أحمد محرم وملحمته مجد الإسلام

أحمد محرم وملحمته مجد الإسلام

بقلم /محمد بركة

يعد الشاعر أحمد محرم من رواد النهضة في أدبنا العربي المعاصر كان شديد الاعتزاز بعروبته وإسلامه وكان من دعاة الجامعة الإسلامية وعودة الخلافة التي دعا إليها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في عصره.وكان يعدها رمزًا لجمع شمل المسلمين. ويعد أحمد محرم من شعراء مدرسة "البعث والإحياء" في الشعر العربي والتي كان من دعاتها محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد نسيم .حيث جددوا الصياغة الشعرية بعد تدهورها بالعصر العثماني . وأعادوا الشعر لسالف عهده . كما كان أيام أبي تمام والبحتري والمتنبي وغيرهم من شعراء العصر العباسي.

ولد أحمد محرم في قرية "إبيا الحمراء" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر عام 1877. وقرأ السيرة النبوية والتاريخ . وحفظ الحديث الشريف ، والشعر وطالع النصوص الأدبية السائدة . وكان لتلك النشأة أثرها في حياة وشعر أحمد محرم الذي ظل في دمنهور عاصمة محافظة البحيرة فلم يغادرها إلى القاهرة.عاصر ثورة 1919 .كما عاصر دنشواي ومصطفي كامل وسعد زغلول وتأثر بهم في شعره الوطني .وكان يعقد بقهوة المسيري بدمنهور ندوته الشعرية كل ليل. حيث كان يرتادها مفكرو وشعراء البحيرة والإسكندرية . فلهذا لم يداهن السلطة أو يتملق للحكام في شعره. لأته كان شاعرا حرا ملتزما . لم يسع لمال أو جاه , قابعا بدمنهور .

وكان من دعاة الإصلاح الاجتماعي والوحدة الوطنية ولاسيما بعد مقتل بطرس باشا غالي رئيس وزراء مصر. فنراه يقول داعيا للتسامح والمحبة بين المصريين :

كـذب الوشاة وأخطأ اللوام
حـبُّ تجد الحادثات iiعهوده
وصل المقوقس بالنبي حباله
وجـرى عليه خليفةiiفخليفة
لا نـنشد العهد المؤكدiiبيننا




أنـتم أولو عهد ونحن iiكِرام
وتـزيـد في حرماته iiالأيام
فـإذا الـحبال كأنها iiأرحام
وإمـام عـدل بعدهم iiفإمام
الـنـيـل عهد دائم iiوذمام

دعوته للوحدة الإسلامية

دافع أحمد محرم عن فكرة الجامعة الإسلامية فوقف بجانب الخلافة العثمانية، مهاجمًا الثائرين عليها من الشوام الذين كانوا ينادونه بالقومية العربية . وطالب في شعره المسلمين بالالتفاف حول هذه الدعوة الإحيائية للخلافة الراشدة ، محذرًا من التشتت والضياع الذي يريده لهم أعداؤهم البريطانيون والفرنسيون فقال:

هبوا بني الشرق لا نوم ولا iiلعب
مـاذا تـظـنون إلا أن يحاط بكم
كـونوا بها أمة في الجهر iiواحدة


حتى تعد القوى أو تؤخذ iiالأهب.
فـلا يـكون لكم منجى ولا iiهرب
لا ينظر الغرب يومًا كيف نتحزب

نكبة فلسطين

بعد وعد بلفور سنة (1336 هـ= 1917م) كان أحمد محرم في طليعة الشعراء العرب الذين أيقظوا الوجدان والشعور، مطالبين بالجهاد والنضال. ففي قصيدته "نكبة فلسطين"يقول:

في حمى الحق ومن حول الحرم
فـزع الـقـدس وضجت iiمكة
ومـضـى الـظلم خليًا iiناعمًا


أمـة تُـؤذى وشـعب iiيُهتضم
وبـكـت يثرب من فرط iiالألم
يـسـحب البُردين من نار iiورم

ملحمته مجد الإسلام

انفرد أحمد محرم من بين شعراء العربية بتصوير البطولة الإسلامية من خلال سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فنظم ملحمته النبوية "مجد الإسلام" في ثلاثة آلاف بيت . صور فيها سيرة وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواقعية التسلسل الزمني .و نُظمها علي وزن واحد متضمنة الوقائع الثابتة، والمعارك والغزوات فصورها مجردة من الخيال الواهم والأحداث المفتعلة.ونشر منها أجزاء بجريدة البلاغ، وجريدة الفتح، ومجلة الأزهر .وكان قد بدأها بقوله:

امـلأ الأرض يـا محمد iiنورًا
حـجـبتك الغيوب سرًا iiتجلى
أنت معنى الوجود بل أنت سر
أنـت أنـشـأت للنفوس حياة
الـدهـر فـي ظلالك iiعصرًا




