لك أن تصحو
لك أن تصحو
ولك أن تبقى على ما أنت عليه ..
الكابتن الطيار أياد نوري هيبة الله الخليفة العزّاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس تقديماً ولا تقريظاً, فالكتاب لا يحتاج إلى تقديم أو تقريظ, وإنما هي تأشيرات فحسب, تعكس انطباعاً ذهنياً عن الملامح الأساسية للكتاب.
إن المؤلِف يملك إخلاصاً ملحوظاً لما يمكن تسميته بالحقائق الإسلامية في طبقاتها كافة, قد ترتفع
نبرته_أحياناً_لكي يأخذ صيغة خطاب موجّه إلى القارئ,مرتع بالشواهد والقرائن والاستنتاجات في محاولة للتحقق بالقناعة المرتجاة.
ومع الإخلاص, قدرة ملحوظة على الإيغال في دلالات المفردات والتعابير القرآنية من أجل الوصول إلى نتائج أكثر إحكاماً.
إنها محاولة من محاولات ما يطلق عليه لدى دراسة علوم القرآن, (تفسير القرآن بالقرآن), أو التفسير الدلالي لكتاب الله كان قد بدأه منذ منتصف القرن الماضي الشيخ أمين الخولي وزوجته
الدكتورة عائشة عبد الرحمن والشهيد سيد قطب (رحمهم الله جميعاً). ومضى الدارسون على إثرهم لكي يقدّموا إضاءات بالغة القيمة للنص القرآني.
ثم ها هم طلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية والإسلامية يقدّمون سيلاً من الرسائل في الاتجاه نفسه فيزيدون المكتبة القرآنية غِنىً وخصباً.
وفضلاً عن ذلك, يلمح المرء وهو يجول في فصول الكتاب ما يمكن تسميته بالمناخ النورسي الذي عايشه كل أولئك الذين قرأوا رسائل وأعمال بديع الزمان سعيد النورسي (رحمه الله) وهو يتعامل مع كتاب الله وبخاصة في مؤلَفيه (إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز) و (المثنوي العربي النوري). وهو مناخ يصعب التعبير عنه بالكلمات, ويتشكل بقوة الدلالة, والتذوق, والرؤية الشمولية, والقدرة على الاكتشاف.
وثمة ملمح آخر لا يقل أهمية ذلك هو تأكيد المؤلِف على ضرورة الالتحام ( المسلم ) بالكتلة ..
اختراق القشرة الخارجية والكشف عن فيزيائها وكيميائها وجيولوجيتها, إذا صحّ التعبير, وإذا
أريد لهذه الأمة, ليس فقط أن تنهض من جديد, وإنما أن تصغي جيداً للخطاب القرآني, وتستجيب لمطالبه المؤكدة.
إن العلوم الإسلامية, أو الشرعية, لا تكفي وحدها, والدعاء المنعزل عن الفاعلية في الأرض لا يأتي بطائل, ولا بدّ _إذن_ من توظيف العلم الصرف والتطبيقي (التقني) معاً, جنباً إلى جنب مع العلوم الإسلامية, من أجل أن نكون منطقين مع الكتابين المقروء والمنظور, أي القرآن الكريم والكون, وكلاهما من صنع الله جلّت قدرته.
ويوم أن يرجع المسلم إلى العالم لكي يلتحم بسننه ونواميسه, أو أن يكتشفها بعبارة أخرى, يوم أن يتعلم كيف يوظف هذه الكشوف لحماية إيمانه في هذا العالم من التآكل أو الاغتيال .. حينذاك يكون قد وضع خطواته على الطريق الصحيح .. وإلاّ فإن ألف سنة أخرى من الانتظار لن تأتي بالمعجزة أو تنزلها السماء.
فليس عجباً أن نجد في كتاب الله سورة كاملة تحمل أسم ( الحديد ) , وليس عجباً أن نقرأ في
مقاطعها الأخيرة هذه الآية الكريمة التي تمنحنا المفتاح: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) }.
هناك مسألة قد أختلف فيها مع الأخ المؤلِف وقد تنطوي على شيء من التناقض مع دعوته المؤكدة لتوسيع نطاق العلم من أجل أن يشمل فيزياء العالم, ذلك هو إلحاحه في محاولة الكشف عن عالم الغيب الذي هو في علم الله سبحانه, والذي لم تهيّأ قدراتنا البشرية المحدودة لسبر سرّه العميق وإدراك ماهياته المغيّبة عن الأنظار. وكل ما يمكن عمله هنا هو الاقتراب من الحافات الأخيرة أما الدخول إلى العمق الحقيقي فهو أمر مستحيل, كما أنه ليس ضرورياً _ابتداءً_ لمهمة الإنسان المسلم العمرانية في العالم الذي استخلف عليه ودعي لأعماره من أجل أن يكون بيئة صالحة للإيمان وعبادة الله سبحانه بمفهومها الحضاري الشامل.
