شاعر فلسطين عبد الرحمن بارود
سلسلة شعراء الأمة الإسلامية (2)
محمد درويش
[email protected]
عبدالرحمن بارود رحمه الله شاعر القضية الفلسطينية وصاحب الكلمة القوية المدوية ،
كيف لا وهو لم يكتب يوما إلا لنصرة أعدل القضايا وأهمها على الإطلاق
،
قضية القدس والأقصى ، كيف لا وهو لم يكتب إلا مُدافعاً عن قضايا العالم الإسلامي
بكل جرأة وقوة لم يخشى في الله لومة لائم ، لله دره حين قال :
مَا للحدودِ حَوالَيْنا
مُغَلَّقَةً لَمْ نَستَطعْ مَعها وِرْدا
ولا صَدَرا
أَطْلِقْ يَدَيْ وَفُكَّ
الحَبْلَ عَنْ عُنُقِيْ وَافْتَح لِيَ البَابَ وانْظرْ بَعْدُ كَيْفَ تَرى
لَوْ تَجْعَلُ السَّدَّ يَامَولايَ طَوْعَ
يَدِيْ أَلْفَيْتَ مِلْيونَ شَارونٍ قَدِ انْدَحَرَاْ
الشعر عند بارود :
الشعر عند بارود كونٌ فسيح فريد مليء بالعاطفة المتوقدة والمعاني المتألقة والحروف
المحلِّقة في سماء الأدب واللغة ، وكأن الشعر عند البارود وُلد معه وتربى وترعرع
معه وكان يكبر ويكبر معه حتى بلغا أشدهما معاً ،يقول الشاعر عن نفسه :
( فقد ورثت عن والدي (أحمد جبريل بارود)
رحمه الله العاطفة الجياشة التي هي ينبوع الشعر وقد غمرني
بحبه وكان هو أمياً وصوفياً
).
ولقد أثمرت والله تلك التربية الراقية فأنجبت لنا شاعرا مسلما مجاهدا متسلحا بأقوى
الأسلحة على الإطلاق سلاح كلمة الحق دون تردد أو تراجع ، وصدق الشاعر حين قال :
اِزرعي في البنينَ عشقَ
الفداءِ ورُكُوبَ العَواصفِ الهَوجاءِ
أرضعيهمْ معَ الحليبِ
رَحيقاً مِن شُموخٍ وعزَّةٍ وإباءِ
عبدالرحمن بارود شاعر فلسطين :
كان للقضية الفلسطينة نصيب الأسد من شعر البارود لأسباب كثيرة منها ما هو عام
باعتبارها القضية الأساس لكل مسلم وتحريرها هو الاستراتيجية التي ترسم ملامح
ومستقبل كل مؤمن ، ومنها ما هو خاص باعتبار نشأة الشاعر وتجربته ومعايشته لمرارة
الأحداث منذ الصغر والذي شكّل في قلبه وعقله وذاكرته الكثير الكثير من الصور التي
بقيت ليعبّر عنها فيما بعد بشعره وأدبه ، يقول الشاعر عن نفسه :
(وقريتي)
بيت دراس
(
قريبة من (
عسقلان ) من لواء (
غزة ) بجناتها وخيراتها رائعة الجمال ولا تزال منطبعة
على قلبي .
ولا أزال إلى يومنا هذا أراها في منامي عامرة
بأهلها الكرام مع أني
منذ عهد بعيد أطلال دارسة.
المرحلة الأولى من حياتي عشتها في تلك الجنة من جنات
فلسطين وهي أحد عشر عاماً وكانت في ظل الاستعمار
فحولنا مطار عسكري إنجليزي ومستعمرة
(بير طوفيا
(
الصهيونية ، ومعسكر
( خسة ) الإنجليزي .وإلى الغرب
معسكر ( ٦٩ )
الإنجليزي وبجواره إلى الغرب
(معسكر أبو
جهم ) الإنجليزي، ومستعمرة (
نتسانيم ( اليهودية وإلى
الجنوب الشرقي )
معسكر جولس
) الإنجليزي
. درست في القرية حتى منتصف الصف الخامس
الابتدائي وقُبيل هجرتنا تعاون أهل القرية على بناء مدرسة
جديدة جميلة حتى الصف السادس الابتدائي وقد نسفها
اليهود.
وقد رأيتها وهي منسو فة باكية وكتبها مبعثرة بين
الأنقاض وقد أخذت أحدها وأظنه لتوفيق الحكيم .
ولم أنظم في تلك المرحلة شعراً.
أما هجرتنا من الوطن ورحيلنا وتشردنا فقد بدأت في الشهر الثالث أو الرابع من عام ١٩٤٨ م بعد معركتين
كبيرتين وكان ذلك قبل مجيء الجيش المصري .
وقصة هجرتنا ملأى بالأهوال والعذاب
).
