الملتقى الثاني لندوة عمر بهاء الدين الأميري

شاعر الإنسانية المؤمنة

"صوت الشاعر: قراءة للرؤى المتجاورة في قصيدة (إنسان يموت...)

لشاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري"

عمر بهاء الدين الأميري

د. سعيد الغزاوي*

[email protected]

1- القصيدة: "عدت عبر باريس، وتلبثت فيها أياماً... وذات مرة استوقفت سيارة أجرة، وآثرت الجلوس بجوار سائقها، وقد تقدم به العمر، وأدرت الحديث متسائلاً عن أوضاع باريس اليوم، وقد مضى على دراستي الجامعية فيها، أكثر من ثلاثين عاماً، فكان مما أجابني به السائق، حديث عن: "إنسان يموت..."

تاكسي... وسارع في اتجاهي وهو يقتحم iiالزحاما
شـيـخ،  يـنـحـنح صوته وكأنه يشكو زكاما
جـاورتـه... وسـألـته مستدرجاً منه الكلاما..
فـأجـاب  لا يـا صاحبي قد غير الزمن iiالأناما
وتـبـدلـت  تـلك العهود فلا رخاء ولا iiسلاما
*                     *                    ii*
إنـسـانـنا، في غرب هذا اليوم قد خفر iiالذماما
يـجـري  لـيـقتحم الحياة وما يرغدها iiاقتحاما
ويـظـن أن رقـيـه فـي أن يـرفـهها دواما
يـسـتـعجل الكسب الحرام وليس يفهمه iiحراما
ويـذود  ذا.. ويدوس ذا وتزيده الخمر iiاحتداما..
وفجيعة الأمس القريب أما سمعت؟ فقلت: لا، ما؟
فـتـنهد  الشيخ العجوز وقال قد كانت iiصداما..
سـيـارة تـجـري كبرق خاطف، فجأت غلاما
فـرمـته، وانطلقت تطير.. كأنها لم تجن iiذاما..
والبائس  الحي المجندل في الثرى يحكي iiالركاما
قـد كـان يـفـتح ثغره في صمته، يشكو iiأواما
وجـراحه الحرى تصيح ونزفها صبغ iiالرغاما..
والناس..  لا يتوقفون ولا يرون.. ولا... iiعلاما؟
كـل  لـه مـن شـأنه ما يملأ النفس اضطراما
وتـمـر سـيارات من في الحي عنه، وقد iiأقاما
عـجـلى تجاوزه وتمضي وهي تخترق iiالظلاما
والـنـاس  فـيـها عاشق ضم الحبيبة iiمستهاما
وجـمـاعـة فـي نزهة تمضي، وتفتقد الندامى
ومـراهـقـون  يـراشفون بنات معهدهم iiمداما
وثـريـة  , وحـبيبها المبتز يكذبها iiالغراما...!
وأب  يـعـاتـب طـفله والطفل يأبى أن iiيلاما
كثر... وما أحد توقف والفتى يلقى iiالحماما....!!
وتـنـهـد  الـشيخ العجوز وكان قد بلغ iiالمقاما
لـكـنـه وإلـى الـكـلام وطرفه بالدمع غاما:
إنـسـانـنا.. ماذا أقول؟ أقول أعمى أم iiتعامى!
صـعـدت بـه دوامة الإعصار، فاكتنف الغماما
واغـتـر واسـتـعـلى وظن بأنه ملك iiالزماما
عـمـيـت  حـقيقته عليه فضل عنها iiواستناما
ومـضـى  يدب كدبة السكران في وحل iiترامى
*                     *                    ii*
إنسان غرب اليوم، عصري، ونحن هم iiالقدامى!.
إن الـحـيـاة يـعـيـشها سيعيشها موتاً زؤاما

"من ديوانه "صفحات ونفحات"

خواطر وذكريات وتجليات

شعر وفكر"

2- القراءة:

1-2 قراءة العتبة الأولى/ المقدمة:

لا يستطيع قارئ هذه القصيدة إغفال دلالات العتبة الأولى/ المقدمة التي يقول فيها الأميري "عدت عبر باريس، وتلبثت فيها أياماً.. وذات مرة استوقفت سيارة أجرة، وآثرت الجلوس بجوار سائقها، وقد تقدم به العمر، وأدرت الحديث متسائلاً عن أوضاع باريس اليوم، وقد مضى على دراستي الجامعية فيها، أكثر من ثلاثين عاماً، فكان مما أجابني به السائق، حديث عن: "إنسان يموت...".

