محمود مفلح و نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني

محمود مفلح و نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني

محمد سيد بركة

[email protected]

محمود مفلح موهبة أدبية تستحق الدراسة والنقد لأنه شاعر متمكن من فنه مطبوع على قول الشعر لا يتلكأ ولا يتعثر وذو تجربة أدبية طويلة ناضجة  وهو مع شاعريته الأصيلة المتدفقة قصاص وناقد  له من المجموعات القصصية : " المرفأ"  " القارب"  " إنهم يطرقون الأبواب "  أما مجموعاته الشعرية فهي : مذكرات شهيد فلسطيني وحكايات الشال الفلسطيني  وشموخا أيتها المآذن  والبرتقال ليس يافاويا  والمرايا  والراية  وفضاء الكلمات  وإنها الصحوة  إضافة للمجموعة الشعرية  التي سنتكلم عنها وهي " نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني "

ولمفلح كتابات نقدية نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية .

والشاعر فلسطيني ولا فخر فقد ولد على ضفاف بحيرة طبريا عام 1943 وفي تلك الربوة الطيبة نشا الشاعر يقول عن نفسه " ومنها  أي من تلك الربوع  تعلمت الأبجدية الأولى ومازالت النشأة الأولى تمدني بزخم شعري لا ينتهي وكأني مازالت فيها رغم أن الهجرة منها بدأت كما هو معروف عام 1948 حيث انتقلت العائلة إلى سوريا وفيها تعلمت وحصلت على الإجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1967 وأنا الآن أعمل موجها للغة العربية في منطقة نجران بالسعودية " .

محمود مفلح شاعر مسلم ملتزم . الشعر عنده صيغة من صيغ العمل الصالح ووجها من وجوه الدعوة  وفعالية اجتماعية وإنسانية  فالشعر عنده هم ودعوة . وجهاد  وليس عبثا ولهوا  وانتهازية فضفاضة على مسرح الأحداث كما هي عند الكثيرين .

يقول في ديوانه " الراية ":

أنا لست أعبث بالكتابة

أنا لست أركب موجة الشعر الرخيص

ولا طرقت عليه بابه

أنا لم أصفق للذين تورمت أوداجهم

في موسم العرب الخطابة

 أنا لم أمت فيهم صبابه

ويقول في " نقوش إسلامية " :

الشعر ضوء عيون أسكبه على

السطور فكان الطرس يلتهب .

الشعر جمرة إبداع تعذبني

وقودها الفكر والإدمان والعصب .

مضى الزمان الذي كانت

قصائدنا تؤم قصورا عندها الذهب .

إن كان شعرك للشيطان منتسبا

فإن شعري للرحمن ينتسب.

والشاعر نتيجة التزامه يعاني  والتزامه يكلفه الكثير يقول :.

أنا منذ أطلقت العنان لأحرفي .

وبدأت أطلق بالقلم .

أدركت أن الدرب مذأبه .

وأن الحرف مسغبه .

وإن أمت سأموت من أجل القيم .

ولأجل هذا صنفت في الشكوك .

ووزعت في التهم .

والمتأمل في عناوين مجموعاته الشعرية وكتاباته القصصية يلمح أثر المحنة التي عاشها ولا يزال مع شعب أرض الرسالات الإلهية " فلسطين " حتى أصبحت المعاناة والمحنة شيئا من كيانه وباعثا للتعبير والعطاء في كثير من الظروف والقضايا ومنطلقا لكثير من اهتماماته وأهدافه فشعر مفلح وإخوانه ( عدنان النحوي ، كمال رشيد ، مأمون جرار، وغيرهم ) مرآة تنعكس فيها ملامح الوجع والهم الفلسطيني وتستبيح المعاناة الفلسطينية المستمرة حياتهم  أليسوا فلسطينيين  "

يقول مؤلفا كتاب " شعر الدعوة الإسلامية في العصر الحديث "  إن النكبة بل النكبات التي حلت بفلسطين تركت بصماتها واضحة على أبنائها  وخاصة أولئك الذين أتوا حظا من الإحساس المرهف فصاغوه شعرا معبرا  وقد استأثرت فلسطين بأحاسيس شاعرنا وسيطرت على فكره ووجهت شعره ? فكان الإحساس بالنكبة لديه إحساسا طاغيا وكان إيمانه بأن البعد عن العقيدة والتنكر لها هو السبب الأكبر لهذه النكبات المتوالية  إيمانا راسخا " .

