مصطفى طلاس، الوزير الشاعر
رجل أمّة ، وأمّة في رجل !
(ليسَ على الله بمستنكَرٍ أن يَجمعَ العالَـمَ في واحد)
راجي مندو
·
لن نكتب ، هنا ، قصّة أو سيرة ، عن سيادة الوزير الشاعر ! فما كتبه ، هو ، عن نفسه ، كافٍ لأن تؤلّف عنه المجلّدات الضخمة ! بل ، كل موهبة من مواهبه الفذّة البديعة ، جديرة بأن تؤلّف فيها أطروحة دكتوراه !·
لعلّ أروع صفة ، من صفات السيّد الوزير ، هي شجاعته النادرة ، في الحديث عن مغامراته المذهلة ، مع النساء ! فبرغم أن هذه المغامرات ، هي من النوع الخاصّ جداً ، فقد جعلها ، سيادته ، ثقافة عامّة ، للناس جميعاً ! يتحدّث كل منهم ، بطرف منها ، وطرفة من طرائفها .. دون أن يحسّ أيّ منهم ، بشيء من إثم الغيبة ، أو بظلم الرجل ، أو الافتراء عليه ! لأن سيادة الوزير يذكرها ، هو نفسه ، بنفسه .. مباهياً مفاخراً ! وهذا النوع من الشجاعة النادرة ، لدى الرجل ، قلّ أن يجده الناس ، إلاّ عند أصناف نادرة ، من العباقرة الأفذاذ ! فإذا كانت المجتمعات ، بقيَمها وأعرافها ، قد فَرضت على أبنائها ، أنواعاً من الخجل والحياء ، من المغامرات الخاصّة ، غير السائغة ، اجتماعياً أو خلقياً .. فإن السيّد الوزير ، بحكم شجاعته النادرة ، قد ضرب عرض الحائط ، بكل قيم المجتمعات ، المتحضّرة والمتخلّفة ! لأنها قيم عادية بسيطة، يحترمها الناس العاديون البسطاء ، لا العباقرة العظام ، والعمالقة الأفذاذ ، من أمثال سيادته ! وإذا كان قد ورد في الأثر: ( إذا ابتـُليتم بالمعاصي فاستتروا ) فإن سيادة الوزير الفذّ ، لايبالي بمثل هذا الكلام ! لأنه غير مخاطب به ؛ إذ الكلام موجّه إلى مَن يعدّون المغامرات الخاصّة غير المشروعة ، مع النساء ، معاصيَ ! وهو ليس منهم ، لأنه لايرى شيئاً غير مشروع ، بالنسبة إليه ! فهو ، في نظر سيادته ، أكبر من المشروع وغير المشروع ! وإلاّ ، فما معنى أن يكون وزيراً للدفاع ، مسؤولاً عن جيش يقارب تعداده نصف مليون رجل ! وهو ، بعبقرية تخطيطه ، وحسن قيادته لهذا الجيش ، يحمي بلاده من كل خطر خارجي ، بشجاعة الأسود ! فلا يجرؤ عصفور من دولة معادية ، على عبور حدود بلاده ! بل ، هو ، بعبقريته الفذّة ، استفاد ، عبر ثلاثين سنة ، من جيش عدوّه المجاور لدولته ؛ بأن وظّف هذا الجيش المعادي ، بذكاء خارق ، لحماية حدود بلاده ! إذ ( استُدرِج !) هذا الجيش ، في عهد وزير الدفاع الذي سيق السيّد طلاس ، لينتشر في إقليم كامل من أقالم بلاده ، ويفرض عليها سيطرة تامّة فلا يسمح لأحد من الأعداء الآخرين ، بالاقتراب من حدود الدولة ، التي احتلّ لاحقاً ، السيّد الوزير طلاس ، منصب وزارة الدفاع فيها ! بل ، إن فِرق الجيش المعادي ، التي تحتلّ الجولان ، تتطوّع بتقديم خدمات رائعة أخرى ، جليلة .. للسيّد الوزير ، بأن ترسل طائرات حربية ، بين آونة وأخرى ، تتجول في أنحاء مختلفة ، من دولة السيّد الوزير ، وتحلّق فوق قصر رئيس الجمهورية ، للاطلاع على حالة الأمن في البلاد ، والتأكّد من أن ليس ثمّة مايعكّر صفو الأمن ، في هذه الدولة الجارة العزيزة !وبهذا يكون السيد الوزير ، لا مجرّد وزيرٍ شجاع ، فذّ في قيادة الجيوش ، وإدارة الحروب .. بل ، هو ألمعي محنّك ، في توظيف طاقات أعدائه ، في حفظ أمن بلاده !