تقدم لنا قراءة هذه العتبة الأولى صورة عن ذاكرة الأميري في باريس، ذاكرة تستغرق ثلاثين سنة تفصل بين الدراسة الجامعية للأميري في باريس، وهاته الزيارة التأملية التي يستمع فيها لأوضاع عاصمة النور والجمال يحكيها صاحب سيارة الأجرة. ذاكرة ترصد تحولات الإنسان الباريسي وتفاعله اليومي مع أوضاع هذه العاصمة. إنه التفاعل الذي ينتج إنساناً يموت، كما تدل عليه العتبة الثانية:

2-2 قراءة العتبة الثانية/ العنوان "إنسان يموت":

 توحي القراءة الأولى للعنوان بعبثيته، لأن الموت سنة إلهية ملازمة للإنسان، فما جدوى قصيدة عنوانها يوحي بالحديث عن هذه السنة الإلهية؟.. وهل شاعر كبير من طينة وحجم عمر بهاء الدين الأميري تذهب به السذاجة مدى بعيداً فيخصص قصيدة لظاهرة طبيعية هي موت الإنسان؟ لذلك نرجح الاحتمال الثاني لحديث عن موت آخر للإنسان غير الموت الطبيعي، موت تكشف عنه العتبة الأولى، ويكشف عنه حديث صاحب سيارة الأجرة الباريسي الذي خبر أوضاع باريس مثلما خبر موتاً آخر للإنسان غير الموت الطبيعي الذي يلازمه. نتوقع في قراءتنا لهاتين العتبتين، حياة متدرجة بالإنسان من إنسانيته إلى قيم أخرى تنحدر به نحو موت في الحياة. كما نتوقع منتقلين من القمة /العنوان إلى القصيدة/ القاعدة خطاباً حجاجياً يبرهن على موت الإنسان الباريسي في الحياة. الإنسان المتعطش للحياة يعب منها لكي تؤدي به إلى الموت.
فلننتقل إلى قراءة القصيدة /القاعدة حاملين معنا توقعين لاتجاه العنوان: توقع حديث القصيدة عن الموت الطبيعي للإنسان، مما يعضد مقولة: "سذاجة الشاعر الأميري"، أو توقع الحديث عن موت الإنسان الباريسي/ الغربي في الحياة، مما يعضد مقولة "عمق شاعرية الأميري وعمق تناوله جوهر الإنسان الذي يحيا بالقيم، فإذا فقدها وتخلى عنها انحدر نحو موت في الحياة.
هي إذن حكاية إنسان باريسي يعيش الموت، حكاية تقرأها لا بمعيار الصدق والكذب، وإنما بالمنطق الذي بنى –وفقه- الأميري عالم الإنسان الباريسي من جهة رؤيته للعالم، إنه منطق المؤرخ والمفكر والشاعر لأنه وسم ديوان "صفحات ونفحات" الذي انتخبت منه هذه القصيدة "بخواطر وذكريات وتجليات... شعر وفكر" مما يعني حضوره مؤرخاً: يؤرخ لمسار الإنسان من خلال شهادة سائق سيارة الأجرة، وحضوره مفكراً يفكر في رصد تحولات عقلية الإنسان الباريسي، وحضوره شاعراً يرقى بالخطاب التاريخي/ الفكري إلى ذروة بيانية تمتلك قدرة جمالية على بناء العالم ورسم آفاقه.
2-3 قراءة القصيدة/ القاعدة:

تتشكل القصيدة/ الحكاية من مقدمة وحكاية وخاتمة لذلك نقترح تقسيمها إلى ثلاث وحدات:

1- الوحدة الأولى/ المقدمة: "إنسان غيَره الزمان" من البيت الأول: تاكسي.. إلى البيت الخامس: ولا سلاما".
2- الوحدة الثانية/ الحكاية: "إنسان أعمى أم تعامى" من البيت السادس: إنساننا.. إلى البيت الرابع والثلاثين: ترامى".

3- الوحدة الثالثة/ الخاتمة: "إنسان يعيش الموت" وهي مركزة تتشكل من البيتين الخامس والثلاثين والسادس والثلاثين".

1- الوحدة الأولى/ المقدمة "إنسان غيره الزمان":

1-1 المعجم: بتأملنا في معجم هذه الوحدة نميز بين حقلين دلاليين: (حقل الإنسان) و(حقل الزمان).

حقل الإنسان                                           حقل الزمان

 الأفعال          الأسماء           الصفات             الأفعال        الأسماء    الصفات

سارع- يقتحم     شيخ-صوت      اتجاه-زكام          غير-تبدل     الزمن-     الزحام

ينحنح –يشكو      الكلام-صاحب    مستدرج                          تاكسي-      رخاء

جاورت –سألت     الأنام                                             العهود         سلام

-أجاب

ينبغي الإقرار بصعوبة التمييز بين هذين الحقلين الدلاليين لتداخلهما بنية ودلالة، إنه تمييز تقتضيه عوامل منهجية ترمي إلى إبراز عنصر الزمن وتأثيره في الإنسان. تأثير الزمن في الإنسان بأفعال عميقة الدلالة: "سارع –يقتحم –ينحنح –يشكو –غير –بدل "إنها بزمنها الماضي والحاضر تدل على لا إرادة الإنسان، ما دام الزمن متحكماً في أفعاله بالمسارعة والاقتحام والتنحنح والشكوى والتغير والتبدل.

