الاتجاه الإسلامي في شعر باحثة البادية

 ( 1304- 1337 هـ )

( 1886 - 1918 م)

clip_image001_e90f4.png

خلق الله الكون متكاملاً ليستمر في وجوده، فكلٌّ مكمّل الآخر، وكذا المجتمعات لا تحيا بعمل الرجل منفرداً ، بل لا بدّ له من المرأة لتقف إلى جانبه ويتحقق بهما التوازن في هذه الحياة ، فالمرأة كانت وما زالت ، عاملاً مهماً من عوامل استمرار الحياة وتطورها واستقرارها .

وفي العصر الحديث لعبت (ملك بنت حفني ناصيف ) دوراً طليعياً في تحرير المرأة المسلمة من خرافات الجاهلية وتبرجها ، فحاربت الجهل والأمية ، وكانت كاتبة شاعرة ، أديبة ، خطيبة ، تعتبر من أشهر فضليات المسلمات في عصرها، ورائدة من رواد الحركة النسائية وتحرير المرأة، وداعية للإصلاح الاجتماعي في أوائل القرن العشرين : تلقب بـــــــ (باحثة البادية ) إنها امرأة عظيمة هي واحدة من نساء عربيات كثر استطعن بما امتلكنه من شجاعة وجرأة وفكر منفتح أن يكون لكلماتهن أثر كبير في ثقافة المجتمع ، ولاسيما المرأة ومكانتها فيه ، إنها الكاتبة والأديبة والباحثة الاجتماعية (ملك بنت حفني ناصف).

كانت أشهر فضليات المسلمات في عصرها،

المولد والنشأة :

 كان مولدها في حي الجمالية بمدينة القاهرة في يوم الاثنين في 27 ربيع الأول 1304ه/ الموافق  25 ديسمبر 1886م . ونشأت في بيت علم وأدب، فأبوها هو الأديب والشاعر المصري الكبير (حفني ناصف بك) رجل القانون، وأستاذ اللغة العربية، وأحد مؤسسي الجامعة المصرية، أراد لابنته حياة مختلفة عن كثير من نساء ذلك العصر، فكانت أول فتاة مصرية تحصل على الشهادة الابتدائية ، وأهم شخصية نسائية اشتغلت في مجال التعليم .

دراستها ومراحل تعليمها :

 تعلمت في المكاتب الموجودة آنذاك وبعضها فرنسي، ثم التحقت بالمدرسة السنية المصرية، حيث حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1900م، وتعتبر أول فتاة عربية تحصل على الابتدائية، ثم انتقلت إلى قسم المعلمات بالمدرسة نفسها، وكانت أولى الناجحات في عام 1903م، وبعد تدريب عملي على التدريس مدة عامين أحرزت الشهادة العالية (دبلوم) سنة 1321هـ/ 1905م، وأحسنت الإنكليزية والفرنسية.

 عملها :

أيقنت الفتاة أن كل معرفة إلى ضياع ما لم يرافقها العمل، وهذا ما جسدته حقيقة على أرض الواقع، إذ إنها بعد أن عينت مدرسة في مدارس البنات الأميرية، راحت تسعى إلى نشر الوعي بضرورة تعليم الفتاة والارتقاء بفكرها، فشرعت تزور صديقاتها لتقنعهن بإرسال بناتهن إلى المدارس، متخذة أخلاقها السامية، وسريرتها الصافية ، ونفسها الأبية سبيلاً إلى ذلك حيث عملت مدرسة في القسم الذي تخرجت فيه بالمدرسة السنية مدة ، واشتغلت بالتعليم في مدارس البنات الأميرية .

وكوّنت جمعية لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب ، وهو أساس لما عرف فيما بعد بالهلال الأحمر ، وأقامت في بيتها وعلى نفقتها الخاصة مدرسة لتعليم البنات مهنة التمريض، وكفلت لهذه المدرسة كل احتياجاتها .

مشاركاتها :

مثلت المرأة المصرية في المؤتمر المصري الأول عام 1911م لبحث وسائل الإصلاح، وقدمت فيه المطالب التي تراها ضرورية لإصلاح حال المرأة المصرية .

جهودها في الإصلاح :

عملت ملك على أن تكون المرأة المصرية فاعلة في مجتمعها ، فكانت أول امرأة جاهرت بتحريرها ، فرأت أن العمل هو من أبسط حقوقها ، وأنها مساوية للرجل في الحقوق السياسية والمدنية ، ودعماً منها لهذا الموقف ، فقد سعتْ دوماً إلى أن تقدم من نفسها مثالاً يحتذى في هذا السياق ، إذ إنها كثيراً ما كانت تباشر أعمال بيتها بنفسها لتكون قدوة للنساء في عصرها ، وقد سخرت شعرها لهذه الغاية واستكمالاً لمشروعها في دعم المرأة وتمكين وجودها الفاعل في المجتمع أسست اتحاد النساء التهذيبي ، ووضعت برنامجاً لمشغل مهم لم تتمكن من تنفيذه .

ارتكز برنامجها الإصلاحي الاجتماعي على :

اهتمت ملك بتغيير حال المرأة، ونقلها من الآلية الصامتة إلى الشخصية الإنسانية ذات الحقوق والواجبات. وقد انطلقت، في حركتها الإصلاحية، من مصلحة الأسرة والوطن، ورأت أن هذه المصلحة تقتضي رفع المستوى الزوجي، وأن رفع المستوى هذا يرفع الحياة الاجتماعية في الشرق عامة، وفي مصر بنوع خاص. وبانطلاقها من هذا المبدأ استطاعت أن تظهر للجمهور بمظهر المصلحة لا بمظهر الثائرة الناقمة، واستطاعت أن تنال الرضى العام، والتأييد الاجتماعي، ويقوم برنامجها الإصلاحي على الأسس والمبادئ التالية :

1-يجب أن يكون تعليم البنات قائماً على أساس الدين الصحيح تبعاً لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن يكون التعليم الابتدائي إجبارياً لجميع الطبقات ودفعت بالمرأة إلى الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي كما دفعت باتجاه إصلاح المرأة وجعلها تأخذ مكانها اللائق في المجتمع .

