ديوان العقاد علامة حلب

ديوان العقاد علامة حلب

محمود فاخوري

لاتذكر حلب في مناسبة ما إلا ويقرن بها أسماء لامعة في مختلف ميادين الثقافة والمعرفة والعلوم جيلاً بعد جيل , وطبقة بعد طبقة , منذ القديم حتى يومنا . وقد أسعفني الحظ بأن أدركت في يفاعتي آخر كوكبة من جيل الأعلام الكبار رحمهم الله , من أمثال الشعراء علي الناصر ووحيد عبود وعمر يحيى ,

والعلماء محمد النبهان وعبد الله سراج الدين وطاهر النعسان ومنهم أيضاً الأديب سامي الكيالي صاحب مجلة ( الحديث ) والأستاذ الحقوقي أسعد الكوراني , والطبيب الدكتور عبد الرحمن الكيالي , على تفاوت أو تقارب في سنوات وفياتهم , وفضلاً عن جيل لحق بهم من أمثال خليل الهنداوي وخير الدين الأسدي وعبد الله يوركي حلاق وعمر أبو ريشة وفوزي فيض الله وعمر بهاء الأميري وغيرهم ممن لاتحضرني أسماؤهم الآن .‏

وكان من الرعيل الأول العلامة الشيخ محمد جميل العقاد الذي عاش بين سنتي 1893 ¯ 1968 وامتدت حياته خمسة وسبعين عاماً ميلادياً قضاها في العلم والتعليم وتخريج الأجيال من الطلاب والمريدين الذين يقرون له بالفضل ويكنون له المزيد من الاحترام والتبجيل والإكبار ولاينسون أياديه البيضاء في هذه المجالات .‏

ومن هؤلاء التلاميذ النجباء الأستاذ العلامة محمد فوزي فيض الله عافاه الله ومد في عمره , فهو يقول في أستاذه الشيخ جميل العقاد :‏

( أستاذنا الجليل , ومربي الجيل , أديبه وخطيبه وكاتبه وشاعره . أدركته .. ولما أبلغ الخامسة عشرة من عمري .. عائداً من الأزهر الشريف , حاملاً ( الشهادة العالمية ) منه . وقد أحدثت عودته عام 1935 رجة علمية ودوياً ظاهراً في مدينة حلب , حيث التف حوله الجماهير , وتبعه الناس زرافات ووحداناً , وعلى التخصيص الشباب , إذ وجدوا عنده جدة في العلم , وجرأة في الدعوة وفناً في القول لم يعهدوه فيمن ألفوا فيمن سبقه من أهل العلم ) .‏

هذه الأسطر من كلام الأستاذ فيض الله تلخص لنا عدة جوانب من شخصية علامتنا جميل العقاد الذي نشأ في أسرة عرف أبناؤها بالعلم والفضل , ولما أنهى العقد الثاني من عمره يمم وجهه شطر مصر ليتابع طلب العلم في الجامع الأزهر في القاهرة , على نخبة من العلماء الأعلام مثل سيد المرصفي ومحمد الخضر حسين وأحمد مصطفى المراغي ويوسف الدجوي حتى ختم سنوات الدراسة الأزهرية بنيل ( الشهادة العالمية ) سنة 1347 ه¯ / 1928 م وشهادة قسم التخصص ( شعبة البلاغة ) سنة 1349 ه¯ / 1930 م ليعود في النهاية إلى وطنه حلب , ويبدأ حياته بمرحلة جديدة في التدريس والخطابة والدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي والديني ونشر العلم الصحيح عن طريق التلقين المباشر أو كتابة المقالات التوجيهية في الصحف . وله في ذلك من سعة العلم أوفى نصيب ولاسيما فيما تضمنته شهادته العالمية من ذكر للعلوم التي أتقنها ونجح فيها : كالفقه وأصول الفقه والتفسير والحديث ومصطلح الحديث والتوحيد والنحو والصرف والمنطق وعلوم البلاغة الثلاثة .‏

