القصة في أدب محمد الحسناوي
دراسات وإبداع
محمد الحسناوي رحمه الله |
يحيى بشير حاج يحيى |
تدرجت حياة محمد الحسناوي الأدبية، فانتقل من الشعر إلى النقد الأدبي في وقت مبكر منذ عام 1960م، إذ نجد له نقداً لمجموعة (قصتان من الماضي) لمحمد المجذوب، وفي عام 1963م يقدم رؤية خاصة في القصة الإسلامية من خلال مناقشته لما كتبه كل من الأستاذين يوسف العظم ومحمد الحلواني حول القصة الإسلامية، وكانت غايته استثارة الهمم للإهتمام بالفن القصصي والتخلص من مقولة أنه فن أجنبي مستورد، وعدم التأثر بما نُشر عنه في البدايات وحمل موجات من الإباحية والفسوق، لئلا يشكل ذلك موقفاً سلبياً من هذا الفن.
ثم نجده ومن خلال أهمية الفن الروائي، وواقعية الإسلام في معالجة المشكلات يناقش موضوعاً ذا أثر كبير في الفن والحياة فيقف وقفة طويلة عند بعض الأغراض وطرائق المعالجة للقصة الإسلامية عن المرأة والجنس، فيعرض نماذج من القرآن الكريم والقصص الإسلامي المعاصر، ويعرج على واقعية الإسلام التي تقر بإمكان سقوط الرجل أو المرأة ولكنه لا يسمح بإطالة الوقوف عند لحظات التردي والهبوط، كما يفعل الذين يتلذذون في تصوير هذه المواقف. وقد ينتقل إلى نقد النقد، كما في نقده لما كتبه أحد النقاد في مجلة الآداب اللبنانية حول قصة "ولهان والمتفرسون" لإبراهيم عاصي، وكان الحسناوي في رده شديداً وحاداً. ومثل ذلك في رده على انتقادات الأستاذ محمد حسن بريغش حول مفهوم القصة الإسلامية.
وفي الوقت الذي بدأ فيه بالنقد بدأ كتابة القصة القصيرة، وقد سارا في خطين متوازيين تقريباًً، وأخذا منه جهداً صرفه عن كتابة الشعر إلى حد ما، فما الذي أغراه بالقصة؟ يقول في مقدمة أول مجموعة قصصية له "الحلبة والمرآة" تحت عنوان تجربتي القصصية: في الحقيقة إنني أتساءل مع المتسائلين عن سبب هذا التحول أو الفتور عن عطاء الشعر، وفي أذني كلمات الشاعر (ت - س- اليوت) "إن القليل من الشعراء من يستطيع أن يظل شاعراً بعد الخامسة والعشرين" ويضيف الحسناوي بعد أن يعرض لتجارب شعراء اتجهوا إلى كتابة القصة وبرزوا فيها: إن وطأة المناخ العام وأثر التيارات السياسية والاجتماعية لهما دور في هذا التوجه، وأن على مَنْ يملك طاقة ألا يحصرها في طريق واحد وأنه يفعل ذلك "وظَنَنتُني أحسن صنعاً إذا تركت لنفسي العنان في التعبير الآني عما يروق لها من أعمال أدبية". ثم يعقب فيقول: لقد لاحظت في شعري تحولاً متدرجاً من القصيدة الذاتية الغنائية إلى القصيدة الدرامية القصصية حتى لقد هيأت نفسي في آخر أيام الشعر لتأليف مسرحية شعرية عن ابن تيمية، لذلك كانت أول قصة أكتبها بعد المرحلة الشعرية قصة "الحَلْبة والمرآة" وهي في تقديري تجمع بين التعبير الشعري نثرياً مع البناء القصصي ذي التقنية الحديثة، وكان بودي أن يتتابع عطائي القصصي على نهج "الحلبة والمرآة" لأخرج إنجازاً يُعتَدُّ به في ميدان التقنية القصصية الحديثة.
