القدس في مؤلفات الشيخ عبد الغني النابلسي

القدس في مؤلفات

الشيخ عبد الغني النابلسي  1050-1143هـ / 1641-1731م

إعداد: د. جبر خضير*

يعتبر الشيخ عبد الغني النابلسي ( 1050 – 1143هـ / 1641 – 1731م ) من رجالات التصوف والأدب المشهورين.واسمه عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغي بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي الصالحي الحنفي النقشبندي القادري المعروف بالنابلسي، ولد بدمشق في 5 ذي الحجة سنة 1050هـ / 1640م، ورحل إلى بغداد وعاد إلى دمشق واستقر فيها، وهو عالم رحالة، تنقل في فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز واستنبول، وتوفي في 24 شعبان سنة 1143هـ / 1730م (1).

اشتغل منذ صغره بقراءة القرآن، ثم بطلب العلم، فقرأ الفقه وأصوله على الشيخ عبد الباقي الحنبلي، وأخذ التفسير والنحو أيضاً عن الشيخ محمد المحاسني، ومن العلماء الذين تتلمذ على أيديهم النجم الغزي والشيخ محمد الأسطواني، والشيخ إبراهيم بن منصور الفتال والشيخ عبد القادر المصفوري وغيرهم. (2)

وأخذ طريق القادرية عن الشيخ السيد عبد الرزاق الحموي الكيلاني، والطريقة النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي، وابتدأ في قراءة الدروس وإلقائها والتصنيف لما بلغ عشرين عاماً، وكان كثير المطالعة وكتب الشيخ محيي الدين بن العربي، وكتب السادة الصوفية كابن سبعين والعفيف التلمساني(3).

حياته العلمية:

لقد تبحر الشيخ عبد الغني النابلسي في علوم الصوفية، حتى عدّ من أشهر الأولياء العارفين، وقد ظهرت له كرامات، ومن أشهرها تبحره في جميع العلوم وقد ترجم له المرادي في "سلك الدرر" فقال عنه "أستاذ الأساتذة وجهبذ الجهابذة الولي العارف، ينبوع العوارف والمعارف، الإمام الوحيد الهمام الفريد، العالم العلامة الحجة الفهامة، البحر الكبير، الجد الشهير، شيخ الإسلام صدر الأئمة الأعلام، صاحب المصنفات التي اشتهرن شرقاً وغرباً وتداولها الناس عجماً وعرباً، العارف بربه، والفائز بقربه وحبه، ذو الكرامات الظاهرة، والمكاشفات الباهرة:

هيهات لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل(5)

ومن تصانيفه: التحرير الحاوي بشرح تفسير البيضاوي، وجواهر النصوص. ومفتاح ألمعية شرح الرسالة النقشبندية، وكتاب علم الملاحة، وتعطير الأنام وغيرها.

ولكن شهرة الشيخ عبد الغني برزت من خلال رحلاته من دمشق إلى فلسطين، والحجاز ومصر.

أما بيت المقدس فقد ظهرت في مؤلفاته من خلال رحلتيه الموسومتين بـ "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز"، "والحضرة الأنسية في الرحلة القدسية". وهذان المصدران هما مجال دراستي هذه.

تتركز الدراسة في وصف بيت المقدس عند عبد الغني النابلسي من خلال المحاور الآتية.

فضائل القدس:

لقد أورد الشيخ عبد الغني النابلسي فضائل بيت المقدس، وما تتميز به من قدسية عند المسلمين. وفضائل بيت المقدس أكثر من أن تُحصى، وأعظم من أن تستقصى، قال الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"(6)، فقال عن بركتها وفضائلها، ولو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع الببركات وافية، لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه ظاهرة غير خافية، ومعنى البركة حوله، بإجراء الأنهار وإنبات الثمار. وإظهار الخير الكثير، والتيسير على أهلها في كل أمر عسير.

كذلك فقد أورد لنا أحاديث وروايات عن بيت المقدس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة، فلينظر إلى بيت المقدس، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن الجنة لتحن شوقاً إلى بيت المقدس، وبيت المقدس من جنة الفردوس. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله باباً مفتوحاً في سماء الدنيا نحو بيت المقدس فصلوا فيه(7).