محمود مفلح إذن شاعر مسلم ملتزم يعتز بإسلامه عقيدة وانتماء وحضارة وهو لا يرى في انتمائه إلى الإسلام عقدة تحول بينه وبين الفعل والإبداع  ويقول صراحة ودون خجل : " أنا مسلم ? وهذا انتمائي  كما شئت يا حياة فكوني

 ملء صوتي أقولها

 ملء نبضي

 ملء شمس الوجود

 وملئ يقيني

 مسلم  مسلم وتحتفل الأرض وتزهو مرابع الزيتون .

كما يرى أن العروبة دون الإسلام كلمة جوفاء وان أمة العرب بدون عقيدة الإسلام أيضا لا قيمة لها  ويقول :

" إن العروبة دون هدي محمد خير البرية كلمة جوفاء

والعرب من دون العقيدة أمة مهزومة وإدارة شلاء

 إن العقيدة سيفنا وجهادنا والعروة الوثقى والاستعلاء .

"نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني "

أما ديوان "نقوش إسلامية " فهو يومئ من العنوان إلى الروح التي تسري في خبايا قصائده ومضامين شعره ? إنها العقيدة التي يعتقد بها ويري أنها المحرك الأساسي لكل قضايانا وحياتنا والمسار الصحيح لكل خطواتنا وأهدافنا ? وقضية فلسطين كما يراها الشاعر محمود مفلح ? وهي محور اهتمامه في كل كتاباته ? هي قضية عقيدته ودينه قبل أن تكون قضية أرض وتراب وهذا هو الواقع اليوم يبرهن على ذلك بدماء الشهداء ومئات الضحايا في أرض الإسراء والمعراج .

وجاء الديوان في 134 صفحة من القطع الصغير يشمل 35 قصيدة ? وقصائد الديوان كلها تدور حول محور أساسي وهو فلسطين وانتفاضة أبنائها المبارك ? وإذا استثنينا بعض القصائد القليلة التي جاءت تعبر عن هموم ذاتية للشاعر مقل قصيدة " ولدي " التي قالها على أثر مرض ألم بولده وقد شفاه الله منه ? وقصيدة "آلاء" ابنة الشاعر .

تأتي القصيدة الأولى من الديوان تحت عنوان " يا قدس " يقول فيها :.

يا قدس يا بلد الإسراء يا لغة كالجمر يتقنها من كابد الشجنا .

يا وردة الجرح ? يا أم العيال فهل ينسى بنوك النشامى الثدي واللبنا.

من قال إن المآسي لا تضاجعنا وإننا بعد لما ندفع الثمنا .

وهذا يذكرنا بقصيدة لها في ديوانه " شموخا أيتها المآذن " التي يقول فيها " .

يا قدس يا بلد الإسراء يا سكن إني لأسمع صوت الحق قي أذني .

وأبصر الراية الخضراء ترفعها كتائب الله قد ضجت بها مدني .

فالليل يعقبه فجر ومئذنة والله أكبر نبراس على الزمن .

والشاعر في هذه القصيدة أكثر تفاؤلا بالغد الذي ينتصر فيه الحق وتعلو راية الإسلام بينما هو في قصيدة " يا قدس " يرثى لما وصلنا إليه من تردي وإن كان الشاعر لا ييأس فيبث الأمل والاستعلاء فوق الآلام والأحداث حتى نواصل السير وننتصر على كل هذه المآسي ? فيقول :.

والأقربون وما أدراك حالهم لم ينفضوا بعد عن أجفانهم وسنا .

لكننا ما خفضنا قد جبهتنا ولا نكسنا سيوفا حرة وقنا .

ولا نسينا ورب البين سوسنة ولا جناح هزار رف أوسكنا.

وفي معظم قصائد الديوان نجد مصطلحات الانتفاضة هي السائدة فهي تبرز في القصائد مثل " الجهاد .. المآذن .. المساجد .. الحجر .. الطفل .. طفل الحجارة .. حماس .. الشهادة .. الشهيد .. القدس .. الزيتون .. الإسراء " كما يستخدم الشاعر رموز الجهاد الإسلامي : " خالد .. أبو عبيدة .. سيف الله .. عمر .. القادسية" .

