استعارات \"الفروسية\" لأحمد المجاطي (1)
استعارات \"الفروسية\" لأحمد المجاطي (1)
د.محمد الولي
حينما نضع على عاتقنا مهمة تحليل نص شعري أو سردي أو حجاجي نواجَهٌ بالسؤال الملِح الذي يُعتبر الجواب عنه نقطةَ بداية أي تحليل جاد. وليس محتوى هذا الجواب إلا ما اعتبر المحتوى النثريَّ أو الفكريَّ للقصيدة، أي المحتوى الذي يُقصد توصيلُه إلى المتلقي. وسواءٌ أسمَّينا هذا غرضاً مقابل وجه الدلالة على الأغراض[1] (عبد القاهر) أو معنى أولَ مقابل المعنى الثانوي[2] (حازم القرطاجني) أو مادةَ المعنى مقابل شكل المعنى[3] (جان كوهن) فإن وجه الدلالة على الغرض والمعنى الثانوي وشكل المعنى لا يمكن ضبطه إلا على أرضية مقابلها الحرفي الغرَضي أو الأول أو المادي.
إن جمالية النص تتولد وتترتب عن التجوزات والعدول الملحوظة والتنافرات القائمة بين مادة المعنى وشكله. وليس لعلم الشعرية موضوع جدير به غير فهم هذه العدول والوقوفِ على آليات تولدها وموتها وكيفية اشتغالها وتأثيرها في المتلقي. كما يسعى هذا العلم إلى الوقوف على أصنافها وأجناسها وتطورها. إلا أن هذه التجوزات التي تُدعى مقوماتٍ
جماليةً أو محسناتِ بلاغيةً أو انزياحات، لا يمكن أن تدرك إلا على أرضية التعبير غير الشعري الذي نعتبره ترجمة حرفية لهذه العبارة الشعرية. وما دام قصدنا هنا هو محسنات المعنى أي المحسنات المجازية فمن الواجب وضع اليد على أرضية هذا المجاز الذي هو عبارته الحرفية.
1.حرفية أسماء الأعلام
حينما نشمل بهذا المنظور ديواناً كاملاً، وليكن ديوان الفروسية[4] للشاعر المغربي الكبير أحمد المجاطي، نتمكن من إحكام القبضة على هذا لمعنى الحرفي من خلال أغلب العناوين التي يضعها لقصائده. وهذه العناوين تحيل في غالبيتها على أسماء أماكن ومدن وعواصم عربية. القدس، وكتابة على شاطئ طنجة، وسبتة، والدار البيضاء، ووراء أسوار دمشق، وملصقات على ظهر المهراز. إننا لا نشك في حرفية هذه العناوين. وإذا أضفنا إلى هذه العناوين الستة القائمة على العَلَمِيَّة المكانية، دار لقمان 1965، المستندة على العلمية الزمنية أدركنا الأهمية القصوى التي تلعبها هذه الإحالات المرجعية ودورها في تسييج المعنى المهيمن في الفروسية. ومع هذا وجبت الملاحظة هنا ونحن نتطرق إلى مشكل جانبي في استخدام الأعلام استخداماً غيرَ حرفي كما هو الأمر في لقمان. إن هذا الإسم هو بالضرورة مسخدم استخداماً معدولاً إذ إن لقمان عاش في عهود غابرة ليست العهد المشار إليه بتاريخ 1965. هذه مسألة سنعود إليها لاحقاً. نكتفي هنا بالقول إن هذا التاريخ وهو حرفي الدلالة يشير إلى لحظة حاسمة في تاريخ المغرب، ويتعلق الأمر بانتفاضة شعبية في الدار البيضاء. وهذا يعني بكل بساطة أن هذا العنوان بدوره ذو طبيعة شبه حرفية مضمونها هو الدار البيضاء. ألا يقول الشاعر في تلابيب القصيدة:
دَقَّ الفَجْرَ مِسْمَارا.[5]
أَينَ الطَّرِيقُ إِلَى جَبَلِ الشَّيْخِ.[6]
بَيْنَ الرِّباطِ وطَنْجَة. [7]
بِبَابِ الَخَمْسِ والسِّتِّين.[8]
هذه الإشارات الزمنية، خلافاً للإشارات المكانية، يصعب اقتلاعها من مسارها الزمني وغرسها في الحقول الاستعارية. ولهذا يمكن القول إنها أشد التصاقاً بحرفيتها. إن الأعلام الشخصية قابلة للنقل الاستعاري شريطة أن تدل على شخص اشتهر وذاع بصفة ما. إن حاتم الطائي يستخدم، بسبب شهرته بالكرم، استخداماً استعارياً للدلالة على شخص كريم. و تبيح شهرة الحجاج الدموية استخدامه استعارياً للدلالة على شبيهه. ويقدم المجاطي مثالاً لطيفاً في قصيدته \"دار لقمان 1965\"[9] إننا نبادر بمجرد النظر إلى تأويل لقمان[10] بوصفهه قناعاً دالاً على شبيه به.
ومن الأعلام المستخدمة في الفروسية مراكش والأطلس[11]، القصر والرباط وزَلاغْ[12] ، ووهران ومكة وطور سينيناَ[13]. وهذه القصيدة تفرض علينا الواجبات العلمية الاستشهاد يجزء منها فقد بشر المجاطي بما تعيشه المدينة منذ أزيد من ست وثلاثين سنة. يقول المجاطي:
أوْ طُورِ سِينِينَا.[14]
وتُبحِرُ حَتَّى قُبورُ الشَّام.[15]
يتبع..
الهوامش:
[1] عبد اللقاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح. هيلموت رايتر، استانبول، 1954، ص. 313
[2] حازم القرطاجني، منهاج البلاء وسراج الأدباء، تح. محمد الحبيب ابن الخوجة، منشورات دار الغرب الإسلامي، بيروت، ص.23
[3] جان كوهين، بنية اللغة الشعرية، تر. محمد الولي ومحمد العمري، منشورات دار توبقال، البيضاء، 1986، ص. ص. 34ـ35
[4] الفروسية
[5] الفروسية، دار لقمان، ص. 35
[6] الخمارة، ص. 100
[7] ملصقات على ظهر المهراز، ص. 129
[8] الفروسية، الحروف، ص. 127
[9] الفروسية، دار لقمان 1965، ص. 31
[10] وأما لقمان الذي أتى عليه الله تعالى في كتابه فقيل في التفسير: إنه كان نبياً، وقيل كان حكيماً لقول الله تعالى : ولقد آتينا لقمان الحكمة، وقيل كان رجلاً صالحاً، وقيل كان خياطاً، وقيل كان نجاراً، وقيل كان راعياً وروي في التفسير أن إنساناً وقف عليه وهو في مجلسه فقال ألست الذي كنت ترعى معي في مكان كذا وكذا؟ قال بلى ، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال صدق الحديث وأداء الأمانة والصمت عما لا يعنيني، وقيل كان حبشياً غليظ المشافر مشقق الرجلين، هذا كله قول الزجاجين وليس يضره عند الله عز وجل شرفه بالحكمة.
لسان العرب، مادة: لَقَمَ ن الله شرفأ
[11] الفروسية، قراءة في النهر المتجمد، ص. ص. 40 ـ43
[12] الفروسية، ملصقات على ظهر المهراز، ص. ص.47 ـ50
[13] الفروسية، القدس، ص. 58
[14] الفروسية، القدس، ص.ص. 57 ـ 58
[15] الفروسية، وراء أسوار دمشق، ص. 89