كما أن الأسماء تدل على حضور قوي للإنسان بمردافاته "شيخ –صاحب –الأنام "أو لوازمه" صوت –الكلام" ويجاوره حضور قوي للزمن بلفظه المفرد "الزمن أو جمعه "العهود" أو بعض منجزاته "تاكسي".

أما الصفات فتعضد خصيصة التداخل بين حقلي الإنسان والزمن، وتضيف خصيصة قابليتها لتنتسب لهما معاً. سواء ما تعلق بصفتي "اتجاه –مستدرج" في حقل الإنسان، أو صفات "الزحام –رخاء –سلام" في حقل الزمن: فتجوز نسبة الاتجاه للزمن ما دام الأميري يصور الإنسان فاقداً لإرادته، وكذلك صفة الاستدراج المستمدة من الوصف القرآني في قوله تعالى: "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث، سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين" القلم 45. تجوز نسبة هذه الصفة للزمن الذي بأطايبه وملذاته يستدرج بها الإنسان.

والقول نفسه يصلح في الصفات الملحقة بحقل الزمن فتصح في حقل الإنسان محققاً للزحام ومتنعماً بالرخاء والسلام.

بهذا التداخل بين حقلي الإنسان والزمن ودلالات الأفعال والأسماء والصفات نبدأ في تبيين رجاحة احتمال حديث الأميري عن إنسان يموت في الحياة مجازاً، وحتى نطمئن إلى سلامة هذا الترجيح المبني على قراءة هذه الوحدة في مستواها البسيط، مستوى المعجم، أقترح الرقي إلى مستوى أعلى هو مستوى الصورة.

1-2 الصورة:

ترد الصورة غانية في الشطر الأول من البيت الأول "تاكسي.. وسارع في اتجاهي" –وهو مصطلح يعني خلو الصورة من المحسنات البلاغية- صورة الشاعر الأميري ينادي سائق التاكسي فيسارع في اتجاهه. ويمكن قراءتها مجازاً في اتجاه التلميح إلى بعض خصائص العصر الباريسي الجديد عصر السرعة. فيكون اعتماد الشاعر الصورة "سارع" للدلالة على طبيعة الحياة المتسارعة في باريس.

وأما الشطر الثاني "وهو يقتحم الزحاما" فالاستعارة واضحة لصورة المعركة" حيث يكون الاقتحام والزحام" صورة الإنسان الباريسي يعيش معركة متواصلة يحتاج فيها للاقتحام حتى يجد لنفسه مكاناً في الزحام.
وأما الصورة في البيت الثاني "شيخ ينحنح صوته وكأنه يشكو زكاما" فتعتمد التشبيه بكامل أركانه: بالأداة كأن والمشبه به رجل مريض بالزكام ووجه الشبه ينحنح صوته.

والصورة المجازية في البيت الثالث "جاورته.. وسألته مستدرجاً منه الكلاما..." للشاعر الأميري وسائق التاكسي صورة رجلين يمكر أحدهما بالآخر حين يجاوره ويسأله حتى يستدرجه لكشف الأسرار.
والصورة البيانية في قوله تعالى: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" تحضر بقوة في هذا البيت تفوح بالدلالة على وظيفة الاستدراج بوحاً بالحقائق وكشفاً عن الأسرار.
أما النتيجة المرجوة من تلك الصورة المجازية البيانية فتتحقق في البيتين الرابع والخامس: الاستجابة /فأجاب وباح بالحقيقة/ السر: "لا يا صاحبي قد غير الزمن الأناما، وتبدلت تلك العهود فلا رخاء ولا سلاما" صورة مجازية استعارية للزمن يغير الإنسان، والعهود تتبدل فتظهر صورة الإنسان الباريسي المحارب مجازاً يفقد في معركته الرخاء والسلام.
هكذا يقدم لنا مستوى الصورة ما يعضد مستوى المعجم دلالة على الإنسان الباريسي في معركته مع الزمن، حيث ينتصر عليه تغييراً وتبدلاً. وتكون من نتائج هذه الهزيمة صورة جديدة لإنسان يعيش ميتاً.

لننتقل إلى المستوى الموالي لعله يمدنا بما يدعم أو يدحض هذه الصورة

1-3 الرمز:

تاكسي          رمز للحضارة المعاصرة ومنتجاتها.

يقتحم           رمز للمعركة

الزحام          رمز لمعاناة الإنسان.

مستدرجاً        رمز لهزيمة الإنسان.