2-يجب أن يخصص عدد من البنات لدرس الطبّ بأكمله. وأضاف أنه يجب أن يطلق الخيار للبنت كي تتعلم ما تشاء .

3-يتوجب تعويد البنت الصدق والجدّ في العمل .

4-يجب اتباع القواعد الشرعية في الخطبة والزواج، ودعت إلى الإبقاء على الحجاب، ولكن على النمط التركي .

5-توجهت إلى الرجل والمرأة على السواء بوجوب المحافظة على مصلحة الوطن والاستغناء عن الغرب بقدر الإمكان .

ودعت أخيراً إخواننا الرجال إلى تنفيذ مشروعنا هذا .

وليس غريباً بأن هذه الاقتراحات رفضت في أكثرها . وفي سنة 1911م كونت باحثة البادية اتحاداً عرف باسم اتحاد النساء التهذيبي الذي كان نتيجة لتكرار أو لقاءاتها بالسيدات المصريات وعقد المؤتمر المصري ، وكان الأول من نوعه سنة 1911م في هيليوبوليس بالقاهرة .

وفيه تقدمت باحثة البادية ببرنامج شامل يتفق مع ما مرّ بنا من أمر برنامجها الذي تطور معها في محاضراتها ولقاءاتها في الجامعة المصرية .

ويمكن اعتبار النقاط التالية توسيعاً لذلك أو زيادة عليه ، وهي :

-أن يتخذ أولو الأمر جميع الوسائل الفعالة لمنع الحيف الواقع على النساء المصريات في الطريق والتجمعات .

-يجب أن تمنع النساء من المشي في الجنازات نهائياً .

-الدعوة إلى تقليل تعدد الزوجات لغير داع بقدر الاستطاعة .

امتلكت ملك قلباً يعبق بالعاطفة الإنسانية النبيلة التي جسدتها في صورة أعمال خيرية جليلة فهي من كان يبادر إلى جمع التبرعات للأقطار العربية المنكوبة، وكانت ترسل الأدوية والأغطية والملابس والأغذية إلى الجهات المنكوبة في مصر والبلاد العربية .

وبيدها حاكت مئة بزة كاملة للهلال الأحمر المصري .

 ولم تنس في الوقت عينه البر بمن أجهدهم الفقر ، وأعوزتهم الحاجة ، فأسست عدة جمعيات خيرية منها : جمعية الاتحاد النسائي التهذيبي، وكان يضم كثيرات من نساء مصر والبلاد العربية وبعض الأجنبيات.

كما أسست جمعية للتمريض .

وكانت تجيد الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئاً من اللغات الأخرى وهذا ساعدها في عملها .. فمدت جسور التواصل نحو كثير من الكاتبات الغربيات، وجرى بينها وبينهن مكاتبات ورسائل لم ينشر كثير منها، ومنهن: شرلوت كمرون التي أطنبت في مدح كثير من كتب ملك ، والكاتبة الأمريكية (إليزابيت كوبر) التي أهدت إليها كتابها (المرأة المصرية ) فكانت بهذا سفيرة ثقافة ، صححت به الصورة السلبية التي كانت تملأ عقل إليزابيت عن العرب ، ولاسيما المصريين .

زواجها :

ارتبطت بالفيوم منذ تزوجت بعبد الستار الباسل عام 1907م ، وهو شيخ العرب ورئيس قبيلة الرماح الليبية بالفيوم، وشقيق حمد باشا الباسل عمدة قصر الباسل بمركز ( إطسا) في محافظة الفيوم .

عاشت ملك في قصر الباسل بالفيوم ، وهي إحدى ضواحي مركز إطسا، واتخذت اسم باحثة البادية اشتقاقاً من بادية الفيوم التي تأثرت بها .

وفي تلك البيئة عرفت الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة المصرية، ومن ثم أوقفت نشاطها على الدعوة إلى الإصلاح وتحرير المرأة بما لا يتعارض مع الدين .

اعتبرت باحثة البادية أول امرأة مصرية جاهرت بدعوة عامة لتحرير المرأة، والمساواة بينها وبين الرجل، عرفت بثقافتها الواسعة وكتاباتها في العديد من الدوريات والمطبوعات .

ورغم كثرة أعمالها لم يشغلها ذلك عن أسرتها، ولاسيما أبيها الذي كانت نعم الابنة المطيعة البارة وأشد ما كان برها به إبان مرضه، فكانت تألم الألم كله عندما تراه يتوجع ، أو تسمع أنينه .

مؤلفاتها :

أغنت باحثة البادية المكتبة العربية بفيض من الإبداع الأدبي والثقافي والاجتماعي، الذي سيظل متوارثاً عبر الأجيال، فكان لها الكثير من المقالات في (الجريدة) جمعتها في كتاب سمته :

1-(النسائيات) : جزآن، طبع أولهما  والثاني مخطوط – مطبعة الجريدة عام 1910م، وقد قدّم له لطفي السيد، وقرضه بعض العلماء، وقد أعادت المكتبة التجارية طبع الكتاب بمطبعة التقدم عام 1920م .

2- وبدأت بتأليف كتاب سمته (حقوق النساء)، فحالت وفاتها دون تمامه: وهو كتاب تضمن آراءها حول حق المرأة في الانتخاب وإدارة الأعمال العامة ، وفيه أيضاً موازنة بين المرأة الشرقية والغربية، وشرعت بنظم ترجمة أم المؤمنين خديجة شعراً لكن الموت عاجلها فحال دون أن تتم ذلك .