لا ريب في أن قدرة الأخ المؤلِف على توظيف الدلاليات القرآنية للكشف عن المخبوء تمثل إغراءً من نوع ما للمضيّ في الطريق, ولكن هذا وحده لا يكفي.
وأتذكر, في ختام كلمتي الموجزة هذه, كيف أن الشهيد سيد قطب, كبير مفسري العصر الحديث كان يتوقف عن المضي في التفسير لحظة يجد نفسه قبالة عالم الغيب, لا يتكلف عناء الإيغال لأنه عرف _ابتداءً_ أن الوصول إلى السرّ المحجوب دونه المستحيل.
ومن قبل سئل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عن الروح: معجزة الإنسان, وسرّ العقل,
ومفتاح الحياة, فأجاب القرآن عنه:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } .
د. عماد الدين خليل
الموصل في 20/11/2003
_ كلمة المؤلف _
إن أقذر([1])ما في الدكتاتورية هو سلب حرية الفكر, وما أقذر من الدكتاتور نفسه إلاّ أنصاره.
لأن بغيابهم سيُقبر الدكتاتور سريعاً وإن وُلِدْ.
وإن عملية تغييب هؤلاء الحثالة من أصعب ما يكون , خصوصاً في الدول العربية. ولكن يبقى
الرجوع إلى الدين أولاً ثم الثقافة ثانياً من الحلول المقترحة لهدايتهم .. أو على الأقل تقليص
أعدادهم.
لقد فُرغَ من كتابة هذا المؤَلف المتواضع الذي تم كتابة ما يقارب نصفه على ضوء الفانوس, أواسط سنة2001 م, أي في مطلع الألفية الثالثة. فضوء الشموع يصبح لطيفاً وأكثر شاعريةً عندما تستهل عليك الألفية الثالثة وأنت لا تملك الكهرباء في بلدك! .. وبدهياً بقيت فكرة نشره مؤجلّة في ظل سيادة ديكتاتورية. والآن وقد أُتيح له أن يتنفس, إلاّ أن المؤلف ومؤلفه كلاهما لا يقدران إلاّ أن يُقرّا بمزيد من الأسى والحزن والألم على الإسلام والمسلمين وليس في العراق تحديداً فحسب, لأننّا ما لبثنا أن خرجنا من دائرة الدكتاتورية حتى دخلنا دائرة الاحتلال, ونحن نقّر أن كلاهما قذرٍ على حدٍ سواء([2]).
إن صوتي ما هو إلاّ صوت بين الملايين, فكيف سيسمع؟ وإن سمُع فهل سيأخذونه إلى واقع؟
ولكن يبقى المستعان والأمل بالله سبحانه وتعالى الذي علّمنا أن لا يأس في قاموس الإسلام.
لقرونٍ عديدةٍ خلت ونحن نلتزم عقيدة مفادها أن الحق سبحانه وتعالى هو الذي يُقرّر عنّا, ما لنا
وما علينا. ما أراده يكون وما لم يُرده لا يكون.
ولم نحقق من خلال فهمنا هذا خلال القرون العديدة الماضية سوى التحلّل والضعف والانتكاسات المتتالية ..وإلى يومنا هذا.
ولا ادري إلى متى سيبقى حامل القرآن العظيم, أعظم الكتب السماوية قاطبةً, ضعيفاً متخلّفاً!
وإلى متى سيبقى يعتقد إن هذا هو قدر الله عليه!!
نحن ببساطة نقول إن الله تعالى أراد لحامل القرآن الخير والقوة والعزّ. لقد بعث لك الأنبياء والرسل, وأنزل كتبه المقدسة, وأرسل الملائكة, وسخرّ لك ما في السماوات والأرض.
يريدك فقط أن تقرأ..
لأنك إن قرأت علمت فإن علمت عملت ولذلك توّجَ عطاؤه بأن منحك العقل..
الذي يُعتبر أعظم ما أحدث الحق سبحانه وتعالى في هذا الكون بلا منازع,,
العقل الذي يكفيه شرفاً ورفعةً أن عرفت به ربك.
ولم يمنحك العقل لتقرر من خلاله أن ما أصابك من خيرٍ فهو من ابتكارك وإنجازك وأنت به فخور, وأن ما أصابك من ضرٍّ فهو قدر الله عليك, وكأنك تلقي اللوم على ربك بصورةٍ خفية وإن لم تُفصح .. لأنه مكتوب ومقدّر عليك ولا مفر منه, وتعلن الحمد والشكر له وفي داخلك شيءٌ من السخط!