وعن جريح أنه قال: لا تقوم الساعة، حتى يسوق الله تعالى خيار عباده إلى بيت المقدس، وإلى الأرض المقدس فيسكن إياها. وعن ام عبد الله ابنة خالد بن معدان عن أبيها: لا تقوم الساعة حتى تُزفّ الكعبة إلى صخرة بيت المقدس، فيتعلق فيها جميع من حجها أو اعتمرها، فإذا رأتها الصخرة قالت، مرحبا بالزائرة والمزورة إليها"(8).

ارتباط الأنبياء ببيت المقدس:

وقد تحدث عن ارتباط الأنبياء ببيت المقدس ففيها كثير من قبور الأنبياء، وقد أمّ الأنبياء بيت المقدس عليه الصلوات والسلام وسكن كثيرون فيه وأكرم الأنبياء بيت المقدس.

وعن كعب أن في بيت المقدس ألف قبر من قبور الأنبياء عليهم السلام، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقربون القرابين في بيت المقدس. وأوصى إبراهيم وإسحق عليهما السلام لما ماتا أن يدفنا ببيت المقدس.

وولد عيسى عليه السلام وتكلم في المهد في بيت المقدس، ونزلت عليه المأثورة في بيت المقدس، ورفعه الله من بيت المقدس، وينـزل من السماء إلى الأرض ببيت المقدس، وماتت مريم ببيت المقدس.

وهاجر إبراهيم عليه السلام إلى بيت المقدس.

وصلى النبي صلى الله عليه وسلم زماناً إلى بيت المقدس.

وكفل زكريا مريم عليها السلام ببيت المقدس.

وسأل سليمان ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من عباده، فأعطاه الله ذلك ببيت المقدس.

وآتى الله الحكم ليحيى صبياً في بيت المقدس.

ونشر الله الأنبياء كلهم لرسوله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس

وتاب الله على آدم ببيت المقدس. (9)

أهمية بيت المقدس:

لقد قام الشيخ عبد الغني النابلسي برحلتين إلى بيت المقدس، الأولى في جمادى الآخرة في سنة 1101هـ/ آذار 1641م، والمسماة بالرحلة الصغرى. أمّا الرحلة الكبرى فكانت في سنة 1105هـ/1645م، وقد تحدث في كتابه الحضرة الأُنسية عن أسباب رحلته إلى بيت المقدس تمثلت  بكثرة فضائل بيت المقدس، وطلباً للبركة من تلك المواطن الشريفة، واستجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومقابلة الصالحين. فقال في ذلك:

"فلما وجدنا هذه البركات العظيمة والبركات الجسيمة تحصل لزائر بيت المقدس، وللمقبل مع ذلك المقام المؤنس. حركتنا بواعث الهمم، ودعتنا دواعي الفضل والكرم إلى شد الرحال وتحريك همم الرجال،بقصد التبرك بهاتيك الأماكن، وزيارة تلك المواطن الشريفة والمساكن، لأنه قد روى في شد الرحال إليه أحاديث كثيرة. منها ما أورده البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى"(10).

وقد نقل لنا الشيخ عبد الغني النابلسي فتوى حكاها السبكي عن بعض الفضلاء أن كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة، وجاحده محكوم عليه بالكفر. فمن جعل شدّ الرحال لزيارة الصالحين معصية، ورتب على عدم جواز الرخصة له في السفر على مذهبه فهو مخطئ، الخطأ الفاحش"

ثم يذكر لنا تيسير الله له زيارة بيت المقدس فقال: "وقد يسر الله لنا بعض فضله وكرمه، شد الرحال مع جماعة من الرجال إلى هاتيك الأماكن الشريفة والمقامات العالية المنيفة، وتشرفنا بزيارة الصالحين من الأحياء والأموات، ودرت علينا من كرم الله تعالى أنواع البركات.