ومعظم أعمالها وكتبها ومقالاتها تدور حول تربية البنات وتوجيه النساء ، ومشاكل الأسرة، وقد كانت تدور معركة قلمية بين دعاة التحرر الغربي وأنصار الحجاب، فدفعت ملك حفني اعتراضات دعاة التحرر الغربي بآيات من القرآن ونصوص من السنة .

وفنّدت آراء الذين يرجعون تأخر الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية ، مثل قولها : ( إن الأمم الأوربية قد تساوت في السفور ولم يكن تقدمها في مستوى واحد فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة ، فلماذا لم يسوِّ السفور بينها جميعاً في مضمار التقدم . إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء .

وكتب عنها :

 وللآنسة (مي) كتاب سمته (باحثة البادية -ط) أحاطت فيه بما كان لصاحبة الترجمة من الأثر في النهضة النسائية والبيتية في هذا العصر.

وفاتها :

أصيبت بمرض الحمى الإسبانية( المالطية)، فوضعت الحمى حداً لحياة هذه المرأة العظيمة، وهي ما تزال في عقدها الرابع حيث توفيت في 11 محرّم 1337ه/ 17 أكتوبر 1918م عن سن 32 عاماً في منزل والدها بالقاهرة . ودفنت في مقابر أسرتها في ( الإمام الشافعي ) .

تكريم مستحق :

أقيم أكثر من حفل لتأبينها في مقدمتها حفل الجامعة المصرية ( جامعة القاهرة) الذي افتتحته هدى شعراوي بخطبة ،وألقى فيه الشاعران حافظ إبراهيم ، وخليل مطران قصيدتين في رثائها، وكذلك الأديبة اللبنانية مي زيادة ..وعدد آخر من الخطباء والشعراء .ورثاها حافظ إبراهيم شاعر النيل الذي قال في مرثيته الطويلة :

ملك النهى لا تبعدي        فالخلق في الدنيا سير

إني أرى لك سيرة             كالروض أرّجه الزهر

ورثاها أبو الوفاء محمد، فقال:

يا مصر قد أفل القمر              فسجا ظلامك واعتكر

لم يبق في فلك السما                من كوكب إلا انكدار

وتكدرت شمس الضحى               والجو أظلم واكفهر

أسفا على ذات العفا                ف وربة الفضل الأبر

يا روضة الأدب التي                 غاضت كلمح البصر

فاضت لموتك عبرة                     حرى هتون كالمطر

جرعتنا مر الأسى                     وأذاقتنا الثكل الأمر

لما وردت مناهلاً                    للموت ليس لها صدر

يا ربة القلم الذي                     أحيا القرائح والفكر

لك في النظيم قصائد                  تزري بمنظوم الدرر

لك في النثير رسائل                 رقت كأنفاس السحر

عقد تحلى جيد مصر                      بحسنه ثم انتثر

عمر النوابغ لمحة                    تمضي كأعمار الزهر

وكذاك أوقات السرو               ر مجرب فيها القصر

وتمّ إطلاق اسمها على عديد من المؤسسات والشوارع في مصر تقديراً لدورها في مجال حقوق المرأة .

كما أطلقت حكومة الكويت اسم ( روضة باحثة البادية) في مدينة الكويت .

دورها في مناهضة الحركة الغربية في مصر :

لملك حفني ناصف مقالات نشرتها في الجريدة ثم جمعتها في كتاب اسمه (النسائيات) يقع في جزءين، وقد طبع الجزء الأول منه، وبقي الجزء الثاني مخطوطاً .

ولها كتاب آخر بعنوان (حقوق النساء ) حالت وفاتها دون إنجازه .

ومعظم أعمالها تدور حول تربية البنات وتوجيه النساء ومشاكل الأسرة، وقد كانت تدور في مصر معركة قلمية بين دعاة التحرر وأنصار الحجاب، فدفعت ملك حفني ناصف اعتراضات دعاة التحرر الغربي بآيات من القرآن ونصوص من السنة، وفنّدت آراء الذين يُرجعون تأخر الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية، مثل قولها : إن الأمم الأوربية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعاً في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء.

شاعريتها وإنتاجها الشعري :

أورد لها كتاب ( آثار باحثة البادية ) العديد من القصائد، وفي كتابها ( النسائيات) قصيدة واحدة .

ويقع ديوان باحثة البادية في /12/ قصيدة، وهي :

تغدو العوادي والخطوب تنوب، في كل شيء الاقتصاد، إن الفتاة حديقة وحياؤها، يا أمة نثرت منظومها الغير، قومي عليكم بتقوى الله ، ألا يا موت ويحك لم تراع، من مبلغ عني طبيبك إنه، أعملت أقلامي وحيناً منطقي، يا هذه لا تعذلي، ليبك العلم والإسلام ما سلما، اصرفي ما استطعت عنك الهموما، بشرى لمصر فقد نالت أمانيها .

انشغل شعرها بقضايا المرأة الاجتماعية كالزواج، والطلاق، والسفور، والحجاب، ..والتحريرية : كالمساواة، والتعليم، والعمل، وما إلى ذلك .

ولها شعر في الحث على التمسك بالدين سبيلاً لإحراز الفضيلة وحيازة الحميد من السجايا والصفات، كما كتبت في رفض التبرج والخضوع بالقول، ولها شعر في الرثاء، وكتبت المطارحات الشعرية العائلية التي كانت تدور بينها وبين والدها .

ولها مطارحة مع أحمد شوقي رداً على قصيدته : بين الحجاب والسفور، ولها شعر في الدعوة إلى الاقتصاد، ورفض الظلم والثورة على تعطيل القانون .

تتسم لغتها باليسر مع تغليب جانب الفكر، وخيالها نشيط، التزمت النهج الخليلي فيما كتبت من شعر .

الاتجاه الإسلامي في شعرها :

عالجت الشاعرة باحثة البادية عدة موضوعات في شعرها، أهمها: المديح ، والوصف، والشعر الديني، والرثاء، وما يهمنا هنا هو الاتجاه الإسلامي في شعرها.