لا رخاء         رمز لطبيعة الزمن

لا سلام         رمز لطبيعة الزمن.
هي إذن كلها رموز عميقة الدلالة على خصائص الإنسان الباريسي المهزوم في معركته مع الحضارة المعاصرة.
هذا المعجم وهذه الصور وهذه الرموز وسيلتنا في التدرج إلى المستوى الأعلى الذي يرومه هذا المنهج أقصد مستوى الرؤية للعالم في هذه الوحدة.

1-4 الرؤية:   "رؤية الأميري للعالم في الوحدة/ المقدمة   (إنسان غيره الزمن)"

الشاعر    جاورته وسألته مستدرجاً منه الكلاما

الإنسان    غيًر الزمن الأناما    - لا رخاء ولا سلاما

سائق التاكسي    سارع في اتجاهي   وهو يقتحم الزحاما

الشيخ             ينحنح صوته –يشكو الزكاما

الزمن          وتبدلت تلك العهود –لا رخاء ولا سلاما 

العالم/ باريس

هذه الوحدة /المقدمة ترجح الاحتمال الثاني لقراءة عنوان القصيدة، احتمال الحديث عن الموت، لا بوصفه سنة من سنن الله "كل نفس ذائقة الموت" وإنما موت يعيشه الإنسان في الحياة. إنها رؤية الأميري للعالم من خلال نموذجه المصغر "العاصمة باريس"، حيث تقوم معركة طاحنة بين الإنسان والزمن، تنتهي بانتصار وغلبة الزمن بعد ما استدرج الإنسان، فوقع في شرك الحياة في الموت.

لننتقل إلى الوحدة المركزية "وحدة الحكاية" مترقبين حججاً تبرهن على الصورة الجديدة لإنسان يعيش الموت.

2- وحدة الحكاية (إنسان أعمى أم يتعامى):

بتأملنا في معجم هذه/ الحكاية، وهي الوحدة المركزية في القصيدة، نقترح فرز الحقلين الدلاليين نفسيهما: "حقل الإنسان" و"حقل الزمن".

حقل الإنسان                                                   

الأفعال                الأسماء           الصفات

خفر –يجري           إنسان           غرب-الذمم

-يفح –يظن –يرفه     الكسب          اقتحام-الرقي

يفهم –يذود             الشيخ           دوام-الحرام

يدوس –تزيد          غلام            حراما-احتدام

سمعت-قلت-تنهد-قال     الحي-المجندل       العجوز-صدام

-كانت – يحكي –يفتح    الثري –ثغره          الزكام-صمت

يشكو-تصيح-يتوقفون-     جراح- الرغام      أوام- الحرى- نزف

يرون –يملأ               الناس -شأن –النفس      صبغ-البائس

أقام-يملأ                     الحي-الناس            اضطرام-عاشق  

تفتقد –يراشفون               الحبيبة –جماعة –الندامى      مستهام -نزهة

يكذب-يعاتب                 مراهقون –بنات-معهد            المبتز-الغرام

يأبى –يلام                    المدام-ثرية –حبيب               كثر-العجوز

توقف –يلقى                  أب- طفل –الطفل-أحد          المقام –الكلام-

تنهد –كان-بلغ –والى         الفتى- الحمام –الشيخ            غاما-أكمه -دوامة

أقول –أقول –تعامى           طرف-الدمع- إنسان             السكران -دبة

صعدت-اكتنف –اغتر         دبة- الإعصار 

استعلى –ظن

ملك –عميت –ضل –استنام

مضى –يدب –ترامى

حقل الزمن

الأفعال                           الأسماء                                الصفات

يرغد –يرفه –تجري              اليوم –الحياة                           الرقي-دوام-احتدام

فجأت –رمت –انطلقت            الخمر-الأمس                      فجيعة- القريب-صدام

تطير –تجني –تمر –تجاوز        سيارة-برق                       خاطف-عجلى -الظلام

- تمضي –تخترق –ترامى         سيارات-المدام-الغمام-حقيقة    -الزمام-الإعصار-وحل

لم نجد في معجم هذه الوحدة/ الحكاية، التي تشكل الوحدة المركزية في القصيدة، ما يتجاوز حقلي الإنسان والزمن، فهما إذن يعضدان الوحدة /المقدمة ويؤكدان توقعنا باحتمال التفاعل لتعضيد أو دحض حديث الأميري عن إنسان يعيش الموت.

