صدى.. وذكرى
ديوان شعر للشاعر شريف قاسم
شريف قاسم
تأليف: د.محمد عادل الهاشمي
على طريق الأدب الإسلامي يزدلف في موكب الكلمة شاعر جديد، ليس جديداً في نبوغ قريضه، وإنما في انتشار شعره وتقويمه، فهذا أول ديوان له يرى النور مع أنه يقرض الشعر منذ عشرات السنين. على محياه تلمح بسمة التواضع والزهد في الشهرة، وربما كان هذا سبب تأخر اعتزامه نشر ديوان له على الرغم من نتاجه الغزير.
يطوي النفس على مشاعر متوثبة رابضة جماح لا يهدّئ من ثورتها إلا أن ترى صنوها في شعر وضاح جمّاح، أما شعره فخيول راكضة تحفزها مشاعر موّارة تُركض مشاعره قوافي شعره حتى لتخالها في حركة لا تعرف السكون وفي جيشان يجهل التوقف.
هذا شاعرنا شريف قاسم الذي يقدم لقراء الأدب الإسلامي ديوانه الجديد الذي انسابت تسميته "صدى" للجزيرة العربية التي تنفس تحت سمائها شعره وإلهامه و"ذكرى" لبطولة الغر الميامين الذين صنعوا حضارة الإسلام يستوحيهم ابتعاثاً جديداً لأمة الإسلام. فكان "صدى.. وذكرى".
قلبت قصائد الديوان لأستطلع ما فيه من ملامح الأدب الإسلامي، وآفاقه وموضوعاته، فوجدتني أطوف مع الشاعر في آفاق مترامية الأطراف، قد طاف جلها حول محور استغرق اهتمام الشاعر وأحاسيسه ألا وهو ابتعاث جديد لأمتنا المسلمة وأمجادها الباذخة في عصر نلفي العالم الإسلامي مرزّأً، منتقص الأطراف يلتمس أبناؤه الحائرون علاجاً لقضاياهم، والحل بين أيديهم قريب.. قريب، حين يصح العزم وتصدق النية ألا وهو استنقاذ الشخصية الإسلامية من تغريبها وضياعها إلى شاطئ الأصالة والشخصية الإسلامية المتميزة، فحين يجد المسلم نفسه يصنع حاضره وغده.
شاعرنا شريف عاش هذه الفكرة حتى الأعماق في شعره، فهو يصدر عنها في جل ما يعرض له من قضايا كلفاً بها حفياً بآفاقها، كما يتمثلها في وجدانه حيّة متألقة ترصفها مشاعره وتعبدها أحاسيسه ونجواه، لا ينساها ولا تنساها قصائده، كائناً ما كان الغرض الذي ينبثق لنا من خلال تجربته الشعرية إنها عالمه المختار!.
بعثُ الأمة المسلمة عند شاعرنا أمل يداعب نفسه، وفكرة تلح على وجدانه فتكظ فيها المشاعر التي لا ترى لها إلا سبيل الشعر متنفساً، فيحمل الشاعر قلبه إلى مسلمي اليوم يتنزّى بآلامه ويشرق بأمله:
أترى غداً يأتي الربيع بشمسنا ويلف خطبَ الباطل الفرقانُ
أنا ما سئمتُ ولا يئست ولا لوى أملي الوريفَ البغيُ والعدوان
سأظلُّ أهتف مسلماً فوق الذرا زادي اليقين وعدتي الإيمان
وينساب أمل ابتعاث الأمة المسلمة إلى مخيلة الشاعر ورؤيا وجدانية، وحلماً شاعرياً يدب في حنايا قلبه فإذا بالحلم على لهاة الشاعر حركة.. وحياة.. وتوثب:
وكأنني والفجر يسكب نوره في عالم –رغم المكاره- هانِ
وأرى شباب المسلمين تضمهم أيدي النهار المشرق المزدانِ
وتقودهم بين الفجاج كتائباً روحُ الإباء وعزمةُ الإيمان
ولا يلبث شاعرنا أن يترجم الحلم الشعري إلى حقيقة يحياها كل مؤمن في ابتعاث الأمة المسلمة، كما يترجمها إلى ثقة بوعد الله على درب المسلمين الأولين الذين ما كانوا يكترثون بما عند الناس من كثرة ووفرة.. ثقة بما عند خالق الناس من نصر وتأييد:
واليوم.. يصحو من سبات ضياعهم والـوعـد وعـد الله، وعد رسوله سـتـعـود أمـتـنا بنور كتابها يـا أمـة الإسـلام.. إنـي مؤمن | قـومي.. وحلم الفتح في حـق.. فـيـا لـعـزائم الفرسانِ شـمـسـاً تـزيل حنادس الشنآن بـجـديـد صـبح مشرق مزدان | الأجفان!