يقول الدكتور أسامة الأشقر المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة بين يدي تقديمه
للأعمال الكاملة للدكتورعبد الرحمن بارود: ( وهو في مرحلة مبكرة من شاعريته ينحاز
إلى قضية شعبه بعد النكبة التي عاشها بلحمه ودمه وروحه بكل مآسيها وهو فتى كان يبني
ذاكرته ويرصف حجارتها الثقيلة التي سيتأسس عليها موضوعه الفكري في إطاره الجغرافي
(فلسطين) ، ولذلك نرى أن موضوعه الأساس في ديوانه الصغير الذي بناه عندما كان
طالباً هو قضية النكبة واللجوء والتي اعتمد فيها الأسلوب الوصفي التقريري الذي
يمتزج فيه التحدي بالحزن، الذي سيتحول بعد ذلك إلى رمزية فنية عميقة مصحوبة بيأس
سافر تغلّفه إرادة مكبّلة كما نرى في قصيدة الحرية التي أنشأها عام 1961م ).
وفي كل بيت وكل قصيدة تجد ما يقول لك أن البارود هو شاعر فلسطين وابنها البار وأنها
من ألهمته الشعر ، يقول في إحدى قصائده :
وظل شاعرنا يستنهض الأمة لتحرير فلسطين ، مدافعا عن حق المسلمين فيها ، كاشفا عن
باطل الأعداء، فاضحا لمن والى الأعداء ، ولو كان من بني جلدتنا:
ويقول في بيت كأنه مطلي بالذهب
سنوا السيوف لمن سنوا السيوف
لكم ما ضاع بالسيف لا تأتي به الخطب
عبدالرحمن بارود شاعر حماس :
انحاز الشاعر الى حركة المقاومة الاسلامية حماس ووقف معها وخلفها وهي في مقدمة من
خاض المعركة مع بني صهيون على أرض فلسطين فكان هو في مقدمة من دعمها وساندها وبيّن
بسيف كلمته صدق مشروعها وشجاعة مواقفها وبطولات قادتها وحماسة جنودها .
يقول الدكتور أسامة الأشقر المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة بين يدي تقديمه
للأعمال الكاملة للدكتورعبد الرحمن بارود:( وشعره ذاكرة حية للمواقف الفكرية للحركة
الإسلامية على امتداد نصف قرن، ونرى أن الجانب الأبرز فيها هو الصراع على الهوية
الإسلامية في المرحلة التي سبقت انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين
عام 1987م فقد أدى انطلاقها إلى تغير كبير في مساره الشعري حيث انتقل من مرحلة
التنظير للفكر الإسلامي والنضال من أجله، إلى مرحلة التأييد والمواكبة لحركة حماس
التي رأى فيها الترجمة المثلى لفكره وأمنياته ، وكان بارود في إطار مرحلة الصراع
على الهوية نجده شديد التأكيد على قرب ميلاد حركة إسلامية قوية راشدة وهو ما وجده
على ما يبدو في حركة "حماس" التي امتدح زعماءها وشيوخها وشهداءها واستشهادييها،
ووقف معها في مِحَنها ومحن شعبها " مرج الزهور – ذكرى الخليل - ...) .
يقول الشاعر مخاطبا حماس :
ويقول مخاطبا الرنتيسي رحمه الله :
وفي موقف آخر :
بارود الشاعر الرباني :
لم يغفل شاعرنا يوما عن الله فهو داعية الي الله عزوجل والى دعوته ، يلجأ الى الله
ويدعوه فهو يعلم أن مفاتيح النصر والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى ، ولذلك تجده
يلفت الانتباه دائما الى ذلك من خلال قصائده:
عبدالرحمن بارود والأناشيد :
ستبقى أشعار البارود رحمه الله تنشد للأجيال بإذن الله فصاحب الكلمات الصادقة يبقى
حياً بكلماته حتى قيام الساعة ، وهاهي نشيدة بديع الزمان تملىء الأسماع وتطرب
الأصقاع .
نسأل الله لشاعرنا الجنة وجزاه الله عنا كل خير.
المراجع :
1.
موقع الشاعر عبدالرحمن البارود
http://dr-barood.net/index.php
2.
الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الدكتور عبدالرحمن بارود – مؤسسة فلسطين للثقافةقُـسِـمـت لنا دارٌ كأنَّ أرِيجَها
زيـتـونُـنا عجبٌ ..وبيَّاراتُنا..