وتأتي القصيدة الثانية في الديوان تحت عنوان " حماس " وهي مهدأة إلى حركة المقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة . وفي هذه القصيدة يعلق الشاعر كل الآمال على هذه الحركة التي جاءت على قدر وصارت ملئ السمع والبصر .. فهي الخلاص وهي المنقذ . ولم لا تكون كذلك ? وقد جعلت القرآن نبراسها والإيمان أساسها . ويقول : .

مازال في أرض الكرامة خالد وأبو عبيدة ما يزال يغير .

لا تسقطن علم الجهاد فإننا شعب على غمراته مفطور .

مازال في تلك الأكف حجارة والله رب العالمين نصير .

إلى أن يقول .

من أربعين ونحن في مأساتنا

والركب يخطو والطريق هجير.

من أربعين ولم يفرد طيرنا

وكهوفنا بين القبور قبور !!.

والأقربون قصورهم مشهودة

 ولباس أبناء القصور حرير .

حتى أطلت كالصباح "حماسنا"

وحداؤها التهليل والتكبير.

فإذا سيوف القادسية شرع

وإذا قلاع الغاصبين جحور .

شدي حماس أنت فجر خلاصنا

 أنت الباب وما عداك قشور .

شدي ولا تصغي إلى أوهامنا

 دعي كئوس المترفين تدور .

ويستمر على هذه النغمة في قصيدته الثالثة " عامان " التي قالها بمناسبة مرور عامين على الانتفاضة المباركة فيقول فيها :.

عاد الزمان الفذ يا وطني

وعلا صهيل المجد يا عمر .

أرض الشهادة كيف تنكرها

والمسك في أرجائها مطر.

أرض القناديل التي سطعت

في ليلنا والليل معتكر .

أرض الحجارة غردي

 فأنا في مسمعي التغريد ينهمر .

عامان والأيام حافلة

قلوبنا للقدس تنفطر .

عامان والزيتون قامته

تعلو ويزجي خيله الظفر.

عامان والأقصى يعانقنا

وملاحم الأبطال تستعر

أما في قصيدته الرائعة " نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني " والتي أطلق أسمها على الديوان يحيي الشاعر أطفال الانتفاضة . فيقول :.

هاتي الزغاريد يا أماه عالية فإن أطفالنا في القدس قد كبروا .

ضمي الشهيد ولفي في عباءته كل الجراح فلا يبقى لها أثر .

وإن هذا زمان لاح عارضه وللعقيدة فيه القوس والوتر

من المساجد قد صاغوا ملاحمهم ومن مآذنها الشماء قد نفروا.

فكيف ينهزم الإعصار في بلدي ولحنه السرمدي الآي والسور.

وقد جاءت قصائد الديوان متنوعة حيث أفرد الشاعر مساحة لا بأس بها من الديوان لشعر التفعيلة إلى جانب الشعر العمودي قصيدة .. لو .. أم المدائن .. الأشجار .. النبع القديم .. الأيدي الأثيمة .

ويقول في قصيدة " الأيدي الأثيمة" :.

أيتها الأيدي الأثيمة .

عربدي ما شئت في ليل الجريمة .

وأحيلي كل شيء عندنا موتا .

ودقي في سلام الناس إسفينا .

ولا تبقي على أشمائنا الخضر الحميمة .

ففدا يأتيك سيف الله .

باسم الله يأتيك .

يهز الواقع المتحور .

يستل من القلب المجوسي سمومه .

إن بعد العسر يسرا.

إن سيف الله آت.

إن سيف الله أدرى.

كيف يجتث المباءات ويهوي بالنفايات .

يعيد الصلف المجنون قبرا .

والشاعر محمود مفلح في ديوانه هذا كما هو في كل كتاباته واضح العبارة لا يتكلف ولا يجري وراء الصور والأفكار وهكذا يأتي ديوان " نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني " تمجيدا للبطولة والأبطال وتسجيلا لمواقف الشرف والآباء وتعبيرا عن الأمل المرتجي بجيل النصر ومشاركة وجدانية بعد أن عزت المشاركة الفعلية ? هو في نفس الوقت الخطاب المر للقاعدين والمنشغلين بخصوصياتهم وللمرجفين المشككين بطريق النصر .

ما جاء سيف الله من خمارة ما أنجبته الليلة الحمراء .

والفاتحون وما أعز سيوفهم هم للعقيدة عصبة وفداء .

من سورة الإسراء تبدأ رحلتي وبدونها فقصائدي عرجاء .