حياء الفتاة :

تشبه الشاعرة الفتاة بالحديقة الغنّاء، وحياؤها كالماء فيه حياتها وبقاؤها، وأجمل زينة للمرأة هو إيمانها بالله، فإذا ضاع الإيمان ذهب بهاء المرأة وجمالها، فالجمال يذهب وهو وقف عليها، وكذلك المال يفنى أما الإيمان فهو باق بقاء الليل والنهار ، وها هي الشاعرة المسلمة ملك حفني ناصيف تؤكد ذلك، وقد جاءت قصيدتها من البحر الكامل الذي سمي بذلك لكماله في الحركات، وهو يصلح لكل نوع من أنواع الشعر، وهو أقرب إلى الشدة منه إلى الرقة، وإذا دخله الحذَذ ( متَفا )، وجاد نظمه بات مطرباً مرقصاً ، وكانت به نبرة تهيج العاطفة :

إن الفتاة حديقة وحيــــــــــــــــــــــــــاؤها           كالمــــــــــاء موقوفاً عليه بقاؤها

بفروعها تجرى الحياة فتكتسى            حللاً يروق الناظرات رواؤها

إيمانها بالله أحــــــــــــــــــــسن حلية              فيها فإما ضاع ضاع بهاؤها

لا خير في حسن الفتاة وعلمها    إن كان في غير الصلاح رضاؤها

فجمالها وقف عليها إنما                  للناس منها دينها ووفاؤها

وصدق الله العظيم حيث يقول : ((فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) ..

الاقتصاد :

وتبين الشاعرة المسلمة (ملك حفني ناصف) دور الاقتصاد في إسعاد العباد والبلاد، وتبين دور الفتاة في بناء الأسرة، فتقول :

في كل شيء الاقتصاد       عنوانُ خير يستزاد

يبنى على أساسه إن           تم إسعاد البلاد

وإضافة المليم تلو           مليم جمّعت التلاد

والبيت مملكة صغيــــــــــ       رةٌ الفتاة لها عماد

ما الأمة الكبرى سوى  الأفراد جمّعها اقتصاد

فالاقتصاد أساس تقوم عليه الأسرة، وبه تنهض الأمم، ويسعد أفرادها .

تقوى الله :

لقد نزل البلاء على الأمة، وتوالت عليها المحن والنازلات، وذهب مجد الجدود ولكن ذكرهم باقٍ، يشهد بفضلهم الأعداء، وآثارهم خلّدها التاريخ، فتنصح الشاعر أبناء الأمة بتقوى الله والسير على قدم الأجداد العظام، فتقول من البحر البسيط وهو من البحور التي تستوعب جميع الأغراض وهو يفوق الطويل رقة وجزالة لذا جاءت معظم البديعيات والمدائح النبوية على هذا الوزن :

قَومِي عليكم بتقوى الله إنكمو            رزئتمو بصروف الدهر والغيَرِ

ماتت جدود لكم لكنّ ذكرهمو          باق لنا في جبين الدهر كالغُرر

قد خلّفوا الفضل والأزمان شاهدة        بمجدهم ودليل القول في الأثر

وتعجب الشاعرة المسلمة الغيورة من ضياع الشباب، وهم العدّة وقت الشدة، وهم الثورة والثروة، ولكنهم تركوا تعاليم الشرع الحنيف، فتاهوا عن الطريق ، وتفرق شمل الأمة، ولو أنها عادت إلى وحدتها لكانت زينة الأمم وسيدة العالم :

وأنتمو في الشباب الغض ليس لكم سوى المساوىء في ألف من الصور

تركتمو الدين والشرع الشريف فوا     خوفي عليكم من التفريق واحذرى

تفرق الشمل منكم دون نيل منًى           ولو جمعتم لصرتم زينة البشر

رثاء عائشة التيمورية :

رحلت الشاعرة عائشة التيمورية عن الدنيا، وتركت على صفحات التاريخ بصمة واضحة وصورة ناصعة، خطت حروفها بماء الذهب، فرثتها الشاعرة باحثة البادية، وبينت فضلها على دعوة الإصلاح وتحرير المرأة المسلمة ، فقالت من البحر الوافر وهو من ألين البحور وزناً، وأكثرها مرونة، يستد إذا شددته ويرقّ إذا رققته . وهو في كلا الحالين يشيع فيه نغمٌ جميل وموسيقا عذبة تنساب في ثنايا أجزائه ويصلح كثيراً لموضوع الرثاء وهو من أكثر البحور استعمالاً :

ألا يا موت ويحك لم تراع             حقوقاً للطروس ولا اليراعِ

تركت الكتب باكية بكاء        يشيب الطفل في مهد الرضاع

ولم تهب الفضائل والمعالى        وطول السعي في خير المساعي

ولم يمنعك مما رمت نثر               ولا شعر ولا حسنُ ابتداع

نراك تجود بالأرزاء حتى           عددنا البخل من كرم الطباع

تبدأ الشاعر القصيدة بالتصريع وهو تقليد للقدماء ويكسب الشعر جرساً موسيقيا محبباً، ويشد المتلقي إلى متابعة معاني القصيدة ، التي تؤكد الشاعر فيها أن الموت لم يراع حرمة الشعر والنثر، ولم يقدر جهود الشاعرة عائشة التيمورية، ولم يحفل بإبداعها، فانتزع روحها، وترك كتب العلم والأدب تبكي على فقدها، وتطلب باحثة البادية من قلبها أن يحزن، ومن عينها أن تدمع، فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ، ..وتصور حال النساء بعد رحيل رائدة الإصلاح الاجتماعي، فتقول :

فذب يا قلب لا تكُ في جمود       وزد يا دمع لا تك في امتناع

ولا تبخل علىّ وكن جموحاً           فكنز العلم أمسى في ضياع

سنبقى بعد عائشة حيارى             كسرب في الفلاة بغير راع

لقد تركت عائشة التيمورية فراغاً برحيلها لا يمكن أن يسده أحد، وضاع كنز من كنوز العلم ، وصارت النساء بعد فقدها كسرب في الصحراء بلا راع ولا قائد .