ولكن تجربة الحسناوي لم تلق لدى بعض النقاد صدى أو موافقة فقد عَدَّ د.مأمون فريز جرار في كتابه (خصائص القصة الإسلامية) الحسناوي من الكتاب الذين يسعون إلى تجاوز الشكل الفني التقليدي والبحث عن أسلوب جديد، وأنه تجاوز هذه التجارب في قصة "الحلبة والمرآة" التي حاول فيها المزج بين المسرح الذي يخاطب الجمهور الحاضر والإذاعة التي تخاطب الجمهور الغائب، وجمع فيها مجموعة من الأخبار المنتقاة التي تمثل الواقع في حقبة زمنية محددة بما سماه: أحدث قصيدة رثاء في الأدب العربي - خصائص القصة الإسلامية /د.مأمون فريز جرار /ص.252- ويضيف الدكتور جرار وأجدني أردد ما قاله عبد الرحمن مجيد الربيعي وأثبته الحسناوي على الغلاف الأخير لمجموعته القصصية (تشكل قصة الحلبة والمرآة لمحمد الحسناوي نموذجاً من اللعب الجديد باسم التجديد).ويضيف :
إن هذه القصة تدفع بنا إلى التساؤل عن كيفية كتابة قصة جديدة!! وإنني أرى أن على كاتب القصة الإسلامية ألا ينساق وراء التجديد الذي قد يُنتج أبناء غير شرعيين للفنون المعروفة وإلا فإن الأمر سينتهي بنا إلى الخلط بين هذه الفنون، فلا ندري حدود القصة والقصيدة والمقالة. والمتابع لما أصدره الحسناوي بعد ذلك من مجموعات قصصية أو روائية يجد إصراره على هذا التجديد وإن لم يكن قد شمل إنتاجه القصصي كله.
ونتوقف هنا عند روايته "خطوات في الليل" التي صدرت في عام 1994م فسيجد قارئ الرواية نمطاً من الكتابة يشبه نمط الكتابة التاريخية من بعض الزوايا، ويقترب من نمط كتابة المذكرات من زوايا أخرى، ويتقاطع مع كتابة السيرة الذاتية من وجوه، ومع كتابة قصص الرحلات من وجوه أخرى، سيجد الحلم بأنواعه المعروفة والمتخيلة، ومن أنماط من الخيال، ونمطاً متميز من المغامرة -المغامرة الفنية تحديداً- نمط معروفاً إلا أنه قد لا يكون مألوفاً إلا للقليل من القراء، وهي مغامرة لأنها جمعت عناصر شتى (توليفة) واحدة ضمن إطار فني روائي واحد.
1- إدخال الفن الشعري في نسيج الرواية في مواضع عدة.
2- الحرص على صناعة سلاسل معقدة من الحلم والواقع.
3- إدخال القرآن والتفسير والأقصوصة والمثل.. إلخ.
4- استعراض فيلم سينمائي مما اختزنته الذاكرة.
5- أحاديث عن التذوق الفني والجمالي في النصوص القرآنية والأدبية.
6- حوارات حول قضايا سياسية واجتماعية.
7- المزج بين أدق التفصيلات الواقعية والسبحات الذهنية والخيالية.
ويضيف الناقد عبد الله عيسى السلامة في تقديمة للرواية: إن هذه الرواية عالم رحب وميدان خصب مثير، يفيد منها القارئ -أي قارئ- في معرفة أحلام ابن الخمسين والإنسان والرجل والداعية والمفكر والأديب والمنفي والسجين، ثم معرفة أسلوب جديد من أساليب الكتابة الروائية.. إلخ.
والسؤال هنا: هل كان الحسناوي مضطراً لهذه التوليفة ليستوعب أكبر قدر من سيرته الذاتية؟ إن المعطيات السابقة تشير إلى أنه البحث عن التجديد فهو منذ قصة "الحلبة المرآة" عام 1978م وحتى روايته "خطوات في الليل" المطبوعة عام 1994م يرد على منتقديه بجواب كجواب الروائي نجيب الكيلاني: العبرة بالانطباع الأخير للعمل الأدبي.
قلنا: إن الإبداع والنقد سارا في خطين متوازيين مع أن النقد نوع من الإبداع. ونشير هنا إلى ما كتبه من نقد للقصة في كتابه (في الأدب، والأدب الإسلامي) وفي كتابه (دراسات في القصة والرواية في بلاد الشام).
إن هذا الاهتمام بروائي الشام وكاتبي القصة فيها لم يمنع الكاتب من دراسة قصص لكتاب من مصر والعراق وغيرهما، ومن الاطلاع على إنتاج مبدعين من الشرق والغرب كما في كتابه (صفحات في الفكر والأدب).