دراسة سيميائية للنص المسرحي" هواية أسامة"

دراسة سيميائية للنص المسرحي "هواية أسامة"

(المشهد الأول)

حياة زيادي

كنا قد تحدثنا في مكان آخر عن موضوع المسرحية وهي متداولة على الأنترنيت وما يهمنا هنا هو الدراسة السميائية لهذا النص.

ظاهرة التكرار الكمي للأصوات: إن ظاهرة التكرار من خلال إعادة وحدات صوتية معينة تجعل النص يحفل بالإيقاعات المنوعة التي تغني الجانب الإيحائي والتعبيري فيه ومما يلاحظ على النص استخدامه لحروف معينة بكثافة تفوق حروفا أخرى.

ويبدو استخدام الكاتب للحروف المهموسة لافتا جدا، والصوت المهموس هو الصوت الذي لا تتذبذب الأوتار الصوتية خلال النطق به.

يكرر الكاتب حرف القاف في المشهد الأول إلى ما يقارب 19 مرة، وحرف القاف في ذاته يحمل قدرا من القوة والقسوة والخشونة، ولعل تكرار القاف إلى جوار ما يحمله من دلالة صوتية ينسجم مع الدلالة التي يحملها النص و يعمقها (كإظهار التوتر الذي يشعر به أسامة) وتتمثل في " لقد، تقول، تبقى، قاعة، صديقتي، أصدقائي، بقيت، وقتا، قبل..."

وفي نفس المشهد تتبدى الكثافة الشديدة لصوت الفاء، ويظهر في التـفف حين يشعر أسامة بالضجر كل مرة.

ويكاد هذان الصوتان يحملان حقيقة الألم والأنين المتولد عن حالة الضجر والتوتر التي يعانيها أسامة والتكرار الكمي لهذه الأصوات التي أوحت بموسيقى معينة وأضفت ضربات إيقاعية بارزة تشعر بحالة الكاتب، وتمثل هذا في اختياره لهذه الكلمات: يبقى، أصدقائي، ......،ومن صوت الفاء: أف، تفوح مني، لا تفيدني، ويكرر حرف الهاء وهو صوت مهموس أيضا في هذا المشهد 47 مرة، تتوفر عشرة منها (10) على توافق صوتي قادم من اتصالها بالألف (معها، رحلتها، أنها، بها، انتهى، مرتبها، غنيتموها، أيتها، أريدها، هاهو)

ووردت غير متصلة بالألف كما في قوله (هكذا، ترعاه، هذا، هل، مكروه، ربحتهم، آه...)، وهي تعطي المشهد إيقاعا وجناسا، فهي تعطي تشابها صوتيا حين النطق بها وقد وردت الهاء في أغلب الألفاظ ضميرا منفصلا يعود على الضمير الغائب (هي)، ويوحي تكرارها بهذه الكثافة بشيء من اللهاث والضيق والتعب.

وحين النطق بها ترتبط بنفس عميق يرحي بالتأوه، ولما كانت الألف تتلو الهاء في معظم الألفاظ فقد تأكد المهنى المشار إليه.

أصوات الصفير: اعتنى الكاتب بتكرار كثير من الأصوات الاحتكاكية التي تنتمي إلى مجموعة الأصوات الصفيرية إذ تبدو كثافة استخدامه بعض الأصوات الصفيرية كالسين والصاد، سمة واضحة في المشهد الأول من وصف هواية أسامة "الكرة"

يكرر الكاتب في هذا المشهد صوت السين 39 مرة في كلمات موزعة على النص (سنعود، الأسبوع، لست، ألست، نسيت...) إضافة إلى تكرار صوت الصاد 11 مرة، (صوت، صديقتي، أصابك، الصغار، صحيح...) ويمتاز هذان الصوتان بصفيرهما العالي مما يوحي بقوة انفعال الكاتب، أو ارتفاع معنوياته أو اقتناعه بما يقدمه في هذا المقطع، وهذان الصوتان يحدثان صفيرا عاليا لا يشركهما في نسبة علو هذا الصفير غيرها من الأصوات.

وفضلا عن تكرار الكاتب صوتي السين والصاد، فإنه يكرر أصواتا صفيرية أخرى مثل صوت الثاء ذي الصفير المنخفض الذي يتكرر في المشهد الأول 4 مرات.

كما يكرر صوت الفاء ذي الصفير المنخفض أيضا 11 مرة.

ونلاحظ أن الكاتب جمع بين الأصوات العالية الصفير والمنخفضة الصفير وهو دلالة على نفسية الكاتب التي تحمل قدرا من التوتر تتخلله الحيرة والإنهاك المعنوي

حروف اللين: تكثر في كتابة "ياسين" المقاطع الصوتية الطويلة المؤلفة من صامت وصائت الطويل ألفا أم واوا أم ياء، إذ تشيع في كامل المشهد.