أخلاقها وسجاياها :

لقد جمعت عائشة التيمورية من الأخلاق أحسنها، ومن العلوم أفضلها، فكانت جوهرة فريدة، ودرة مصونة ، حافظت على حجابها وعفتها ، دعت للخير ومكارم الأخلاق، وحميد الصفات، ونشرت العلوم النافعة :

هي الدر المصون ببطن أرض       وقد كانت كذلك في قناع

هي البحر الخضم وما سمعنا       بأن البحر يدفن في التلاع

وكانت للمكارم خير عَون        وللخيرات كانت خير داعِ

لها القدح المعلى في العوالي       وفى نشر المعارف طول باع

وتناجي الراحلة ، وتصور حزن الناس وعارفي فضلها على فقدها، وتصفها بشمس المحامد، وخير النساء، لقد أصبحت قدوة لبنات جنسها :

فيا شمس المحامد غبتِ عنّا            وخلَّفت البكاء لكل ناع

ويا خير النساء بلا خلاف              وقُدوتنا بلا أدنى نزاع

لقد أحييت ذكر نساء مصر       وجدَّدتِ العلا بعد انقطاع

وشدت صروح طُهر باذخات       محصَّنة كتحصين القلاع

بنى تيمور خطبكمو جليل        له وجه الفضيلة في امتقاع

وصبركمو أجل ومَن سواكم         من الأقوام أولى باتباع

لم تكن عائلة بني تيمور هي التي خسرت عائشة بل لقد فقدتها الأمة، وخسرتها مصر، قلما يجود الزمان بمثلها .

حجاب المرأة المسلمة :

لقد بذلت الشاعرة النصيحة إلى بنات جنسها وكانت مخلصة في دعوتها، تبتغي الخير للمرأة المسلمة، وتسعى للنهضة بأحوال النساء، وتناولت هذا الموضوع بصراحة واضحة، وابتعدت عن أسلوب اللف والدوران، ولم تقلد في ذلك دعاة الشرق والغرب :

أعملت أقلامي وحينا منطقي         في النصح والمأمول لم يتحققِ

وظننت إخلاصي يفيد وهمتي        تفضى بمن أشقى لهن إلى الرقى

أكبرت نفسى أن يقال تملقت         لا كان عيش يرتجى بتمــــــــــلق

وإذا تســـــــــــــلق بالخديعة كاتب             يبغى بها العلياء لم أتمــــــــــلق

تخذوا مناطيد الدهان ذرائعاً             للمجد لكني بجدي أرتقي

سيّان بعد رضى ضميري من غدا       لي مادحاً أو قادحاً لم أفرق

إن الحقيقة كيف يخفى ضوؤها         مدح المحب وترهات المحنق

والرأي يجلوه التباين مثلما         يجلو المحكُ العسجد الحر النقي

أيردني عما رأيت معاند             ومقال حاسدة وكذب ملفق

لعدمتُ آدابي وحسن تجلدي      إن صدني قول البغيض الأحمق

وتبين رأيها في الحجاب، وتدافع عنه، فتقول :

أ يسوؤكم منا قيام نذيرة                 تحمى حمـــــــــاكم من بلاء محدق

أيسركم أن تستمر بناتكم              رهن الإسار ورهن جهل مطبق

فهي تفتخر بأنها صنعت مجدها بيديها، وبذلت قصارى جهدها لتصل إلى غاياتها النبيلة، ولم تتملق أحداً، ولم تتزلف إلى أحد، ثم تمضي الشاعرة في موضوعها، وترد على دعاة السفور الذين شجعوا المرأة المسلمة على التمرد على المبادئ والقيم الإسلامية وهم فعلوا ذلك ليس حباً بالمرأة ، بل لإشباع غرائزهم ، حيث تقول :

هل تطلبون من الفتاة ســـــــــفورها       حسن ولكن أين بينكم التقى

تخشى الفتاة حبائلاً منصــــــــــــــــوبة         غشيتموها في الكلام برونق

لا تتقى الفتيات كشف وجوهها       لكن فساد الطبع منكم تتقى

إن المرأة المسلمة لا تخشى من كشف وجهها ، ولكنها تحذر من الفساق والفجرة من الرجال، وتدعو هؤلاء إلى إصلاح أنفسهم، ثم بناتهم وأسرهم :

لا تطفروا بل أصلحوا فتياتكم          وبناتكم وتســــــــابقوا للأليق

هل قمتمو بفرض نسوتكم وهل      هذبتمو من طبعهن الأخرق

أسبقتمونا للفضيلة والتقى        وخشيتمو الهلكات إن لم نلحق

وتعيب على ذلك النفر من الرجال الذين يعاني من الضياع، ويقضي أوقات فراغه في المقاهي، بينما يغلق الأبواب على النساء، فتعاني المرأة المسلمة من الجهل والأمية، وتكثر مشاكل الأسرة، وينتشر الطلاق ، ويتفكك المجتمع المسلم :

تتنقلون لمنتدى من قهـــــــــــــــوة           ونساؤكم في ألف باب مغلق

إن الزواج على خطورة شأنه               آلت روابطه لشرِ ممزق

اليوم عرس باهظٌ نفقـــــــــــــــــــاته               وغدا تقام قضية لمطلق

أتعاقدون على الحياة شريكة          غيباً أيمقت عاقل من ينتقى

من سار أعزل للقتال فإنه         لا يشتكى طعن العدو الأزرق

من يطلب العلياء دون تدبر          لا تعجبن لسعيه أن يخفق

هلا صرفتم بعض وقتكمو على  رأب الصدوع ورتق ما لم يرتق

لا تدخلون الدور إلا برهة             تردونها لضرورة كالفندق

لا تصدر الآراء ينقض بعضها    بعضاً فتمسى في مجال ضيق

يا ليت شعرى والمشارب أمرها    متعاكس من أي ورد نستقى

وتطلب من هؤلاء أن يتركوا المرأة وشأنها ، فهي أدرى بما يصلحها ، وعلى دعاة التحرر والسفور أن يهتموا بالأمور الخطيرة التي تحدق بالأوطان :