وقد تحدث كذلك في هذه الرحلة أن باعثه كان طلباً للثواب وقصداً لزيارة بيت المقدس التي بها أولى القبلتين. وثاني الحرمين وفي ذلك يقول:

جـئـتـهـا زايـداً فـقلت ثوابـاً
مـع  قـوم لـهـم مـزيـة iiفضل
فـسـقـى  الله أرضـهـا iiوحماها


حـيـث  نـفسي كانت لها iiمستعدة
كـل مـنـهـم يـحـاول iiقصـده
من ديار بها حوى العيش رغده(11)

وصف قبة الصخرة:

وقد تحدث الشيخ عبد الغني بإسهاب كبير في وصف الصخرة الشريفة وخصص لها صفحات طويلة، ركز فيها على قدسية الصخرة وبركتها، وقد نقل لنا كذلك حجمها، فقال في ذلك:

"فأول ما زرنا الصخرة الشريفة ذات الأنوار الواضحة، ورأينا أمراً عظيماً على أسلوب هائل، وهيكلاً مباركاً يحوي أنواع الفضائل. وهي الصخرة العظيمة والدرة اليتيمة، فدرنا حولها والتسمنا فضلها وطولها. ودعونا الله تعالى عن رؤيتها بما تيسر من الأدعية المقبولة والتوسلات المطلوبة المأمولة. وهي صخرة طولها نحو العشرة أذرع، وعرضها نحو الخمسة أذرع، وسمكها من جهة القدم الشريف نحو الذراعين ومن الطرف الذي يقابله أقل من ذلك بكثير. وهناك محراب لطيف على أعمدة الرخام،متصل بالداير والخشب"(12).

ووصف لنا حجم الضخرة المشرفة، وأورد لنا أحاديث كثيرة ومرويات عن فضائل الصخرة المشرفة من ذلك: عن ابن عباس انه قال: صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. وعن ابن إدريس الخولاني أنّه قال: يحوّل الله يوم القيامة صخرة بيت المقدس مرجانة بيضاء كعرض السماء والأرض ثم يسيرون منها إلى الجنة والنار. وعن ثور بن يزيد عن كعب قال: ورد في التوراة، يقول الله لصخرة بيت المقدس، أنت عرشي الأدنى، ومنك رُفعت السماء، ومن تحتك بُسطت الأرض، وكل ماء يسيل من ذروة الجبال من تحتك، ومن مات فيك فكأنما مات في سماء الدنيا.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيد البقاع بيت المقدس، وسيدة الصخور صخرة بيت المقدس، فيك جنتي وناري، وفيك جزائي وعقابي، فطوبى لمن زارك أو قال رآك.(13)

وقد ذكر لنا المؤلف أن صخرة بيت المقدس معلقة بين السماء والأرض، لكونها آية دالة على قدرة الله وتثبيتاً لقلب المصطفى صلى الله عليه وسلم في معراجه، وفي ذلك يقول:

"وهي الصخرة معلقة بين السماء والأرض، ممسوكة بقدرة الله تعالى الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، ولو لم تكن معلقة بين السماء والأرض لم تكن آية. فكونها آية دالة على أنه تعالى كذلك يمسك نبيه صلى الله عليه وسلم في عروجه من الأرض إلى السماوات فيطمئن قلبه برؤية هذا الصخر الهائل العظيم الممسوك بقدرة الله تعالى"(14).

وقد أورد لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البراق من فوق الصخرة ليلة المعراج وهو واقف على هذا المكان المرتفع، وقد وصف مسجد قبة الصخرة وأبوابها الأربعة فقال: وذكر الحنبلي أن ارتفاعها واحدٌ وخمسون ذراعاً، هذا من فوق الصخرة، وارتفاع الصحن عن أرض المسجد سبعة أذرع فيكون ارتفاعها ثمانية وخمسين ذراعاً، وللقبة المذكورة سقفان".

وذكر لنا كذلك أبعاد مسجد الصخرة، ومحراب المعراج، ومحراب النبي. ووصف لنا كل ما في داخل قبة الصخرة وخارجها.