على أن قليلاً من الناس كانوا يعرفون أنه شاعر مكثر في مختلف الموضوعات , حتى قام أبناؤه البررة ولاسيما نجلاه الأستاذان فضل الله ومحمد رائد جزاهما الله خيراً .. بإعداد شعره المحفوظ لديهم , وعهدوا إلى الأستاذ محمد عدنان كاتبي بجمعه وتحقيقه فقام بذلك خير قيام , وبذل جهداً مشكوراً في عمله هذا , وقدم للديوان بدراسة مسهبة وافية , كما راجع الديوان وضبط عروضه د . عصام قصبجي وقد بلغت صفحات هذا الديوان 544 صقحة , ومن ضمنها فهارس القصائد ببحورها وقوافيها وأغراضها , وهذا يدل على ضخامة الديوان وتنوع أغراضه ومضامينه العامة التي أرجعها محقق الديوان الديوان الأستاذ كاتبي إلى قسمين رئيسيين هما :‏

1 ¯ »معان وأغراض تقليدية كالفخر والرثاء والمديح والهجاء والوصف والتهاني والإخوانيات , بالإضافة إلى المعاني الدينية .‏

2 ¯ معان وأغراض مستحدثة كالمعاني القومية والوطنية والاجتماعية , بالإضافة إلى الموشحات والأناشيد التي خص بها الأطفال , وهي في معظمها تنضوي تحت واحد من هذه الأغراض المذكورة« .‏

توفي الشيخ جميل العقاد كما سبق سنة 1968 م الموافقة لسنة 1387 ه¯ وذكر محقق الديوان أن عدداً من الشعراء رثوه بعد وفاته ومنهم صديقه الشاعر عمر يحيى - 1979 . ولكن قصيدة عمر يحيى لم تنشر في ديوانه الذي قرأته عليه مخطوطاً مرتين قبل وفاته وقمت بشرح ألفاظه بإشراف الشاعر نفسه , بعد أن نسخت ديوانه بيدي كاملاً , وأعددته للطباعة .‏

ويبدو أن تلك القصيدة فقدت لدى عمر يحيى , وقد نقش منها على شاهدة ضريح الفقيد العقاد هذه الأبيات :‏

أيها القلب لن تسلما إنما الدنيا سراب وظنون‏

حق للأعين أن تبكي دما قلّ للعقاد تذراف العيون‏

ياأبا الفضل فقدنا علما خلق يسمو ودين لايهون‏

أما شعر العلامة العقاد فنقتطف منه الأبيات التالية التي قالها في وصف ربيع حلب :‏

جمال الزهور يهز الشباب وفصل الربيع يزين الهضاب‏

وثلج الجبال لجين مذاب يرويّ الرياض كريّ السحاب‏

فهذي الطيور تحيي الربيع بلحن شجي لذيذ الخطاب‏

وهذي ذكاء به أشرقت تنير الربوع وكل الرحاب‏

نسيم الصباح يثير الأريج فيعبق حَزْن وسهل وغاب‏

( ذكاء , بضم الذال : اسم الشمس ¯ الحزن , بفتح الحاء : الأرض الوعرة ) .‏

ومنه قوله يوم قيام الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 م :‏

هلل الدهر ليوم الاتحاد وغدا يعرب مسرور الفؤاد‏

وبدا الشرق بوجه باسم عم سوريا وأرجاء البلاد‏

وحدوا صفه ياقومنا إنما الغرب تمادى في الفساد‏

نحن عرب قد جمعنا شملنا نبذل الأرواح كي نحمي البلاد‏

ويقول من قصيدة بعنوان : ( الأقصى يناديكم ) قالها سنة 1937 م :‏

يابني يعرب هبوا لفلسطين اشرئبوا‏

يابني قومي بداراً أسرعوا فالخطب صعب‏

يابراقا لك نصبو وسواه لانحب‏

حبك السامي هوانا وإليه النفس تصبو‏