فدعوا النســـــــــاء وشأنهن فإنما        يدرى الخلاص من الشقاوة من شقى

وأمــــــــــــــــــــامكم غير القناع مآزق          أولى بها التفكير مـــــــــــــــــــن ذا المأزق

ليس السفور مع العفاف بضائر     وبدونه فـــــــــــــــــــــــــرط التحجب لا يقي

عمل المرأة المسلمة :

أجاز الفقهاء للمرأة المسلمة أن تعمل خارج المنزل بشروط منها: أن لا يكون محرماً، وأن يراعي أنوثتها، وليس فيه اختلاط، وأن لا يخل بوظيفتها في بيتها، وأن لا تأخذ مكان غيرها من الرجال، كتبت الشاعرة باحثة البادية قصيدة تتألف من 60 بيتاً من مجزوء الكامل تقول فيها وترد على شوقي :

يا هذه لا تعذلي            وإذا أبيت فقلّلي

أفرطت في لومى ولو       انصفتني لم تفعلي

لا خير في نجوى بغيــــــــــــــ              ر روية وتعقل

ماذا فهمت من الكنا        ر ومن حديث البلبل

حتى سخطتِ على المعيـ       شة في ظلال المنزلِ

وودتِ أن تجدي مقا             ماً بالعراء فتنزلي

أو دمنةٍ عند اللوى         بين الدَّخول فحومل

وترد على أحمد شوقي الذي صوّر المرأة المحجبة بطائر الكنار الذي يعاني في القفص، وتعتبر باحثة البادية هذا الكلام خيال شاعر :

ربُّ الكنار أظنه              عما زعمت بمعزل

خال الكنانة طائراً          والشعر حسن تخيل

فحنا على مثواه في       قفص النحاس المقفل

ونعى زمان مراحه           بين الربا والجدول

والقيد ذل لو يكو       ن خلاخلاً في الأرجل

وغدا يعزيه ويأ               مره بحسن تجمّل

ويقول إن الحبس حر    ز من تقصّى الأجدل

أهدى القصيدة في    الجريدة لي هدية مفضل

كمؤلف يهدي الكتا       ب إلى سرِى أمثل

يرمى إِلى تشريفه              ويخصه بتطول

هي عادة مألوفة        في الناس منذ الأول

فشكرت مهديها وقد       قابلتها بتقُّبل

هذى الحقيقة يا فتا       ةُ تلوح للمتأمل

لكن جهلت الأمر   والمعهود أن لا تجهلي

لقد بينت باحثة البادية حقيقة دعاة السفور ونواياهم الخبيثة، إنهم يريدون تحرير المرأة من قيود الحجاب ليسهل عليهم اصطيادها، والعبث بعرضها وشرفها، وترى الشاعرة أن بقاء المرأة في المنزل هو أجدى لها وأنفع، فالبيت هو مملكتها:

 مجدُ الفتاة مُقامها           في البيت لافي المعمل

والمرء يعمل في الحقو            ل وعرسه في المنزل

كم خدمة يقضَى نظا         م البيت إن لم تعمل

مَــــــــــــــــــــــن للوليد يعينه             في لبسه والمــــــــــأكل

ويميط عنه أذى الهوى            بتلطــــــــــــــــف وتحيّل

من للرضاعة والحضا            نة والفطام وما يلي

من للمريض يحوطه               أبداً بدون تململ

يجرى على وصف الطبيـ   ب على الطريق الأفضل

من للأثاث يصــــــــــــونه          من للذخائر والحلى

من يطعم الغرثان من              متزود ومحوصل

إن الدواجن والطيو          ر تموت إن لم تأكل

من يُقسم المذخور            بين الحال والمستقبل

من ذا يعلم خادما         ت البيت فعل الأكمل

وهي معتدلة في دعواها، فالخروج من المنزل للضرورة لا بأس به، فالضرورات تبيح المحظورات، وليس صحيحاً أن نساء السلف كنّ لا يخرجن إلا ثلاث مرات : الأولى تخرج من بطن أمها إلى الدنيا، والثانية تخرج من  بيت أبيها إلى بيت زوجها، والثالثة تخرج من بيت زوجها إلى المقبرة، ونسي هؤلاء المتطرفون أن أمهات المؤمنين شاركن في الجهاد، وإسعاف الجرحى، وعين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الشفاء بنت عبد الله ترعى مصالح النساء، وتمنع النياحة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر :

لكن إذا دعت الضرو       رة للخروج فحيهلي

سيرى كسير السحب       لا تأنَى ولا تتعجلي

وتنكبي نهج الزحا         م وفضلى النهج الخلي

لا تخضعي بالقول أو          تتبرجي أو ترفلي

لا تكنسي أرض الشوا        رع بالإزار المسبل

وتدعو المرأة المسلمة إلى ترك التطرف والتشدد، لأن بعض أئمة أهل السنة والجماعة كان يرى أن الوجه والكفين ليسا بعورة ، ولاسيما إذا كانت المرأة، كبيرة السنّ وليست بذات جمال لافت :

أما السفور فحكمه         في الشرع ليس بمعضل

ذهب الأئمة فيه بين           محـــــــــــــــــــــــــــــــــــرم ومحلل

ويجوز بالإجماع منهم              عند قصد تأهل

ليس النقاب هو الحجا       ب فقصِّرى أو طوِّلي

فإذا جهلت الفرق          بينهما فدونك فاسألي

مِن بعد أقوال الأئمة لا             مجال لمقولي

لقد أجاز الشرع نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة، وهناك فرق بين النقاب والبرقع والحجاب، وتعجب من بعض النساء اللواتي رحن يرددن على أقوالها وأفكارها، فتقول :