وصف المسجد الأقصى:

وقد نقل لنا المؤلف وصفاً دقيقاً للمسجد الأقصى الذي بناه عبد الملك بن مروان. من حيث أبوابه السبعة، ووصفاً للأروقة والقناطر وفي ذلك يقول: "ثم توجهنا على أبواب المسجد الأقصى، وهي سبعة أبواب على صف واحد قبالة القبلة، والوسط منها أكبر الجميع وبطاهر الأبواب السبعة رواق على سبع قناطر، كل باب قبالة قنطرة ولتلك القناطر أربعة عشر عموداً من الرخام مبنية على السواري"(15)

ثم يذكر لنا بإسهاب وصفاً دقيقاً لكل عمود من أعمدة الأقصى العتيق ووصفاً للمحراب والمنبر وغيره وفي وصف المنبر يقول:

وتحت القبة منبر من الخشب المرصع بالعاج والأبنوس وبجانبه المحراب، وقد قام اليهود بإحراق المسجد الأقصى سنة 1968م، فأتى على المنبر والسقف وغيره.

ووصف لنا أعمدة المسجد الأقصى وصفاً دقيقاً فقال: "فعدة ما فيه من الأعمدة خمسة وأربعون عموداً، منها ثلاثة وثلاثون من الرخام، ومنها اثني عشرة مبنية من الأحجار، وجميع هذه العمدة تحت الجملون. وعمود ثالث عشر مبني عند الباب الشرقي تجاه محراب زكريا وعدة ما فيه من السواري أربعون سارية وسقفه في غاية العلو والارتفاع. والسقف مسقوف بالخشب، وبداخل المحراب سبعة عشر ضلعاً، بالرخام الملون ثمانية بيض وأربعة حمر وثلاثة سود واثنان اخضران".(16)

نستنتج من هذا النص

·أن المؤلف قد ركز على وصف دقيق للمسجد الأقصى، وما فيه من مقامات وزوايا وغيرهما

·ركز فيه على وصف أبوابه.

·كذلك أورد لنا عدد الأعمدة وصناعتها.

·وصف لنا المنبر والمحراب وصفاً دقيقاً يدل على معرفة وافية للمؤلف في أسس بناء المنابر والمحاريب.

·يعد هذا الوصف وثيقة مهمة لتاريخ المسجد الأقصى.

كذلك فقد نقل لنا وصفاً للمسجد الأقصى القديم وجامع عمر.

وصف المصلى المرواني (مهد عيسى):

ومن الأمور المهمة التي نقلها لنا ووصفها المسجد المعروف الآن بـ"المصلى المرواني"، الذي تم ترميمه حديثاً سنة 1997م. وقد أطلق عليه مسجد مهد عيسى. ركز فيه على وصف المحراب، والأقبية، والأعمدة، وهو محل تعبد مريم وعيسى عليهما السلام وكذلك حواريه وفي ذلك يقول: ثم ذهبنا إلى مهد عيسى عليه السلام، وهو مسجد تحت الأرض بجانب سدة المعرفة في ركن المسجد من جهة الشرق، ينـزل عليه بدرجات فيه صورة مهد من الرخام، وإلى جانبه على يسار مستقبل القبلة صورة محراب لطيف يقال أنه محل تعبد سيدتنا مريم عليها السلام وهو موقع مأنوس، ومحل في ركنه أيضاً يقال أنه محل جبريل عليه السلام وفيه أيضاً مكان يقال انه محل تعبد حواري عيسى عليه السلام، ويقال أن الدعاء في ذلك المكان مستجاب، فصلينا هناك ركعتين، ودعونا الله تعالى، وبهذا المحل باب متهدم من جهة الغرب،… وبكل عمود مخروق يقال أنه من رفع سليمان نبي الله عليه السلام. وأن هذه الأطراف هي التي كان يصفد فيها الجان عند عمارة المسجد المشار إليه(17) بقوله تعالى: "والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد"(18)

نستنتج من هذا النص ما يلي:

1.        أن المسجد المعروف الآن بالمرواني كان مفتوحاً للصلاة زمن المؤلف.