متى ستكتنفنا الشجاعة الكافية لنعترف أن هذا كله كان نتاج فهمنا الخاطئ وليست لأنها مقدرّة
ومكتوبة علينا؟
ولذلك نرى أننا أمام خيارين وهما,
إما أن نستمر على هذا الفهم لتحقيق المزيد من الذّل والاستعباد ونجد لنا دائماً بدل العذر عشراً
لتبرير ضعفنا وهواننا .. ومن اعترض فقد خرج عن الإجماع أو حتى الملّة .. وقد كفر!!
وإما أن ندرك أن الله تعالى ما أعطانا العقل إلاّ لنفكر به ونقرر من خلاله وليكون لنا إرادة مستقلة نصنع بها نحن أقدارنا.
واليوم عند نهاية سنة 2003م, أي بعد قرابة السنتين والنصف من الفراغ من كتابة هذا المؤَلف
وبعد أن مضى على الاحتلال الأمريكي والإنكليزي لبلدي العراق أشهراً طويلةً ومريرةً, أرى من الضرورة بمكان أن أضرب للقارئ الكريم مثلاً من لب واقعنا اليوم لتقريب القصد,,
إذا كان الاحتلال هو قدر الله وإرادته وحكمته, إذن توجب عليك بدهياً أن تقبل بأمر الله, لا
بل أن تذهب لتقبيل أيادي المحتلين, لأنهم ما أتوا إلينا بملء إرادتهم وإنما بإرادة الله تعالى وهذا عين قدره تعالى علينا! وإلاّ فأنت من الساخطين على إرادة الباري عزّ وجلّ وقدره!
أمّا إن كان الاحتلال هو إرادة الصهيونية والماسونية وتخطيطها وقدرها عليك, فعليك إذن المقاومة والمجابهة. فتكون المقاومة هي قدرك عليهم. أي قدر رد عليهم, على قدرهم عليك. فهذه كلها أقدار يقدرّها الإنسان وليس الله تعالى. وهذا المفهوم هو من المفاهيم البديهية في أوربا وأمريكا لا بل لكل إنسان سويّ ينصت للمنطق السليم. ولكنها هي مع الأسف ليست كذلك بالنسبة للمسلم وخصوصاً المسلم في الدول العربية (واقصد عاميتهم واغلبهم باستثناء القلّة القليلة ) فتراه يخلط بشكلٍ صارخٍ ما بين أقدار الحق تعالى وأقدار الإنسان ليخرج علينا أخيراً بأنها كلها من الله تعالى, أقدارٌ مقدرةٌ من الأزل! وفي زاوية معينة وبدل أن يكون الدين نعمة, يصبح العكس!
وأود أن أشير إنْ اخترتَ الأخير, فقط تذكّر أن تستعين وتتوكل على الله تعالى لأنك مسلم.
فالإرادة منك ولكن التوفيق والمدد منه سبحانه وتعالى.
"" أعقل وتوكل..""
عليك أفضل الصلاة ولك منا أتم التسليم سيدي يا رسول الله.
وفي الوقت الذي يقدّم فيه هذا المؤَلف المتواضع خدمة وهدية لكل مسلم موحّد آمن بأن أعظم
وأسمى وأشمل وأثقل كلمة في القرآن الكريم وفي الكون كله هي كلمة "لا إله إلاّ الله " .. إلى كل من آمن بأن التوحيد علم. وإلى كل من شاركني الفهم على أن جميع آيات القرآن الكريم قاطبةً ومن دون استثناء, ما هي إلاّ مناهل أو جداول تصب بشكل أو بأخر, بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة في بحر آية واحدة هي " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ", وإلى كل مّن يتذوق حديث المصطفى سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله منّا أتم التسليم) معنىً وعلميةً, القائل:
[ اللّهم إني عبدك ابن عبدك ابن أَمَتك, ناصيتي بيدك, ماضٍ فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك,
أسألك بكل أسم هو لك سميّت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحداً من خلقك أو
استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب
همي وغمي ], وإلى كل مّن أدرك أن العقل والنقل هما الوسيلتان الوحيدتان للوصول إلى الحقيقة.. ثم أدرك بعد تفكّر وتأمل عميقان,
أنه بغياب النقل فأن العقل يُمكن له أن يُصيب ويمكن له أن يُخطئ,
أمّا إذا غاب العقل فمن سيقدّر قيمة النقل أصلاً!
