و يا ليتها لم ترد !
- أنا أتصفّح الفيسبوك مصادفة قرأتُ قصيدة قصيرة لوفاء دلّا – حيث أنها من أصدقائي على الفيسبوك – تحتوي عبارات منقولة حرفيّا أو شبه حرفيّا من قصائد مجموعتي الشعرية " طريق بلا أقدام " , مما حفّزني على المزيد من القراءة لها , و شيئا فشيئا وجدتُ الكثير من العبارات المسروقة حرفيا أو قريب من هذا , علماً أن تاريخ نشر وفاء دلّا لهذه القصائد خلال 2013 م.
ثالثاً : القرائن
و سأعرض لنماذج من العبارات الواردة عند وفاء دلّا - أولاً , يليها العبارات المسروقة من مجموعتي الشعرية تاركا للقارئ أن يستنتج بنفسه.
وفاء دلا
لا شيء يبدو في محيّاها
يضيء الحزن أركان الأمل
و الوعد يرفع شارة العصيان
و تنفتح الدموع في الدروب
تستجير من الحريق.
(قصيدة أمومة نازفة - تاريخ النشر 4-11 - 2013 م)
للمقارنة : حمزة رستناوي
لا شيء يبدو في محيّا
قميص من غبار الوقت تلبس
تستجير من الحريق
(مجموعة طريق بلا أقدام – ص 64 - تاريخ 2001 م )
*
وفاء دلا
أجترُّ عمري صباح مساء
فأنثني وجعا متسوّلا
يغتال أزر النور
( قصيدة أمومة نازفة – تاريخ النشر 4-11 - 2013 م)
للمقارنة : حمزة رستناوي
أجترُّ ذاكرتي صباح مساء
تعول في مضاربي الرياح الذاريات فأنثني وجعاً
(مجموعة طريق بلا أقدام – ص 70 - تاريخ 2001 م )
*
وفاء دلا
أين داهمني كهول البوم
و أقاموا فنون القتل لعمري
( قصيدة رعاف أمنيتي – تاريخ النشر 26-10-2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
في غابة النسيان داهمني كهول البوم
و اعتصروا هلام العشق في قلبي
(طريق بلا أقدام - ص 46 - تاريخ 2001 م )
*
وفاء دلا
-أنا وردة الدمع
في نزاعات الموت
تأكلها الحياة.
( قصيدة رعاف أمنيتي - تاريخ النشر 26-10-2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
بقايا من نزاع الموت تأكلها الحياة فتزدهر
(طريق بلا أقدام - ص 52 - تاريخ 2001 م )
*
وفاء دلا
و ارتعاش الغمام على جفاف الأرض
تغمرها الفراشات الحزينة.
( قصيدة رعاف أمنيتي - تاريخ النشر 26-10-2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
-يخطفها جفاف الموت
-تغمرها الفراشات الحزينة
(طريق بلا أقدام - ص 53 - تاريخ 2001 م )
*
وفاء دلا
يتساقط في هاوية النور الأولى
(قصيدة دموع من نور – تاريخ النشر 29- أكتوبر -2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
إنّي أتساقط في هاوية النور الأولى
(على الغلاف الأخير لمجموعة طريق زبلا أقدام)
*
وفاء دلا
الصمتُ المهشّم في قلوب الثكالى
على..أمنية الطفل المتيّم
على .. ارتشاحات التساؤل في دمي
( قصيدة العيد في سوريا كئيب –تاريخ النشر 14-10-2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
الصمتُ المهشّم في قرارة داخل
وارى التصدّع
و ارتشاحات التساؤل في دمي المشدود من قبرك.
( مجموعة طريق بلا أقدام – ص 11 )
*
وفاء دلا
الغدر الذي يسكن في عماء
( قصيدة العيد في سوريا كئيب – تاريخ النشر 14-10-2013 م )
للمقارنة : حمزة رستناوي
الغدر يسكن في عماء القبر
يحضنه الدمار
( مجموعة طريق بلا أقدام – ص 61 )
*
رابعاً : راهن المشهد الثقافي العربي , بلا تعليق !
جاء في السيرة الذاتية لوفاء دلاّ : أديبة سورية شمولية , قاصة و شاعرة و صحفية و ناقدة.
صدر لها الكتب التالية : امرأة إلا قليلا ( مجموعة شعرية كانت موضوع أطروحة دكتوراه في جامعة صنعاء بإشراف د. عدنان الجبوي 2007 م )- رذاذ الجمر ( مجموعة شعرية كتب عنها و قدّم لها الناقد التونسي الطاهر الهمامي )- طفلة الاحتراق ( مجموعة شعرية –كتب عنها و قدّم لها د.أحمد الود)- غصون الريح- لها تراتيل العنفوان - أحلى ما في الوجود- زينة الدنيا - ملائكة و أملاك - الشمس و قطرة عسل - قلوب متشرّدة و عيون حزينة"
-حازت على الكثير من الجوائز الأدبية : جائزة مهرجان بنت جبيل (لبنا) 2000 م-جائزة مهرجان الخالدية ( الأردن ) على التوالي 2001 م 2006 م - جائزة جامعة منوبة ( تونس) 2007 م 2008 م على التوالي - جائزة جامعة قابيس - جائزة جامعة تطاوين - المرتبة الأولى في جائزة الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد ( العراق) 2010 م.