قراءة في نيرمانا

قراءة في نيرمانا

ومحاولات اصطياد الشاعر شريف الشافعي لكائن منقرض؟

د. حمزة رستناوي*

[email protected]

 يتحوّى الشعر  فضاء افتراضيا اصطلحنا على توصيفه بالمِخْيال الشعري, فضاء تنجزه القصيدة , يتشاكل مع الفضاء الواقعي  عبر نسيجه اللغوي,  و يتشاكل معه أيضا لكونه يمثل انزياحا عن "الكتابة الافتراضية في الدرجة صفر" .

فالكتابة الشعرية هي فضاء افتراضي.  و كذلك الفضاء الرقمي – حيث أن شبكة الإنترنت – تشكل فضاء افتراضيا حديث الظهور في التاريخ البشري.

ما هي العلاقة بين الفضاء الافتراضي الشعري و الفضاء الافتراضي الرقمي؟

فكلاهما  يمثلان فعلا تواصليا , مُتَحَكَّما به من قبل المستخدمين ضمن سياق بنية سابقة , قوامه- أي الفعل التواصلي-  الكشف و المغامرة و الملاحة navigation  عبر فضاء من البيانات و طرائق التشكّل الالكترونية أو  "الشعرية".

 كلاهما يعبران عن  فضاء افتراضي يتماهى و يتشابه مع حياتنا اليومية ,من زاوية تركز ليس على التقارق, بل على التماهي و الاكتشاف و المغامرة أو التوظيف المنفي..الخ

و في الحقيقة لا يقتصر توصيف الفضاء الافتراضي Virtual Reality على الفضاء الرقمي و الفضاء الشعري بل هناك فضاءات متعددة, نجدها في الحكايات و أفلام الكرتون و أفلام الخيال العلمي و قصص الخوارق و المعجزات و  أساطير الشعوب..الخ

*

يقدم الشاعر شريف الشافعي في مجموعته " البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" فرصة لدراسة العلاقة بين الفضاء الافتراضي الرقمي و الفضاء الشعري.

حيث أن الفضاء الشعري في المجموعة يتحرك و يبحر في الفضاء رقمي افتراضي

فنحن أمام فضاء افتراضي مركب.

إن الفضاء الرقمي, و هو فضاء حديث نسبيا في الثقافة العربية, هو فضاء  وافد إلينا من الغرب بكل حمولاته و مصطلحاته و "عوالمه  الغير الشعرية " بما استقر – لدينا- من تعريف للشعرية كمفهوم يتسم بحساسية للتعامل مع المفردة و اللغة ضمن مجالها الحيوي الخاص.

و هنا تبرز قضية جديرة بالوقوف عندها  في مجموعة الشافعي ألا وهي الحضور الرقمي –الوافد- بصيغته الفجة  -أحيانا-  في اللغة الشعرية, بل في الحصن الحصين للغة العربية أي "الشعر".

 "تمشطينَ شَعْرَكِ المجعّدَ بعصبيّةٍ أمامي

في حين أضغطُ بهدوءٍ على لوحة مفاتيح الكمبيوتر

أكتب حروفَ اسمكِ في مُحَرِّكِ (Yahoo)

نيرمانا Nirmana

نيرما Nirma

نيرميتا Nirmitta

نيتا Nitta

ميتا Mitta

تيتا Titta

نيرمالا Nirmala

نيرفانا Nirvana

نيرفا Nirva

نورينا Noreena

نوريتا Noritta

ناريمانا Narimana

نيرمينا Nermina

نون Noon

نونا Nona "

 يستحضر الشاعر هنا تقنية اللعب اللغوي في بناء القصيدة

فهو يكتب القصيدة  متأثرا ً و مستخدما هذه التقنية على صعيد المفردة أو على صعيد اللوحة المشهدية المكونة من المفردة

اللعب كفضاء لممارسة الحرية.

و يستعير لغة رياضية و هندسية

على غرار المعادلات الرياضية :

 أنا + نيرما = أنا

(مع أن نيرما ≠ صفر بالتأكيد)

 أنا – نيرما = صفر

(مع أن "أنا" ≠ نيرما بالتأكيد)

 أنا × نيرما = أنا ÷ نيرما

(مع أن نيرما ≠ ±1 بالتأكيد)

 أو يستحضر لغة تستخدم تقنية اللعب بالكلمات المتقاطعة:

 "في الكلماتِ المتقاطعةِ

جميعُ الأسئلةِ الْمُسْتعصِية على الأفهامِ

أجبْتُ عنها هكذا:

 ن

ي

ر

م

ا

ي

 

 

 

م

ر

 

 

 

ر

م

 

 

 

ي

ا

م

ر

ي

ن

 المدهشُ،

أن إجاباتي كلّها جاءتْ صحيحةً"

 لاحظ كذلك هذا المقطع:

 "لذلك أخطأ إصبعي في نَقْرِهِ لوحةَ المفاتيحِ

كتبتُ "Normal" بدلاً من "Nirmala"

هنا ابتسم مُحَرِّكُ (Yahoo) بحنانٍ مفرطٍ"

 هنا نجد محاولة لأنسنة محرك البحث ياهو؟

 "الفرقُ بين نيرفانا و"Miss Universe 2007"

أن الأخيرةَ جغرافيا مستقرّةٌ في التاريخ

في حين أن نيرفانا

تاريخٌ يرفضُ الاستقرارَ فوق أيّةِ جغرافيا"

*

النصوص الشعرية في هذه المجموعة تضرب عرض الحائط بالذائقة التقليدية للشعرية العربية؟

نلاحظ حضور للغة الانكليزية

نلاحظ اشتغال على الفكرة و ليس على الجملة الشعرية

نصوص هذه المجموعة كتبت على غرار قصص الخيال العلمي, يشغلها هاجس البحث و الكشف عن عوالم و مجاهيل ,في فضاء افتراضي رقمي

عنوان المجموعة الشعرية  

" البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية"

فهناك بحث : المغامرة

نيرمانا: كائن افتراضي

بأصابع ذكية : إحالة إلى الثورة العلمية و التقنية و الخيال العلمي.

 و هناك عنوان ثانوي للمجموعة الشعرية:

 " محاولة عنكبوتيه لاصطياد كائن منقرض"

محاولة : المغامرة

عنكبوتيه : تحيل للشبكة العنكبوتية "الأنترنت" و فضائها الافتراضي الرقمي

لاصطياد: فكرة المغامرة

كائن منقرض: تكسير حاجز الزمن و إحالة لفضاء  الخيال العلمي.

و أما عنوان السلسلة الشعرية التي جاءت المجموعة كإحدى إصداراتها  فهو:

 "الأعمال الكاملة لإنسان آلي"

الأعمال الكاملة : عمل موسوعي يتحوّى  مصالح افتراضية  لانجاز كبير

إنسان آلي : يحيلنا للفضاء الافتراضي المستقبلي و الخيال العلمي.

فالمجموعة الشعرية تقوم على مغامرة البحث و الكشف و التعرف على الكائن الافتراضي "نيرمانا"

و لكن من هي نيرمانا؟

يمكن تلمس الإجابة في متن النصوص الشعرية المعروضة:

-   فهي كائن غير متفق على تسميته و توصيفه فهي : نيتا- ميتا- تيتا- نيرمالا- نيرفانا- نيرفا- نورينا- نوريتا- ناريمانا"

- و هي كائن محايث/ متعالي  عن الانسان,  يتقاطع مع الأنثى الكونية و المحبوبة الصوفية:

 سَأَلْتُها:

"مَنْ أنتِ؟"

قالتْ:

"أنا أنا"

 سَأَلَتْنِي:

"مَنْ أنتَ؟"

قلتُ:

"أنا أنتِ"

 و "نيرمانا" جرس الإنذار المتكفل بتنبيه و  حراسة الشاعر:

التهمَت الأمواجُ نيرمانا، فصاحتْ بي:

"الْزَمْ شقَّتَكَ،

 وأغْلقْ محبسَ الماءِ بسرعةٍ"

&

و نيرمانا من آيات الله المسبحة , و لكن لا تفقهون تسبيحها؟:

"وحدي،

أواصلُ السجودَ للإلهِ المعبودِ في غُرْفَتِي

خاشعًا متضرّعًا

متمنّيًا أن تكونَ كلماتُ نيرمانا،

التي تردّدُها كثيرًا ولا أَفْهَمُها،

تعني "سبحانَ الله"

*

 نيرمانا هي السراب , الوهم , الهاجس المرضي :

 الأشعّةُ المقطعيّةُ على المخِّ

كشفتْ بوضوحٍ

عدم وجود خلايا مصابةٍ بـ"متلازمةِ نيرما"

و كذلك:

جهازُ كشفِ الكذبِ

أطْلَقَ إشارةَ تنبيهٍ،

عندما سُئِلْتُ عن نيرما، فقلتُ: "إنها السرابُ"

فنيرمانا قابلة للتجلي بكل الأشياء

و هي لا شيء

فهل هي  الحقيقة الصوفية الوجود؟

              

* شاعر وكاتب سوري