فعلام أكثرت الملامة        وانضممت لعذلي

و سقيتني من مُرِّ قو       لك مثل نقع الحنظل

ونسبتني حينا لمذ         هب قاسم وأبى علي

تعنين ويلك أَنني            أمــــــــــــــــــــــــــّارةٌ بتبدل

أَدعو النساء للعب با      ريزٍ ولهو بروكسل

ونسبتنى حيناً إِلى         تجميل ما لم يجمل

جعل الحرائر كالإما        ء خوادماً للنزّل

ليس الكلام بمبهم         فتفسري وتؤولي

لا ينفع التشكيك والتأويل   في الأمر الجلي

قلت النقاب سكت عنه  نعم بدأت فكمِّلي

ولأي شيء يا تُر         ين بغيره لم تحفلي

كم مبحث ما جلت فيـــــــــــه وجلَّ من لم يغفل

من ذا الذى جاءت مقا       لته بكل مؤمل

لا أبتغي غير الفضيـ       يلة للنساء فأجملي

إن لم تري رأيي فيا       ويل الشجي من الخلي

لقد ظنت بعض النساء أن باحثة البادية على مذهب (قاسم أمين) في تحرير المرأة، وأنها تأثرت بأفكار أحمد شوقي الذي أهداها قصيدته بين الحجاب والسفور، فهي لم تتأثر بأفكار التغريب، ولكنها دافعت عن فكرها الإسلامي، وكانت ترى أن     ( الإسلام هو الحل)، فإذا كانت بعض النساء لم يفهمن مقصدها، وأنها تريد الخير والفضيلة للمرأة المسلمة ( فويل للشجي من الخلي )، ..

نصيحة للأخت المسلمة :

وتقدم الشاعرة باحثة البادية النصيحة للفتاة المسلمة، وتطلب منها ألا تجزع لما يصيبها، وأن لا تقع في التشاؤم والإحباط، وأن تتذكر المحرومين لتهون عليها المصيبة، فتقول :

اصرفي ما استطعت عنك الهموما       واحذري الحزن والأسى أن يقيما

قدّري إن أصابك الشـــــــــــــــــــر يوماً         أن مــــــــــــــــــــــازال عنك كان عظيما

وإذا ما أصبت في الدهــــــــــــــر مالاً             فاذكري فاقـــــــــــــداً لهُ محـــــــــــروما

فتعيــــــــــشي بغبــــــــــــــطة وهنـــــــــــــــــــــاء            ويكون الشـــــــــــــــــــــقا لديك نعيما

تعليم البنات :

وتبتهج الشاعرة باحثة البادية لأنها قطفت ثمار دعوتها الإصلاحية، ورأت نساء مصر يتسابقن نحو العلم، مع الحفاظ على الفضيلة والعفاف، فتقول :

بشرَى لمصر فقد نالت أمانيها            وأنجح الله بالحسنى مساعيها

فنالت الفخر والمجد اللذين هما           مشكاة نور به أبيضت لياليها

وصارت الآن في الأقطار مفردة       فليس في الكون من قطر يساويها

فكيف لا وبنات القطر قد وردت         ورد المعارف فهو اليوم راويها

حزنَ الفضائل بارين الرجال وقد           صرن المفاخر للدنيا وما فيها

نلن الشهادة في عصر به طلعت         شمس المعارف في أبهى مجاليها

فقمن جمعاً بنات القطر قلن معي        بشرى لمصر فقد نالت أمانيها

لقد حققت دعوة الإصلاح بعض أهدافها حيث تسابقتِ النساء إلى دور العلم والمعرفة، ودخلن المدارس، وحزْنَ الشهادات العلمية .

رثاء الإمام محمد عبده :

وكتبت باحثة البادية قصيدة في رثاء الإمام محمد عبده، وهي من البحر البسيط، وتقع في /32/ بيتاً، تقول في مستهلها مصورة هول الفاجعة التي أصابت المسلمين جميعاً ، فراحوا يبكون عليها دماً ممزوجاً بالدموع :

ليبك العلم والإسلام ما سلما      وليذرفا الدمع أو فليمزجاه دما

وليبعث الفضل في منعاك روح أسى  كما بعثت إِلى تحصيله الأممَا

غالتك غائلة الموت التي صدعت من الهدى علماً تعشوا له العُلما

مددت للعلم في مصر جداوله    فلم تدع في نفوس الواردين ظما

عدو البدع والخرافات :

لقد طهر الإمام محمد عبده هذا الدين العظيم من البدع، والأساطير التي ألصقت به عبر العصور

والدين طهرته من بدعة عرضت       عليه في سالف العصر الذى انصرمَا

تعليم المرأة :

إن النساء شقائق الرجال ، ولهن نفس حقوق الرجل في الحياة، والحرية، والعيش بكرامة، وحق التعليم ، وهذا ما أكد عليه الإمام محمد عبده في إصلاحاته :

 والعلم والدين للجنسين مطلب      فليس يختص جنس منهما بهما

فنحن في الحزن شاطرنا الرجال كما     في الاستفادة شاطرناهم قِدما

دور الشيخ محمد عبده في الإصلاح :

ويشهد للإمام القاصي والداني، بأنه أول من حمل راية الإصلاح، وحارب التقليد، ودعا إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، لكي تواكب تعاليم الإسلام مستجدات العصر والحضارة، ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان :

لهفى على طرق الإصلاح قد تركت          بلا مناد وأمسى نورها ظلما

يا حجة الدين من يبنى دعائمه                للمسلمين إذا بنيانه انهدمَا

عدت عليك عوادي الدهر فاقتلعت        من بيننا برداك العلم والكرمَا

لقد صان الإمام دعائم الدين، وحافظ على أركان الإسلام، فكان حجة الإسلام، وتأسف لفقده ، فهو إمام لا يمكن أن يجود الزمان بمثله .