2.        أطلق المؤلف على هذا المكان مهد عيسى.

3.        ذكر المؤلف بان هذا المكان مكان التعبد والصلاة لمريم عليها السلام.

4.        صلى المؤلف فيه ركعتين، دلالة على صلاحيته للصلاة في وقته.

5.        يشير المؤلف إلى أن الأعمدة من بناء سليمان عليه السلام.

6.        تميزالمصلى المرواني ( مهد عيسى ) بضخامة البناء ومهارة صناعته الفنية والهندسية.

7.        أشار المؤلف إلى أن سليمان عليه السلام قد استعمل الجن والشياطين في بناء هذا المصلى.

وصف البراق:

وهو مكان عبادة للمسلمين به جامع كانت تؤدى فيه الصلاة حتى أتى اليهود واحتلوا بيت المقدس عام 1967م. ودمروا الجامع المعروف بجامع المغاربة، وهو جامع عمر ويقع في الجهة الغربية للمسجد الأقصى وفي ذلك يقول الشيخ عبد الغني النابلسي: "ثم ذهبنا إلى جامع المغاربة، وهو خارج الجامع الأقصى وداخل الحرم المستقصى من جهة الغرب في ساحة الحرم، مكان معهود بالقبور والحجار معقود مأنوس، فيه صلاة المالكية كل يوم. والذي يظهر كما قال الحنبلي انه من بناء السيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما روي عن شداد أن سيدنا عمر رضي الله عنه لما دخل المسجد الشريف ثم مضى إلى مقدمة ما يلي الغرب، فحثا في ثوبه من المزبلة، وحثونا معه في ثيابنا. ومضى ومضينا معه حتى ألقيناه في وادي جهنم ثم عاد فعدنا بمثلها حتى صلينا فيه في موضع مسجد يصلى فيه بجماعة، فصلى بنا عمر فيه. فيحتمل أن يكون بناه عمر، ويحتمل أن يكون من أثر البناء الأموي، فدخلنا إليه وصلينا ركعتين، ودعونا الله تعالى"(19)

وقد وصف لنا المؤلف البراق، بأنه محل يقع على يمين مسجد المغاربة وينـزل إليه بدرج، وبه طاقة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط به البراق ليلة الإسراء. وفي وصف البراق يقول المؤلف: "ذهبنا إلى زيارة محل البراق، وهو محل على يمين الخارج من باب المسجد الذي عند جامع المغاربة، ينـزل إليه بدرج طويل قليل العرض، على يمين النازل منه في أسفل الدرج طاقة في الحائط، ثم ذهبنا إلى الميسرة إلى مكان هناك يقال إنه ربط به البراق ليلة الإسراء وهو بيت مسكون، فدعي لنا بالخادم، ودخلنا فرأينا مكان معتماً ومسجداً صغيراً منيراً في الباطن. وإن كان في الظاهر مظلماً، فصلينا ركعتين، ودعونا الله تعالى. ووجدنا هناك حلقة كبيرة في الحايط  يقال إنها الحلقة التي كانت تربط الأنبياء عليهم السلام البراق، وربط بها النبي صلى الله عليه وسلم البراق ليلة أسري به"(20)

نستنتج من هذا النص ما يلي:

1.        أن البراق مكان مقدس عند المسلمين.

2.        محل البراق به مسجد للصلاة للمسلمين.

3.        أن التسمية الإسلامية له محل البراق، وليس حائط المبكى كما يزعم اليهود.

4.        أن هدم اليهود لمسجد المغاربة هو تعدّ  على أماكن العبادة للمسلمين.