·
وإذا كان الوزير الفذّ ، قد وظّف عدوّه الغبيّ ، لحراسة بلاده وأمن حدودها ، من العدوان الخارجي ، دون أن يدفع له أجراً ، ولو قرشاً واحداً .. فكيف يوظّف السيد الوزير، شجاعته الشخصية النادرة !؟ إنه بحاجة إلى صرف هذه الطاقة الهائلة في أعماقه ، بأمور أخرى ، قد تزيد أهمّية ، على حماية حدود البلاد ، ألا وهي الجوانب الإنسانية ؛ إذ سيادته يفيض إنسانية ورحمة ! ومن هذه الجوانب الإنسانية الرائعة ، لدى سيادته ، مايلي :ـ إدخال أكبر قدر من السرور ، على قلوب الفاتنات ، من المطربات والراقصات .. بتمضية أوقاته الثمينة ، معهنّ ، في ليالي الأنس والمتعة ! فهو ، بما يملك من فنون الإمتاع ، ومن القدرات الخاصّة ، في هذا الباب .. يُعدّ حالة نادرة مميّزة ، يعجز عن الوصول إليها ، أشدّ المغامرين جرأة ، وأقواهم شكيمة ، وأكثرهم إبداعاً ! ولا يكتفي سيادته ، بإدخال السرور على قلوب الفاتنات ، من بنات جنسه ووطنه ، بل ، هو إنسان عالمي ، يملك فيضاً هائلاً ، من الإنسانية العالمية ، التي يوزّعها على حسان العرب والعجم ، وعلى فاتنات القارّات كلها ، بصرف النظر عن الجنس واللون ، وعن اللغة والثقافة !
ـ تصفيف الأزهار وتصنيفها ، والإبداع في فنّ التصفيف والتصنيف ! ولا عبرة لأيّ وقت يصرفه سيادته ، في هذا المجال الحيوي البديع ! فالأزهار مخلوقات بديعة ، تحتاج إلى لمسات بديعة ، من وزير مبدع فريد !
ـ الاهتمام بالطبخ وفنونه ، وبالطعام وأنواعه وطرائق تحضيره .. بما يعدّ إضافات حقيقية نادرة ، لتحضير الطعام ، لبني الإنسان عامّة ! لأن سيادته وزيرٌ إنسان ، نَذر نفسه للإنسانية كلها ! ولو تصوّر إنسان ما ، أن سيادة الوزير المبدع ، لم يهتمّ بفنّ الطبخ ، ولم ينشر إبداعه فيه ، على الملأ.. لحرِم الناس ، في أقطار الأرض ، من أطعمة شهيّة نادرة، ولربّما مات الكثيرون ، حسرة عليها وأسفاً !
ـ التفاخر والتباهي ، بأنه كان يوقّع ، كل أسبوع ، قبل أن ينام ، مئة وخمسن حكماً بالإعدام ، على أفراد من جماعة الإخوان المسلمين ! وهو ، كان مجرّد موقّع ، فحسب ؛ لأن القرارات بالإعدام ، كانت تأتيه من الرئيس الراحل حافظ أسد ، ويسنَد إليه أمر توقيعها ، والتباهي بهذا التوقيع أمام الناس ، ليثبت لهم ، أنه صاحب شأن ! وهذا دليل آخر ، من أدلّة عبقرية الرجل ؛ إذ يستخرج لنفسه أمجاداً ، من الأمور التي يخزى منها البشر العاديون العقلاء .. وينام قرير العين ، مرتاح الضمير! ولعلّ عبقريته الفذّة ، تبتكر له اليوم ، أيضاً ، نوعاً من الطمأنينة الوادعة ، فينام قرير العين ، مرتاح الضمير.. بعد أن غادر منصبه ، وبلغ الثمانين ، وبات يتهيأ لاستقبل ضحاياه ، بين يدي العزيز الجبّار!
ـ التـفـنّن في إبداع الشتائم ، شعراً ونثراً ، كتابة ومشافهة ! فهو نادر في هذا الباب ، وله فيه إبداعات ، لم نعلم أن أحداً ، في الماضي والحاضر ، قد وصل إليها ، أو إلى أدنى حدّ منها ! وبصفة سيادته وزيراً ، هو يرى أن من أصول التعامل الرسمي ، أن ينال في شتائمه ، أناساً من مستواه الرسمي ، وأعلى من هذا المستوى ! لذا ؛ فإنه لم يَحرم مسؤولاً عربياً ، من درره البديعة ، النادرة الثمينة ! ومن يقرأ شيئاً من شعره ونثره ، ويسمع بعض مقابلاته الإعلامية ، يكتشف كنزاً هائلاً ، من الشتائم النادرة ، التي لم تسمعها الأمم ، عبر تاريخها ، من جندي عادي في جيش متخلف .. بلهَ ، وزيرَ دفاع في دولة متحضرة ، يقود جيشاً متحضراً !
ولعلّ بعض المسؤولين العرب ، الذين يرون في دررَ ، السيّد الوزير ، إساءاتٍ إليهم .. في ديوانه المنشور ، بقصيدته الهجائية المقذعة .. قد فكّر بالتصدّي لإساءاته ، انطلاقاً من مضمون الآية الكريمة : " لايحبّ الله الجهرَ بالسوءِ من الفولِ إلاّ مَن ظُلم " .. ثم منعته موانع ، من مروءات الرجال وأخلاق الكرام ، فتخلى عن حقه في الردّ !
ولعلّ بعضهم ، فكّر في الردّ عليه ، ثم تذكّر قول المتنبّي ، في مخاطبة أحد المتطاولين عليه :
صغُرتَ عن المديح ، فقلتَ : أُهجـَى كأنكَ ماصغُرتَ عن الهجاء !
( وليس من شأننا ، هنا ، أن نقرّر ، ما إذا كان السيّد الوزير ، قد صغُر عن الهجاء ، حقاً ، أم أنه يستحقّه عن جدارة ! فهذا أمر يخصّ سيادته ، وهو الذي يملك القرار، في الإثبات ، أو النفي ! ) .
ولعلّ مسؤولاً عربياً آخر ، ممّن تطاول عليهم سيادة الوزيرالهمام ، أحسّ بضرورة مجابهته ، أو شَكمِه ، أو لَجمِه .. ثمّ أعرض عنه ، حين تذكّر قول الشاعر القديم :
ولقد أمرّ على اللئيم يَـسبّـني فـمَـضيـتُ ، ثمّة قلتُ : لا يَعنيني
ولعلّ مسؤولاً آخر ، رغب في الانتصار لنفسه ، من سيادة الوزير الألمعي ، ثم تذكّر أن رجلاً رأى بعض سفهاء اليهود ، يؤذون السيّد المسيح ، عليه السلام ، بالكلام ، وهو يقول لهم خيراً ! فسأله عن سبب ذلك ، متعجباً منه .. فقال المسيح عليه السلام : كلّ ينفِق ممّا عندَه !
ولعلّ أحد المسؤولين ، الذين نالهم سوء من كلام سيادته ، تمثّل بقول الشاعر:
إذا نطقَ السفيه ، فلا تُجبْه فخَـيرُ ، مِن إجابتِه ، السكوتُ
فإن جاوبتَه ، سَـرّيتَ عنه وإن خَلـّيـتَه ، كـمَداً يموتُ
ولعلّ بعضهم ، خطرت في باله فكرة الردّ ، على سيادة الوزير، فتذكّر قول الله عزّ وجلّ : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) ، وقوله ، سبحانه : ( سلام عليكم لانبتغي الجاهلين ) .. فأمسك عن الردّ !
