عبد القادر أحمد حداد

عبد القادر أحمد حداد*  

بقلم : أحمد الجدع

أفرز عصرنا الجبري أصنافاً من الشعراء ؛ شعراء لا حظَّ لهم من الشعر ، وليس لهم من رصيد سوى التفاهة وحب الظهور ، تلقفتهم وسائل الإعلام المعادية فجعلت منهم شعراء بقوة الإعلام بوسائله المتعددة ، وكان معبرهم إلى هذه الشهرة انتقاص دينهم والسخرية من أنبيائه وأعلامه ، مثل هؤلاء الشعراء لا يلبثون أن تتوارى أسماؤهم بعد أن يستنفد الأعداء منهم أغراضهم ، ويبرزون أشخاصاً سواهم.

وشعراء ظنوا أنهم شعراء فانهالوا على وسائل الإعلام بما يسمونه شعراً ، وباسم الشعر الحديث ، وباسم الرمزية والغموض ملأت الصحف أعمدتها بإنتاجهم ، وأخرجوا لنا هذا الإنتاج في "دواوين" تجعلنا نترجم على أيام كانت فيها الدواوين دواوينا !

وشعراء سخّروا ما وهبهم الله من مواهب لأهداف لا تخدم أهداف أمتهم وأوطانهم أو دينهم ، بل تهدم صروح الأمة وعقائدها وآمالها ، وهؤلاء هم الخطر الأكبر الذي يجب أن نتقيه ، لأن الموهبة ربما أغرت وأضلت وأفسدت إذا ما سارت في غير طريق الحق .

وشعراء وظفوا مواهبهم لخدمة دينهم وأمتهم وأوطانهم ، وساروا في درب البناة الهداة ، فشع شعرهم فأنار ، وأضاء لفظهم فهدى ، وهذا الركب من الشعراء يتنامى عدده وأثره ، وهو إذ يبرز ويظهر يخلف وراءه هؤلاء الأصناف الثلاثة من الشعراء و المتشاعرين .

من الشعراء البناة الهداة شاعر من حماة ، مدينة الشام التي رفعت راية الإسلام ورفضت أن تتخلى عنها رغم العسف والظلم والذبح والقتل والتنكيل ، هذا الشاعر الحموي طرق أبواباً متعددة من الشعر في سبيل خدمة دينه ورفع رايته.

الشاعر المرحوم عبد القادر أحمد الحداد واحد من شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرين ، لم يترك القلم حتى وهو يعاني آلام المرضى ويرقد على سرير المشفى.

حياته

وُلد الشاعر عبد القادر أحمد الحداد عام 1945م في مدينة حماة بسورية ، ونشأ في بيت كريم من بيوتها ، رعاه و الدان حريصان على أن يسير على درب الهدى .

تلقى تعليمه الأولي والإعدادي والثانوي في مدارس مدينة حماة ، وحصل على شهادة دار المعلمين التي تؤهله ليعمل معلماً ، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة دمشق ونال إجازة اللغة العربية وآدابها عام 1969م وحصل على دبلوم الدراسات الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة عام 1984م .

عمل معلماً لمادة اللغة العربية في عدد من المدارس الثانوية في مدينة حماة ، ثم أعير للتدريس في الجزيرة العربية ، ثم انتقل للعمل في الكويت لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فدرس في مدارس دور القرآن الكريم التابعة للوزارة، وبقي فيها مدرساً للغة العربية حتى وافته المنية في مدينة عمان بالأردن في 20 محرم 1409هـ الموافق 25/8/1988 .

 شعره

تتميز الحياة الشعرية لشاعرنا بفترتين ، الفترة الشامية ، حيث كان مقيماً بالبلاد الشامية يقول شعره وينشره في الصحف والمجلات الشامية وبخاصة مجلة حضارة الإسلام ، وفترة الهجرة حيث ترك الشام مهاجراً إلى الجزيرة العربية ثم إلى الكويت ، وفي مهجره اطلع على التجارب الجديدة في الشعر ، فاتسع أفقه ونمت مواهبه ، فتنوعت مضامينه وتعددت وسائله ، و أخذ ينظم بعضاً من قصائده بشعر التفعيلة .

يقول الشاعر في رسالة له كتبها في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1407هـ وصلتني منه مرسلة من محل إقامته بمدينة الجهراء بدولة الكويت :

" لم أعد أرى أن مسألة الخروج على الوزن العمودي خروج على الحق كما يرى ذلك بعض التراثيين ، ويعدون الالتزام بالعمود مسألة قِيَم ، والتخلي عنها يعني السبع الموبقات ، مع أن الإسلام لم يحدد شكلاً معيناً للتعبير ، والشكل الحديث يتسع لتجارب أكثر وأوسع ، ثم إن الفكرة لدى الشاعر المسلم هي الأهم، وإلا فهل يقبلون شعراً عمودياً بمضمون ملحد أو فاسد .. مثلاً !" .

نقلت كلام الشاعر -يرحمه الله- نصاً من رسالته ، ويبدو فيه التحول الحاد في الموقف من شعر التفعيلة ، وتلمس في كلامه نبرة النقد الحاد ، بل والغضب ممن سماهم بالتراثيين ، ولست أدري لم خص التراث بهذه النبرة الحادة الساخرة ، فالشاعر نفسه تراثي الهوى والمضامين حتى وهو ينتقل إلى مرحلته الجديدة معجباً بالنهج الجديد في النظم .

أما الدعاء بأن الشكل الحديث يتسع لتجارب أكثر وأوسع فهذا هو الرأي الذي يعتمد عليه جل دعاة الحديث ، وهذا الرأي مردود عندي ، إذ الشاعر ذو الموهبة الأصيلة والثقافة الواعية لا يعجزه أن يجعل الشعر العمودي وعاءً لعواطفه وأفكاره ، وأن يكون هذا الوعاء ملوناً بألوان زاهية ومزيناً بأشكال معبرة .

نحن لا نعيب شعر التفعيلة الذي يراعي الوزن ويتلمس القافية ، الذي نعيبه على الذين تهافتوا على النظم بشعر التفعيلة هو جهلهم العجيب بالأوزان العربية وضعفهم الشديد في التماس القوافي بسبب حظهم المتدني في علوم اللغة العربية ، ومن العجب أن هؤلاء المتشاعرين يظنون أن من علامات التفوق الشعري مهاجمة التراث والأديان والسخرية من الأنبياء و قلة التأدب مع الذات الإلهية ، وقد وجد هؤلاء من ينفخ في صورتهم ويداعب غرورهم حتى ظنوا أنهم شعراء .

الشاعر عبد القادر أحمد الحداد شاعر تراثي حتى النخاع ، والتراث الذي نعنيه هو تراث الإسلام ومفاهيمه ، فالشاعر نصب في شعره آيات من القصائد التراثية ، بل إن عناوين دواوينه ومضامينها تراثية محضة ، ألا ترى إلى ديوانه الأول "ملحمة بدر" وهل بدر إلا معقد الفخر والمباهاة وهي آية النصر الإلهي التي جعلت للإسلام كلمة مسموعة في الجزيرة العربية ، ومن خلالها نسج المسلمون انتصاراتهم التي امتدت شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، وهل بدر إلا هذا التراث الباذخ لأمة الإسلام ؟

وديوانه الثاني "من وحي المولد" ويعني بالمولد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرسول ومولده من مفاخر الإسلام ، ولازال الشعراء منذ عصور يتغنون بهذا المولد وينظمون له ويستلهمونه .

وقد اطلعت على عدد من قصائد الشاعر ذات النهج التفعيلي فوجدتها كلها تستوحي التراث منها قصيدة : "أبو عبد الله الصغير مازال يسلم مفاتيح غرناطة" ومنها قصيدة "جاهليون" ...

شاعرنا تراثي ، ولا يعني هذا الانتقاص من شاعريته ، بل لعل التصاقه بالتراث ميزة له وحسنة من حسناته ، ولا ينقص من وزنه الشعري إن أبدع قصائده بالشعر العمودي ، ولا يزيده وزناً بين الشعراء إن أبدع قصائده بالشعر التفعيلي ، فالمحك الذي تعرف به الشاعرية هو الإبداع والإبداع فقط .

         

في قصيدة : المولد الشريف بعد حزيران 1967 يربط الشاعر بين حدثين متباعدين ولكنهما مقترنان ، غدر اليهود بالمسلمين في الجولة الأولى أيام نشوء الدعوة ، وغدر اليهود بالمسلمين في الجولة الأخرى أيام التراجع الحضاري للمسلمين في هذا العصر الجبري المظلم ، اليهود هم اليهود ماضياً وحاضراً ومستقبلاً :

قريظة ذوقي البأس من قبضة الهدى
كـذلـك أنـتـم يـا يـهود iiأخِسَّةٌ   فـمن خان عهد الله جرّعه المرّا( ii)
ولـمـا  قـررتـم آمنين iiبأرضكم   دعـاكـم نـبيُّ الله فاجتزتم iiالبحرا
سـجـيـة غدر لم تزل في iiدمائكم   تـعـبـدتم  عجلاً وأظهرتم iiالكفرا
فـإن  جـئـتمونا اليوم بالغدر iiإننا   ومـن عاش غداراً فلن يترك الغدرا
وإن  لـنـا يـومـاً كـأمسٍ iiنعيده   وإيـاكـم  فـي موعد يحسم iiالأمرا

ويتألق الشاعر في مقاطع من قصيدته فينثر أمامنا صوراً تثير إعجابنا وتطربنا([2]) :

سـنـرجـعُ ، يـالـلزَّحف ! iiغرّد   إذا اسودّ ليل الخطب صاروا له فجرا
فـديـت سرايا الصيد من جند iiأمتي   إذا وردت بـيضاً وإن صدرت حمرا
كـتـائـب لا تخشى مع الحق iiلومة   كـأن  بها "الجراح" يزحف أو iiعمْرا

وفي قصيدة "بشائر المولد" يتناول الشاعر ما رواه حسان عن سماعه -وهو ابن سبع سنين قول اليهودي : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به :

طـائـر الـسعد بالبشارة iiغرّد   ولـد  اليوم سيد الكون أحمد([3])
مـولـد جـاء بـالضياء فهدي   يـتـسـامـى  وظـلمة iiتتبدد
الـبـشـارات بـعـده iiتتوالى   والأمـانـي  بـسـعـده تتعدد
يالبشرى يطوف في مسمع الدنيا   صـداهـا وذكـرهـا iiيـتردد
حـمـلتها  الصَّبا إلى كل iiركن   فـعـلـى كـل ذرة منه iiمشهد

ديوانه "من وحي المولد" نغم تهتز أوتاره من وحي هذا الرسول العظيم ، سوف لا نكثر من الاقتباس من قصائد هذا الديوان ، فإن قارئه كلما أنهى قصيدة قال هل من مزيد ، ولكنا سوف ننفح القارئ بهذه الأبيات الساحرة ونكتفي :

رجعت  إلينا تحمل الخير iiوالبشرى   فلذّ  لنا شدوّ ، وطابت لنا ذكرى([4])
وكـم  أبـلـت الأيـام كل iiطريفة   ومازلت  رغم الدهر تطرفنا iiبشرى
وأشرقت في الصحراء فاهتزّ iiرملها   بـبعث حياة يجعل الجدب iiمخضرا
وولـت  شـيـاطين وولَّت iiخرافة   تـحمل  ظهر القوم من إثمها iiوزرا
هـو الـمـولد الميمون جاء iiبأحمد   سراجاً أزاح الليل واستنهض الفجرا

ماذا يقول شاعرنا عن معركة بدر ؟

مـوكـب الحق والهدى iiوالفداء   مـرّ طـيفاً بمقلة الصحراء([5])
وحداء التاريخ مازال في السمـ   ـع طـريـاً ، لله وحي iiالحداء
وأريـج الـبطولة البكر طارت   بـشـذاه الأنـسـام iiلـلأرجاء
حـبـذا  نـفحة الحجاز إذا طا   فـت  وأحـيـت معللاً iiبرجاء
بـلد  أنبت السلام وأرسى iiالعد   ل  ، أهـدى خـلاصة iiالأنبياء

ثم يقول :

هـي  بـدر ترسخت في iiاحتدا   مـات لـقاها أصالة الأتقياء([6]i)
وأراهـا تمخضت بعد عن iiفتـ   ـحٍ مـبـين ، ومشرق iiبرجاء
أي  نـصر أجل من نصر iiبدر   إذ عـلا فـي سـماه خير iiلواء
أي  نـصر أجل من نصر iiبدر   إذ  هوى الكفر والنفاق iiالمرائي

         

قلنا إن الشاعر في فترته الثانية ، فترة المهجر في الجزيرة والكويت قد مال إلى النظم بشعر التفعيلة ، فأبدع في ذلك عدداً من القصائد ، منها قصيدة بعنوان "أبو عبد الله الصغير مازال يسلم مفاتيح غرناطة"([7]) وأهداها إلى غرناطة العصر ، وكم من غرناطة اليوم في ديار المسلمين ، كم من غرناطة تداعى عليها الأكلة في هذا العصر الجبري البئيس :

في بحر الشفق الورديّ

على الأفق الغربي الفارق في حلم الأمس الزاهر

كانت غرناطة تتجلى في زينتها الأحلى

يتراقص في عينيها فرح طفلي

يوقظ فيها أحلام طفولتها الأولى

وعلى الأسوار يهيم شعاعٌ خمري اللون

فيلتهب القصر ببعض الرغبات الخجلى

والحارس ، يالغرابته ، مشغول بهوايته الفضلى

يحلم بالحل الأمثل للكلمات المتقاطعة المنشورة

في الزاوية السفلى

وعلى الأبهاء الخلفية

كان أبو عبد الله المتخاذل آخر مملوك

في مملكة الأندلس المسبية

ينحر بتأنثه الباكي

قدس طهارة غرناطة

إبك مثل النساء ملكاً مضاعا     لم تحافظ عليه مثل الرجـال !

القصيدة هادفة ، وهي تتدفق بشكل انسيابي منحدرة نحو الاستسلام الذي يرسم الشاعر حس الآسية ناظراً إلى ماضي غرناطة متأملاً في حاضر ألف غرناطة !

         

وللشاعر مساهمة في الأناشيد الإسلامية ، إذ لجأ شعراء الدعوة الإسلامية المعاصرون إلى هذا السلاح أو هذه الوسيلة المتاحة لنصرة الدين ولشحذ الهمم وبعث العزائم .

للشاعر نشيد اخترناه ضمن أناشيدنا المئة المختارة في كتابنا أناشيد الدعوة الإسلامية ، يشدو به هكذا :

أمة الإسلام هيا مـن جديــد     للخـلـــود

وابعثي الأمجاد من بعد  الرقود     والخمـــود

لنردّ الكيد في صدر الحقــود     والحسود([8])

ويستمر بهذا الاندفاع العاطفي حتى آخر النشيد .

وأنا لا أميل إلى تطويل النشيد ، وأحبذ أن يكون فقرات قصيرة لا تزيد عن أربع أو خمس ، ولو تتبعنا الأناشيد الناجحة والتي حققت انتشاراً واسعاً لوجدناها كذلك .

وقد حقق الشاعر هذا النهج في نشيده "يا جند الحق"([9]) فهو في كلمات موجزة مركزة وفقرات خمس :

يا جنود الحق هيـا    وارفعوا أسمى  لواء

واملؤوا الآفاق هديا    واستجيبوا للنــداء

هذه هي الفقرة الأولى ، وهو يستمر كذلك خمس فقرات .

وقد أصدر الشاعر مجموعة أناشيد للأطفال بعنوان "بستان الأناشيد للبراعم" واهتمام الشعراء الإسلاميين المعاصرين بأناشيد الطفولة اهتمام ملحوظ ، وهم في أناشيدهم متفاوتون من حيث التوفيق في ولوج عالم الطفولة ، فمنهم من تحدث عن الأطفال ومنهم من تحدث لهم ومنهم من تحدث باسمهم ، وهناك فروقات بين هذا وذاك تحتاج منا إلى وقفة أطول وأعمق لعلنا نقفها في فصل آخر من هذا الكتاب([10]).

ومن النماذج الموفقة في أناشيد الطفولة لشاعر هذا النشيد :

أمي  أمـي    أحلـى نغم

يجري عذباً    بفمي ودمي

%

أنا أهـواه    و أُ رَ دِّ دُ ه

بالحب الغا    لي أنشـده

 %

نغم حلـو    عذب عذب

قد زينـه    هذا الحـب

آثاره الأدبية

1- من وحي المولد ، وهي مجموعة شعرية تضم ما نظمه الشاعر في المولد النبوي الشريف بين عامي 1389 و 1397هـ والمجموعة تضم سبع قصائد ، المجموعة نشرتها مؤسسة الرسالة في بيروت 1399هـ 1979م .

2- بستان الأناشيد للبراعم ، وهي مجموعة أناشيد للأطفال تضم أحد عشر نشيداً مناسبة لمختلف سنوات الطفولة ، نشرت المجموعة دار الوثائق بدولة الكويت 1985م .

3- ملاحم للبطولة الخالدة ، وهي مجموعة شعرية جمعت الملاحم التاريخية التي نشرت في مجلة حضارة الإسلام التي كانت تصدر في دمشق بين عامي 1968-1978 ، نشرت المجموعة مكتبة دار حسان بالرياض عام 1987م .

4- ملحمة بدر ، وهي مجموعة شعرية تتناول معركة بدر ، نشرت المجموعة مكتبة الغزالي في مدينة حامة في سورية عام 1972م .

المصادر والمراجع

1- رسالة مطولة من الشاعر بتاريخ 1407هـ .

2- أعماله الشعرية .

3- أناشيد الدعوة الإسلامية ج4 ، حسني أدهم جرار وأحمد عبد اللطيف الجدع ، الناشر : دار الضياء للنشر والتوزيع - عمان - الأردن .

4- معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين 1/3 ، أحمد الجدع ، دار الضياء للنشر والتوزيع - عمان - الأردن ، 1421هـ 2000م .

         

مختارات من شعره

(1)

جاهليون

حارب الرسول صلى الله عليه وسلم الجاهلية ، وهي مجموعة المعتقدات والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في عصر ما قبل النبوة ، وهو العصر الذي اصطلح على تسميته بالعصر الجاهلي ، وكان لهذه الجاهلية رجال تعصبوا لها ودافعوا عنها وقتلوا من أجلها ، وقد غدا هؤلاء الرجال رموزاً للجاهلية ينسبون إليها وتضرب بأسمائهم الأمثال كلما احتاج الناس إلى ذلك ، من أعلام الجاهلية ورموزها : أبو جهل بن هشام المخزومي وأمية بن خلف الجمحي وأبو لهب بن عبد المطلب القرشي ، ومن النساء أم جميل بنت حرب (حمالة الحطب) وهند بنت عتبة (آكلة الأكباد) ..

وانتصر الرسول وانتصرت الرسالة ، وسادت المعتقدات والقيم الإسلامية على أنقاض المعتقدات والقيم الجاهلية .

وفي كل عصر تلا عصر النبوة تطل الجاهلية بوجوه جديدة تحاول أن تستعيد مراكزها ، وهي بين مدّ وجزر منذ عصر الرسالة ، وفي عصرنا الجبري هذا تصاعد مدّها وذرّ قرنها وانتشر شرها ، وأصبح لها رموز وأعلام ودعاة يقفون على أبواب جهنم .. والعجب أن المستجيبين لهم كثر وفي ازدياد .

عن الجاهلية الجديدة و الجاهليون الجدد قال الشاعر عبد القادر الحداد هذه القصيدة .

جاهليّون*

يتمطَّى في الساحةِ ظلُّ ممقوت "لأبي جهلٍ"

يسقط فوق الأزهار النضرة

يخنُقُ فيها الروح ويقتلُ فيها كلّ بهاء !

فيغَطِّي بضَجيج دِعايته الفارغة

الـحَمقاء حقيقته التافهة الشَّوهاء

ويخدعُ بعض البُسطاء !

ويعود "أُمَيَّةُ"([11]) "بِنَذالتِهِ الـمَشهودة"

يحمِلُ في جعبته السوداء

سهامَ الحقد الـمَسمومة

يرمي منها كل "بلاليّ" الفكرة

في كل الأرجاء !!

من أين أتانا كل أولاء الوثنيين

يُعيدون الأمجاد البائدة إلى العُزّى واللات الهادمتين ؟

من أين أتانا أبناء الليل

وأحفاد المهزومين "ببدر الكُبرى" ؟

من أين أطل سلائل حلفاء

"قُرَيظة" يوم "الخندق"

والأحزاب الخائنة السوداء !!

أين اختبأوا يوم "الفتح الأكبر" ؟

من أي جُحور الشرّ أتوا ؟

ما أنذل جُحراً غيّبهم في تلك الساعة

عن "سيف الله"([12])

وأعطاهم أمناً يستحيي فيهم روح الشرّ ويذبح فيهم كل حياء !!

تلك الرّدّة !!!

أين "أبو بكر" يرمي الـمُرتدّين ؟؟ ويُرسل فيهم

سيف الله ويُخْمدُ تلك

الأنفاس الفاسدة الأهواءُ ؟؟

أين "أبو حفص"([13]) يقذفهم "بالقعقاع"([14])

فيرميهم بالقاع مع الأشلاء ؟!

أين "عليّ" يفضحُ دعواهم

ويُكَذِّبهم ويُعرّيهم من ثوب تلوُّنهم ،

يستأصل منهم روح الأفعى

إذْ لا تخجَلُ أن ترمي ثوباً

أو تلبس آخر حسب الأنواء !

عاد العهد الوثنيّ (أبا القاسم)([15])

وأرانا عُدْنا نحتاجُ إلى وَمْضٍ مِنْ

هَدْيِكَ في هذي الظّلماء !

تركَتْنا كلماتُكَ نسبَحُ في بحرِ النّور ،

وأعطانا "إرثُك" عِزّاً أورثنا مَجداً

يتطاول في كلّ سماء !!

لكنّ بقايا "أم جميل"([16]) و"ابن سلول"([17])

عادت تحت جناح الليل

تُسَوِّدُ بالنَّزعاتِ وبالأهواء الفاسدة

صفاء الـحُبِّ ، وتنفُثُ سُمَّ الـحِقد

وتُلقي بالأشواك القاتلة

على دربِ مسيرَتِنا

الـمُتسامية إلى العلياء !