إلى هؤلاء جميعاً أقول اسمحوا لي أن يكون إهداؤه بشكلٍ خاص إلى الشهيد محمد الدرّة ..
له ولأمثاله من الدرر الأبرياء.
وإني لأرجو من المسلمين الذين يتبنّون عقيدة أن الأقدار يصنعها الإنسان, إذا أخذوا بمقاليد الحكم الإسلامي يوماً, ولو بعد سنين, يومذاك فقط لأرجوهم أن يكون لمحمد الدرّة رمزاً وأن يكون يوم استشهاده يوم ذكرى لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, ليتذّكروا منه أمرين:
الأول: إن سفك دمه ودماء أقرانه معلّق في أعناقنا لأنه كان نتاج فهمنا الخاطئ للعقيدة.
والثاني: أن يكون رمزاً وعاملاً على بعث وتجدد الآمال في مقدرة المسلم دائماً على تقرير مصيره.
ليكون يوم حداد ويوم أمل وابتهاج في آنٍ واحد.
أمّا إذا انتقلت إلى اليهود فلا يسعني إلاّ أن اذكّرهم بما قاله العالم الألماني الكبير ألبرت أينشتاين,
عندما قال:"" إن دولة تنشأ كما نشأت إسرائيل جديرة بالفناء ""([3]).
وأخيراً أود أن أقدم شكري لكل إنسان علمّني في يومٍ ما حرفاً فملكني عبداً .. ولكل أخٍ جلسنا
عنده فعلّمنا ممّا خفي وغاب عنّا, أو قصدناه بالسؤال فلم يبخل علينا. وشكراً لأساتذتي من
الابتدائية وصعوداً, وشكراً لأبي وأمي (رحمهما الله تعالى وأسكنهما فسيح جنّاته) فلهما يعود
الفضل في وضع حجر الأساس. وشكراً وافراً للأستاذ الكبير محمد فؤاد عبد الباقي, فلو سُئلت
يوماً ما هو أعظم كتاب؟ لقلت: القرآن الكريم. وما هو أعظم كتاب بعد القرآن الكريم؟ لقلت:كتب الصحاح. وما هو أعظم كتاب بعد القرآن الكريم وكتب الصحاح؟ لقلت وبلا تردد: إنه كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي, فجزاه الله تعالى عنّا خيراً عن كل حرف وإني سائل لك الفردوس الأعلى يا أستاذ. وأيضاً لا يفوتني أن أشكر أخي الحبيب المهندس ميسر يونس الحاصود الذي كان له فضل كبير عليّ في مناقشة كثير من مواضيع هذا المؤَلف والتي أسفرت أخيراً على المباشرة في كتابته ..
(( مقدّمة ))
خفف الوطء ما أظن أديم هذه الأرض إلاّ من هذه الأجساد .. ( المعري )
في غابر الزمان حيث كنت تُراباً, ومن ثم اقتضى الأمر أن أُخلق من نطفةٍ في أحشاء أًمي التي
خرجت من بطنها عارياً ضعيفاً لا أعلم شيئاً. ثم ارتضى لي مَن خلقني وصورني من بعد هذا الضعف قُوَّةً, بدنيّةً وعِلميةً, ولكن (نسبية هي هذه القوة), ووهبني ما لم يهب أحداً من خلقه كسواه ألا هو العقل الذي به أهلّني لخلافته في الأرض والذي من خلاله علّمني ربي ما لا أعلم .. فعلمت.
أليس إذن من الحكمة والأنصاف بمكان أن أبدأ بحمد خالقي أولاً, هذا الخالق العظيم الكريم الذي أغدق وأسبغ نِعَمَهُ علّي ظاهراً وباطناً ولم يطالبني سوى الإقرار (قولاً وفعلاً) بعبوديته.
فأحمد الله تعالى كثيراً كثيراً الآن .. وكل آنٍ ,, ما حييت.
وأسأله سبحانه وتعالى أن يديم هو وملائكته الصلاة على حبيبه وحبيبنا سيدنا محمد الأعظم أشرف خلق اللهِ كُلِهِمِ, وأن يعينني وكل المسلمين على أن نكون من المُقِرّين دوماً بالفضل الكبير الذي قدمّه هذا الرسول الكريم للأمة, حيث بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة في أروع ما يكون.