ولعلّ بعضهم ، تذكّر أن سيادة الوزير ، قد قارب الثمانين عاماً .. وتذكّر، عنئذ ، قول زهير ابن أبي سلمى :
رأيتُ سَـفاه الشيخ لاحِلمَ بعدَه وإن الفتى ، بَعد السفاهة ، يَحلم
ثمّ تذكّر تاريخ السيّد الوزير ، فوجده ، كله ، سفاهات .. منذ كان شاباً ! فتمتم قائلاً : من شبّ على شيء شاب عليه .. ولا حاجة بنا للردّ ، على رجل شبّ على السفاهة ، وشاب عليها .. ! وماذا يتوقع العقلاء ، منه ، غير ذلك !؟ فهو دأب على إسقاط نفسه ، قبل أن يسقطه الآخرون .. وردّنا عليه ، هو تكريم له !
ولعلّ بعضهم ، سئِل عمّا إذا كان سيردّ على الوزير الألمعي السابق ، فقال باستخفاف : لقد كان أهونَ عليّ من ذلك ، يوم كان وزيراً .. واليوم ، هو أقلّ شأناً و أشدّ هوناً !
ولعلّ بعضهم تبسّم ، حين علم أن سيادة الوزير الشاعر يهجوه .. وقال بهدوء : لقد جاد علينا سيادة الوزير ، بشهادة كمال ! وما نحسب المتنبّي ، تخيّـل رجلاً أشدّ نقصاً وسقوطاً ، من هذا الرجل ، حين قال بيته المعروف :
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص فهي الشهادة ليْ بأنّي كاملُ
ولعلّ بعضهم ، رأى في سيادة الوزير ، معولَ هدم ، للأمّة كلها ، بمواقفه الشعارية التجارية ، التي يتبجّح فيها ، بمناصرة فلسطين .. ويتّخذ من هذه الشعارات الجوفاء ، ذريعة لشتم الحكّام العرب ، وإفساد العلاقة فيما بينهم ، وتمزيق شمل الأمّة ، ليغطّي على عجزه وهوانه وجبنه ، وهو وزير دفاع .. عن تحرير إقليم الجولان المحتلّ ، من أرض بلاده ، الذي استولت عليه القوّات الإسرائيلية ، في حرب حزيران ، عام /1967/ .
ولعلّ بعض المسؤولين ، لم يعلم ، أصلاً ، بما ناله من درر السيّد الوزير ، لأنه لم يعلم بصدور ديوانه : ( أوراق خريف العمر ) الصادر عن دار طلاس للنشر ، ولا بقصيدته العصماء :( غزّة والفضيحة العربية ).. أو علم بالديوان والقصيدة ، وأنِف من قراءتهما !
ولعلّ أحدهم ، قرأ بعض أبيات القصيدة ، فوجدها ساقطة : مبنى ومعنى وخلقا .. ووجدها هي الفضيحة الحقيقية ، لا الشتائم التي تضمّنتها ، موجّهةً إلى بعض الحكام العرب ! ولعلّ هذا القارئ ، أحسّ بالشفقة ، على هذا العبقري ، الذي بلغت عبقريته حدّ المرض النفسي والعقلي المهلك .. فرغب في نصحه ، بسحب القصيدة من التداول ، أو التبرّؤ منها ! ثمّ تذكّر هذا المشفقُ ، أن مَن هو أولى بالشفقة ، إنّما هم أولئك المبتلون به ، من أهله وذويه وأقاربه .. الذين سيَحملون عاره ، إلى ماشاء الله ! لأنه هو ذاته الفضيحة المزمنة في تاريخ أسرته ، التي قد لاتخلو من أناس ذوي كرامة وعقل ومروءة !
وليس من شأننا ، بالطبع ، أن نتصوّر ـ بالضبط ـ كيف فكّر المسؤولون ، الذين انصبّت عليهم درر السيّد الوزير ! لكن بوسعنا الجزم : أن سيادة الوزير مادخل معركة الشتم والسباب ، إلاّ وهو موقن من النصر فيها ! لأن مفاتيح كنوزه ، فيها ، تنوء بالعصبة أولي القوّة من البشر السفهاء ، الذين يجيدون الشتم ! فكيف بالعقلاء ، الذين يأنفون منه ، ومن الانحدار إلى مستوى أصحابه !؟
ـ الجرأة النادرة ، في ابتكار القيَم ، وفي عكس القيم المألوفة ، المتداولة بين الناس ! فهو، على سبيل المثال :
(1) تحدّى المتنبّي في قوله :
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَه وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا
فدأبَ على كيل الشتائم ، لبعض الحكّام ، الذين أحسنوا إليه وإلى دولته ، ووقفوا إلى جانب دولته في الحروب ، ودعموها بالمال والسلاح والسياسة ! وهو يَعدّ هذه الشتائم ، لهؤلاء الحكّام ، عبقرية وعظمة ، وسمواً وشجاعة ونبلاً ! ولا يراها كما يراها الناس العاديون البسطاء : لؤماً وخسّة وانحطاطاً ، وقلّة وفاء ومروءة ، وانعدام شرف ، وفساد ضمير ! وهذا كله ، بالطبع ، من فيض العبقرية النادرة ، التي تحلّى بها سيادته !
