النص القرآني عند محمد شحرور
8
ياسين سليماني
[email protected]
2- مفهوم التأويل عند محمد شحرور:
يتفق شحرور في معنى التأويل وأهميته مع الآراء السابقة، غير أنه يضيف حول قوله
تعالى:" وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم" فيرى "أن الراسخين في العلم"
هم من الناس الذين يحتلون مكان الصدارة بين العلماء والفلاسفة وهؤلاء أمثال
البيروني و الحسن بن الهيثم، ابن رشد، إسحاق نيوتن، اينشتاين، تشارلز داروين، كانط،
هيغل.(1)
ويقول شحرور بأن الله هو وحده الذي يعرف تأويل القرآن تأويلا كاملا، أما النبي
فهو لا يعلم تأويله الكامل بكل تفاصيله لأنه يصبح شريكا لله في مطلق المعرفة، أما
معرفة التأويل المتدرج المرحلي فهو من قبل الراسخين في العلم كلهم مجتمعين لا
فرادى، ويجب –يذكر شحرور- أن نفهم أن الراسخين في العلم هم مجموعة كبار الفلاسفة
وعلماء الطبيعة وأصل الإنسان واصل الكون وعلماء الفضاء وعلماء التاريخ مجتمعين(2)
ويرى شحرور أن حضور الفقهاء غير مفيد في هذا الموضوع لأنهم ليسوا معنيين بالآية
المذكورة والراسخون في العلم مجتمعين يؤولون حسب أرضيتهم المعرفية ويستنتجون
النظريات الفلسفية والعلمية ويتقدم التأويل والعلم لكل عصر حتى قيام الساعة(3)
3- قواعد التأويل عند محمد شحرور:
يرى محمد شحرور أن ضوابط التأويل أو قواعده لا تخرج عما يلي:
القاعدة الأولى:
- التقيد باللسان العربي على الأسس التالية:
أ/ عدم وجود ترادف في اللسان العربي.
ب/ الألفاظ خدم للمعاني والمعاني هي المالكة لسياستها كما قال الجرجاني(1)
ج/ إن الأساس عند العرب هي المعاني فإذا حصلوها تساهلوا في العبارة عنها حسب ابن
جني (2)
د/ لا يفهم أي نص لغوي إلا على نحو يقتضيه العقل والمطابقة الموضوعية أو العقل فقط
"الاستقراء" فيما يتعلق بالأمور التي ما تزال في علم الغيب.
هـ/ الأخذ بعين الاعتبار أصالة اللسان العربي من حيث أفعال الأضداد في المعاني مثل
"عبد" و"خفي" وأفعال الأضداد في المعاني و الأصوات مثل " علق- قلع" و"كتب- بتك" أي
ضرورة معرفة فقه اللغة.(3)
القاعدة الثانية:
يجب فهم الفرق بين الإنزال والتنزيل حيث أن هذا الفرق يعتبر من أسس نظرية
المعرفة الإنسانية أي العلاقة بين الوجود الموضوعي "التنزيل" والوعي الإنساني لهذا
الوجود "الإنزال"(4)
القاعدة الثالثة:
الترتيل، لقوله تعالى "ورتل القرآن ترتيلا"(5)
والترتيل هو اخذ الآيات المتعلقة بالموضوع الواحد وترتيلها بعضها وراء بعض، والرتل
في اللسان العربي هو الصف على نسق معين ولا يقصد به التلاوة ولا التنغيم.
والله سبحانه وتعالى نزل القرآن على النبي (ص) على ارتال ولم يأته دفعة واحدة، حيث
يقول " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك
ورتلناه ترتيلا"(6)
وهناك موضوع واحد جاء مرتلا في القرآن هو قصة يوسف التي جاءت كلها دفعة واحدة في
صورة واحدة (1)، أما موضوع آدم- مثلا- فموجود في سورة البقرة
والأعراف وسور أخرى وكذلك قصة نوح وهو ما يحتاج إلى الترتيل.