وخصيصة التداخل والتفاعل بين الحقلين، التي ميزت الوحدة/ المقدمة هي التي تتأكد في هذه الوحدة /الحكاية حتى يبرز عنصر الزمن وتأثيره في الإنسان بأفعال عميقة الدلالة: "يرغد –يرفه –تجري –تمضي –تخترق". وفي مقابلها أفعال الإنسان الدالة على الاستجابة لتأثير ووقع الزمن: "خفر –يجري –يقتحم –يظن –يرفه –يستعجل –يذود –يدوس –يفتح –ينكد –يكذب –يعاتب –يأبى –اغتر –استعلى –ظن –ملك –عميت –ضل...) كما أن الأسماء تدل على حضور الإنسان بمرادفاته: "إنسان –شيخ –غلام –الناس –الناس –جماعة –الحبيبة –الندامى –مراهقون –بنات –ثرية- حبيب –أب –طفل –الطفل- أحد –الفتى –الشيخ –إنسان" وبعناصره في: "الحي –ثغره –النفس –المدام –الدمع".
كما يجاوره حضور قوي للزمن بمفرداته: "اليوم –الحياة –الأمس "وبعناصره"  سيارات –الغمام –المدام –حقيقة –برق"

وأما خصيصة اشتراك حقلي الإنسان والزمن في الصفات فتتكرر في هذه الوحدة: صفات "غرب –الذمم –اقتحام –الرقي –دوام –الحرام –احتدام –صدام –فجيعة –خاطف" حيث يجوز إلحاق صفة الغرب بالإنسان وبالزمن وكذا الذمام –والرقي.

وتستقل صفات أخرى بالإنسان مثل "الصمت –الركام –الحمام –المستهام –المبتز –الغرام –الكثر –العجوز –المقام –الكلام –الأعمى –السكران" كما تستقل صفات بالزمن مثل "الظلام –خاطف –الإعصار –الوحل –الفجيعة".

خلاصة التأمل في المعجم الكثيف والغني والمتنوع لهذه الوحدة هي ظاهرة التداخل بين حقلي الإنسان والزمن أفعالاً وأسماء وصفات، نتوقع عند انتقالنا إلى مستوى الصورة ما يعضد هذا التداخل والتأثير بين الحقلين، فلنرق إليه حاملين معطيات مستوى المعجم.
2-2 الصورة:

ترد الصورة في البيت الأول محملة بالمجاز "إنساننا، في غرب هذا اليوم، قد خفر الذماما". صورة الإنسان المعاصر في الغرب وقد خفر الذمم، إنها صورة مجازية لمن أخل بالعهود وتخلى عن القيم.

كما تعجب الأميري صورة المعركة بين الإنسان والزمن فيؤكدها فعلاً ومصدراً: "يقتحم /اقتحاما" فالاستعارة واضحة للمعركة بفعل ومصدر الاقتحام، حيث يظهر الإنسان بطلاً جسوراً لا يخاف معركة الحياة بل يجري إليها ولرغدها حتى يكون من المقتحمين إنها صورة استعارية جميلة لمعركة الاقتحام التي وردت في الوحدة /المقدمة، تتكرر هنا بشكل أقوى فعلاً ومصدراً (يقتحم اقتحاماً) بل يضيف إليها الفعل "يجري" الدال على خصيصة العجلة التي يتسم بها الإنسان في الغرب.

أما الأبيات الثلاثة المتوالية فيزيد فيها تأكيد هذه الصورة الاستعارية للإنسان يقتحم رغد الحياة:

"ويظن أن رقيه في أن يرفهها دواما" صورة غانية للإنسان يرقى برفاهية دائمة في حياته.
"يستعجل الكسب الحرام –وليس يفهمه حراماً" صورة غانية لذلك الإنسان تؤكد الجري بصفة الاستعجال، وتؤكد الغفلة بصفة (ليس يفهمه) لكسب الحرام.

"ويذود ذا... ويدوس ذا وتزيده الخمر احتداما" فإذا لم يشبعه الكسب الحرام، فإن الصورة الغانية الموالية تؤكد صورة الإنسان الغربي في ثلاثة أجزاء:

جزء يدافع فيه عن الظالم وهو المسكوت عنه، وجزء يسحق فيه الضعيف، وجزء يتزود فيه بالخمرة طاقة محركة للإنسان في معركته ضد الحياة، وهي صورة رغم كثافتها عميقة في استحضار الصورة البيانية للإنسان الباريسي لا يخوض المعركة ضد الزمن إلا بعد التزود بالخمرة طاقة تزيده ضلالاً.

وأما الصورة المركبة المالية فتجلي حكاية الغلام البائس المجندل، صورة مركبة من تسعة أبيات تحكي الفجيعة، وأغلبها صورة غانية من قوله "وفجيعة الأمس القريب.. إلى قوله فرمته وانطلقت".

صورة الغلام الذي صدمته سيارة تجري كالبرق، فلا تتوقف لإنقاذه، وكأنها لم ترتكب جريمة. ثم صورة الغلام الذي ما زال حياً مضرجاً في دمائه مجتمعاً على نفسه مثل الركام، يتألم في صمت رغم فمه المفتوح، أما براعة الصورة المقابلة ففي الجراح التي تصيح، والدماء التي تنزف لتحول لون الرغام إلى لون الدماء. إنها تعوض الألم الصامت للغلام رغم فمه المفتوح بصياح الجراح الحرى.

