حسام خضر والسلوك الثوري الصحيح
سمير الجندي
ارى ان كتاب الاستاذ حسام خضر"الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود"قيم جدا وتجب دراسته ضمن حلقات وجلسات للمجموعات لكي تعم الفائدة الأكبر بالنقاش والجدل والمداخلات .
للأسف لم أجد في مكتبات القدس او رام الله كتاب(قواعد المسلكية الثورية الملتزمة) مع ان مكتبات الأسر داخل السجون لا يخلو أي منها من نسخة او أكثر،من هذا الكتاب الذي تبادر إلى ذهني بعد قراءة كتاب الأخ حسام خضر هنا،حيث يعتبر الكتابان تجانسا جميلاً ونوعيا بقيمتهما الملتزمة في بناء الإنسان المنتمي الواعي لدوره ومكانته وقيمته في عملية التحرير.
لو أراد الأخ حسام خضر إعادة صياغة هذا الكتاب الذي كتبه سنة 2005 قبل اعتقاله الأخير لكان أضاف ورتب الأفكار بشكل أكثر حكمة.
يعزو الكاتب إهتزاز نفسية الأسير الشامخة خلال فترة التحقيق إلى بعض العوامل كالضغوطات الهائلة جراء التعذيب النفسي والجسدي، وكنتيجة لثقافة اوسلو حيث حَمـّلها السبب في أكثر من مكان ،مثل ص17 والكلام للكاتب( ثقافة اوسلو هدمت هياكلنا الشامخة، وركعت منظومة القيم السامية التي كنا نعتز بها ونفخر، وباختصار افسدتنا وافقرتنا ماديا واجتماعياً) وفي ص 18 قتل(اعزو هذا التسارع بالإنهيار إلى تداعيات ثقافة اوسلو) وفي ص26 اضاف(إن مما ساعد على الاعتراف وبدون حدود هو إركان الثوار في هذه الإنتفاضة على اوهام اوسلو) وفي ص30 اضاف اكثر بكثير مما سبق...
إن هذه العوامل ومع كل ما تعنيه من حقائق سلبية تضر بنفسية المناضل، ومع كون ثقافة اوسلو انتكاسة انحدرت بنمطية الوعي والتفكير لدى مجتمعنا العربي الفلسطيني للدرك الأسفل،إلاّ ان ذلك لا يبرر بأي حال اعتراف المناضل خلال فترة التحقيق،وأعتقد بأن الأخ الكاتب حسام خضر يدرك هذه الحقيقة تماماً لأنه استدرك الأسباب المنطقية خلال الصفحات المتأخرة بالكتاب .
انني اكاد اكون جازماً 100 % بأن السبب الحقيقي للأنهيار يكمن في ضعف الحصانة المعلوماتية لدى الأسير وضعف إعداده من قبل الرتب الأعلى منه،فالمناضل المتسلح بالمعرفة والإيمان سيعرف كيف يدير الوقت؟ وكيف يقيم كل معلومة تضع امامه من قبل المحقق؟ بل وسيسخر من محقيقه بتلذذ غريب عجيب، وللتدليل على ذلك اضرب مثالاً للإشارة لا للحصر وهو، مجموعتان خاضتا التحقيق امام نفس فريق المحققين وبنفس الفترة والظروف ،المجموعة الأولى اعمار اعضائها مطلع العشرينات، وتلقى افرادها تحصينا وطنياً وروحيا عقائديا، وتشربوا قصصا واساليب من تجارب الأسرى قبلهم ...اما المجموعة الثانية فمعدل اعمار افرادها 18 سنة، وتلقوا تدريبا عسكريا لبضعة ايام فقط، ولم يتعلموا أي شيء حول ما يدور في اقبية ومسالخ التحقيق . اما المجموعة الأولى فقد صمدت وخرجت بأقل ما يمكن من الخسائر ورافعة الرأس، بينما المجموعة الثانية كانت فريسة سهلة على مائدة الجزار .
إن الإيمان ليس مجرد كلمة عابرة تلاك في المحافل الثورية او المواعظ الإستعراضية، بل ان الإيمان قيمة روحية تتشربها خلايا النفس البشرية، فتتغلغل عميقاً إلى نقطة لا يمكن لمحقق مهما امتلك من وسائل وجبروت الوصول إليها، وسيكون الوصول أكثر استحالة في حالة دعم الإيمان بالوعي الثقافي الوطني والثوري، وبزخم من حصيلة التجارب المتراكمة عند الحركة الوطنية الأسيرة حول فترة التحقيق، وحول كيفية توقع خطوة المحقق التالية، سنجد الأسير حينها يسبق كل فريق التحقيق بخطوات،لأنه اختار هذا الدرب طواعية كواجب، بالتالي فإن المناضل لن يكون فريسة حتى لو تم بتر اصابعه وأطرافه ببطء مميت ،بل سيهزأ من جلاده وسيتحلى بنشوة النصر والفوز على جنرالات العدو.
إن الشحن العاطفي غير المدعم بمنطق المعلومات المبنية على تجارب الآخرين، وعلى اساس الإعداد بالمعرفة المسبقة مآله الإنهيار حتما،واللوم هنا لا يكون على الضحية(المناضل) بل على من ارسله دون اعداد، ايها الأخ الكاتب حسام، لكن سيكون اللوم على المناضل إن هو لم يصمد بعد ان تم اعداده بشكل سليم .
فلا يعقل أن نقوم بقذف الشخص الذي لا يجيد العوم إلى عمق اليم لكي ينقذ سمكة من باطن الحوت،بل نعلمه كيف يشق جبال الموج قبل أن يشق باطن الحوت.
وقد استدرك كاتبنا في صفحة 32 لأهمية تسليح اجيالنا المناضلة المنتمية، وغيرالمنتمية، فكانت مادة الصفحة دسمة بفكرتها، وكذا كانت بعض افكار ما تبعها من صفحات، حتى ان الكاتب ابدع بشكل يثير الإحترام والتقدير حين قال في صفحة 34 عن صفات المناضل الواعي لدوره( بأن لا يقبل رموز 10 سنوات من النهب والهدم والامتهان والفشل والفساد والخيانة) وبأن الولاء لا يجب أن يكون إلاّ للشعب والوطن، وليس للقائد او الرمز ...طبعاً بعد الولاء لله عز وجل.
وقد دعم الكاتب قوله بحكمة عربية استبدل كلمة وحرف منها بكلمة واحدة حين قال(إذا كان الكلام من فضة فالسكوت خطيئة.)
ثم انني ارى بأن رسم شخص الكاتب على صفحة الغلاف الأخير من الداخل وهو يقرع ناقوس الخطر ومن خلفه جموع جماهيرية تتطلع إلى مكانه، وتتأمل البعيد بشوق.إنه رسم موفق وواع وملامح الطيبه على وجه حسام لا تخلو من الثبات والإصرار.
تحية للكاتب المناضل حسام خضر الذي كتب ما قل صفحاته وكثرت دلالاته، وإلى الأمام باتجاه الشمس والقدس على درب الوطن تجمعنا.
"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني"