تأملات في بكائيات الربيع

تأملات في بكائيات الربيع

توفيق الشيخ حسين

[email protected]

بكائيات ترحل دون وداع وتطفئ جمرات القلب دون دموع وحزن مع صمت يضيع فيه الربيع مع غياب الشمس وآنين قاتل عندما يمضي الحلم...

غريبة هي الروح عندما تبحث عن ذاتها وسط الوجوه ومع عبق الأمطار وبين أسطر الشعر..

(بكائيات الربيع) المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر عبدالزهرة لازم شباري وتضم ( 36 ) قصيدة تحمل رائحة الوطن بطيورها ونخيلها.. يرتدي الحب وترتديه أوراق الأشجار مع خفقات النجوم.. مرثاة وتأمل وتألم وخوفا من الماضي والحاضر والمستقبل.. الماضي كذكرى.. والحاضر معاش.. والمستقبل ملئ بالضباب.. أنه زمن المخاوف..

في زوايا المجموعة تشم رائحة الأرض والتألم , ثم لا يلبث ان يرحل وحيدا.. انه نوع من الشقاء... انه يسير ببطء متشككا حذرا حتى يصل الى عتبات جرحه المستيقظ... ان الشاعر يمسح وجهه بطيب البصرة.. يحلم بحضنها.. ملتصق بالأرض والتراب ويصعب ان تميز الوطن من الشاعر او الشاعر عن الوطن...

نحس بحزنه وهو حزن هادئ وعميق.. كنت الجرح على خاصرة الأرض وتفتح من نافذة الفجر عيون الحب المحمولة بالهمّ...

(البصرة / منذ ذلك الزمن الأجوف / كنت في عيون البحارة / القا يبوح بتنهداتك / الدافئة / لكن بقايا دموعك المنحدرة / فوق الطلول / لن تكفي لجلب اشرعة / الرحيل!!)..

بكائية على انفسنا تمزقها نسمة على قمة جبل تصنع للروح روح جديدة .. في زمن الغربة تخترق الروح حجاب الصوت وتسبح خلف سياج الضوء .. وتوقف النبض فجأة وترحل على طلل الذكريات ...

(قلت للربيع / وانا ما ازال / في منافي الغربة ! / ما اكثر المتعبين ؟ / اما آن ان نرتدي / الصباح؟)

ان الشعر الحقيقي يهبنا قدرة غير متوقعة في النظر الى العالم ككل وان الفكر المحوري ينور وجدان الشاعر من الداخل.. ويشعره بأنه مشدود الى مثله والا فكل شئ يبدو باهتا ًومعتما ً وضيقا ...

في صحارى التيه نعلن الحرب على نافذة القهر.. ونحتج على عري الزمان وتكبر الصرخة في القلب وتفتح نافذة الأسفار فينبض شريان النهار..

(ولأني شاعر / احمل قلب يمامة / أتبعثر بين الأوراق / ابحث عن قوس في / قلب الصحراء / انسج منه خاتمتي / واتشظى مصلوبا / في كل الأجزاء!!)..

هناك الصمت.. صمت يتنفس كالبحر الهادئ.. نلمس البساطة في الكلمات العميقة في المعنى ونشعر بها وكأنها ملتصقة بالسطور... والمشاعر.. والأحاسيس الصادقة.. والهموم الأنسانية..

(الضمائر التي باتت / تتسلق الصمت / كان لزاما عليها / ان ترتدي عباءة الزمن)..

في مساء الغربة يشدني اصرار عينيك نحو الفجر.. من يعرف ما في القلب.. من يعرف ان قافلة الريح لا ترحم.. فقد فقدنا الحب والنار في شذى الجرح.. واخذتنا رجفة الشوق تتراقص فوق الغيم الصاعد وتمتد الدنيا فينا حلما ازليا...

(تبكي / تبكي / ما أكثر ما تبكي !!/ وحراس الوطن المسبي / ينتظرون الحب الأزلي / يتأجج جمرا).

ضوء اخضر يبحر مع فيض البحر.. تبتدي خبزا.. حلما.. يزيح عن صدرك ثقل الموت.. وموج يرقص في بحر عيونك والريح تجئ هضابا تحمل افئدة الفقراء.. ويتجلى في الأفق مسافة العيون وتسافرين في بحر الحزن عند مرسى البحر والصحراء..

(تحمل الضوء للقادمين / من الجنوب / لكني ارى أرتال النمل / تنزوي تحت القناديل / المفقوءة العيون / وتزدري السنابل / بينما الفقراء ينتظرون / ملح الأرض / ويلهثون وراء الرغيف)..

في الصباح الجميل يضحك للموج الآتي.. يصرخ وفي عينيه موت المسافات.. ويزرع أوجاعه عند نجمة تجاهلت مداه.. ويترجل الحزن.. والغيوم تسحب قطعاتها مرتحلة..

(حين مضيت عنك / هز قلبي صداك / فقد طوقتني الليالي / وأثلجتني السنون / وقالت خطاي / ارتحل هنا او هناك / فلا ضير في هذا وذاك / فاحلام صباحاتنا / كل يوم / ترتسم على محياك / وانا ما زلت أرتق / جرحي / وشظايا طفولتي)...

لا تنتظر من البحر ان يرقد مستريحا بين ازهارك الليلية.. أو تذكرة من رسومك التعبة.. أو رسالة بللها المطر.. انت يا بحر الأحزان ودموع كل الأطفال لتبق الأزهار عارية لضفاف الحزن تحمل الشموع وثياب العرس وقصائد التائهين..

نسي البحر همومه .. لقد اغلق الحلاج كتابه... اما البحر.. فليظلله الزمن لأن امواجه ستبقي سفينة تبحث عن مرفأ بلا طيور وامواج....