قراءة في مجموعة حكم بلعاوي القصصية
شجرة الزيتونة الرومية
داعس أبو كشك
رغم انشغال حكم بلعاوي بالامور السياسية ومتابعتة الحثيثة للاوضاع التي يمر بها الشعب الفلسطيني ,ورغم ان البعض يعرف حكم بلعاوي بالسياسي الفذ صاحب الرؤيا الوطنية الوثابة الا انه ايضا يمتاز بحس ادبي وثقافة شمولية تشكل منها توهجه السياسي فكان الاقدر على تغليب على البعد السياسي ,ولم نشعر على ان الجانب السياسي قد طغى على ابداعه الادبي بل جند ادواته الادبية في خدمة القضية السياسية ينشد انشودة الاخلاص لوطنه والاصرار على حقوقه والامل في تحقيق اهدافه.
ومن هنا ومن واقع تجربة بلعاوي الادبية تاتي مجموعته القصصية الجديدة والتي تحمل عنوان شجرة الزيتون الرومية لتنعش الحركة الادبية التي قل فيها الانتاج الادبي في المجالين القصصي والروائي ,وتتكون هذه المجموعة من عشرة قصص تدور جميعها حول الارض وقيمة الاستشهاد في سبيل الوطن وما يشكل ذلك من اصرار لدى الشعب في مواجهة التحديات ,ولا شك في ان اختيار عنوان المجموعة بعنوان شجرة الزيتون الرومية له دلالة واضحة ومضامين وطنية لما لهذه الشجرة من اهمية لدى الشعب الفلسطيني فهي شجرة مقدسة ومباركة وقد ارتبطت بنضاله واصبحت مستهدفة من الاحتلال والمستوطنين لان جذورها الضاربة بالارض تؤكد على الحق التاريخي لشعبنا في ارضه ووطنه ,وان صورة الفلاحة الفلسطينية التي احتضنت شجرة الزيتون لحمايتها من اجراءات الاحتلال والمستوطنين تؤكد على متن العلاقة بين الشعب وتلك الشجرة.
وقد اهتم بلعاوي بسرد الحدث بجزيئاته وجميع تفاصيله باسلوب مشوق يشد القارىء الذي يتابع بكل شغف احداث القصة دون ملل لان المجموعة ككل تتحدث عن شخصيات مستمدة من الواقع الشعبي الفلسطيني وابراز مقاومة هذا الشعب للاحتلال من اجل الوصول الى تحقيق هدفه المنشود في الخلاص من الاحتلال واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس , ان معظم الشخصيات التي وردت في المجموعة هي نماذج لشخصيات ايجابية استمهت طريق النضال و التحرر منطلقة لتحيقي واقع أفضل للشعب الفلسطيني , و من الممكن أن اطلق على تلك الشخصيات ابو الرابح , لأن الكل فيها رابح من قيم وارادة تظهر تجلياتها في نفض غبار الهزيمة و الانطلاق الى درب النضال أمام شخصية سلبية واحدة و هي شخصية ابو خاسر الذي حاول استعباد الناس و فرض جبروته بكافة الوسائل الدفيئة الا ان ذلك لم يدم له طويلا حيث انتفض عليه شباب قريته ووضعوا حدا لاعماله , و يقدم صورة ام فارس عودة رمزا لنضال المرأة الفلسطينية , و لا شك في ان قراءة هذه المجموعة تقدم لنا رصدا لنضال الشعب الفلسطيني و دوره في مواجهة التحديات بكل ما استطاعت اليه اليد سبيلا , و لم يغفل القاص بلعاوي عن ابراز الظواهر الاجتماعية الايجابية التي تسود بين أبناء الشعب الفلسطيني تلك الظواهر التي لم يستطع الاحتلال القضاء عليها .
و قد جاء في تقديم الأديب محمود شقير لهذه المجموعة ( يبدو حكم بلعاوي في نصوصه هذه معنيا بالدرجة الأولى بمضامينها أكثر من اهتمامه بالأشكال الفنية لكتابة القصة القصيرة التي يكتبها منذ عقود عدة , و هو يكتفي في الغالبية العظمى من هذه النصوص باتباع أسلوب السرد القصصي الكلاسيكي .......... وكيف أن السياسي في حكم بلعاوي لم يفارق الأديب فيه اثناء كتابته لنصوص التي حملها كثيرا من الصفات الايجابية التي تليق بمناضلين شعبية أوفياء لذكراتهم الوطنية , متمسكين بأرضهم مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيلها , و يقدم محمود شقير تحية لحكم بلعاوي الذي مازال يعلن حضوره في عالم الكتابة ) .
بقي أن نشير أن حكم بلعاوي قدم هذا الاهداء الى الشهيد الرئيس ياسر عرفات بقوله (و أنت انت الكوفية , الرمز و الاضاءة .......... و أصبحت جنيتها العالم كله باتجاه الرمز الخافق بحتمية النصر , و مضيت مضيت أمامنا جميعا تودعنا و ترسخ في أعماقنا الاصرار و الشموخ و الامل , اليك أيها القائد الذي ودعتنا أهدي هذه المجموعة القصصية لانها مستمدة منك و من روحك التي اعتزت دائما و ضحت من أجل فلسطين ......... شجرة الزيتونة العريقة ) .
و خناما أقول أن هذه المجموعة القصصية تشكل اضافة نوعية للحركة الثقافية الفلسطينية و هي من الأعمال المحلقة في سماء القصة الفلسطينية , و تأتي في وقت أصبحنا متعطشين لمثل هذا الأدب , لعلها تكون صرخة من أجل استنهاض الهمم و العودة بالقصة و الرواية الى مكانتها الرائدة في الحركة الأدبية الفلسطينية.