ففرح بكل مَن آمن ويؤمن, وأذهب من عظيم حنانه نفسه حسرات على الكافرين .. فيكون إتباع نهجه والإقتداء بحضرته (ما استطعنا) صلاة منّا عليه على غرار مَّن سنَّ سُنّةً حسنةً فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم الدين, وأيّ سُنّةٌ حسنة بالله عليكم لم يضع لها سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) قواعدها وأسسها! فكل ما عملناه وما سنعمله من قول وعمل صالح ولنا فيه أجر فهو بالحال قد سُجل مثله لحضرته (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) وهكذا تبدو فَهم الصلاة عليه أكثر منطقيةً من مجرد القول (اللّهم صلّي على سيدنا محمد ..) وإنشاء قصائد المديح في وصفه ..الخ (رغم أني أقولها وبوضوح تام أني لست ضد قصائد المديح إطلاقاً, لا التي كُتبت ولا التي ستُكتب, ومعاذ الله تعالى أن أكون, لا بل على العكس فمن منّا لا تسمو روحه عند سماعها!) ولكن ما أردت توضيحه هو الصلاة عليه بمعناها العملي لا اللفظي, وذلك من خلال العمل والالتزام بسنته, ولا أظنّ أننا نختلف على أن السيف أصدق إنباءً من الكتب .. وأن نكون مِمَّن سلّموا لحضرته تسليماً _بعد أن نرفع الخِيَرَة عن أنفسنا لكل أمر قضاه الله تعالى ورسوله الكريم _ تسليماً لا يشوبه شك بأن كل الذي قضاه الله ورسوله ما كان ليكون إلاّ لصالحنا..{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وأعتقد أن هذا الفَهم يتوافق مع (سَلّم _ يُسلّم _ تسليماً) وليس مع (سَلّم _ يُسلّم _سلاماً).
وأيضاً مرةً أخرى أظنّ أننا لا نختلف على أننا بحاجة إلى التسليم لحضرته (عليه أفضل الصلاة وله
مِنّا أتم التسليم) والتي هي أولَى من إلقاء السلام عليه, وأقصد السلام بمعناه الشمولي, لا السلام
بمعنى إلقاء التحية .. لا بل في الحقيقة, فهي على العكس فنحن مَن هم بحاجة للسعي بالفوز برضاه ليُلقي هو (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) السلام علينا, فنحن من يحتاج, أليس كذلك!
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) } الأحزاب, فلاحظ (وسلّموا تسليماً) وليس (وسلّموا سلاماً).
وأخيراً, والله تعالى أسأل إن كان لنا في هذا الكتاب أجر أن يكون مثله وزيادة لسيدنا المصطفى
محمد بن عبد الله (عليه أفضل الصلاة وله مِنّا أتم التسليم) .. وعسى أن يكون هذا العمل والجهد (مثلاً) هو من عين الصلاة عليه.
[1] عذرأ, لقد حاولت جاهداً أن أجد كلمة أليق من هذه في هذا الموضع لتغطي المعنى الذي أردته فلم أجد.
[2] ولمن لم يمر بهذه الحالة ولم يعشها بنفسه (مهانة الاحتلال) أود أن أبين له أنه ليس أشد ما يؤلم في الاحتلال هو القتل, أو الاعتقالات الجماعية العشوائية بسبب أو بدونه, أو الكرامة التي تداس بالمداسات,أو السلب والنهب لثروات البلد المحتل, فهذه الأفعال وقرائنها متوقعة, فقد حدثت فيما قبل عبر التاريخ مراراً وتكراراً وما زالت تحدث وإنما ما يؤلم وما يدمي القلوب حقاً هي هذه الهدايا من لعب أطفال وحقائب مدرسية .. الخ التي يحملوها من بلادهم لتوزعها جنودهم هنا وهناك (وتحت أنظار كاميرات الفضائيات بالطبع) على أطفال البلد المحتل! ورغم أنهما الاثنان يوزعان هذه اللعب على الأطفال, أي الديكتاتور والمحتل في مطلع منهاجهما أولاً, لكن ما تلبث طويلاً, فسرعان ما تنجلي الحقيقة, إلاّ أنه من زاوية معينة تشعر أن الديكتاتور ابن البلد. ابن البلد ولكنه ابن البلد العاق .. أي يبقى منك وعليك رغم عقوقه. أما المحتل الأجنبي فما هو إلا جسم غريب كلياً يدخل الجسد عنوة فلا تكاد خلية من خلاياه إلا وتشكو الألم وترفض وجوده جملة وتفصيلاً .. إلاّ اللّهم الأجساد العفنة فهي لا تبالي وما ذلك إلاّ من كثرة ما أصابها من أخلاط فلم تعد تميز بين الأخلاط والأضداد بسبب عفونتها التي قد غلبت, فلا هذا ولا غيره يؤذيها. ( المؤلف).
[3]عن كتاب أينشتاين والنظرية النسبية, د.عبد الرحمن مرحبا ص49.دار القلم,بيروت_ لبنان.