(2)
امتلك الذكاء الخارق ، في معرفة نفسيات الناس ، وأخلاقهم وطباعهم ! وهو ، بهذا الذكاء ، عرف أن الناس الذين يشتمهم ، لا يملكون شيئاً من مفردات قاموسه البديع ، في الشتم والسبّ والقذف ! لذا ، لن يجيبه أيّ منهم على شتائمه ، ولن يجرؤ أيّ منهم على ولوج الميدان ، الذي يصول فيه ويجول ، كالأسد الضاري ! وحتّى لو كان أحدهم يحفظ بعض الألفاظ ، التي تدخل في دائرة الشتم ، فإنه يخاف على سمعته ، من أن يتلـفظ بشيء منها ! بينما لا يكترث سيادة الوزير الفذّ ، بشيء اسمه سمعة ، أو شرف ، أو كرامة شخصية ! لأن هذه المفردات ، إنّما هي من قواميس الناس العاديين البسطاء ، ولا تدخل في قواميس العمالقة العظماء أمثالِه ! فهو ، في شتائمه الفريدة ، يحارب الناس بسلاح لايملكه سواه ! وبهذا ، ينتصر عليهم جميعاً ! أوليس هذا من فنون الحروب واستراتيجياتها العظيمة !؟ وإلاّ ، فما معنى أن يكون وزيراً عبقرياً ، للدفاع !؟(3) تعاملَ ـ وهو الشاعر الفطحل ـ مع الشعر وفنونه ومعانيه ، بأسلوب نادر؛ إذ اشتقّ لنفسه ، من بعض أبيات الحكمة ، عكسَ مدلولاتها ! فالشاعر يقول :
إذا أنتَ لم تعرفْ لنفسكَ حقّها هواناً بها ، كانت على الناس أهونا !
وقد استنبط ، سيادته ، لنفسه ، من هذا البيت وأمثاله ، حقاً لايعرفه إلاّ العباقرة الأفذاذ أمثاله ! إذ ، وجَد أن شتم الناس ، الذي يجلب الهوان للبشر العاديين ، إنّما يشكّل له ، مفخرة وعظمة وتميّزاً ! فكلما أمعن في الشتم والقدح ، والسبّ والتشهير.. أحسّ بعِظَم منزلته ، وسموّ قدره !
(4)
أجاد ، أيّما إجادة ، في تحقيق الهدف الذي وزّره ، لأجله ، الرئيس الراحل ، حافظ أسد ! فقد وظّفه الراحل ، في منصب وزير الدفاع ، ليملأ به الشاغر، في أعمال ليست من تخصّصات وظيفته أو منصبه ؛ وهي الإبداعات التي ذكرنا بعضها آنفاً !وذلك ، لأن مهمّة الدفاع عن البلاد ، لها أناس آخرون ، هم أجدر بها ، وأقدر عليها ، وأولى بإدراك أبعادها ومضموناتها.. من سيادة الوزير! لذا ؛ ظلّ سيادة الوزير الألمعي ، في منصبه ، حتى مات معلّمه الرئيس ، وتولّى الأمر ، من بعده ، رئيس جديد ، مهّد له السيّد الوزير، الطريقَ لاستلام السلطة ! وهو تمهيد شكلي بروتوكولي ؛ لأن الممهّد الحقيقي ، هو جهة أخرى ، يعرفها سيادة الوزير تماماً ! ولكن يسرّه ، ويسرّها ، أن يظهر، هو ، الممهّد ! وكلّ يسَـرّ من وجهة نظره ، ومن خلال طريقته ، في التفكير وحساب القرار ! ولو نظر ناظر ، إلى الرجال الذين كانوا حول الرئيس الراحل ، ومصير كل منهم ، بعد أن أبعِد عن منصبه ، بطريقة ما .. أو غادر الحياة ، بأسلوب ما.. لأدرك هذا الناظر ، مدى عبقرية الوزير الهمام الفذّ ، الذي بقي ثلاثين عاماً في منصبه ، واستمرّ إلى مابعد وفاة سيّده الراحل !