يـا لـهـفةً.. تجري بطيّات فـوزي هـدىً وتـألـقي قبساً فقد واسقي القلوب من الشريعة وانظمي | الفيافـي والـدجى عات طويل طـال الـهـجـوع ولـجَّ بالشبّان بـالـطـهـر صدر شبابك الفينان | جاني
مذ هجرنا قرآننا مزقتنا فتن الحاقدين في الأمصار
ثم يؤكد أن ابتعاث عزة المسلمين مرهون بإحيائهم دينهم الذي تزدهر به الدنيا، ولن يزهر بدونه ربيع:
ولنحن قوم لن يشد قناتنا إلا اليقين الحق والقرآنُ
إن الشاعر حين يهيب بأمته إلى إحياء إسلامها في حياتها فلأن لها دوراً في الحياة، قد وسدها الله وكلفها بأمانته، فقادت الدنيا إلى الحق والخير في عصور العزة والمنعة، وكانت بسمة على جبين الوجود:
يـا أمتي.. سدتِ البرية ومـلكتِ بالإسلام أفئدة الورى وتهافتت أعلامُ كسرى وانطوت ومـشت على الدنيا سعادة ديننا | بالتقىلـما نشأتِ على الهدى فـالـكـون مـلك يمينه ومداه رايـات قـيصرَ وانتهت دنياه فـلـهـا قطوف نعيمه وجناه | وعطاه
العقيدة في الله أساس رسالتها إلى الدنيا، ورابطتها التي تضم المشرق إلى المغرب حيث يتجاوب الهدى والإيمان:
أخي في مشرق الدنيا أخي في مغرب الدنيا سنمضي بالهدى قدماً فـلا بـاغ سيقعِدنا فـهذا وقت صحوتنا | نـداك يهز رؤاك طيوف أجفاني لـنـشر حكم قرآن ولا طـاغ ولا جان بـه هـبت سرايانا | وجداني
الله أكـبـر.. لـم يزل كـم مُـزّقـت أممٌ وماد بركنها والـمـسلمون يلم شمل شتاتهم | بأذانيسـر الـخـلـود لأمة صرف الزمان وعاصف الحدثان رغـم الـحوادث هاتف الإيمان | القرآن
وكـأنني –والله- ألمحها على شقوا عباب الليل في تكبيرهم بسيوفهم تحدو البطولة، والفدا مرّي عليهم يا شدائد واغربي مَـن علّم الأبطال غير محمد | أفـق العصور قوافلَ وحـي السماء يزين كل لسان ثوب الصحارى طاهر الأردان إن الـشـدائد صهوة الفرسان قيم البطولة في رحى الميدان!! | الركبانِ
هذه رؤيا الشاعر من خلال تصوره الإيماني فالجهاد في سبيل الله ربيع المسلم وقدره:
قدر المؤمنين أن يرثوا السيف فوق هام الطغاة يشرق بالفتح ويـعيد الربيع بالعبق القدسيّ فـإذا الأفـق مشرق بالأماني | ويـمـضـوا بـحـدّه البتار ويُـغـري أكبادهم بانتصار وجـهـاً يـفـوح كالأزهار بـوجـوه الـجحاجح الأبرار |
ويصل الشاعر آفاق العقيدة والجهاد بحياتنا المعاصرة وقضاياها، فلا يلفي حلاً لقضية تحرير فلسطين من شذاذ الآفاق، ومؤامرات الأعداء إلا بالإسلام والجهاد، لقد حصحص الحق وتهاوت كل الحلول الأخرى.
