تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 7
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 7
مَنْهَجٌ مِنَ التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "الْغَيْثُ الْمُسْجَم في شَرْحِ لاميَّةِ الْعَجَم" لِلصَّفَديِّ]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
قالَ أَيْضًا ( المعري ) : يَدٌ بِخَمْسِ مِئينٍ عَسٍجَدٍ وُدِيَتْ ما بالُها قُطِعَتْ في رُبْعِ دينار تَحَكُّمٌ ما لَنا إِلّا السُّكوتُ لَه وَأَنْ نَعوذَ بِمَوْلانا مِنَ النّار فَأَجابَ عَلَمُ الدّينِ السَّخاويُّ : عِزُّ الْأَمانَةِ أَغْلاها وَأَرْخَصَها ذُلُّ الْخِيانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْباري |
كأني بالفرقة الثالثة من كلية دار العلوم ، سنة خمس وثمانين وتسعمئة وألف الميلادية ، أسمع أستاذنا الدكتور محمد بلتاجي حسن ، يقص علينا خبر بيت المعري ورد السخاوي ، إلا أنه روى كلام المتكذبين على المعري بشأن كتابه " الفصول " ، من دون أن يُزَيِّفَه ، وكأنما كان من كارهيه |
أَيْنَ هذِه مِنْ فِراسَةِ أَبي الْحارِثِ حِمْيَرٍ ، وَقَدْ أُنْشِدَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَوْلُ الْعَبّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ : قَلْبي إِلى ما ضَرَّني داعي يُكْثِرُ أَسْقامي وَأَوْجاعي كَيْفَ احْتِراسي مِنْ عَدوّي إِذا كانَ عَدوّي بَيْنَ أَضْلاعي إِنْ دامَ بي هَجْرُكَ مَعْ كُلِّ ذا يوشِـكُ أَنْ يَنْعاني النّاعي |
هذه فراسة صاحب طعام يكره أن يؤكل منه ! |
في بَيْتِ الطُّغَرائيِّ ( أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحلية الفضل زانتني لدى العطل ) مِنَ الْبَديعِ ، نَوْعانِ ، وَهُما : الْمُوازَنَةُ في " صانَتْني " ، وَ" زانَتْني " وَفيهِما التَّرْصيعُ ، وَالنَّوْعُ الثاني لُزومُ ما لا يَلْزَمُ ؛ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ الطّاءَ في الْخَطَلِ وَالْعَطَلِ
|
هو يجعل ما في عروض البيت قافية مُنْبِئَة ؛ فمن ثم كان بينها وبين قافية البيت نفسها ، ذلك اللزوم |
قالَ ابْنُ السِّكّيتِ : الشَّرَفُ وَالْمَجْدُ إِنَّما يَكونانِ بِالْآباءِ ، يُقالُ : رَجُلٌ شَريفٌ ماجِدٌ ، لَه آباءٌ مُتَقَدِّمونَ في الشَّرَفِ - قالَ - وَالْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكونانِ في الرَّجُلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِآبائِه شَرَفٌ أ هـ . قُلْتُ : قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ : وَلَوْ أَنَّ ما أَسْعى لِأَدْنى مَعيشَةٍ كَفاني وَلَمْ أَطْلُبْ قَليلٌ مِنَ الْمال وَلكِنَّما أَسْعى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ أَمْثالي يُؤَيِّدُ ما ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ السِّكّيتِ ، لِأَنَّ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ هُوَ الْمَوْروثُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ يكَونَ الْمَجْدَ مِمّا يَكْتَسِبُهُ الرَّجُلُ بِدَليلِ قَوْلِه : " أَسْعى " ، وَالسَّعْيُ إِنَّما يَكونُ لِتَحْصيلِ ما لَمْ يَكُنْ لِلْإِنْسانِ ، وَالْوِراثَةُ لا يُسْعى لَها ، لِأَنَّها حاصِلَةٌ . هذا إِنْ قُلْنا : إِنَّ الّلامَ هُنا لْلتَّعْليلِ ، وَإِنْ قُلْنا إِنَّها لِشِبْهِ الْمِلْكِ ، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ ابْنِ السّكّيتِ |
كيف وقوله في العجز يَجُبُّ تَلادَةَ المجد ، إلا أن يكون المعنى على إعادة المجد الذي ذهب عنه بما عرف من أمره ؛ وعندئذ تجوز اللام للتعليل كذلك على ما بينت ، فأما شبه الملك فبعيد . ولقد كان ينبغي للشيخ أن يقول في جواب الشرط ، من آخر كلامه : " يَتَرَجَّحْ " ، لا " فَيَتَرَجَّحُ " ! |
سَمَّتِ الْعَرَبُ ساعاتِ النَّهارِ بِأَسْماءٍ : فَالْأولى الذُّرورُ ، ثُمَّ الْبُزوغُ ، ثُمَّ الضُّحى ، ثُمَّ الْغَزالَةُ ، ثُمَّ الْهاجِرَةُ ، ثُمَّ الزَّوالُ ، ثُمَّ الدُّلوكُ ، ثُمَّ الْعَصْرُ ، ثُمَّ الْأَصيلُ ، ثُمَّ الصُّبوبُ ، ثُمَّ الْحُدورُ ، ثُمَّ الْغُروبُ . وَيُقالُ فيها أَيْضًا : الْبُكورُ ، ثُمَّ الشُّروقُ ، ثُمَّ الْإِشْراقُ ، ثُمَّ الرَّأْدُ ، ثُمَّ الضُّحى ، ثُمَّ الْمُتوعُ ، ثُمَّ الزَّوالُ ، ثُمَّ الْهاجِرَةُ ، ثُمَّ الْأَصيلُ ، ثُمَّ الْعَصْرُ ، ثُمَّ الطَّفَلُ ، ثُمَّ الْغُروبُ |
لِيَكُنِ " الْهَجيرُ " ، موضع " الهاجِرَة " ، هذا أوفق . ثم ربما رجح ما في القول الأول من تقديم " الهجير " ، و" العصر " ، على " الزوال " ، و" الأصيل " |
تَكونُ ( الكاف ) مَجْرورَةً ، كَقَوْلِه : وَصالِياتٍ كَكُما يُؤَثْفين |
ينبغي أن يكون الراجز صاغ الفعل من اسم العين " أُثْفيَّة " ، لا من اسم المعنى " ثَفْو " ، وإن لم يذكرها ابن منظور ، ليظهر المعنى ، كما صاغ أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين ، " يُؤَسْلِم " ، من " الإسلام " ، لا لمعنى الإعطاء والأداء |
قالَ بَعْضُهُمْ : كُنْتُ مَرَّةً جالِسًا عِنْدَ بَعْضِ وُلاةِ الطَّوْفِ ، وَقَدْ جاءَه غِلْمانُه بِرَجُلَيْنِ ، فَقالَ لِأَحَدِهِما : مَنْ أَبوكَ ؟ فَقالَ : أَنا ابْنُ الَّذي لا يُنْزِلُ الدَّهْرُ قِدْرَه وَإِنْ نَزَلَتْ يَوْمًا فَسَوْفَ تَعود تَرى النّاسَ أَفْواجًا عَلى بابِ دارِه فَمِنْهُمْ قِيامٌ حَوْلَها وَقُعود فَقالَ الْوالي : ما كانَ أَبو هذا إِلّا كَريمًا ، ثُمَّ قالَ لِلْآخَرِ مَنْ أَبوكَ ؟ فَقالَ : أَنا ابْنُ مَنْ ذَلَّتِ الرِّقابُ لَه ما بَيْنَ مَخْزومِها وَهاشِمِها خاضِعَةً أَذْعَنَتْ لِطاعَتِه يَأْخُذُ مِنْ مالِها وَمِنْ دَمِها فَقالَ الْوالي : ما كانَ أَبو هذا إِلّا شُجاعًا ، وَأَطْلَقَهُما . فَلَمّا انْصَرَفا قُلْتُ لِلْوالي : أَمّا الْأَوَّلُ فَكانَ أَبوهُ يَبيعُ الْباقِلّاءَ الْمَسْلوقَةَ ، وَأَمّا الثّاني فَكانَ أَبوهُ حَجّامًا ؛ فَقالَ الْوالي عِنْدَ ذلِكَ : كُنِ ابْنَ مَنْ شِئْتَ وَاكْتَسِبْ أَدَبًا يُغْنيكَ مَضْمونُه عَنِ النَّسَب إِنَّ الْفَتى مَنْ يَقولُ ها أَنا ذا لَيْسَ الْفَتى مَنْ يَقولُ كانَ أَبي |