(5)
فوّت الفرصة ، على أبي حيّان التوحيدي ، الذي وصف أحد وزراء عصره ، بأنه مغلوب بحرارة الرأس .. أيْ : أحمق ! فقد نقل الوزير الهمام طلاس ، حرارة رأسه إلى جسده ، فطفق يبرّد هذه الحرارة ، بالأعمال الخيرية الإنسانية ! وفي مقدّمتها : إدخال السرور والأنس ، على قلوب الفاتنات ، من المطربات والراقصات .. ممّا ذكرناه آنفاً ! وبهذا ، قطعَ الطريق ، على التوحيدي ، وغيره ، ممّن يمكن أن ينعتوا السيّد الوزير طلاس ، بالحماقة ! أمّا التفاهة والسفاهة ، والفسق والانحطاط ، وغيرها من المصطلحات الداخلة في بابها .. فهذه ، إنّما يعبأ بها الناس العاديون البسطاء ، لا العباقرة من أمثاله ! إضافة إلى أنه ، هو ، ملِك السوق ، في تصنيع هذه المصطلحات وتصديرها ! ولا ينافسه في هذا منافس ! فالعبارات السوقية ، التي تخلو منها قواميس أصحاب المناصب ، هي حكر على سيادة الوزير ، يصنّع منها مايشاء ، ويصدّر مايشاء ، إلى الجهة التي يحدّدها هو ! ويلصق منها مايشاء ، بالشخص الذي يختاره هو ! وهذا كله ، يدلّ على القمّة السامقة ، التي وصلت إليها عبقرية سيادته ! وليذهب المتنبّي والتوحيدي ، وأضرابهما ، إلى حيث ألقت رحلها أمّ قَـشعَـم !·
وماذا بقي ، بعد ، من وجوه العبقرية والإبداع ، لدى سيادة الوزير الشهم !؟ لقد بقيت وجوه كثيرة جداً ، لايستطيع إحصاءها سوى صاحبها . وحسبنا أن نقول : لو أن أحداً اتّهم أحداً ، بأهون صفة من الصفات ، التي أظهرها سيادة الوزير ، عن نفسه ، بأقواله وأفعاله ـ موثّقة في وسائل الإعلام ، ومبذولة على شبكة الإنترنت ـ .. أو التي وصف بها سيادتُه نفسَه ـ مفاخراً مباهياً ـ .. لـعُـدَّ هذا من أعظم البهتان ! ولكان من حقّ المتّهم المجنيّ عليه ، أن يقاضي الجاني ، أمام أيّة محكمة عادلة نزيهة بتهمة القذف والتجريح والتشهير! لكنّ للعظماء ، من أمثال سيادته ، قيَماً خاصّة ، ونظرات خاصّة للأمور.. وهي نظرات لايبلغها بسطاء البشر العاديين ، الذين مايزالون يهتمّون بالمأثور ، من نثر وشعر! ومنه : إنّ ممّا أدرك الناس ، من كلام النبوّة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ماشئت ..!فهؤلاء الناس البسطاء العاديون ، الذين ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية عجلى ، فيرون أن سيادة الوزير العبقري ، سبّة في تاريخ سورية كلّه ، وأنه لطعة عار في جبين هذه الدولة الكريمة المتحضّرة ، وأن أجيال سورية الحالية واللاحقة ، ستحسّ بالخزي لوجود هذا الوزير في تاريخها .. هؤلاء البسطاء ، الذين ينظرون هذه النظرة السطحية ، هم : إمّا سذّج لايعرفون شيئاً من معاني العظمة والعبقرية .. وإمّا حاسدون لسورية وشعبها ، على هذا الألمعي الفذّ ، الذي لم ينجب مثله تاريخُ البشرية ، عبر تعاقب أجيالها!