قراءة في كتاب بطاقات

قراءة في كتاب

بطاقات

في الأعلام واللغة والأدب والتاريخ

للأستاذ عبد الله الطنطاوي

محمد علي شاهين*

عبد الله الطنطاوي

[email protected]

لأنّه ألف العطاء بلا حدود، فقد واصل التحدي، ولم يلق قلمه، ولم يحبطه كساد سوق الكتاب، ولا عزوف المثقفين عن القراءة، لأنّ الطنطاوي يؤمن بأنّ التأليف والتصنيف رسالة، وأنّ الحفاظ على اللغة العربيّة دين.

ولمّا أهداني الأستاذ الطنطاوي مجموعة كتبه الجديدة الصادرة عن دار عمّار وفي مقدمتها (بطاقات) حسبت للوهلة الأولى أنّه مجموعة خواطر ولطائف وفرائد فوائد، لأنّه جدير بالتأليف في هذا الموضوع، وفي سائر المواضيع، فهو كاتب إسلامي مبدع، وأديب روائي ناقد، كتب بفنيّة عالية بأسلوب سهل مشوّق القصّة والرواية والمسرحيّة، وبرع بالمقالة الأدبيّة، والدينيّة، والسياسيّة، وتميّز كل ما كتبه على أقرانه من الأدباء بالصدق، والأصالة.

فلمّا أخذت أقلّب صفحات الكتاب أدركت أنّ المؤلّف استهدف علاج قضيّتين هامّتين: المعرفة واللغة.

فلم يحمّل الأسرة ولا المدرسة مسؤوليّة العزوف عن القراءة الحرّة والاكتفاء بالكتاب المدرسي، والملخّصات الجامعيّة، ولكنّه أراد أن يتعاون الجميع في الدعوة للقراءة، وتحبيبها للناشئة العرب، من خلال النص الأدبي والتاريخي والتراجم.

وأدرك المؤلّف وهو يخط هذا الكتاب أنّ أكبر إهانة يمكن أن توجّه إلى العرب: أنّهم أمّة لا تقرأ.

وشعر بالخيبة وهو يقرأ في إحدى المجلات الثقافيّة أنّ مجموع ما يستهلكه الوطن العربي من الورق أقل مما تستهلكه إحدى دور النشر الفرنسيّة.

وأراد أن يبدّد مقولة أن اللغة العربيّة صعبة وظالمة بشكل تطبيقي، ولم يلق المسؤوليّة على أساليب التدريس، وإعداد المدرّس، و كتب اللغة، ولم يطالب بزيادة ساعات تعليم اللغة العربيّة كحل لهذه المشكلة، كما يطالب البعض، في وقت تزداد مشكلة الضعف في اللغة العربيّة بين الناطقين بها تفاقما.

يمتاز (بطاقات) بحسن اختيار النص، وتنوّع المادة، واستخدام أسلوب الحوار بين كاتب النص والقارئ، على طريقة الأسئلة والأجوبة، شرحاً وإعراباً وضبطاً للغة الكتابة.

وهو أسلوب تعليمي يمتاز بالتشويق، وسهولة المأخذ، فلا يكاد القارئ يقلّب صفحاته حتى يغوص في أعماق الكتاب منشرح الصدر، فيلتقط المزيد من فوائده ودرره.

فمن حق الناشئة علينا أن نحبب إليهم اللغة العربيّة نحوها وصرفها، ونضع حداً لنفورهم من كتب النحو وطرائق النحويين، ونعيدهم إلى صدر اللغة الحنون بعد هذا الجفاء.

وهو ليس بكتاب للناشئة فحسب، ولكنّه يصلح لجميع الأعمار، وخاصّة أولئك المثقفين الذين يقعون في أخطاء نحويّة فاحشة في لغة الحوار والقراءة والكتابة.

يقول المؤلّف: قدّمت في هذا الكتاب مادة سهلة الفهم والاستيعاب، بأسلوب عصري رشيق حي، ليس فيه حزلقة تتعب القارئ أو تعنته، يقدّم له المعلومة بيسر وسلاسة وعذوبة .. مادّة خفيفة الظل، يقدر على هضمها بسهولة، فيها معلومات وتربية وثقافة وتهذيب، تساعده في حياته الفكريّة والعقليّة والروحيّة، بما فيها من سموّ في المعاني، ووضوح في الأفكار، عبر الحديث المقدّم في إيجاز، بما بنيت عليه وحوله من لغة ونحو، الناشئة العلميّة في حاجة إليهما.

يبدأ المؤلّف نصوصه بتعريف للقرآن الكريم، ويعرب جملة: كتاب الله الخالد، ويجيب على سؤال طرحه في نهاية النص عن سبب منع الكلمات التالية من التنوين: رمضان، حرّاء، جبريل، شرائع، مواعظ، ويجيب عن معنى التواتر.

ومن التراجم التي تناولها: الرسول (ص) عمر بن عبد العزيز، محمد بن القاسم الثقفي، صلاح الدين الأيوبي، النعمان بن مقرّن، النعمان بن بشير، أم المؤمنين عائشة (رضي)، الحسن البصري، هارون الرشيد، ابن تيميّة . . الخ.

ومما تناوله من المواضع: المسجد النبوي، الكعبة المشرّفة، المسجد الحرام، المسجد الأقصى، مسجد قبّة الصخرة، جامع قرطبة، المدرسة المستنصريّة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، مصنع كسوة الكعبة. . الخ.

وفي الكتاب تربية: حلم النبي، مكارم الأخلاق، الرفق بالحيوان، المؤمنون كالجسد الواحد، الحلال والحرام، التعامل مع الجيران، بر الوالدين، التربية الإسلاميّة . . الخ. إلى جانب مواضيع أخرى.

بلغ عدد النصوص في الكتاب مئتان وخمسون فقرة متضمنة أسئلة وأجوبة تعليميّة.

جاء الكتاب في خمسة وتسعين ومئتي صفحة من القطع العادي، يتضمن فهارس ومقدمة موجزة، متميّزا بالأناقة في الطبع.

متّع الله أستاذنا الأديب المعلّم عبد الله الطنطاوي بالصحّة والسعادة، وبارك له في عمره، ما خطّ بقلمه وأبدع في ميادين العطاء الفكري والتربوي والتعليمي.

               

* أديب سوري يعيش في المنفى