محمد إياد العكاري يروي مقالة التاريخ

محمد إياد العكاري يروي مقالة التاريخ

د.محمد إياد العكاري

بقلم: سعيد أبونعسة

إذا كانت القصيدة مرآة ذات الشاعر فإنّ ( محمد إياد العكاري ) يكثّف ذاته في عنوانها فقط .

فلقد اختار لديوانه الأخير عنوان ( ومقال التاريخ الله أكبر ) ضاغطا قصائده و شخصيته في كلمات أربع شاهرا هويّته مفاخرا بها على رؤوس الأشهاد ؛ مقررا أن التاريخ لا يزهو إلا بمقال واحد تختصره كلمتان : الله أكبر .

تاركا للقارئ أن يرحل في استحضار الدلالة واضعا كل أشياء الوجود في مرتبة أدنى من هذه العبارة .

كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ، تتوضآن في فم الشاعر قبل أن يشعّ سناهما منارات على طريق الحيارى .

عنوان مكتملٌ معنى و إعرابا و دلالة ، يرتضيه الشاعر في مباشرة مقصودة تشي بمضمون القصائد و المقالات التي ضمّها الديوان بين دفتيه.

يطلق الشاعر فيه الصرخة و كأنه أذان ٌ يهمز الغافلين و يحثّهم على المسارعة إلى الاصطفاف في محراب الجهاد قبل أن تحلّ الكارثة .

يقف فيهم شاعرا منبريا مفوّها يشرّح الواقع المزري و التخاذل المهين ، مسمّيا الأشياء بأسمائها دون خوف أو وجل،ودون تقاعس أو كسل؛مستنهضا الهمم؛ غارزا مبضعه كطبيب في أورام الأمّة ، ناكئا جراحها :

و اليوم طاغية الزمان مزمجـرٌ قطبٌ يعيث و تستطير شرور

في الشرق في اليابان أهلك أمّـة هدّ العراق و عمـّّه التدميـر

وهُو لا يشخّص الحالة ويترك حبل الأمّة على غاربه بل يحمل لها بلسم الشفاء و قاتل الفيروس المسبب للعفن و الأورام المستعصية :

ذروة العــزّ للعقـيدة بـذلٌ بدماء و أن تـرى صنـديدا

في سبيل الرحمن نحيا و نفنى و جنان الفردوس نعم جدودا

هو ذا الحلّ إذاً : الإسلام بنورانيته و إشعاعه يقدّمه الشاعر على طبق من الأصالة والالتزام بحروف زاهية واضحة المعالم وكلمات سهلة تنساب سائغة للمتذوّقين؛ لا غموض فيها و لا إبهام ؛ تنثال كما يتوقّعها السامع ؛لا منمّقة و لا مزوّقة ؛ تأتلق في موقعها الصحيح لترسم المشهد المؤلم في توصيف دقيق و تحليل سياسي معمّق منكشف للعيان :

سئمَتْ منطق السلام جحودا لحقوقٍ فلـقََّـنَـتْه ردودا

الصورة الشعرية تأتي على مقاس الواقع لا تترهل عليه ولا تنحسر عنه تفضح سُبات الأمّة و عجز الأنظمة و تغطرُس الغازي و تنطِق بلسان العاجزين عن قول كلمة الحقّ في وجه سلطان جائر ؛ يجلوها الشاعر عن سابق تصوّر و تصميم في وضوح يبعدها عن التكثيف المُخلّ بالمعنى ،هو الذي هدفت قصائده إلى قرع ناقوس الخطر و دعوة المتلكّـئين كي يهبّوا هبّة رجل واحد إلى ميدان الوغى في العراق و فلسطين .صورٌ لا تحتفي بالمجاز و الخيال و قد صار الواقع أغرب من الخيال، يطرّزها الشاعر بأسلوب متأنّق يرفل بثوب كلاسيكي قشيب ؛ يتغنّى بالمفردة المضمّخة بعبق الأجداد و عزّهم التليد و تراثهم المجيد ،كي يتلقّفها القارئ في يسر و سهولة ودون عنت؛فإذا الشعر يستعيد مع( محمد إياد العكاري ) أَلـقهُ القديم و ينصّب نفسه صناجةً للعرب و ديوانا يسطر ملاحم البطولة و الفداء و الشهادة ،متهاديا في سفين الإبداع على صفحة البحور الخليلية متناغم الجرْس تفعيلات و رويّا و قافية؛ مشحونا بموسيقاه الداخلية الرائقة :

بغداد صوتك في الزمان مجلجل و إليك تاريخ الحضارة يُنسب

تغيب الثنائيات الضدّية في القصائد مفسحة للوحدة أن تصبغ الأبيات ذاك أنّ الشاعر يقف مرشدا و موجّها أمام جماهير المتلقّين الذين لا يجدون ما ينطقون به إلا الإقرار بالعجز و سماع الموعظة حتى النهاية ،في تدرّج عقلي منطقي مدروس تطلّ معه الفكرة برأسها شامخة صامدة كاشطة إبهام الخيال عنها مدفوعة بعاطفة دينية جيّاشة وحسّ إنساني مرهف يمجّد العدل و الحقّ والخير و السلام و يشجب الظلم و الباطل و الشرّ و الحرب ؛ كلّ ذلك بأسلوب سلس متين يتقصّد الواقعية المباشرة بعد أن عجزت السوريالية و الرمزية عن تبليغ الرسالة .

يعلن الديوان فحواه انطلاقا من الغلاف و قد نفرت عبارة ( الله أكبر) في مسح أفقيّ شمل خريطة العراق ،تسندها مئذنة السامراء في إشعاع يطوّق الكون و ينثر دررا من عبارات القصائد تشكل تفاصيل اللوحة المعبّرة .

وتأتي عناوين القصائد مكملة لبيانات الهويّة في مباشرة محمودة :

( عيون الفلّوجة - فرعون العصر – أنا يا عراق – فلوجة العزّ – ملحمة الشهادة غربة أمّة ) يجاهر الشاعر بها مختصرا مقالة التاريخ التي لا مراء فيها والمدوية في كلمتين اثنتين : الله أكبر .

سيقال الكثير في هذا الديوان ولكن مهما قيل فإنه سيظلّ قاصرا عن مقال التاريخ: الله أكبر

ديوان ( ومقال التاريخ الله أكبر ) للشاعر محمد إياد العكاري.

صادر عن المكتب الإسلامي – بيروت في 136 صفحة من القطع الكبير .