لكنّا في فيضٍ من رحمتِكَ الغامرة

وروحٍ من عِندِك يا بارئِنا مازلنا نأملُ ،

فأغثنا يا رَبّ الكونِ ويا صاحب وعدٍ

نرقُبُ إطلالته السمحة كل صباحٍ ومساء

يا ناصرنا ... يا مَولى كُلّ ضعيف : أنقذنا من هذا العهد الوثنيّ

فقد عاد إليه الظلمةُ والظلمُ

وبُؤسُ الـجَهلِ ... على أيدي الـجُهلاء !!!

مختارات من شعره

(2)

بين روضتين

قصيدة رمزية ، والقصائد الرمزية في الشعر الإسلامي المعاصر قليلة ، بل تكاد تكون نادرة ، وأنا أحب أن يدع الشاعر التفسير للرمز مفتوحاً ، يعطي المتلقي الفرص ليفهم ، أو يفسر النص حسب التداعيات أو حسب الحالة النفسية له أو حسب الجو الاجتماعي أو السياسي .. إلخ .

لا أحب أن يشير الشاعر إلى رمزية القصيدة أو أن يضع في أولها أو في آخرها تفسيراً ، إذا وجهك الشاعر في قصيدته الرمزية فالقصيدة لم تعد رمزية ، قيمة الرمز في رحابة المعاني وفي احتمالات التفسير .

كنت قد عرضت قصيدة رمزية للشاعر المرحوم محمد المجذوب وذلك في كتابي أجمل مئة قصيدة في جزئه الأول ، وكانت القصيدة ثلاثة مقاطع المقطع الأخير فيها تفسير لما رمز إليه الشاعر في المقطعين الأول والثاني ، فقمت بحذف الجزء الثالث لأعطي للقصيدة قيمة أكبر ومعنى أعمق .

هذه القصيدة يرمز فيها الشاعر بالروضتين ، إلام يرمز الشاعر؟ وماذا يريد أن يقول ؟ هذا ما ندعه للمتذوق .

سـألـتـنـي الـنّجوم عن iiأخباري   والـخَفِيّ الـمَكنونِ من أسراري؟([18])
لـيـس سـراً مُـخَـبّـأ ما iiأعاني   ..  بـل حـديـثـاً بِمُنتدى السُّمَّار!
قـصـتـي هَمسة النسائم في الفجـ   ـرِ ، ونـجـوى الأطـيار للأزهارِ
كـان  لـي روضـةٌ أحـنُّ iiإلـيها   فـي الـهـجـيرِ العتيّ من iiأفكاري
أبـدَعـتها الأقدارُ من رقة iiالـحُسـ   ـنِ  ، فـجـاءت على مُنى iiالأقدارِ
كـلـمـا ضِـقتُ بالأسى إذ iiعَراني   جـئـتُـهـا  مُـلـقِياً لديها iiإساري
يـحـتـويـنـي الأمانُ فيها iiفأبدي   عـنـدهـا  مـا يضجُّ في iiأغواري
وهـي تـحـنـو عـليّ أُمّاً iiفأنسى   مــا ألاقـيـه مـن أذى iiالأكـدارِ
وطـواهـا  الـرّدى ! فـأقفر iiقلبي   بـعـد  مـا لـفّـها الفناءُ iiالضّاري
عـصـفـت عصفة الرياح iiحَواليـ   ـهـا  فـأمـسـت رهينة iiبانكسارِ
واسـتـحـالـت  حدائقُ الوردِ فيها   بـعـدَ زهـوٍ إلـى هـشـيمٍ iiبوارِ
وأنـا بـعـدهـا حـلـيفُ iiشجونٍ   ضـربَـتني فحِرتُ : كيف iiأداري؟!
أيـن  أمـضي إذا اعترتني iiهُمومي   أيـن أبـدي مُـخـبّـآت iiقراري؟!

         

 

وقـطـعـتُ  الأيام أبحث عن أخـ   ـرى ؛ تـقـيـنـي تلوُّنَ iiالأخطارِ
صِـرت فـي قبضة الزمان وما iiلي   بـعـدَهـا  غـيـرُ نـشوةِ iiالتّذكارِ
قـلـت : أمـضي إلى القِفار بنفسي   أنـتـقـي خـيرَ ما أرى في iiالقِفارِ
مـجـتـلـى ، غـيرَها أُنَفِّضُ iiفيه   مـا اعـتـرانـي من الأسى الموارِ
مـسـرحـاً  لـلـجـمالِ أنثُرُ iiفيه   مـا حَـبـانـي بـه الكريمُ iiالباري
وعـلـى مـدرَجِ الرؤى برزت iiلي   كـافـتِـرارِ  الأمـان بـعـد iiتوارِ
فـوضعتُ الرّحال في أرضِها iiالبكـ   ـرِ ، وأرسـى على مداها iiاختياري
صُـنـتُـهـا  عـن مرادِ كل iiمُريدٍ   فـهـي فـي مـأمـنٍ مـن iiالزوّارِ
وأحـاط  الـسـيـاجُ سَبعاً iiحواليـ   ـهـا  كـمـا حـيطَ معصم iiبِسوار
وتـركـتُ  الأنـسـامَ تـلعبُ iiفيها   يـلـتـقـي شـدوُهـا مع iiالأطيارِ
بِــتّ أرعـى نُـمُـوّهـا وأداري   جـذرَهـا  الـغَـضّ عن يَدِ iiالتيّارِ
تعصِفُ الريحُ حولها وهي في iiالأمـ   ـنِ  .. لـقـد صُنتُها عن الإعصارِ
وأنـا بـانـتـظـارِ موسِمِها iiالبِكـ   ـر تَـرفُّ الآمـالُ فـوق انتِظاري
أَمـلٌ  ضـاحـك : سـتُنسِيك هذي   مـا  تـلـقّـيـتَ قبلها من iiخَسارِ!
أتـغـذّى عـلـى أطـايـب iiآمـا   لـي  وأحـيـا على رُؤى iiكالنُّضارِ
وتـمـرُّ الأيـامُ .. والأرضُ iiتـحيا   بـازدهـارٍ  عـلـى ندِيّ iiاخضرارِ
وثـغورُ  الأزهارِ تندى على الـحُـ   ـبِّ فـأهـفو على النّدى الـمِعطارِ
وأراهـا  تـطـولُ فـي عينِ iiقلبي   فـأقـيـس الأشـبـارَ iiبـالأمتارِ!!
ثـم  يـاطـول دهـشتي! أي iiسِرّ؟   أيُّ  كـفّ عـجـيـبةٍ ؟ أيُّ نار ؟!
ضـربَـت مـا بـنيتُ من أملٍ iiعذ   بٍ  ومـا شـدتُـه بـها من فخارِ ii!
نـضـبَ  الماءُ ، عندها يبسَ iiالزر   عُ وغـاض الـبـهـاءُ في iiالأزهارِ
وهـي  تَـدْوي كـمـا يذوبُ شعاعٌ   مـن نـدى الـفجرِ في تلظِّي iiالنهارِ
أتُـراني نسيتُ شيئاً ؟ وهل iiأنقصـ   ـتُ  وزناً ؟ أم زِدتُّ في iiالـمِقدارِ؟
ونـشَـدتُّ  الـعَزاءَ في كتبِ iiالعِلـ   ـم  سـألـت الـخـبيرَ ذا iiالأخبارِ
ثـم  فاض الجوابُ كاللَّمحِ في iiالإبـ   ـداع  كـالـلّمع في الشّهابِ iiالنّاري
أنـت  أعـطـيـتـها الحياةَ iiولكن   لـم  تُـذِقـهـا حـريَّة الاختيارِ ii!!
أتـظـنُّ  الـحـياةَ تصفو مع iiالكُر   هِ ؟ أيَـحـلـو الـزمـانُ بالإجبار؟
إنّ يـومـاً يَـمُـرُّ مـن غيرِ iiحُبٍّ   سـاقِـطٌ مـن حـصيلةِ الأعمارِ ii!!