وأما الصورة المقابلة فهي بارعة رغم كونها غانية: إنها صورة الناس الذين لم توقفهم صورة الفجيعة الملمة بالغلام، رغم صياح الجراح وصبغ الرغام بالدماء. تعضدها صورة استعارية لأنفس الناس مشغولة بهمومها الخاصة (كل له من شأنه ما يملأ نفسه اضطراما) ثم تتوالى الصور الجزئية التفصيلية للبرهنة على صدق صورة الناس غير المتوقفين ولا الرائين فجيعة الغلام الجريح.

-الصورة الجزئية الغانية لسيارات الحي في عجلة تمضي وتخترق الظلام" وتمر سيارات من في الحي عنه عجلى تجاوزه وتمضي وهي تخترق الظلاما".

- ثم الصورة الجزئية لأصناف من الناس:

+صورة العاشق المنشغل عن الفجيعة مستهاماً في ضم حبيبته (عاشق ضمن الحبيبة مستهاما).
+ صورة المراهقين وزميلاتهم في المعهد يتبادلون كؤوس الخمرة (ومراهقون...)

+ وصورة غانية لجماعة ماضية إلى النزهة بحثاً عن الندامى (وجماعة.. الندامى)

+ وصورة ثرية يغرر بها حبيب مبتز يدعي محبتها  (وثرية...)
+ وصورة أب لا يبالي صغيره الطفل بعتابه  (وأب يعاتب...)
+ وصورة تلخص طبائع الناس في الغرب حيث لا يتوقف منهم أحد لنجدة الفتى المعرض للموت. كثر وما أحد توقف والفتى يلقى الحماما...".

بعد هذه الصورة ذات الطبيعة الحجاجية للبرهنة على غفلة الناس عن الاهتمام ببعضهم، يعود الأميري إلى صورة الشيخ العجوز تلخص حقيقة التحول الذي يشهده الإنسان الباريسي، وهي صورة مركبة من سبعة أبيات (وتنهد الشيخ العجوز.. أم تعامى)، تغلب عليها خصيصة الأميري في الاحتفال بالصور الغانية الخالية من المساحيق البلاغية.
صورة الشيخ العجوز متنهداً كناية عن حزنه، وقد بلغ المقاما: كناية عن تقديمه ما يكفي من البراهين عن غفلة الإنسان الغربي.

ثم صورته يبرهن بالكلام عن هذه الغفلة.
ثم الصورة /الحكمة/ الخلاصة: إنساننا كناية عن انتساب الشيخ العجوز إليه، لذلك لا يجرؤ على مصارحة الشاعر بالحقيقة: ماذا أقول؟

ثم ينطق بها لتقدم احتمالين لصورة الإنسان الغربي: إنسان أعمى حالت همومه اليومية والمادية عن النظر إلى إنسانيته وواجباته لتحقيقها؟ أم إنسان يتعامى عن معرفة جوهره الإنساني، فيهرب إلى الأمام لتحقيق ما يملأ النفس اضطراما. وللبرهنة عن عمى الإنسان أم تعاميه يتوسل ببعض المحسنات البلاغية:

صورة مجازية للإنسان الغربي صاعداً مراقي الحضارة المادية (دوامة الإعصار) التي أوصلته إلى اكتناف الغمام، كناية عن رتبة المجد التي وصل إليها بين الأمم والحضارات.
وتعضدها صورة الإنسان/ السوبرمان
superman حسب نظرية الفيلسوف الألماني نيتشة: عقله ليس مثل العقول، وجسمه ليس مثل الإجسام، وحضارته ليست مثل الحضارات.

صورة الإنسان السوبرمان معجباًً ومستعلياً ومتوهماً أنه متحكم في البشرية (واغتر واستعلى وظن بأنه ملك الزماما) لا تفوت قارئ هذه الصورة مفردة استعلى القرآنية التي تحيل على الأمم والجماعات التي نهجت هذا النهج: نهج فرعون وهامان وقارون، فاستعلت على شعوبها وقهرتها. وتفرسها صورة الإنسان السوبرمان في مسخ كاريكاتوري مضحك: -إذ كيف يكون الإنسان الغربي سوبر ماناً وهو أعمى عن معرفة حقيقته (عميت حقيقته عليه).

- وكيف يكون الإنسان الغربي سوبرماناً وقد تاه عن طريقه (فضل عنها).

- بل كيف يكون الإنسان الغربي سوبرماناً وقد استناما. وهي كناية دالة على تعبه من النظر والمسير فطلب النوم ليخلد للراحة.