 مقبرة مأملا:

وهي مقبرة إسلامية مشهورة في القدس، وصفها المؤلف بأنها أكبر مقابر البلاد، وذكر أن بها خلقاً كثيراً من العلماء والأعيان والشهداء والصالحين. وتحدث عن سبب تسميتها وأصلها مأمن الله. وفي وصفها يقول المؤلف: "فذهبنا إلى زيارة المقبرة المشهورة في هاتيك البلاد المقدسة بمأملا بتشديد اللام المفتوحة من غير همز، وهي أكبر مقابر البلاد وفيها خلق من الأعيان والشهداء والصالحين، وتسميتها بمأملا قيل إنما أصله مأمن الله، وقيل باب الله، ويقال زيتون الله، وروي عن الحسن أنه قال: من دفن في بيت المقدس في زيتون الملّة فكأنما دفن في سماء الدنيا… فزرنا في هذه التربة المباركة، المحفورة بأنوار الأرواح القدسية، وأسرار الملائكة، غالب من دفن فيها من مقابر الأولياء والشهداء والصالحين، والسادات والأبرار والمقربين، ووقفنا ندعو الله تعالى في هاتيك الرحاب، ونقرأ الفاتحة لكل من دفن بها من العوام والخواص ذوي الاقتراب ثم مررنا في الطريق إلى القبر المشهور بالشيخ المنسي فوقفنا هناك ودعونا الله تعالى وقرانا الفاتحة(21)وأهديناها لصاحب ذلك القبر، ومن جاوره من قبور المسلمين"…(22)

نستنتج من هذا النص ما يلي:

1.        يشير المؤلف إلى أن مقبرة مأملا أكبر مقابر المسلمين في بيت المقدس.

2.        يذكر المؤلف بان المقبرة بها خلق كثير من علماء المسلمين وأعيانهم وشهدائهم.

3.        يشير المؤلف إلى وجود بعض الصحابة مدفونين بها.

4.        أشار المؤلف إلى أن سبب تسميتها مأمن الله .

5.        يشير المؤلف إلى أفضلية هذه المقبرة وبركتها.

 وصف جبل الطور:

وقد وصف لنا الشيخ عبد الغني النابلسي جبل الطور وما حواه من قبور الصالحين، ووصفه بأنه جبل عظيم مشرف على المسجد الأقصى، وهو جبل كثيرة أشجاره وفي ذلك يقول: "فصعدنا إلى طور زيتا بقصد زيارة ما فيه من قبور الصالحين، والحضور في تلك المشاهد المشرقة بأرواح أهل المحبة واليقين، وهو جبل عظيم شرقي بيت المقدس مشرف على المسجد الأقصى وحرم الصخرة الشريف…(23) وقد ذكر أنه بجبل الطور محراب داود عليه السلام وقبر مريم، روى المشرف بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة الإسراء فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان فقال يا جبريل ما هذان النوران فقال أما الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما الذي عن يسارك فقبر أختك مريم"(24)ثم ذكر لنا أن بهذا الجبل قبر السيدة رابعة العدوية وفي ذلك يقول: "ثم صعدنا إلى قبر السيدة رابعة العدوية البصرية، وقبرها على رأس جبل الطور في زاويةٍ ينزل إليها بدرج معمور،تقصد للزيارة فوقفنا هناك، ووعدنا الله تعالى، وقرأنا الفاتحة".(25)

وهذا الجبل هو الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: "والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين". (26)

وقد أشار المؤلف كذلك إلى وجود قبر سلمان الفارسي الصحابي المشهور في الطور وفي ذلك يقول: "ثم ذهبنا نزور بقية من دفن في الطور، فزنا قبر سلمان الفارسي الصحابي المشهور رضي الله عنه، وقد اشتهر كون قبره في ذلك المكان بين أهل القدس الشريف، وهو في مسجد هناك لطيف"(27).

وقد مدح أهل القدس وأعيانها، بأنهم أهل علم ومعرفة ويكرمون الضيف ويحترمونه. ولقد وجد منهم كل احترام وتقدير. كذلك فقد أورد لنا عشرات العلماء الذين التقى بهم. منهم مصطفى افندي، والشيخ أبو الوفاء العلمي وغيرهما.

وفي ذلك يقول: وكان ممن حضر عندنا أيضاً، السيد الحسيب النسيب صاحب الفضل والكمال والتقريب مفخر السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية مصطفى أفندي نقيب السادة الأشراف في هاتيك الجهات والأطراف"(28).