مختارات من شعره

(3)

بشائر المولد

للشاعر عبد القادر أحمد الحداد اهتمام خاص بالسيرة النبوية ، فله في سيرة الرسول الشخصية (الميلاد) مجموعة شعرية ، وله في سيرة الرسول الجهادية (ملحمة بدر) مجموعة شعرية ، لهذا كان من المناسب أن نطلع القارئ على نموذج من شعره في هذا الميدان ، فقصيدة "بشائر المولد" من أجمل قصائده النبوية .

طـائِـرُ الـسَّـعـد بـالبِشارةِ iiغَرَّدْ:   (وُلِـدَ  الـيـومَ ، سـيِّدُ الكونِ iiأَحْمَدْ)
مـولـدٌ جـاء بـالـضـياءِ ، iiفَهَديٌ   يـتَـسـامـى ، وظُـلـمـةٌ iiتَـتَبَدَّدْ
الـبِـشـاراتُ  بـعـدَه iiتـتـوالـى   والأمـانـي -بـسَـعْـدِهِ- iiتَـتَـعَدَّدْ
أشـرَقَتْ  مِن ضِيائِهِ الأرضُ، iiفالكَوْ..   .. نُ لِـسـانٌ ... بأطيبِ الذِّكرِ iiيَحْمَدْ
حـازَت الـفـخـرَ فيه آمِنةُ iiالفَضْلِ،   ونـالَـتْ حـلـيـمـةٌ كـلَّ iiسُـؤدَدْ
يـالَـبُـشرى يطوفُ في مسمعِ iiالدنيا   صَــداهـا  ، وذِكـرُهـا iiيَـتَـرَدَّدْ
حَـمَـلَـتْـهـا الـصَّبا إلى كلِّ iiرُكنٍ   فـعـلـى  كـلِّ ذَرةٍ مـنـه iiمَـشْهَدْ
مـا مـضـى ذِكـرُهُ إلـى النَّاسِ iiإلاّ   هـتـفَ الـكـونُ لـلحبيبِ ، iiوَحَمَّدْ
إيـهِ  وُرْقَ الـحـمَـام ! أيُّ نـشيدٍ؟   هـامَ فـي لـحـنِهِ الـمُغَنّي ، iiوأنشَدْ
أَسْـمِـعـينا  هواتِفَ البِشر ، iiنَطْرَبْ   وأَعـيـدي بـشـائِـرَ السَّعْدِ ؛ iiنَسْعَدْ
رَدِّدي مـا جَـلا الـبـشـيـرُ iiعلَيْنا   مــن  أغـاريـدِهِ وأبْـدى ، iiوَردَّدْ!
الـربـيـعُ الـنَّضيرُ هَلَّ مع iiالذكرى   فَـوَرْدُ  الـريـاضِ ، حـسـنٌ iiتَوَرَّدْ
زهـرُ نـيـسانَ والـمُنى iiوالبِشاراتُ   تـوالَـتْ  ... كـأنـما الكونُ iiعَسْجَدْ
تـنـفـحُ  الأمنَ والـهُدى ، iiوتُواسي   مـا  جـنَـى فـي زمـانِه كلُّ iiمُرْتَدْ
هـذَّبَـتْ  قـاسيَ ، القلوبِ iiبنجْواها،   فـلانَـتْ  ، وهُـنَّ مـن قـبْلُ iiجَلْمَدْ
يـا  لأَيَّـامِـهِ الـحِسانِ على iiالدَّهرِ!   أمــا  زِلْـنَ زاهـيـاتِ iiالـمُـوَرَّدْ
سـحـرُهـا  الغضُّ ؛ لم يَزَلْ iiيتَباهى   بـقـوامٍ  مـن الـحـقـيـقـةِ أَغْيَدْ
مُـشـرِقٌ هَـدْيُـه ، فـمـا iiلِقُريشٍ؟   تَـتـداعـى  لَـديـه أو iiتَـتَـوَعَّـدْ
جـاهِـلِـيّـاتُـهـا  تُـمِـلُّ عـليها   بـسَـقـيـمٍ مـن الأمـانِـيِّ iiأسْوَدْ:
أن  تُـعـادِي الأمـينَ طه iiالـمُصَفَّى   وتُـصـافـي وِدادَهـا مَـنْ iiتَـهَوَّدْ!
وإذا حَــكَّــمَ الـجَـهـولُ iiهَـواه   ضَـلَّ  عـن مَـنْـهجِ الرَّشادِ iiوأَلْحَدْ!
حـشَـرَتْ -يـا لِـخِزيِها- كلَّ iiجِلْفٍ   مُـسْـتَـثـارِ الـفـؤادِ ، بالشَّرِّ iiيَنْهَدْ
وَغـلـيـظٍ مُـعـرْبِـدٍ ، iiمُـسْتَشيطٍ   نـفَـثَ  الـحـقـدَ جوْفُهُ حينَ iiعَرْبَدْ
هـالَـه  ثـورةُ الـضِّـعافِ ، فَوافى   يـتـبـاهـى  بـمـعـشَرٍ منهُ iiأَعْنَدْ
مـا  لَـهُ مُـوقَـدَ الـحَـشا ، يَتَلظَّى   وعـلـى  الـوجـهِ كالِحُ اللَّوْنِ iiأَرْمَدْ
يَـصْـطَـلي  منه في اللَّظى كلُّ iiجَلْدٍ   مُـؤمـنِ الـقـلـب صـابِرٍ ، iiيَتَجلَّدْ
وَيْـلَـه  ! مـا لِـمَـنْـهج الحقِّ iiسَدٌّ   إنَّـه الـنـورُ والـيَـقـينُ iiالـمُسَدَّدْ
الـطـواغـيـتُ  دونَـه iiتـتـهاوى   والـمـهـازِيـلُ عـنـدَ ذكراهُ تُرْعَدْ
أَنْـبـتـتـهُ  الـصحراءُ مَهْدَ iiاهْتِداءٍ   فـسـبـيـلُ الـهُـدى ظَـليلٌ iiمُمَهَّدْ
والـيـتـيـمُ الـذي وسـادَتُهُ iiالرَّمْلُ   أتــى  الـكـونَ كُـلَّـه iiوتَـوَسَّـدْ
حـيـثـمـا مَـدَّ طـرفَه ، حَلَّ iiبِشْرٌ   واسـتـطالَ السلامُ في الأرضِ iiوامْتَدْ
مـا دعـا الـنـاسَ لـلـشـهادَةِ iiإلا   شَـهِـدَ  الـكـونُ عـنـدَهُ أَوْ تَشَهَّدْ!
ضـرب  الـشِّرْكَ ، والجهالةَ iiأصْماها   بــهَـدْيٍ  مُـسَـدَّدٍ حـيـثُ سَـدَّدْ
وأقـام الـسـلامَ والـحـب iiوالعدلَ،   وأهـدى  الـوجـود هـديـاً iiمُـخَلَّدْ
مـعـجـز  شـرعـه الفريد فما iiفيهِ   مــكـان  لـكـل مـن iiيـتـفـردْ
الـحـضـارات شـاهـد عـن iiهُداهُ   فـادْعُـهـا -إن تـشأْ- تُجْبك iiوَتَشْهدْ
مَـن لأهـل الـصـحـراء ؟ iiيُهديهِمُ   الـبـشرى  : بأن المسود سوف يُسوَّدْ
والـذيـن انـطَـفَوا برملِ الصَّحاري   سـوف يَـجْـلـوهم الزمانُ iiالـمُورَّدْ
سـادةً  لـلـوجـودِ تـأبـى iiمُـناهُمْ   بـالـفـتـوحِ  الـعِـظامِ أَنْ iiتَتَحَدَّد!
أجـمـعـوا  أمـرَهـم ، فليس iiلديهِمْ   مــسْــتَـبِـدٌّ بـرأيِـهِ iiومُـبَـدَّدْ
الـعـجـيبُ العجيبُ في الأمرِ أنَّ ii..   .. الـجَـمْـعَ أمـسـى بشَمْلِهِ iiيَتَوَحَّدْ
الـمـسـاواةُ  شـرعُـهـم iiفـسَواءٌ   فـي  مـعاني الـهُدى ، قريبٌ iiومُبْعَدْ
كـلـمـا  شَـرَّقـوا ، تـداعَتْ iiبِلادٌ   تَـحـتَ  إقـدامِـهِـم ، وكِسرى تَبَلَّدْ
وإذا  غَـرَّبـوا ... فـلـلـرُّومِ iiوَيْلٌ   مُـقْـلِـقٌ  عَـيْـشَـهُم ، ونَوْمٌ مُسَهَّدْ
مـن  يـظنُّ الصحراءَ تُنْبِتُ iiأبطالاً..   ..  هُــداةً وأُمَّــةً iiتــتـوحَّـدْ؟!
الـبُـداةُ الـحُـفـاةُ أعلَوا iiحَضاراتٍ   وأَرْسَـوا أسـاسَ مَـجْـدٍ مُـشَـيَّـدْ
حَـمَـلـوا مَـنْـهَـجَ الـهِدايةِ iiنُوراً   مَـنْ يَـقِـفْ فـي طـريـقِـهِ يَتَبَدَّدْ
والـعَـتِـيُّ الـذي أبـى عَـنْ iiهُداهُ   عـرَّفَـتْـه الـحـيـاةُ طعمَ iiالمهنَّد!!
لـيـس لـلـمـرءِ فـي الحياةِ iiخِيارٌ   إنــه الـحـقُّ أو نَـكـالٌ iiمُـؤَبَّـد