دارٌ تَـلأْلأُ كـالـثريَّا في الذُّرى
أطـفالُها .. ورِجالُها .. ونِساؤُها
وشُـواظُ غَـزّةَ مِـنْ جِبالِ جَهَنّمٍيهِوي من الفِردوسِ من عند العَليْ
وكُـرُومُـنا عسلٌ وإِنْ لَمْ تُعسَلِ
شَـمّـاءُ، عنها المجدُ لم يتحوَّلِ
كَـشَـبا الصوارمِ والرّماحِ الذُبَّلِ
ياويلَ مَنْ بشواظِ غَزَّةَ يَصْطلي!تـابعوا الَكشفَ يا زَعاماتِ قَومي
أيـهـوديـةٌ فـلـسطيُن أيضاً ؟
أَوَ هـذا وَعْـدٌ لـبـلفورَ ثانِ ؟
أيـهـا الـبـائـعونَ حيفا ويافا
قـد جَـلَبْتُمْ عارَ الزمان .. ولكنْ
ومن الناسِ - يا جميلُ - .. قرودٌفـبِـكـم تَفْخَرُ الكشوفُ العِظامُ
وأخـونـا ذو الـغِبْطةِ الحاخامُ ؟
فـامـضِ بِلْفورُ .. ما عليكَ مَلامُ
أهـجـومٌ هـذا أمِ اسـتسلامُ ؟
عَـضَّ فَـكَّ الـمعارضينَ اللِّجامُ
ومِـنَ الناسِ - إي وربي - نَعامُكـبِّـري يا حماسُ فالكونُ كبّر
لم تَضِع في الثرى دماؤكِ هَدراً
يـا ابـن ياسين هَنأتكَ المعالي
نـحـن غَرسُ القرآنِ من إيلياءٍ
ويَـمـدُّ الـنهرَ الصغير محيطٌ
ويُـولـي دَهـرٌ ويُـقبِلُ دَهرٌ
نـحـنـ سلمٌ لسالمٍ .. وشِهابٌ
أوَّلُ الغيثِ ذا .. وإنْ شاءَ ربيتـوَّجـتكِ السَّما بتاجٍ من الدُّر
فـدمُ الأولـياءِ في الشرق نَوّر
وبـإخـوانـكَ الصَّناديدِ تَفخَر
طـابَ غرسُ القرآنِ فينا وأثمَر
طبَّقَ الأرضَ موجهُ ليس يُحصَر
قاذِفٌ في الجحيمِ كسرى وقيصَر
حـارقٌ كـلَّ مَنْ طغى وَتَجبر
بـركـاتٌ تترى ونصرٌ مؤزَّرعَـبْدَ العزيزِ آصعدْ إلى
رَجُلُ الرّجالِ الشُّمِّ ، بل
كـالجَرْمَقِ الصُّفديّ في
يـا أَيُّـهـا القمرُ الأَغَرُّ
رَوَّيْـتَ كُلَّ الشَّعْبِ مِنْ
وَزَرَعْتَ في شُغُفِ القلأُفُـقِ الـسَّـعادةِ والهَناءِ
أَسَـدُ الأُسودِ . بِلا مِراء
أَجْـبـالِـنا رمزِ الإِباءِ
الـفـذُّ قُـدْسَيُّ الضّياءِ
نَـهَـرِ تحَّدَر مِنْ حِراءِ
وبِ هوى البطولةِ والنَّقاءِفـلـئِـنْ قُتِلتَ فإنَّ خلفكَ مِشعلاً
عـبدُ العزيز أخُوكَ حرَّابُ العِدا
قـسّـامُـنا فِينا يُرى وصلاحُنا
ذُرِّيّـةً ... ذَرِّيَّـةٌ .. بَـدْريَّـةولـدى حـماسٍ ألفُ خالدِ مِشعَلِ
طـودٌ أشـمٌّ وهـضبةٌ من جنْدلِ
والـشـيخُ فرحانٌ وليثُ القسطلِ
يحلُولَها - في اللهِ - طعمُ الحَنظَلِربـنـا لـلـطـغـاة لا تتركنا
عـالـم الـغـاب دينه القتل لما
عـالـم بـالسياط أدموه يجري
يـتـرضـى أصنام إنسٍ غلاظا
سـرقـوا مـنه لقمة الخبز حتى
لا تـكـلـنـا إلـى عتل غليظ
تـبـحـث العين عن ولي حميم
طـوقـتها الأرباب فابعث عليهم
يـا قـديـمَ الإحسانِ أحسِن إلينا
أجـلُ مـنـا عـقلا وقلباً وعيناً
هَـب لـنـا من لدنك حُبَّا وقرباً
أيـن مـنـا سـبعونَ ألفَ وليٍٍ
وعلى الحوضِ سيَّدُ الخلقِ يَدعو
وبـكـفـيـه من عطاءٍ جزيلٍبـك عـذنـا بما نخاف ونحذر
أرعـد الـجو بالصواريخ أمطر
كـقطيع المعزى إلى حيث يجزر
كـلـمـا خـافـهـم أذلوه أكثر
بـيـتـوه على الطوى يتضور
أو قـريـب فـظ عـلينا تنمر
فـتـرى أمـة مـن القبر تنشر
راجـماتٍ في الجو والبحر والبر
نـفـحةً من رضاكَ نَسعَد ونَظفر
واحـمنا من غوائل الدهر واجبر
فـازَ عـبدٌ في عِليةِ القومِ يُحشر
مِنْ بدورِ السماءِ أبهى وأنضر ؟؟
خيرَ شَرْبٍ من فوقِ أشرفِ مِنبر
في قصور الفردوس نُحبى ونُحبربديع الزمان
أمـير الأنام
أحـبك ربي
عليك الصلاةوبدر الظلام
ومـاء الغمام
وصلى عليك
وأزكى السلام