النص القرآني عند محمد شحرور 19
النص القرآني عند محمد شحرور
19
ياسين سليماني
[email protected]
2-
حول رأي شحرور في مصطلحي "الذكر" و"الفرقان":
يقول(ص) عن القرآن الكريم:"من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره
أصلّه الله هو جبل المتين ونوره المبين والذكر الحكيم"، فالنبي (ص) في حديثه هذا لم
يفرق بين القرآن والذكر بل قال أنه ذاته(4).
كما أن الله تعالى يقول:" إنّا نحن نزلنا الذكر"، فإذا كان الذكر عند شحرور هو
الصيغة المنطوقة للكتاب، فإن الله نزل هذه الصيغة، بواسطة جبريل فـ "ذكرها للرسول
(ص)"، ثم كتبها فلم يفرق بين الوحي كمنطوق ثم في حالة الكتابة، فكلاهما ذكر،
وكلاهما الكتاب، بدليل حديثه(ص) يقول عبد الرحمن الثعالبي في تفسيره أن القرآن سمي
ذكرا لأنه ذكر الناس بآخرتهم وإلههم، ، وما كانوا فيه في غفلة عنه، فهو ذكر لهم،
وقيل سمي بذلك لان فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء، كما قيل أنه سمي ذكرا لأنه ذكر
وشرف لمحمد(ص) وقومه وسائر العلماء به.(5)
أما عن لفظة الفرقان فيقول الثعالبي:
"... الفرقان(...) مصدر، لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقانا
وفُرقانا"(1)
ولا يختص جزء من الكتاب بهذه التسمية، عن غيره لأن الكتاب جاء كله هادفا للتفريق
بين صحيح العقيدة والدين وفاسده، وجاءت لفظة "الفرقان" مقترنة بموسى (ع) كما اقترنت
بالنبي(ص) لأنه كما يقول ابن تيمية: "دين الأنبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم، كما في
الصحيحين عن النبي (ص) قال: "إننا معاشر الأنبياء ديننا واحد وأمهاتنا شتى"، قال
تعالى:" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم
وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه"،
فالدين واحد وإن كثر الأنبياء والرسل.(3) لأن الدين الذي جاء به هؤلاء
أنما ليحق الحق ويبطل الباطل، لذلك سمي هذا فرقانا عند موسى، وعند محمد عليهما
السلام.
وما تجدر الإشارة إليه أن لفظة "الدين" لم تأت في التنزيل الحكيم بصيغة الجمع أبدا،
دليلا على أنه دين واحد، يفرق بين الصحيح والخاطئ من الأفكار(4).
إن ألفاظ "الكتاب"، "القرآن"، "الذكر" و "الفرقان" من الناحية اللغوية تختلف
اختلافا ظاهرا، فلطل لفظة اشتقاقها، فالكتاب من "كتب"، و القرآن من "قرآ"، والذكر
من ذكر، كما أن الفرقان من "فرق"، وهذه الأفعال الأربعة تختلف عن بعضها البعض، غير
أن الاستخدام الاصطلاحي لها جاء ليجعلها مترادفات في المعنى الذي تشير إليه، ومثال
ذلك أسماء الله الحسنى مثل "الغفور"، "الرحيم"، "المحي"، "المميت" في كلها تدل على
"الله"، رغم أنها صفات تختلف في معناها كل عن الأخرى.
يقول الثعالبي في باب تفسير أسماء القرآن:
"هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر"(5)
3- حول رأي شحرور في مصطلحي "السبع المثاني وأم الكتاب":
أعطى شحرور تأويلا للسبع المثاني كمصلح، كما حاول غيره إعطاء تأويلات أخرى لها، ولم
يرفض شحرور الفكرة القائلة بأن السبع المثاني هي الفاتحة، غير أنه اتجه لإثبات أنها
الحروف المعجمة التي تبدأ بها بعض السور.
فلدينا "الفاتحة" و "الحروف المعجمة" و "السبع المثاني"، فالكثير من المفسرين،
رأوا أن تلك الحروف ألغاز غير قابلة للتأويل، والبعض تعامل معها كشيفرة إلهية تحتاج
إلى حاسوب جبّار لكي يوقفنا على أسرارها العجيبة، بل وصل الأمر إلى أن البعض رأى
أنّها علامات مألوفة في مذهب صوفي معروف يعرف باسم "القبّالة" عند اليهود، وهو
عبارة عن نظام تدريبي تربوي يتبعه المريدون في مسالكهم نحو المقامات التي يسعون إلى
بلوغها، وكل حرف منها يشير إلى مسلك من تلك المسالك أو إلى تقنية من تقنيات
التدريب.(1) غير أن هذا التأويل، مثله مثل تأويل شحرور، ليس إلا من قبيل
الرجم بالغيب فالحروف المعجمة كلام لا يحسن أحد تأويله بمن فيهم الراسخون في العلم(2)
- كما يقول علي حرب- وهي ألغاز أريد لها أن تبقى ألغازا إذا استبعدنا كونها مجرد
تقنيات بيانية سحرية يمتاز بها النص فالكلام الملغز يضفي على الخطاب مزيدا من
المهابة، (...) وهذه آلية من الآليات التي يستخدمها النص لتعزيز مصداقيته واثبات
تفوقه أو تثبيت سلطته.
ولمّا كان البشر لا يستطيعون فهم معاني الحروف، فقد اكتفى الرسول(ص) بالربط بين
قراءتها وبين الثواب الذي أعدّه لذلك، ولم يأت في كلامه ما يشير إلى معانيها، حين
قال: لا أقول "ألـم" حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف.(3)
من هنا كانت تأويلات هؤلاء الباحثين غير أكيدة، فيمكن في حالة شحرور أن تكون صادقة
أو كاذبة رغم إثارتها للإعجاب، خاصة أنّ فهم شحرور لهذه الحروف فهم مبتكر لم يسبقه
له أحد، غير أنّ ما يعاب عليه هو الوثوقية في طرحه لفكرته تلك، ولأن شحرور غير مؤمن
بالسنة النبوية، فهو لا يؤمن بالحديث الأتي، والذي نصدقه ونأخذ به على أنه السبع
المثاني، ففي حديث أبي سعيد بن المعلى قال النبي (ص):" ألا أعلّمك أعظم سورة في
القرآن؟ الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"(5)،
وسميت الفاتحة بالسبع المثاني، لأنها سبع آيات، تثنى في كل ركعة وقيل لأنها استثنيت
لأمة الإسلام، فقد روي أنه لم ينزل في التوراة ولا الإنجيل ولا الفرقان مثلها، كما
روي أنها تعدل ثلثي القرآن.(6)
أمّا فيما يتعلق بأم الكتاب، فقد أصاب شحرور في شيء وأخطأ في شيء آخر، فما أصاب
فيه هو قوله بأن أم الكتاب هي الآيات المحكمات، لأن هذا ما قال به الكثير من
العلماء.
جاء في لسان العرب لابن منظور:"أم الكتاب كل آية محكمة من آيات الشرائع والأحكام
والفرائض"(1)
كما جاء في الجواهر الحسان: "المحكم": المتضح المعنى، وقوله تعالى:" هن أم الكتاب"
أي معظم الكتاب وعمدة ما فيه، إذ المحكم في آيات الله كثير(2)
وأمّا ما أخطأ فيه شحرور، هو قوله بأن أم الكتاب هي رسالة محمد (ص)، دون بقية
الكتاب، لأن الرسالة المحمدية هي الكتاب كاملا غير منقوص به أرسل النبي (ص) إلى
الناس، لا ببعضه دون الآخر.
مجمل القول:
- أخطأ شحرور في تقسيماته للتنزيل الحكيم، فقال أن الكتاب أعم من القرآن، وهو غير
الذكر والفرقان مخالفا بذلك أقوال النبي (ص) وآراء العلماء واتفاق الناس على مر
العصور.
- قدم شحرور فهما للسبع المثاني يمكن أن يصح في حالة واحدة، وهي عدم وجود قول قاطع
للنبي (ص)، أمّا وقد وجد النص النبوي، فالرأي الصائب أن السبع المثاني هي الفاتحة،
وأن الحروف المقطعة سر من أسرار الكتاب العظيم لم تفسر ولكن يؤجر على قراءتها الناس
ولو لم يفهموها.
- وفي "أم الكتاب" أخطأ شحرور في القول بأنها تمثل رسالة محمد (ص)، في حين أن
الرسالة تشمل الكتاب ككل، لا جزءا منه مهما كان كبيرا.
1 سورة هود، الاية01.
2- عبد الرحمن حبنكة الميداني، المرجع السابق، ص ص58-59.
3- المرجع نفسه، ص ص69-70.
4-عودة أبو عودة، المرجع السابع، ص42.
5- عبد الرحمن الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، المطبعة الشعبية للجيش،
وزارة الثقافة، دط،2007، ج1، ص29.
1- عبد الرحمن الثعالبي، المرجع السابق، ج1، ص29.
2- سورة الشورى، الآية 13.
3- ابن تميمة، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، دار الكتب العلمية،
بيروت، لبنان، دط، دت، ص37.
4- عودة أبو عودة، المرجع السابق، ص42.
5- عبد الرحمن الثعالبي، المرجع السابق، ج1، ص29.
1- ذكر هذا الباحث "الصادق النيهوم" في مقال بمجلد الناقد (العدد 58)، انظر علي
حرب، الممنوع والممتنع، ص59.
2- نقول هذا الكلام بتحفظ، ونستثني النبي (ص) لأنه يعلم تأويل الكتاب جميعا.
3- علي حرب، المرجع السابق، ص59.
4- محمد العفيفي، المرجع السابق، ص168.
5- رواه البخاري، نقلا عن عبد الرحمن الثعالبي، الجواهر الحسان، ج1، ص35.
6- المرجع نفسه، ص35.
1- ابن منظور، لسان العرب، المجلد1، ص104.
2- عبد الرحمن الثعالبي، الجواهر الحسان، ص293.