ثم يختم بصورة ساخرة أكثر إيلاماً، هي صورة الإنسان السوبرمان الذي استعلى وملك الزمام واكتنف الغمام، ينتهي أمره إلى أن يدب دبيب السكران المتمرغ في التراب. صورة الإنسان يتهاوى من ذلك الاستعلاء ومن الغمام إلى الوحل يدب فيه دبيب الحشرات المهينة.
بهذه الصورة التي تغلب فيها الغانية والبلاغية مجازاً واستعارة وتشبيهاً وكناية وصوراً مركبة وصوراً حجاجية وصوراً حكائية ساخرة يتوسل بها الأميري للبرهنة وتعضيد حصيلتنا من مستوى المعجم: "تأثير الزمن في الإنسان، وتحويله إلى إنسان سوبر مان أعمى أم تعامى".
لندعم هذا المستوى بمستوى الرموز التي وظفها لدعم المعجم والصور.

2-3 الرموز:

إنساننا: رمز لانتساب الشيخ للإنسان الغربي.

اقتحام: رمز لنشوب معركة بين الإنسان الغربي والزمن.

الكسب الحرام: رمز الحياة المادية التي يتغذى منها الإنسان الغربي.

البائس: رمز لحقيقة الإنسان الغربي في بعض نماذجه.
اضطرام النفس: رمز لغياب الطمأنينة.

إنسان أعمى: رمز للغفلة.

إنسان تعامى: رمز للهروب من الحقيقة.

إنسان اغتر واستعلى: الإنسان الغربي السوبرمان.

إنسان ملك الزمام: الإنسان الغربي السوبرمان.

إنسان استنام: رمز للوهن الذي أصابه بتأثير الزمن.

إنسان في وحل يترامى: رمز للهزيمة التي ألحقها به الزمان فأسقطه من علو شاهق إلى وحل الكائنات الضعيفة التي تدب.

بهذه الرموز يزيدنا الأميري برهنة على تمكن الزمن من النيل من الإنسان، وتحويله من الإنسان إلى السوبرمان إلى الإنسان /الحشرة يدب دبيباً في الوحل.

هذه الوحدة المركزية، وحدة الحكاية، بغنى معجمها وصورها ورموزها، تمكننا من الإمساك بمعالم الرؤية للعالم عند الأميري من خلال نموذجه المصغر /العاصمة باريس. فما هي معالم هذه الرؤية للعالم كما تمدنا بها المستويات السابقة:

السيارة

الغلام

الشاعر: فقلت: لا ،ما؟

سائق التاكسي: طرفه بالدمع غاما

الشيخ العجوز

الزمن

العالم/ باريس

سيارات الحي   عجلى تجاوزه وتمضي

الناس: كثر وما أحد توقف –لا يوقنون ولا يرون –ولا علام –كل له من شأنه

ما يملأ النفس اضطراما -عاشق ضم الحبيبة -وجماعة في نزهة مراهقون يراشفون-

الإنسان الغربي خفر الذماما يجري ليقتحم الحياة وما يرغدها اقتحاما /ويظن أن رقيه في أن يرفهها دواما ويذود ذا ويدوس ذا وتزيده الخمر احتداما.

بهذه الوحدة المركزية وحدة/ الحكاية يكون الأميري بكثافة المعجم والصور والرموز قد تمكن من إبراز معالم رؤيته لعالم الإنسان الباريسي /الغربي وقد ركبه الغرور والاستعلاء، فاعتقد أنه الإنسان السوبرمان، ثم كان السقوط المهين الذي مسخه إلى حشرة تدب وفي وحلها تترامى.
3- الوحدة الخاتمة: إنسان يعيش الموت":

لعل هذه الوحدة مكتفية بهذا العنوان المستمد من معجمها لتقدم لنا الإجابة المنتظرة منذ قراءة عتبتي القصيدة والوحدتين السابقتين. كما أنها مكثفة المعجم والصورة في بيتين يختم بهما الأميري حكايته "إنسان يموت.." فلنبدأ بمستوى المعجم متوقعين ما يشفي الغليل، ويقدم خاتمة استدلالات الشاعر على موت الإنسان الغربي.

1-3 المعجم:

نحافظ على الحقلين الدلاليين في هذه الوحدة "حقل الإنسان وحقل الزمان" رغم قلة المعجم نظراً لاختزال الوحدة وتكثيفها في بيتين.

حقل الإنسان                                                     

الأفعال         الأسماء         الصفات

يعيش-يعيش     إنسان          غرب-عصري     

-القدامى 

حقل الزمن

الأفعال              الأسماء                       الصفات

اليوم-الحياة-الموت          زؤام

خصيصة التداخل بين الحقلين حاضرة كذلك في هذه الوحدة، حتى يتأكد تأثير الزمن في الإنسان: تغيب الأفعال عن حقل الزمن وتحضر أسماء "اليوم –الحياة –الموت" كما تحضر صفة زؤام وهي صفة عميقة الدلالة في التأثير في الإنسان، بالإضافة إلى كونها آخر ما يختم به الأميري  القصيدة.
وأما معجم الإنسان فيتكرر فيه فعل يعيش مرتين، ويرد الإنسان مفرداً بصفات دالة على كونه غريباً وعصرياً، كما ترد صفة القدامى جمعاً دلالة على صنف آخر من الناس.