واغمر الناس حكمة iiوالدهورا
بكشف الحجب كلها iiوالستورا
جـهـل الناس قبله iiالإكسيرا
غيّرت كل كائن تغييرا iiأنجب
نابِهَ الذكر في العصور شهيرا

وكانت هذه الملحمة بعد نشر أجزاء منها سببا في شهرته بالعالم العربي رغم أن أحمد محرم لم ينشر هذا الديوان في حياته، وبقي مخطوطًا حتى طبع في القاهرة سنة (1383هـ= 1963م). بعد وفاته في (20 رجب 1364 هـ= 13 من يونيو 1945م) . نال شهادة الامتياز بين "شعراء النيل " من لجنة التحكيم في عيد جلوس الخديوي عباس حلمي عام 1916ونال عدة جوائز في مسابقات شعرية ونثرية أخرى

وتعد الإلياذة الإسلامية أهم أعماله و الإلياذة الإسلامية محاولة من الشاعر أحمد محرم لإيجاد فن الملحمة في الشعر العربي ، على غرار ملاحم الأمم الأوروبية ، وقد شاركه في هذا الفن أحمد شوقي ، وبولس سلامة .

واختار موضوع ملحمته من عصر صدر الإسلام ، حيث اتخذ من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وهجرته وجهاده موضوعاً لملحمته.

كما قسم أحمد محرم ملحمته إلي فصول ، وكتب مقدمة نثرية لكل فصل ، وقد بلغت هذه الملحمة عدة آلاف من الأبيات ، فكأنها ديوان كامل.

ولقد عارض بعض النقاد في تسمية هذا العمل ( الإلياذة الإسلامية ) ، ورأوا أن تسمي ( ديوان مجد الإسلام ) ، لأنها تحتاج إلي كثير من العناصر الفنية للملحمة ومن ذلك : الملحمة تعتمد على المعارك والبطولات الحربية فقط ، وأحمد محرم سجل فيها جهاد للرسول - صلي الله عليه وسلم - في نشر الدعوة الإسلامية سلماً وحرباً وهذا مخالف لطبيعة الملحمة .

كما تقوم الملحمة أساساً على الخوارق والخيالات والأساطير ، وأحمد محرم لا يستطيع خلق أحداث تاريخية ، أو إضافة خيالات على الأحدث الإسلامية الثابتة .

وأيضا الملحمة لها وزن واحد ، وقافية واحدة . وأحمد محرم تعددت الأوزان والقوافي في قصائده . بجانب تعدد الموضوعات والغزوات . والملحمة لها موضوع واحد معركة واحدة أو ما يتصل بها .

يقول في فتح مكة:

الله  أكبر ، جاء الفتح ، iiوابتهجت
مـشي  النبي يحف النصر iiموكبه
أضحي أسامة من بين الصحاب له
لـم يـبق إذ سطعت أنوار iiغرته
تـحرك البيت ، حتى لو iiتطاوعه
وافـاه  في صحبه من كل مزدلف





لـلمؤمنين  نفوس ، سرها iiوشفي
مـشـيـعـاً  بـجلال الله iiمكتيفاً
ردفـاً  ، فكان أعزَّ الناس مرتد iiفا
مـغـنـي بمكة إلا اهتز أو iiوجفا
أركـانـه خـف يلقي ركبه iiشغفاً
فـلـم  يـدع فـيه للكفار iiمزدلفا

ثم ينتقل إلي تصوير ما حدث للكفار وأصنامهم :

العاكفون  على الأصنام iiأضحكهم
كـانـوا  يظنون ألا يستباح iiلها
نـامـت شـياطينها عنها منعمة
هوت تفاريق ، وانقضت محطمة



أن الـهـون على أصفانهم iiعكفاً
حـمي ، فلا شمما أبدت ولا iiأنفا
وبـات  ما ردها بالخزي iiملتحفاً
كـأنها لم تكن إذا أصبحت iiكسفا

لقد ضاعت الأصنام وضاعت معها الأوهام والجاهلية والباطل ، يقول :

لـم يـبق بالبيت أصنام ولا iiصور
لـلـجـاهـلـية رسم كان iiيعجبها
لا  كـنت يا زمن الأوهام من iiزمن
إن الـشـريـد الذي قد كان يظلمه
رد الـظـلامة في رفق وإن iiعنفوا
إن الـرسـول لـسمح ذور iiمياسر
شـكـرا  مـحـمد إن الله iiأسبغها
وعـد  وفـي لإمـام المرسلين iiبه







زال العمي ، واستحال الأمر فاختلفا
فـي  دهـرهـا فعفت أيامها iiوعفا
أرخي علي الناس من ظلمائه iiسجفا
ذو قـرابـتـه قـد عـاد iiفانتصفا
ولـو يـشـاء إذا لاشـتد أو iiعنفا
إذا تـمـلـك أعـنـاق الجناة عفا
عـلـيك  تعمي ترامي ظلها iiوضفا
والله  إن وعـد الرسل الكرام iiوفي