من أحسن ما شهدت وسمعت من مثل هذا ، مجلسنا في أوائل تسعينيات القرن الميلادي العشرين ، بغرفة أخينا مجدي المبتعث آنئذ إلى ألمانيا لدراسة اللغة الحبشية ، أنا وفرحان المطيري ومصطفى الجزار وعبد السلام حامد وحسن الدسوقي وأحمد منصور الجيلاني - وشدة مصطفى على فرحان ، حتى اجترأ فرحان على أن يسخر منه بقوله : وانت جزار ليه ! فقال : عشان ادبحك ! بعد أن قال له مصطفى ساخرا : انت فرحان ليه ؛ فأفحمه ! وكان مصطفى حاضر السخرية . وقد كنت كتبت بذلك المجلس كله لمجدي بألمانيا ؛ فطَرِبَ شَديدًا ، وتحرك لي في بعض أموري بما لم يتحرك لي أحد ! |
( فيم الإقامة بالزوراء لا سكني بها ولا ناقتي فيها ولا جملي ) " فيمَ " أَصْلُه " فيما " ، حَذَفوا الْأَلِفَ مِنْها لِوُجوهٍ : الْأَوَّلُ ، قالَ الْجُرْجانيُّ : إِذا وَصَلوا " ما " في الِاسْتِفْهامِ حَذَفوا أَلِفَها تَفْرِقَةً بَيْنَها وَبَيْنَ أَنْ تَكونَ حَرْفًا - الثّاني : أَنَّهُمْ حَذَفوا الْأَلِفَ لِاتِّصالِها بِحَرْفِ الْجَرِّ ؛ حَتّى صارَتْ كَأَنَّها جُزْءٌ مِنْهُ لِتُنْبِئَ عَنْ شِدَّةِ الِاتِّصالِ - الثّالِثُ : طَلَبًا لِلتَّخْفيفِ في هذا الْحَرْفِ أَعْني " ما " ، لِأَنَّه يَقَعُ كَثيرًا في الْكَلامِ ، وَأَبْقَوُا الْفَتْحَةَ لِتَدُلَّ عَلى أَنَّ الْمَحْذوفَ مِنْ جِنْسِها ، كَما فَعَلوا في " عَلى مَ ، وَإِلى مَ ، وَحَتّى مَ ، وَعَمَّ ، وَبِمَ " ، وَالْأَصْلُ " عَلى ماذا ، وَإِلى مَتى ، وَحَتّى مَتى ، وَعَمّاذا تَسْأَلُ ، وَبِماذا تَعْتَذِرُ " . وَهذِهِ اللُّغَةُ الْفُصْحى - أَعْني الْحَذْفَ - هِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ ؛ قالَ - تَعالى ! - : " عَمَّ يَتَساءَلونَ " ، وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ في الشّاذِّ : " عَمّا يَتَساءَلونَ " ، بِإِثْباتِ الْأَلِفِ رُجوعًا إِلى الْأَصْلِ . قالَ ابْنُ جِنّي في " الْمُحْتَسِبِ " : رُوّينا عَنْ قُطْرُبٍ لِحَسّانَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - : عَلى ما قامَ يَشْتُمُنا لَئيمٌ كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في دَمان قيلَ : إِنَّ بَعْضَ الْعَوامِّ سَأَلَ بَعْضَ الْفُضَلاءِ ، فَقالَ : بِماذا توصيني ؟ فَقالَ : بِتَقْوى اللّهِ ، وَإِسْقاطِ الْأَلِفِ مِنْ " ما " ! |
أولى من ذلك ، التفرقة بينها وبين اسم الموصول ؛ فلن يجر حرفاعادة . ثم أولى من ذاك - وهو الصواب - أن يكون أصل " م " ، هو " ما " ، دون أي شيء آخر . ثمت تأمل طبيعة العربي إذا سَهَّلَ الهمزة المتطرفة المضموم ما قبلها ، وأوشك أن يختم الكلمة عندئذ بواو متطرفة مضموم ما قبلها – أَبْدَلَ منها ياء ، وذَلَّلَ لها ما قبلها ، كما في " قِسيّ " ، من " قُسوّ " ، مِنْ " قُووس " ! ثمت ينبغي أن يكون سأله : " بما توصيني " ! |