سندريللتي - بقراءة تحليلية متواضعة
سندريللتي - بقراءة تحليلية متواضعة
لميس الإمام
هذا المساء
كُلّ الطيور طارت
واختفت
السماء لها لون الحزن
والإغتراب
وللأشجار رائحة الإنتظار
الفراشات لا تجسر أن تطير
حتى لا تفزع الزهرة النائمة
و علي غير العادة
يصمت البحر
ويفكر باستغراق
منير مزيد الذي لا اعرف له هوية الا الشاعر المغترب كما بدا لي من سياق القصيدة في مقدمة القصيدة يصرخ بهمس جبري في مرثية احباط موحدة مضمخة بذهول صامت على الطيور التي هاجرت بدون وداع وعلى السماء التي استحالت الى حزن يماثل الاحساس بالغربة ....وعلى اشجار يفوح منها اريج الانتظار.. تعبق بصمت برائحة الانتظار لتحط على اغصانها الطيور فتؤنس وحشتها ، وبحر صامت على غير العادة يفكر ..وعلى فراشات لا تجسر ان تطير حتى لا تفزع الزهرة النائمة ....
هذه الظواهر في قصيدة الشاعر وما تلاها من ظواهر تجترىء الحقيقة او الفهم المذهبي والذي يعرج به الشاعر عن الواقع في سياق نظمه اراه يوظف ذلك كله لذلك الاتجاه..وهذا ما يلاحظ على الشعر الحديث حيث نراها كثيرا – مثل هذه الظواهر - ما تُدخل الجوانب العاطفية الشخصية مع الجوانب الاقليمية فتزيد المتلقي حيرة وتضفي على الحقيقة ما ليس منها ليبقى المتلقي حائرا بين امور مستترة يختلط خيطها الابيض بخيطها الاسود فلا يستطيع- المتلقي - التمييز بين خيط وخيط ليمسك باليقين....
الشاعر منير مزيد كما استشفه أراه يهتم بالصورة والرمزية في سياق اصطناعي يراعي فيه الصورة التي باتت تأخذ شكلا فعليا في تضمين الاتجاهات الشعريه وفهمها ....
إن ادخال الرومانسية والرمزية الغربية الى الشعر العربي المعاصر ساهم في تجديد اسلوب القصيدة العربية لا الموقف الفلسفي للشاعر حيث اراها بعيده عن الحس العربي المتعارف عليه وفي الوقت نفسه لم اجد صعوبة في تذوق هذه الابيات الوجدانية في المقطع الثاني من القصيدة حيث يقول :
ويجيء صوتك خفيفا
كغيمة وحيدة تَعُومُ في الأفق اللازوردي
تشتهي رَمي أعبائِها
يبللني بنشوة خفية
أرتجف
وبكل جسدي
أهتف
أريد الحب
في حين انه خلط ما بين الوطن والحب والفقد للنشوة نجده قد اوجد صلة وطيده في الوقت نفسه بين عشق الوطن والحنين اليه وبين الوجدان والعشق الحسي الطبيعي للمرأة التي يحلم
إن الشاعر منير المزيد تألق ها هنا -حيث ادخل مأسي امته ووطنه - تألقا موفقاً حين عبر عما يعتمل في اعماق قلبه بصدق لكي يسمع صوته للوطن بصدىِ جلي الملامح من خلال صوت الشاعر نفسه وكأنه حرض الحرف والكلمة الصادقة الوطنية ان تسكب شعره بألق، بحيث اراني استحسن استخدام هذا النمط واراه يفسح مجالا مناسبا لرؤياه الشعرية كإنسان وكلاهما ساحر فقد اعار اهتماما متساويا لكل من المضمون والظاهر بمشاعر متداخلة بتمازج لم يكسر حدة الوجد لكليهم....
ويا اسفا على وطن
لا يسكن فيه الشعر
ولا يجد الحب فيه مقعدا
في المقطع التالي من القصيدة دمعة ، وهم ، هموم واتهام....
الرؤيا جديدة كما اراها..تكشف عن الانسان وطبيعته وعن الطبيعة في الانسان فقد خلط هنا بين النوازع كهاجس ينتصب فجأة في وجهه يسيطر عليه فلا يلبث ان يغدو الهاجس كل شئ ولا شئ سواه..إنه هاجس يمتد معه الى قرب نهاية القصيدة حول الغربة وظلامها كما أراه يعري مشاعره الانسانية الخبيئة ليصل بها الى أبعد مدى..الحركة النظمية هنا تتجلى بشكل ملفت في :
الليل يمضي
الروح بطيئة الخطى
صور من شلال منساب في شكل هموم والاتهامات لوطن يعزي اليه هذه القطيعة والوحدة والغربة التي تكتنفه ساعيا الى ادماج قصة حب مملؤة بالغرائز الطبيعية والأجواء الرومانسية التي تصاحبها.
. اسلوب الشاعر هنا مرسل يشكل من حيث الانتقال اليه نظاما جديدا يختلف عن مقدمة القصيده
أفكر أن انتزع قلبي
أقولها باكيا
حبيبتي لا أحد يراني
الليل يمضي ممتلئًا بالفجيعة
والروح بطيئة الخطى
والعالم من حولي يشيخ
يتآكل
يتآكل معي
ويتغذى على فضلاته
سراب فضاء شاسع في الأفق البعيد
يلف عناقنا الدافئ
يضيء ليل الوحدة
وهم
خيالات
شهوات
فتفوح رائحة قُبَل
معطرة بسكر الشفاه
وخليط من الأنوار الخافتة
والصرخات
في هذا المقطع يتوحد الوهم مع الغربة وجنون يصاحب نفس الشاعر جراءه ليقوم بكيل فائض للاتهام الوهم الذي ارغمه على الابتعاد دون ان يبالي لحالة الحزن التي تكتنف ذاته المعذبة فيأخذنا برؤياه الحادة الى الانسان المخبوء خلف الرموز والاشياءالى وجه الحبيبة التي اعترف بأنها وهم لذيذ نابع من القلب والمشاعر لا من وهم مخيف سيطر على انفعالاته ..انه نبع حياة انسانية وروحية...ان نزعة اختيار الشاعر للوهم اللذيذ في تجربة الاشكال الجديدة (سندريلتي) (الغابات التي تعشق الرقص عارية....الخ القصيدة تنفصل عن الابداع الاولي للقصيده مع الاهتمام بالشكل الذي لم ينفصل عن جسد القصيدة ككل....
آه وحدك أيها الوهم
تلازم جنون غربتي
ودوما تذكرني
فالحزن المر يأتي من هناك
تبا لك أيها الوهم اللعين
دوما تستعذب أحزاني
تجرجرني إلى هناك
و تحاول رسم وجه الحبيبه
دعني هنا
مكفنا بالأشعار
أتلذذ مع سندريللتي
بين الغابات
فهي تعشق الرقص
عارية
تحت المطر
تذوقني عذوبة النهد
أعذب وأكثر ترفا
من العسل الإلهي
وترضعني
حليب الشعر ترضعني
والجنون....
في النهاية ..يتبين لي ان الشاعر منير مزيد لم يكن يسعى للبكاء على اطلال بل كان يحاول عن طريق التجريب ان يخلق أداة شعرية بسيطة أصابت دائرة الشعر الحر في سياق القصيدة الاخير حاولت ان ارسم لها حدود واجلو لها معالم ....