ثم يذكر لنا كثرة الزوار والأحباب الذين زاروه من كل أنحاء فلسطين وبيت المقدس: وفي ذلك يقول: وقد وردت علينا أهل البلاد من الأخوان والأحباب، وأهل المودة والأصحاب"(29).

وبعد؛ هذه بيت المقدس كما وصفها الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلاته. فقد وصف لنا الأماكن التي زارها بالتفصيل وركز كذلك على وصف أهلها، وهذه الرحلة تعتبر بحق وثيقة مهمة من وثائق بيت المقدس.

         

الهوامش:

* أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة النجاح الوطنية نابلس

(1) انظر ترجمته، الزركلي: الأعلام، 4/32-33، عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، 5/271-272.

(2) المرادي: ابن على المرادي أبو الفضل محمد بن خليل ت 1206 هـ: سلك الدرر في اخبار القر الثاني عشر، بيروت، دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم، ج3/30-31 .

(3)المرادي: المصدر السابق، 3/31 .

(5) المرادي: المصدر السابق، 3/31 .

(6) سورة الإسراء، آية 1 .

(7) عبد الغني النابلسي: الحضرة الانسية في الرحلة المقدسية، تحقيق أكرم الحلبي، بيروت، دار المصادر، 1990، ص25 .

(8) عبد الغني النابلسي: المصدر السابق، ص27 .

(9) انظر عبد الغني النابلس: الحضرة الانسية، 26-31 .

(10) عبد الغني النابلسي: المصدر السابق، ص34-35 .

(11) عبد الغني النابلسي: الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز، تقديم احمد عبد المجيد الهريدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص114.

(12) عبد الغني النابلسي: الحضرة الأنسية، ص109 .

(13) انظر عبد الغني النابلسي: الحضرة الأنسية، ص110-111 .

(14) عبد الغني النابلسي:  المصدر السابق، ص125 .

(15) عبد الغني النابلسي مصدر سابق، ص141 .

(16) عبد الغني النابلسي: مصدر نفسه، ص142 .

(17) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق،ص17 .

(18) القرآن الكريم: سورة ص آية 37-38 .

(19) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق، ص151 .

(20) عبد الغني النابلسي: المصدر نفسه، ص151 .

(21) الشيخ المنسي: سمي بالمنسي، لأن الصحابة رضي الله عنهم في يوم الفتح نسيته مقتولاً في ذلك المكان. حتى شُعر به فدفنه بعض الأخوان ، عبد الغني النابلسي، الحضرة الأنسية، ص187 .

(22) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق، ص187 .

(23) عبد الغني النابلسي: المصدر السابق، ص195 .

(24) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق، ص196 .

(25) عبد الغني النابلسي: المصدر نفسه، ص197 .

(26) سورة التين، آية 1 .

(27) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق، ص203 .

(28) عبد الغني النابلسي: مصدر سابق، ص153 .

(29) عبد الغني النابلسي، الحقيقة والمجاز، ص114 .

 المصادر والمراجع:

1.        القرآن الكريم.

2.        الحديث الشريف.

3.   المرادي، أبو الفضل محمد بن خليل بن علي ( ت1206هـ/1791م ) ، ط3، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، بيروت، دار البشائر الإسلامية، دار ابن حزم، 1408هـ/ 1988م، 3ج .

4.        خير الدين الزركلي: الأعلام، قاموس تراجم، بيروت، دار العلم للملايين، ج4/3/2، 8ج .

5.   عبد الغني النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل  بن إبراهيم الدمشقي ( ت 1143هـ/1730م ) الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية، تحقيق اكرم الحلبي، بيروت، دار المصادر، 1990 .

6.   عبد الغني النابلسي: الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز، تقديم احمد عبد المجيد الهريدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986م. ( مخطوط ).

7.        عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين، بيروت، مكتبة المثنى، 5/ 271-273،  51ج.

8.يوسف بن إسماعيل البنهاني ( ت 1359هـ/1940م ) جامع كرامات الأولياء. تحقيق إبراهيم عوض، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 2 ، 194-200  3ج .