         

 

يـا  رسـولَ الـهُـدى ؛ لِيومِكَ iiنورٌ   عَـلَـمٌ فـي مـفـارِقِ الـدهرِ iiمُفْرَدْ
هـو  فـجـرٌ تـبـسَّـمَ الحسنُ iiعنه   فـجـلا  كـالِـحَ الـدَّيـاجي ، iiوبَدَّدْ
كـيـف نُثْني عليكَ ؟ واللهُ في iiالقرآنِ   أثْـنَـى  ، وزادَ مَـدْحـاً ، ومَـجَّـدْ
كــلُّ أقـوالِـنـا لـديـهِ iiهَـبـاءٌ   بـعـدمـا خـصَّـك الـكـريمُ iiوأَيَّدْ
غـيـرَ  أنَّـا نـقـول كـي iiنَتَسامى   بـكَ فـخـراً ونَـسْـتَـفِـيدَ iiونَسْعَدْ
أنـتَ  عـلَّـمْـتَـنـا الـخلودَ iiرُقِيّاً   ومـجـالِـي الـخُـلودِ تُرْقى وتُصْعَدْ
يـومُ  مـيـلادِكَ الـكـريـمِ iiلـنـا   عـيـدٌ  فـقـد أَشْـرَقَ الوجودُ وَعَيَّدْ
سـطَّـر الـخُـلْـدَ في صحائِف iiغُرٍّ   لـيـس  تَـبْـلـى لأنَّـهـا بِكَ أَخْلَدْ
الـنـفـوسُ  الـتـي أَثَـرْتَ بِعَلْياكَ   عُـلاهـا  ... مـشـاعِـلٌ تـتـوقَّدْ
والأمـانـي الـعِـراضُ جُـذْوَةُ iiحَقٍّ   طـيِّـبِ  الـوقْـدِ ؛ هدْيُه ليس iiيُخْمَدْ
مـا  لِـحُـسَّـادِكَ الأعـادي iiسـبيلٌ   شـيـمـةُ الـحرِّ ، أن يُعادى iiويُحْسَدْ
هـل  يُـعـابُ الخِضَمُّ بالزَّبَدِ iiالطَّافي   ..  إذا كـانَ مـوجُـه يـتَـجَـدَّدْ ii؟
إيهِ ذكرى الـخُلودِ في الـمَولدِ الزَّاهي   مـعـانـيـكِ ثـرَّةٌ ، لـيـس تَـنْفَدْ
أنْـت سَـلْـسَـلْـتَ لـلزمانِ iiخُلوداً   مُـعْـجِزَ الفِكر ، صافِيَ الوِرْدِ ؛ iiأَوْحَدْ
يَـسْـتَـضيءُ الوجودُ من نورِ iiذكراهُ   ويَـحـيـا عـلـى هُـداهـا iiويَشْتَدْ
وإذا أطْــبَـقَ الـظـلامُ iiعَـلَـيْـهِ   هـتـفَ  الـكـونُ كُـلُّـهُ iiبِـمُحَمَّدْ!
فـعـلـيـهِ  الـسـلامُ ما طافَ iiحَمْدٌ   بِـفَـمِ  الـدَّهْـرِ ، والـمُـحَمَّدُ يُحْمَدْ
وشَـدا  فـي رِيـاضِـهِ كُـلُّ iiصَدَّاحٍ   فـأَشْـجَـى الـخَـلـيَّ شَـدْوٌ iiمُرَدَّدْ
وَرَوَتْـه  الـصِّـبـا بـلحْنٍ iiطَروبٍ   فـهـفـا الـقَلْبُ ، واستجابَ ، iiووَحَّدْ
وتَـلَـقَّـاه  بـالـحُـداءِ فَـمُ iiالـحا   دِي  ؛ فـهَـزَّ الـنفوسَ شَوْقاً iiوأَنْشَدْ:
طـائـرُ  الـسَّـعدِ بالأماني ؛ iiوغَرَّدْ:   (وُلِـدَ الـنـورُ يـومَ مَـوْلِـدِ iiأَحْمَدْ)

* كتب هذه الترجمة ، الأستاذ أحمد الجدع .

([1]) من وحي المولد ط1399هـ 1979م ، ص9 .

([2]) من وحي المولد ص10 .

([3]) من وحي المولد ص16 .

([4]) من وحي المولد ص5 .

([5]) ملحمة بدر .

([6]) ملحمة بدر .

([7]) مجلة مرآة الأمة الكويتية ، العدد 677 ، ص63 .

([8]) نشيد "يا أمة الإسلام" أناشيد الدعوة الإسلامية ، ج4 ، ص122-124 .

([9]) مجلة سعد ، العدد 811 الصادر بتاريخ 6/1/1986 ، ص32 .

([10]) للشاعر قصيدة متفوقة عن الطفولة بعنوان "طفل وقرآن" عرضناها وحللناها في كتابنا "أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر" الجزء الثاني الصادر عن دار الضياء للنشر والتوزيع بالأردن .

* مجلة الأمة القطرية ، العدد 47 ، 1984 ص85 .

([11]) أمية بن خلف من ملأ قريش الذين عذبوا بلال بن رباح رضي الله عنه .

([12]) لقب القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه .

([13]) كنية عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

([14]) القعقاع بن عمرو قائد فاتح مشهور .

([15]) إحدى كُنى النبي r .

([16]) أم جميل ، هي أروى بنت حرب بن أمية ، زوجة أبي لهب ، كانت تضع الشوك في طريق رسول الله r .

([17]) ابن سلول هو عبد الله بن أبي بن سلول من زعماء المنافقين في المدينة .

([18]) نشرت القصيدة في "المجلة العربية" التي تصدر في مدينة الرياض .