وتمتاز أصوات المد بوضوحها في السمع إذا قيست.بالأصوات الساكنة وهي تتناسب دلاليا مع الصوت المصاحب للنداء والمخاطبة عن بعد يتمثل في قوله: " هذا، الذي، قولي، صديقتي، رحلتها، سافروا، مكروه، تأخذين..." ويوحي هذا بمناجاة أسامة لما يتمناه، أو الطلب الذي لم يحصل عليه (وهو الذهاب إلى البحر) أو تشرح لحاله الذي يعاني فيه القلق والحزن والأنين.

وهنا قد أضفت حروف المدّ موسيقى خاصة ذات تأثير نفسي يشبه ذلك التأثير الذي يحققه اللحن الموسيقي، وينسجم هذا التماثل الصوتي مع دلالة المقطوعة التي يعبر فيها الكاتب عن بثه لشكواه مما يستدعي إيقاع الحزن.

نظام الجملة:

أ- تركيب الجملة الاسمية: جاءت الجملة الاسمية في كتابة ياسين على أنماط متعددة، إذ كثيرا ما نجد الخبر جملة فعلية أو الخبر شبه جملة، وهذا في قوله (أنا أرعى، أنها ستعود، أنت لا تفيدينني، مرتبها انتهى) عن (ح ج ف) أما خبر شبه جملة (هي للأطفال، أسبوع واحد في البحر).

فإذا كان النمط الأساسي يعبر عن حالة استقرار المعنى، وهو ذائع السيط في المشهد الأول (هي هكذا، أنت كبير، انه صوت، أنا جبانة...) فإن تجربة الكاتب لا تجد ضالتها في هذا النمط وإنما نحتاج إلى الأنماط الأخرى لعلها تظفر بالمعنى الذي تبحث عنه خاصة مع الخبر جملة فعلية، ولأن الاسم يخلو من الزمن ويصلح للدلالة على عدم تجدد الحدث وإعطائه لونا من الثبات، فقد لجأ إليه الكاتب للتعبير عن الحالات التي تحتاج إلى التثبيت كما برز في قوله: أنت كبير، تثبيت لوصف أسامة بأنه يستطيع رعاية المنزل، فأتي بالاسم بدل الفعل وقوله: أنا جبانة تأكيد لوصف أسامة للكرة بأنها جبانة.

واستمر في هذه الحالة بذكر أسماء معطوفة أو تكرارها تأكيدا للحدث أو الحالة النفسية التي يمر بها أسامة: ليلى ، ليلى ، الكرة، الكرة.

مما يوسع من أفق الانتظار بسبب ارجاء الخبر إذ لا يعرف المتلقي ما شأن هذه الحالات المتتالية، ويسهم "الاسم" في الكشف عنها.

- الجملة الفعلية: استخدم الكاتب أنماط مختلفة بما يناسب الدلالات التي عبر عنها، من خلال المراوحة بين الأفعال المضارعة تارة والماضية تارة أخرى.

وبقراءة أولى للمشهد أنه يشتمل على جملة واسعة من الأفعال منحته مقدارا كبيرا من الحيوية والحركة، و أوحت بسياق من الأحداث المتحركة المتتالية.

وقد ضم المشهد الكثير من الأفعال منها 29 فعلا ماضيا، منها 4 أفعال ناقصة ومن الواضح أنّ الفعل المضارع دورا رئيسا في تشكيل هذا المشهد، ويتأكد التشديد عليه من خلال ذيوعه في المشهد 48 مرة، ويؤشر هذا الاختيار إلى نمط التركيب المعقد في المشهد لاعتماده الفعل الذي يدل على الحركة.

مع الإشارة إلى استمرارية هذا الحدث، فالفعل المضارع يفيد الاستمرار والامتداد، والتركيز عليه يدل على رغبة الكاتب على الحلول فيه، والحصول على طلباته في زمن مستمر أي لا تنقطع رغبته في الحصول عليها آنيا: أنا أرعى، تلعب معي كثيرا، لماذا لا تذهب إليه، أنا يلعب بي الجميع...

ودلت هذه الأفعال على انفعال الكاتب وتعقيد مشاعره واستمرارها ويظهر هذا جليا في عدم تعبيره عن انفعاله بالفعل الماضي الذي يعبر عن زمن حدث وثبت في الماضي: خرجت أمي، جميع أصدقائي سافروا، ربحتهم أخر مرة...

- أسلوب النفي: لجأ الكاتب إلى أسلوب النفي الذي يعزز النص، ويسهم في تعقيد الجملة ويحولها من بسيطة إلى مركبة.

وقد بدأ استخدامه للنفي واسعا، فيما يقارب 12 مرة في المشهد الأول ويستخدم من أدوات النفي: لا، لم، ليس.

واستخدامه للنفي يقدم طرقاتعبيرية شتى من الناحية التركيبية تتجاوز معنى الطرح

- يأتي الكاتب "ياسين" في كثير من المواضيع بالنفي ليعزز معنى كره في المقطوعة أو المشهد فالنفي تأكيدي يقول: بقيت أن وحدي، حتى في الشارع لا أجد أحدا يلعب معي، وهنا أكد كون أسامة وحيدا، بعدم وجود من يلعب معه في الشارع.

- أنسيت كم لعبت بي..؟ كلا ..لم أنسى، لا ...أيتها الكرة أنت لا تعطيني السعادة...

فالكاتب يريد أن يوصل فكرته، ويرغب أن تصل بالعمق الذي يوازي عمقها في تجربته، فقد أشار إلى هذا النفي مؤكدا.

ففي هذا النمط من النفي تتلاحق العبارات المنفية، وكأن الكاتب يريد أن يعبر عن المعنى الفائض عن التحديد فيكون النفي المكثف تعبيرا عن حالات مثبتة غائبة، ويلجأ إلى نفي عبارات تتضمن المعنى نفسه في محاولة للتأكيد والتشديد على رفضه وتركه يقول: كلاّ، لم أنس،لا...لم أنس.

- أنماط التوكيد:

يلجأ "ياسين" في هذا المشهد إلى أنماط التوكيد التي تسهم في تعميق دلالة النص وتقويته والتشديد عل المعنى المراد الوصول إليه.

ويستخدم التوكيد حين يكون المتلقي منكرا للخبر الملقى إليه، أو يكون المخاطب مترددا في الخبر فيستحسن تأكيد الخبر.

وقد جاء بأنماط متعددة من التوكيد تشير إلى ما يحيط يتجربته من إنكار ورفض وما هو بعيد عن التصديق.

ويدل التوكيد على قلق الكاتب نفسه، ومحاولته التوثيق لما يقوله ويظهر في قوله مثلا: تضيعين كل وقتي، كل وقتي، لا تفيديني، لا تفيديني.

وجاء أيضا بالتوكيد اللفظي، ويتأتى بتكرار اللفظ أكثر من مرة، وكأن لفظا واحدا لا يكفيه، ليلى، ليلى، تأكيدا لطلب أسامة صديقته ليلى دون غيرها، الصغار الصغار جدا، فقد منحت النص دلالة أقوى وأعمق تتمثل في توثيقها عند المتلقي من طرف الكاتب.

ويأتي "ياسين" بتأكيد أخر متضمنا التأكيد بـ (إن) فقد وردت ثلاث جمل استخدم في اثنتين منهما ضمير المخاطب أنت (الكرة) مرتبطها بأداة التوكيد: أنك كنت الأجمل بينهم، انك تضيعين كل وقتي.

وقد جاء التوكيد فيهما لزيادة التأثير وزيادة توضيح الأمر وقوته معنى تضييع الوقت وعدم الحصول على الفائدة.

والشكل الأخر للتوكيد ارتبطت (إن) بضمير الغائب هي من قول الكاتب: أنها ستعود

الأساليب الإنشائية:

الأمر من الأساليب الإنشائية الطلبية، وقد يأتي إما بمعناه الأصلي الذي يقدم فيه طلبا يوجه إلى المخاطب ليقوم به، وقد يتحول إلى معنى تعبيري بلاغي يخرج في الأمر إلى دلالات أخرى كالالتماس.

أما في النص لم يعتمد الكاتب على أنماط كثيرة من الأمر، بل اكتفى في هذا المشهد ...........نوع واحد من الأمر، وردني أسلوب بلاغي خرج فيه الأمر عن صيغة الطلب إلى الالتماس كان فيه الخطاب من الكرة إلى أسامة: العب معي أنا

وربما لم يلجأ الكاتب إلى تنويع أساليب الأمر أو اللجوء له، لاكتفائه بوصف تجربته عن طريق الخبر وتأكيده والبعد عن الأمر وأساليبه فمعنى الأمر لا يبعد عن النصح والتوجيه، ولم يكن الكاتب في حاجة ماسة له.

النداء: ويعني طلب المتكلم إقبال المخاطب عليه باستعمال حرف النداء الذي ينوب عن الفعل أنادي.

وورد النداء في هذا المشهد مرة واحدة في قوله: ليلى، ليلى، استغنى فيها الكاتب عن حرف النداء، واختار سبيل النداء السياقي الذي نجد فيه المنادى وموضوع النداء دون ذكر الأداة صراحة.

- أيها الشاطئ، وأيها البحر: وقد بنى الكاتب شخصيات أخرى يقوم عليها النداء يكون منادى يخاطبه أسامة كالشاطئ والبحر، وما يدل عليه أسلوب النداء من عمق الارتباط بين المنادي والمنادى يمكن تعميمه على تجربة الكاتب.

إذ هو شاهد على أن هذه التجربة مشدودة بين هذين الطرفين، الكاتب المحب من جهة (للبحر والشاطئ) وانتظار الغائب ( ليلى).

وإذا كانت المسافة بينه وبين البحر بعيدة فقد عبر النداء عن حالة القرب المنشود.

والنداء عموما عند الكاتب يجئ تعبيرا عن ضعفه والتماسه الحصول على الشيء البعيد (البحر دائما) وكذا التوجع والألم.