يـا فلسطين.. قد صرخنا هـل بغير الإسلام ترجع أرض لا.. لا وربـي لن تعود فلسطين | ولكنذاب صوت الجراح عبر الزحام! مـن طـغـاة وحفنة من لئام؟! بـغـيـر الـهدى وحد الحسام |
ثم يمضي الشاعر مع الحل الإسلامي لقضية فلسطين في رباعيات فلسطينية، فلا يلمح بشائر النصر عند شرق أو غرب وإنما يلمحها في ركاب موكب الإيمان الذي يبزغ من فتية النور، وينتزع من أضلع الديجور:
نـحن لم نلق سيفنا لا نـحن للثأر يا فلسطين جئنا سوف نمضي ودربنا بالشظايا وسيوف الإسلام تنتزع الفجر | وربيأم تنام الجراح عبر بـل خُلقنا مع الجهاد المرير والـرزايا مضمخ.. والعطور انـتزاعاً من أضلع الديجور | الصدور
وإن الشاعر بعد هذا الأفق الشاعري المكتمل ليضم إلى الأغراض التي عرضنا لها رؤى إنسانية ومواقف جمالية في ظل التصور الإسلامي، فهو ينظر إلى براعم الجيل فيتملى فيها على أجنحة رؤاه ربيع أمتنا المقبل:
هذي البراعم في ثنايا روحها مستقبل نضر عزيز هانِ
ومن مواقفه الجمالية تتراءى لنا لوحة في صورة طريفة لغصن يتثنى على رمال الصحراء، يحيا بخصب ذاته، ويروض عوده اللدن على سوافي البيد وهوج الرياح، نما وسط الجدب والجمر، ورنت مآقيه لفجر هناء خضِل، إنه أمل الشاعر النضر، يحيا في دنيا الجدب والجفاف ومآقيه ترنو لانبلاج فجر أمته الهني الرطيب:
يـتـثـنـى بـعـوده دحـرجـتـه الـرياح بين وهاد يـا لـه مـن مـطـرز باللآلي جـلـنـار الـربيع طيف أماقيه فـوق أدواح عـالم بات يطوي يـرشف القطر من سحاب أمانيه ونـمـا رغـم جدب دنيا ترامت عاش يحسو الأمان من أفق الغيب حـيـث تـرنو عيونه من بعيد | المخضِّرفـوق كـف الـلظى بوهدة رصـعـتـهـا يد السنين بجمر فـي بـسـاتـيـن ربعه والدر وتـغـريـد روحـه كـالـطير فـي صـحاريه كل عطر وزهر ويـحـشـو عـلـى مداه بخير وهـو فـي الأرض بين كر وفر ويـروي فـؤاده مـن صـبـر لانـبـلاج الـهنا القريب بفجر! | حرِّ
لعلنا نلمح من خلال تملينا لشعره أن شاعرنا لا يروي نفسه الجياشة برفق قواف تهدهد من ثورة نفسه وتريح فؤاده اللظي، ولكنها الوقدة في فؤاده لا يكفكف من لظاها إلا أن ينقلها ضراماً إلى جمرات القلوب –عبر شعره- مشاعر إيمانية حارة تأبى أن تبترد حتى تذخر شحنتها القلوب عن طريق الإيمان جهاداً وبراً وبناء:
آه يـا أمـتـي.. أنـام وليلي قـيل نسج الأشعار يطفئ ناراً ويـذيب الرويّ جمر الرزايا ويـروح الـفؤاد خلف حفيف هـكذا قيل، غير أني وشعري كـلـمـات يـسائل الله عنها هي بين الصفوف تبعث روحاً وتـنـام الآمـال في مقلتيها | قـلـق مـفـعم بلا أشـعـلـتـها الهموم بالأفكار دون نفح الحروف في الأسحار ورنـيـن لـلطهر في القيثار بـيـن سـهد وحيرة وحوار يـوم بعث الأبرار والأشرار وتـثـيـر الـفداء في الثوّار وهـي تـرنو للمحها الخطّار | استقرارِ
شـدوت بإيماني القوافي وغـنّـيته.. والأربعون قصائداً ولـلـه.. كـم لله من فضل بره ومـا ذاك إلا رحـمة بعد رحمة فيا رب هب لي من هداك منصة | لخالقيوأوقـفـته شعراً يفيض بلا نكرِ تـفـوح مـعانيها بعابقة الطهر عـطايا بلا قيد ونعمى من البر عليّ فللرحمن رغم العنا شكري أقوم عليها في رضاك من اليسر |
هذه كلمات تعريف بديوان شاعرنا الإسلامي شريف قاسم وآفاقه الفنية، نذر نفسه وشعره لعقيدته على طريق الأدب الإسلامي، فكان ذوب نفسه وومضات مشاعره المتألمة لحال المسلمين اليوم يحدوه الأمل في ابتعاث أمة الإسلام القريب.. ولكنه على شدة قوافيه ووقدتها قلّما يقرّع الغافلين عن إدراك دور أمتهم المسلمة والقيام بمسؤولياتها، بقدر ما يرسم الطريق الأمل المتفائل فيعيرنا رؤاه وأحلامه الإيمانية في مستقبل الإسلام وأمته، فإذا بنا نسير معه، نواكبه درب أحلامه وأمانيه، فيرف في نفوسنا أرج الذكرى العطر لأمة الإسلام، فنمضي مع الشاعر منادين بالقضية التي أرادها لنا طريقاً، وبثها في قلوبنا فكراً وطيوفاً ومشاعر، وتلك لعمري الطريق الفنية الملهمة للشاعر الموهوب بعيداً عن الوعظ والتعبير المباشر.
وإنما هي كليمات أوحت بها مطالعة ديوان "صدى.. وذكرى" لشاعرنا شريف قاسم، وليست كل ما يقال، وعساها صدى من صداه وذكرى..
نبارك لشاعرنا ديوانه القشيب، ونتمنى عليه أن يواصل طريقه الشعري فيزيد ثروتنا الفنية على طريق الأدب الإسلامي، والله ولي التوفيق.