القاعدة الرابعة:
عدم الوقوع في التعضية لقوله تعالى:" كما أنزلنا على المقتسمين، الذين جعلوا
القرآن عضين"(2)
والتعضية هي قسمة ما لا ينقسم، فإذا ورث ذكران من أبيهما سيفا وحصانا وسيارة،
فالتعضية هي قطع السيف إلى قطعتين والحصان كذلك والسيارة، وبذلك تفقد هذه الأشياء
قيمتها.(3)
والتعضية في القرآن تعني أن الآية القرآنية قد تحمل فكرة متكاملة وحدها أو فقرة من
موضوع كامل وبعد الترتيل مثل آيات أدم وخلق الكون فإن جمع كل مواضيعها مع بعضها
يخرج الموضوع الكلي كاملا.(4)
القاعدة الخامسة:
فهم أسرار مواقع النجوم، لقوله تعالى:" فلا أقسم بمواقع النجوم وانه قسم لو
تعلمون عظيم"(5)
إن القرآن قوانين لأحداث موضوعية والموضوع الواحد جاء في عدة آيات، أي قسم إلى عدة
آيات والانتباه لمواقع النجوم في الكتاب كله وهي الفواصل بين الآيات لا مواقع
النجوم في السماء هي من مفاتيح تأويل القرآن وفهم آيات الكتاب حيث أن مواقع النجوم
جاءت بين آيات الكتاب كله بالتالي فكل آية من آيات الكتاب تحمل فكرة متكاملة فإذا
نظرنا إلى آيات الكتاب والفواصل بينها رأينا أمورا عجيبة ويزول العجب إذا فهمنا
مبدأ الفكرة المتكاملة(6)
ومثال ذلك قوله تعالى:" يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب
الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى * كلوا من طيبات ما رزقناكم*(7)
أما في سورة الأعراف في الموضوع ذاته قال:" ونزلنا عليهم المن و السلوى كلوا من
طيبات ما رزقناكم" (1)
ففي الآية من سورة طه جاء التنجيم بين لفظتي "السلوى" و "كلوا" بينما لم يأتي
التنجيم بين اللفظتين نفسهما في سورة الأعراف.
القاعدة السادسة:
ويطلق عليها شحرور اسم "قاعدة تقاطع المعلومات" وتقتضي هذه القاعدة انتفاء أي تناقض
بين آيات الكتاب كله في التعليمات والتشريعات، ويتم فيها مقارنة ومقاطعة آيات
الموضوع الواحد مع آيات الموضوع ذاته في سورة أخرى من اجل فهمها بشكل ينطبق مع
العقل والواقع، فمثلا إذا أردنا أن نفهم الآية 31 من سورة النور وهي آية الزينة
فعلينا أن نقاطع المعلومات الواردة فيها مع المعلومات الواردة في آيات المحارم في
سورة النساء، وعند ذلك نفهم معنى الزينة (2)
وفي ختام هذه القواعد الست ينبه شحرور من جديد أن التأويلات التي يؤولها هو وغيره
قابلة للتطور و للنقض لأنها قائمة على أساس نسبية معرفة الحقيقة، كما أنه يقول:"
علينا أن نسحب القرآن قبل أن يفوت الأوان من أيدي السادة الوعاظ المعروفين بالعلماء
الأفاضل أو رجال الدين فموقفهم من القرآن هو كموقف العامة تماما، وان كان لهم دورا
فهو دور وعظي بحت (3)
1- شحرور، الكتاب والقرآن،191.
2- المصدر نفسه، ص192.
3- المصدر نفسه، ص192.
1- الجرجاني، المرجع السابق، ص10.
2- ابن جني، الخصائص، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط3، 2000، ج1، ص27.
3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص193.
4- المصدر نفسه، ص193.
5- سورة المزمل، الآية04.
6- سورة الفرقان، الآية 32.
1- شحرور، الكتاب والقرآن، ص194.
2- سورة الحجر، الآيتان 90،91.
3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص194.
4- المصدر نفسه، ص195.
5- سورة الواقعة، الآيتان 75،76.
6- شحرور، الكتاب والقرآن، ص195.
7- سورة طه، الآية 80.
1 سورة الأعراف، الآية 160.
2 شحرور، الكتاب والقرآن، ص196.
3 المصدر نفسه، ص196.