الشاعر غسان حنا في: "روحان لجسد واحد"
الشاعر غسان حنا في: "روحان لجسد واحد"
د. حمزة رستناوي*
إن الثنائيات الموجودة في هذا العالم غالبا ما تسبب لنا إرباكا فلا بد أن نكون في حالة اختبار دائم بين هذا و ذاك, و علينا منذ البدء – وفق هذا المنظور- أن نعتمد مجموعة متناسقة من النظم:
الحياة و الموت
الوجود و العدم
الحب و الكراهية
الروح و الجسد
كلها ثنائيات يحاول الشاعر غسان حنا – في مجموعته الشعرية:
"روحان لجسد واحد" الإجابة عليها
إن الأفكار التي تنادي بتكريس الذات تعتمد اعتمادا قويا على الخبرة الفردية, و يجب أن يترك الإنسان دون تدخل من غيره في تحديد القيمة الجمالية للإنسان فالفرد يجب أن يستكشف العالم و ليس من أحد أقدر على ذلك من الشاعر
و غسان حنا يقدم لنا في هذه المجموعة خبرته الروحية المنبثقة من ذات تسعى لامتلاك الرؤيا فيقول تحت عنوان "هو العشق"
سحر التناقض
نبذ التشابه
قصر التفرّد
برق الجنوح و كفر التملك
هذا الأنا الدموي المفجر حبر الينابيع في الروح
و العطر في وردة الشهوات اللواتي
أبحن التذابح حتى امحاء السيوفِ
لقد اعتدنا أن يحلم العاشق في الاتحاد و التمازج مع الآخر الحبيب, و لا يملك من مخرج سوى أن يذوب جسدا و روحا مع الشخص الذي يملك المطلق في نظره,
فيحس العاشق برغبة تتجاوز حدوده الخاصة , فيستسلم للحب , و لكن هذا التماهي في الحب الصوفي هو الذي ينتهي به إلى إنكار الذات
أما شاعرنا يقر بأن الحب الحقيقي هو الذي يقبل التناقض و ينظر للعاشقين ككائنين منفصلين روحا, متحدين جسدا, فالحب لا يعدو أن يكون علاقة إنسانية تعتمد على الاعتراف المشترك بوجود حريتين دون أن يكون هذا الاعتراف هو النهاية, بل يعمل على الارتقاء بهما من خلال التجربة الجمالية التي يمر بها العاشقان.
و في قصيدته "صفعة أمي" سيرة ذاتية جميلة تعكس في ثناياها ذاكرة جمعية تسمّر الإنسان في سن الطفولة التي ابتعد عنها مجبرا دون أن يستشيره أحد.
فالصفعة الأولى هي المحرض الأول على التجاوز و التقدم في خط الزمن الأفقي وصولا للنهاية المنتظرة.
إن الآخر المتمثل بالأم هو الذي أجبره على هذا الاختبار فيقول:
"صفعتني أمي
فوق المفترق الزمني الفاصل
ما بين الطفل الأزلي العاصي
في برية وجداني
و الشيخ الساهم تسبيحا
يتشابح فيه القبر
و ترفص ألواح التابوت على أطلال كياني"
و لكن لماذا صفعته الأم؟
يجيب:
"صفعتني حتى أكبر
أهجر هذا الطفل العبثي
و أغلق باب النوم عليه
لكي ينساني"
و تتالى الإجابات:
صفعتني أمي كي أتهذب
كي أتعبد للديّان الخالق
و لا أتساءل..
و لا أسرق..
* شاعر وكاتب سوري.