دلالة الأفعال والصفات والختم بصفة زؤام، تطمئن على سلامة الاحتمال الذي افتتحت به القراءة، احتمال حديث الأميري عن موت من طبيعة أخرى غير سنة الله النافذة في الإنسان موت زؤام بما كسب الإنسان الغربي العصري.

فلننتقل إلى مستوى الصورة لعلها تعضد وتدعم توقعنا احتمال دلالات القصيدة على هذا الإنسان الذي يعيش الموت.
2-3 الصورة:

ترد الصورة في البيت الأول من هذه الوحدة غانية عميقة في دلالتها على مأساة الإنسان الغربي العصري، عميقة في سخريتها من عصريته وقدامة الأميري ومن شابهه (إنسان غرب اليوم، عصري –ونحن هم القدامى).

أما الصورة في البيت الثاني فتفاجئ بالمقابلة الحاسمة بين الموت والحياة، كما ستتحقق في الإنسان الغربي بعصريته. جمال المقابلة "الحياة/ الموت" و "يعيش الموت/ صفة الزؤام" كناية عن قسوة إحساس الإنسان الغربي بموت فريد لم يعشه القدامى. موت يعيشه واقفاً حتى يتجرع مرارته.

لننتقل إلى مستوى الرمز تعضيداً لهذه الدلالات أو دحضاً لها.

3-3 الرموز:

ترد رموز دالة على اتجاه القصيدة.

الغرب: رمز للإنسان الغربي بخصوصياته.

عصري: رمز لادعاء الإنسان الغربي مسايرته للحياة.

القدامى: رمز للإنسان الشرقي الذي لا يحسن فن الحياة كما يدعي الغرب.

الموت الزؤام: رمز مركب وعميق الدلالة على مصير الإنسان الغربي.

فما هي الرؤية الخاتمة للعالم التي ارتقبناها منذ مطلع القراءة؟ لنرق إلى مستوى الرؤية:

3-4 الرؤية:

تختزل هذه الوحدة /الخاتمة خلاصة رؤية الأميري للعالم من خلال نموذج العاصمة باريس وحياة الإنسان الغربي فيها، وتجيبنا عن دلالات العنوان اللغز الذي وضعه الأميري للقصيدة "إنسان يموت" فلنبرز معالم هذه الرؤية حتى ينكشف ستر القصيدة بعتبتي المقدمة والعنوان:

إنسان الشرق        القدامى

إنسان غرب اليوم               عصري

يعيش الحياة موتاً زؤاما

العالم /باريس

يغيب الزمن في هذه الوحدة بشكل لافت، لكننا إذا أحسنا القراءة وجدناه متجلياً في الإنسان بصنفيه:

1- إنسان غرب اليوم يسقيه الحياة موتاً حتى يكسر عجبه واستعلاءه.

2- أما إنسان الشرق فيسقيه الحياة قدامة حتى يتركه في كسله ونومه.

تركيب:

هكذا مكنتنا هذه القراءة المتدرجة من العتبتين (المقدمة والعنوان) إلى القصيدة بوحداتها الثلاث من الاستماع إلى صوت الشاعر الأميري يحكي لنا حكاية "إنسان يموت" وهي مناسبة للكشف عن جوانب مغفلة في شخصية الأميري التي غلبت عليها صفة الشاعر. جانب المؤرخ وجانب المفكر. ولعل عنوان الديوان: (صفحات ونفحات: خواطر وذكريات وتجليات شعر وفكر) يلفت نظر القارئ إلى حضور التاريخ والفكر في ثنايا قصائده.
وهو في هذه القصيدة تاريخ الإنسان الباريسي خلال ثلاثين سنة، ورصد التحولات التي عاشها فكره في هذه الحقبة، فانتقلت به من الإنسان السوبرمان المغرور المستعلي بتملكه الزمام إلى الحشرة الحقيرة التي تدب وتترامى في الوحل.

بهذه القراءة المتدرجة من المعجم إلى الصورة فالرمز فالرؤية نكون سعينا إلى إنصاف الشاعر الأميري بالكشف عن رؤيته الفلسفية للإنسان الغربي وقدرته البيانية والحجاجية على تقديم حكاية هذا الإنسان الذي يعيش الموت الزؤام.

              

* أستاذ النقد الأدبي

كلكلية الآداب ابن مسيك /جامعة الحسن الثاني المحمدية