رواية (في بلاد الرجال)

والدعوة إلى الديمقراطية

جميل السلحوت

[email protected]

رواية (في بلاد الرجال) للأديب الليبي هشام مطر، صدرت باللغة الانجليزية عام 2006 عن دار فايكينغ في لندن، وصدرت عام 2007 بترجمة سكينة ابراهيم عن دار المنى في ستوكهولم في السويد.

وهذه الرواية التي ترجمت الى أكثر من عشرين لغة أوروبية اضافة الى اللغة العربية هي باكورة الانتاج الروائي للأديب الليبي هشام مطر، وقد حازت على عدة جوائز من عدة دول، وكانت واحدة من الروايات الست من القائمة النهائية التي رشحت للفوز بجائزة البوكر الأدبية عام 2006 .

وهذا الاديب مولود في نيويورك عام 1970 ووالده رجل أعمال ليبي يبدو أنه من الموالين للملك الليبي المخلوع المرحوم محمد ادريس السنوسي، ومن المعارضين لحكم العقيد القذافي، لذا فإنه لم يعد الى ليبيا بعد الانقلاب في الفاتح من سبتمبر عام 1969 .

عاش الاديب هشام مطر في القاهرة حتى سن الثامنة عشرة، ثم انتقل الى لندن حيث درس الهندسة،ويعمل الآن مصمما معماريا في لندن، وفي العام 1990 اختطف والده من القاهرة ونقل الى ليبيا، حيث هرب من السجن عدة رسائل ثم ما لبثت ان انقطعت اخباره منذ العام 1994 وحتى الآن؟

في بلاد الرجال:

يتمركز مضمون الرواية على قمع الحريات في ليبيا، والحكم الديكتاتوري، وسياسة الاعتقالات والاعدامات والتعذيب لمعارضي النظام، كما ان هناك تركيز(على الديمقراطية) المغيبة في تلك البلاد.

وفي احدى المقابلات على الشبكة العنكبوتية ينفي مؤلف الرواية وبشدة ان تكون روايته مذكرات شخصية، والقارئ لقصة حياته سيجد أن قوله صحيح لأنه لم يعش في ليبيا أصلا، وبما أنه من معارضي النظام بالتوارث فإنه وكما يبدو على اطلاع كامل على انتهاكات حقوق الانسان في بلده، وغير راض عن النظام، وعن سلوكيات اللجان الثورية.

وبطل الرواية الرئيس والسارد لأحداث الرواية طفل وحيد والديه في التاسعة من عمره، ولد من أب رجل أعمال، ومن أمّ سكيرة، ويعتقل والده ويفرج عنه بوساطة أحد الجيران العاملين مع المخابرات، بعد اعترافه وقبوله للعمل مع المخابرات، يفرج عنه بجسم مشوه ورائحة نتنة لما تعرض له من تعذيب وحشي، في حين أن جاره وزميله "رشيد" أعدم في ملعب كرة القدم، وبثت عملية الاعدام على شاشة التلفزة، ويقوم الوالدان بتسفير الطفل(سليمان) الى القاهرة، حيث يدرس على نفقة أحد الأصدقاء المصريين، وينهي المدرسة ويتعلم الصيدلة، ويموت والده في ليبيا، في حين يستطيع رؤية والدته وهي في طريقها الى الديار الحجازية لآداء فريضة الحج، ويلاحظ من خلال الرواية أن فرج والد سليمان، الذي اعتقل وعذب، وجارهم رشيد الذي اعتقل وأعدم وجارهم الثالث الذي اعتقل ايضا، كانت معارضتهم للنظام معارضة سلمية،لم يستعملوا العنف مطلقا،ولم يحاولوا الانقلاب على النظام .

الديمقراطية:

كان هناك تركيز غير مباشر في الرواية على مسألة الديمقراطية، فعندما اعتقل رشيد الجار، ولجأ الى شقة مستأجرة في ساحة الشهداء في طرابلس، لجأت زوجته وصديقه المصري موسى الى احراق كتبه، بينما أخفى الابن الطفل سليمان كتاب (الديمقراطية) الذي سقط منهما، وأنقذه من الحريق، وخبأه تحت وسادته، وعلى سطح المنزل، وبقي محافظا عليه، وببراءة الأطفال فإن الابن سليمان، أراد أن يعطي الكتاب لرجل المخابرات الذي بقي يراقب البيوت في سيارته البيضاء، التي كانت تقف بالقرب منها، فحمل الطفل الكتاب ووضعه على الرصيف امام رجل المخابرات، لكن رجل المخابرات لم يلتفت الى الكتاب، وكأن في ذلك دعوة غير مباشرة من المؤلف ان الديمقراطية ستبقى مطلبا مستمرا ومتواصلا للعشب الليبي.

اللغة والاسلوب:

كتب المؤلف روايته باللغة الانجليزية التي يتقنها بطلاقة، في حين ان عربيته ضعيفة، ولا يستطيع الكتابة بها، الا كتابة بعض الرسائل لذويه بلغة ساذجة حسب قوله في احدى المقابلات الصحفية معه.

وترجمة سكينة ابراهيم الرواية الى العربية كانت ترجمة قوية جدا، وبلغة أدبية متميزة ولافتة، ويبدو أن قوة النص بالانجليزية قد ساعدتها على ذلك، والرواية المفعمة بالانسانية رغم ما تحمله من عذابات انسانية، والسرد الروائي فيها سلس ومشوق، رغم مرارة المضمون.

"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع"