الأديب المبدع عبد الله الطنطاوي و مشواره مع المسرح و التلفزيون و الإذاعة
الأديب المبدع: عبد الله الطنطاوي ومشواره مع:
المسرح والتلفزيون والإذاعة
عبد الله الطنطاوي | تقديم : محمد صالح حمزة |
فمنذ عشر سنوات أجرى كاتب هذه السطور مقابلة، نُشرت في صحيفة اللواء، مع الأستاذ الكبير: عبد الله الطنطاوي، جاء فيها:" لعلّ سجية الكرم هي الوحيدة –من بين سجاياه العديدة والحميدة- التي استطاعت أن تُنافس "الأدب" في روح الأستاذ الفاضل عبد الله الطنطاوي حفظه الله.
فخلال مسيرته الطّويلة من العطاء في درب الدعوة الإسلامية تقلّد أستاذنا مواقع عديدة ومتقدّمة في العمل الدّعوي، لازمته فيها –على الدّوام- صفتا الكرم والأدب لم تنفكّا عنه بحال.. فكان قلمه أشدّ على خصوم الدّعوة من السيوف القاطعة، وبيته لا يكاد يخلو من وفود الأدباء والدّعاة إلى الله عزّ وجلّ..
سكنته الحكمة العمرية الشهيرة: "ما ترك لك الحقّ صاحباً يا عمر".. على طيبة في نفسه تغلب –في كلّ مرة- حدّته وغضبته للحقّ..
عرف جميع أحبابه وتلاميذه خلاله المتميّزة هذه؛ فألِفوها حتّى إنهم لا يرضون لها بديلاً.. "
واليوم يتشرف بالحديث عن العطاء المميز لهذا الأديب المبدع في ميادين: التلفزيون والمسرح والإذاعة والكاسيت..
وعلى الرغم من معرفتي الوثيقة بعلو همة الأستاذ، وطول باعه في هذه الميادين.. فلا أكتمكم أنني فوجئت بالكم الكبير الذي أجاد به قلمه فيها.. إذا نظرنا إلى مشاغله الكثيرة ومسؤولياته العديدة..
وقبل أن أستعرض هذا الإنتاج الثرّ أود أن ألفت إلى أن أديبنا المكرم تقحم هذه الميادين واستشعر أهمية هذه الوسائل، يوم كان العديد من الإسلاميين يتأثمون منها، ويعدونها من خوارم المروءة.. فله فضل السبق إلى جانب فضل الإجادة فيها والإبداع..
ففي التلفزيون:
- له ثلاث مسلسلات تقع في تسعين حلقة، كل حلقة في نصف ساعة:
· المسلسل الأول بعنوان: ( أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم ) بالاشتراك مع الأديب الراحل شريف الراس، رحمه الله، أنتجه وبثه التلفزيون العراقي عام 1986م وكان هذا المسلسل منافساً قوياً لمسلسل رأفت الهجان الذي كان يبثه التلفزيون العراقي في شهر رمضان، مع مسلسل ( أكل وشرب ) وكانت الاستبيانات حول المسلسلين متقاربة جداً: يوماً لصالح ( رأفت الهجان ) ويوماً لصالح ( أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم ).
· والمسلسل الثاني: بعنوان ( سمع وأطاع ) أنتجته إحدى الشركات السعودية، وبثه التلفزيون السعودي عام 1994م وما بعده أكثر من مرة، كما بثه التلفزيون في لبنان، وتلفزيونات: دولة الإمارات، والبحرين، وعُمان.
- المسلسل الثالث، كان بعنوان: ( نادي العروبة ومحكمة النحو ) أنتجته الشركة السعودية التي أنتجت مسلسل ( سمع وأطاع ) وبثه التلفزيون السعودي مراراً، وعدد من تلفزيونات الخليج، وتلفزيون لبنان.
- كما أشرف أديبنا المكرم ودقق مئة وسبعين حلقة تلفزيونية في تلفزيون وراديو العرب /A.R.T./ وقناة المناهج.
- وأشرف على إنتاج:
· المصحف المرئي في ثلاثين حلقة، كل جزء في حلقة تلفزيونية.
· وإنتاج برنامج ( تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ) في خمس وثلاثين حلقة، لصالح شركة / ديداكو / في برشلونة في إسبانيا.
· وإنتاج مسلسل: ( الخالة جليلة ) ويقع في خمس عشرة حلقة، بثها التلفزيون الأردني أكثر من مرة، والتلفزيون اليمني، والتلفزيون المغربي، وعدة تلفزيونات فلسطينية، وبعض تلفزيونات الخليج.
· ومسلسل ( صندوق المعارف ) وهو في عشر حلقات بثه التلفزيون الأردني وعدد من التلفزيونات العربية الأخرى..
· ومسرحية ( جدتي ) وهي للأطفال وجاءت في خمسين دقيقة.
· وقد بدأ أديبنا المكرم منذ شهور بكتابة سيناريوهات لمشروعه الكبير ( نجوم الإسلام ) لتمثيل كل كتاب في سهرة تلفزيونية مدتها ساعة، وقد مُثلت الحلقة الأولى قبيل الحرب الظالمة على العراق، وكانت هذه الحلقة عن الشيخ الضرير القائد: سليمان الجوسقي، وقد مثّل هذه الحلقة مجموعة من الأكفّاء في عاصمة الرشيد.. ثم توقف التمثيل بعد مصيبة الاحتلال..
أما في المسرح:
فقد قدم لمسرح الشعب بحلب مسرحيتين طويلتين:
- الأولى كانت باللغة الفصيحة، وهي بعنوان: ( قبل أن يذوب الثلج ) مزج فيها بين الفكاهة والجد، ورمز ببطلها وشخوصها إلى ما يجري في وطنه، ولكن بذكاء ودهاء، حتى لا تطاله الأجهزة القمعية.
- والمسرحية الثانية، كانت باللهجة الحلبية، بعنوان: ( الناس بلى الناس ) وهي سياسية اجتماعية نقدية مغلفة بالفكاهة، ولكن الروح الساري فيها عميق الحزن!!
- كما قدم على مسرح سينما نقابة الفنانين بحلب مسرحيةً باللهجة الحلبية أيضاً، بعنوان ( ما في حدا أحسن من حدا ) وهي مسرحية اجتماعية سياسية، أشبه بالكوميديا السوداء، عرض فيها مشاهد من التعذيب الذي يجري في أقبية المخابرات، وكادت هذه المسرحية تصل به إلى تلك الأقبية، لولا لطف الله، ثم دهاء المخرج الأرمني: كريكور كلش.
- وقدم على مسرح سوق الانتاج بحلب، عدداً من ( القفشات ) وحسب تعبير أديبنا المكرّم " فإن المسرحية كانت بمثابة الدبابيس الواخزة لبعض ألوان الفساد، وهي ألوان قاتمة.." جاءت هذه المسرحية باللهجة الحلبية الضاحكة ضحكاً كالبكاء، فقد كانت تختلط فيها دموع النكتة الفكاهية، مع دموع الأسى والألم من الواقع المعاش تحت وطأة الظلم الذي لا يرعى في الدين والأخلاق والشعب إلاً ولا ذمة..
ولأننا نعلم أن أديبنا المكرّم: أديب ملتزم، ومدرس للغة العربية، وعاشق لها، ومصرّ على أنها لغة أهل الجنة في الجنة.. فقد سألناه عن سبب كتابته بالعامية فأجاب بألم بيّن:
هذا خطأ كبير ارتكبته في حياتي، تحت ظروف ضاغطة ولكنها ليست قاهرة، فقد رُفضت أعمالي المسرحية باللغة العربية الفصيحة المبسطة، ولم يقدّموا لي سوى مسرحية واحدة هي ( قبل أن يذوب الثلج ). وسرق لي أحد الفنانين الكبار!! بدمشق مسرحية كنتُ كتبتها بالعربية المبسّطة، فأعاد ذلك الفنان الكبير!! كتابتها بالعامية الدمشقية دون علمي، وفوجئنا بها تُعرض على مسرح القباني بدمشق ثم في التلفزيون السوري فيما بعد ..
ويضيف أديبنا بالوجع نفسه: وعندما قدمتُ سهرة تلفزيونية للتلفزيون السوري عام 1968م بعنوان: ( كاس شاي ) رفضوها واشترطوا لقبولها شرطين، وقال لي أحدهم: إذا لم تكتبها بالعاميّة، وإذا لم تُدخل العنصر النسائي فيها، فسوف أسرق فكرتها وأحداثها، وأدخل النسوان الحلوات فيها، وأقدمها للناس بالعامية.
تحت هذه الظروف وسواها – ومايزال الكلام لأديبنا المكرّم – ولأني أريد أن أقتحم عليهم أوكارهم، رضختُ وكتبتُ بالعامية، وأدخلتُ العنصر النسائي في بعضها، وفي دبابيس سوق الإنتاج قدمنا أحد الشبان من أعضاء جمعيتنا ( ؟ ) بصورة فتاة، فغضب حينها شيخنا الشيخ عبد الرحمن زين العابدين – رحمه الله – لهذا التصرف، وقال: استغفروا الله ولا تعودوا لمثلها..
وفي الإذاعة:
كان لأديبنا المكرّم حديث أسبوعي، في إذاعة حلب، بعنوان: ( أديب من بلدي ) يتحدث فيه عن أديب سوري بعامة، وحلبي بخاصة، لأنه يرى أن أدباء بلده مظلومون، فالأضواء تُسلّط على أدباء مصر بالدرجة الأولى ثم أدباء لبنان والعراق.
ومن الأدباء الذين تحدّث عنهم، على سبيل المثال لا الحصر:
- الدكتور سامي الدهان.
- الأستاذ سامي الكيالي، صاحب مجلة الحديث.
- الأستاذ العلامة خير الدين الأسدي، الملقب بموسوعي حلب.
- الشاعر علي الزيبق.
- الشاعر عمر بهاء الأميري.
- والأستاذ عادل الغضبان الذي يحسبه الناس مصرياً وهو حلبي متمصر.
وسواهم...
· وفي إذاعة ( سورية العربية ) التي كانت تبث من بغداد: قاد الفريق العامل في هذه الإذاعة مدة أربع سنوات، وكان المشرف العام عليها، ويعد البرامج، ويكتب التحليلات السياسية، والمسرحيات الإذاعية، وكان يُقدم بصوته مساء كل خميس موضوعاً يوليه أهمية خاصة بعنوان: سورية في الظلام.
· كما كتب مسلسلاً إذاعياً لإذاعة قطر، في ثلاثين حلقة، أخرجه الفنان القدير المرحوم الأستاذ صبحي أبو لُغد.
· وكتب مسلسلاً إذاعياً بعنوان: أريج من رياض المصطفى، صلى الله عليه وسلم، في ثلاثين حلقة كل حلقة في ربع ساعة، بثته إذاعتا: ؟
وأخيراً فإنه لم ينس أن يخص أشرطة الكاسيت بجهده واهتمامه، فقد أشرف على نصوص عشرات أشرطة الكاسيت، تقويماً، وتصحيحاً، وإخراجاً، لعدد من شركات الإنتاج في السعودية، والكويت، واليمن، والإمارات، والأردن، وإسبانيا، وبريطانيا، وألمانيا، وسواها..
أمد الله في عمر أديبنا عبد الله الطنطاوي، ونفع به، وفتح له كنوز حكمته لمواصلة مسيرة العطاء والإبداع والتميّز.