نصير الضعفاء، والمحرومين :

لقد أسس الإمام جمعية خيرية يواسي فيها الفقراء، ويساعد المحرومين والجياع، فأحبه الناس :     

 و احسرتاه على العافين من لهم          يسد إعوازهم إن حادث دهَما

إذا شكا معدمٌ يوماً خصاصته            بسطت كفًّا له بالمكرمات همى

إصلاح الأزهر :

ودعا الإمام محمد عبده إلى إصلاح الأزهر الشريف، وأدخل فيه العلوم العصرية، من جبر وهندسة، وفلك، واقترح على شيخ الأزهر أن يضع ( مقدمة ابن خلدون ) بين المواد الدراسية:

نشرت في الأزهر الإصلاح منتصراً              للحق معتضداً بالله معتصما

رددت (هانوتو) والقـوم الذين نحوا              منحاه في فرية في ديننا زعَما

حملت من خطط الأعمال أصعبها            إن العظائم في الدنيا لمن عظمَا

عاجلت يا موت مولانا وسيدنا                 تبّت يداك لقد أورثتنا العدمَا

فصاحة الإمام، وبلاغته :

وأشادت الشاعرة ببلاغة الإمام، وفصاحته، وسحر بيانه، وتخليصه اللغة العربية من العجمة والتكلف والسجع، والمحسنات اللفظية والمعنوية، ليعبر كل إنسان عن فكره ومشاعر بعفوية وطلاقة،  فقالت:                                                                                    بكلامه الدر إِلا أنه  حكمٌ          فهل سمــــــــــــــــعت بدرٍ ينتج الحكما

إذا على منبرٍ فاضت بلاغته        بالموعظات نسيتَ العرب والعجمَا

مفتي الديار :

وجاءت فتاوى الإمام كالبلسم الشافي، تشخص الداء، وتصف الدواء الناجع له، وتندب الإمام وتذكر بسخائه وكرمه، وضياع الآمال من بعده، فهو أمل الأمة في الإصلاح والتحرير من نير العبودية  :                                                                                                 من للمحاكم والفتيا ينظمها                  ومن لمجلس شورانا إذا التأما

ومن لجمعية العافين يسعفهم                 إذا الزمان بهم لم يبق غير ذما

محمدٌ ضاعت الآمال وارتجعت               إِلى الوراء أمانىٌّ ســــــــــــــرت أمَما

غاض الوفاء كما فاض الشقاق      بوقت زاد النفاق فأما الحق فاهتضما

والدهرُ آلى فلا حول ولا حيل            أن لا يراعى لنا إِلاًّ ولا ذممــــــــــــــــــــا

وقد قضى الله أن نبقى بمنخفض          نرى على هامنا مِن غيرنا قدما

الرد على خصوم الإمام :

وترد الشاعرة على خصوم الإمام الذين لم يستطيعوا أن يجاروه في العلم، والعمل، والإصلاح، فكادوا له، وحسدوه، فلنستمع إلى الشاعرة، وهي تقول :                                      

 يا أيها الحاسدوه  ضل سعيكم                أمـــــــــــا نهاكم ضمير عن أذاه أما

كفاكمو ما رميتم قبل مصرعه                 شلت يمين فتىً  بعد الممات رمى

إن المنايا لأقوام  الورى شرعٌ                     من رام في دهره خلداً فقد وهما

إن السحاب يصيب الأرض ماطرُه           ويسلم الكل فيها ما خلا القمما

وفى الكواكب لا يعرو الكسوف سوى     شمس وأحسن ما في الروض ما رجما

كفاك من هذه الدنيا متاعبها                 لا يدرك النور من في مقلتيه عمى

ولا يلذ بأنغام توقعها                          ذو عاهة يشتكى في أذنه صمما

أحلك الله دار الخلد دانية                        قطوفها وسقاك الدائم الديما

فما بالكم أيها الحاسدون ، أما رأيتم أن الكواكب تملأ السماء ، ولكن لا يكسف منها إلا الشمس والقمر ، وتصور حال أولئك الخصوم بأنهم فقد البصر والبصيرة فلم يشاهد محاسن الإمام الراحل، فأين للأصم أن يدرك سحر تلك الكلمات الباهرة ، وأنّى للأعمى أن يبصر تلك الآيات الساحرة.

وبعد :

هذه شذرات من بحر باحثة البادية، التي كانت بحق رائدة الإصلاح الاجتماعي في مصر والعالم العربي، لقد شخصت الداء، ووصفت الدواء في زمن عزّ فيه الدواء .

فلو كانت النســــــــــــاء كمثل هذي          لفضّلتِ النساءُ على الرجالِ

فلا التأنيثُ لاسم الشمسِ عيبٌ          ولا التذكير فخــــــــــــــرٌ للهلالِ

نفع الله نساء الأمة بجهود وكتب هذه الرائدة ، وتقبل الله عملها وجزاها خيراً عنا وعن بنات جنسها، إنها سليلة الخنساء وليلى الأخيلية وعائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها - ....

مصادر البحث :

1-            الأعلام – خير الدين الزركلي – دار العلم للملايين – بيروت – 1990م .

2-            المسلمة العصرية عند باحثة البادية – عبد المتعال الجبري – دار الأنصار – القاهرة – 1976م .

3-            آثار باحثة البادية – مجد الدين حفني ناصف – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر .

4-            باحثة البادية – مي زيادة – مؤسسة نوفل .

5-            مي زيادة مع رائدات النهضة الحديثة – منصور فهمي .

6-            موسوعة الشعر العربي – قرص حاسوب – انتاج مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم .

7-            مقرر مادة اللغة العربية في المناهج السورية – الصف التاسع – ج2 / ص 70- 74 .

وسوم: العدد 734