حلم الحياة بين عابر حياة وعابر سرير

عمر جلاب

ليس حلما واحدا، فعلى حد تأويلنا للرؤى نحن أمام أحلام جامحة جموح مهرة لم تروضها السنون، ولا خطب المنون .

قراءتي لأحلام مستغانمي، لم تكن عابرة سبيل على ما كان من العملاق العقاد، بل كانت خالدة في كل لحظة ألم سريري.

هكذا أبدأ لأقدم روائية بحجم أحلام.

انبجست كفجر حرية ذات غربة قسرية، لتتحدى بأنوثتها تعب الذكورة في مقاومة الغلو، فكانت بنت الجزائر الفتية.

أحلامها ولدت معها في تونس، بل هي التي أصرت على أن تولد معها أحلامها، وأصرت أن يختار لها من قساوة الحياة

رؤى تعلق على بطاقة هوية مزقتها شتوية الحرب والاغتراب، ذات ولادة، ذات 1953م.

من أرض أبي القاسم الشابي الذي تغنى للحب وللحياة، ومات يصارع قلبه جاءت تلك المرأة  تبحث عن صلابة

الصخرة، عن تلك الشرفات المعلقات بين حاء الحب وحاء الانتحار، عن زند أسمر تتكسر عليه شهوة الحنين إلى

التربة... الحنين إلى قسنطينة تارة، وتارة أخرى الحنين إلى أم مدائنها الجزائر.

عانقت أحلام الكلمة، وهي في يفاعة العمر، توشوش لمستمعيها بعذب الحديث، وتمزجه بتلك الكلمات النبرات  التي تحجز تذكرة  السفر إلى القلوب مع أول إرسال إذاعي .

همسات أحلام، حلم جميل ، عذب ، شاعري. بيد أن الأقدار لم تشأ مرة أخرى أن يبقى ذاك الصوت الأنثوي الرائق

يداعب حبات القلوب، بل شاءت أن يطير بعيدا ، هناك، حيت وعد من بعد آخر .

ذاك كان في سبعينات القرن الماضي، لما شاءت أقدار الأديبة الجزائرية أن تجمعها بصحفي لبناني، ثم تنال بعدها في

 الثمانينات الدكتوراه من جامعة السربون.

تقلدت أحلام جوائز ورتبا. تلك الرتب- برأيي - هي من تحلت حين قلدت جبين امرأة تحمل نفسا أدبيا لا يشق له غبار، في

 زمن تعامت فيه الكلمة، فأصبحت تتعثر السبيل. بيد أنه من المقام احترام أهل المقام، والثناء على الجائزة القمينة بكل

احترام. تلكم هي جائزة نجيب محفوظ، الروائي الفذ الذي حظيت الأديبة بنيل جائزته الأدبية سنة 1998م عن روايتها

ذاكرة الجسد. 

سكبت أديبتنا في أخاييلنا أحلاما تتغازل شعرا، فيغار بعضها من بعضها . اختلست لكم منها:

على مرفأ الأيام، كتابة في لحظة عري، ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير...

تلك أحلام من أحلام ، أو قبس من قبس، تتمازج فيه الشاعرية  في أعرم أهوائها.

ديدننا اليوم، هو الأخذ بأيديكم لعبور قنطرة  من قناطر أحلام مستغانمي المعلقة بخيوط رفيعة، بل أرفع من تلك

التي نشاهدها في مدينتها فندوخ قبل أن نعبرها.

جنون على حافة سرير في عابر سرير.

تتهالك الرواية بين قطبي رحى الصراع. ذلكم هو صراع الأنا والآخر، الغرب والشرق، بين المستعمر والمستعمر،

 بين إثبات الذات وجلدها.

بين حياة وفرونسواز،  رمزية متشابكة  تحدد جدلية بعمق المأساة. جسدتها أحلام في عري سرير لم يكتم أنفاسه حينا،

 وخنقها، بل قتلها مثلما يقتل الحب في أول براءته، لما يغادر زيان الوطن ليرتمي في أحضان وطن آخر، ولما يحمل

مصور سلاحه حينما يضيع اسمه بين أزقة قتلتها همجية الإنسان، فيصبح خالد  بن طوبال بعد أن كان ذات فلان.

ذلكم المصور الذي لم يغنم من شراسة حرب إلا بصورة طفولة سربلتها المنية بدهشة القسوة. طفل بيعت ألامه في

 المزاد، لينال منها ملتقطها قصاصات تكفلت بحمل نعش زيان لما لم يعد لحب حياة ولا لأحضان فرانسواز من معنى.

قسوة الحرب، قوة العنف تتكثف في الرواية لتتحول إلى منفى متنقل بين الجزائر وباريس. وبين هته وتلك، تتعانق آمال

حياة مع شواهق صخرة  صماء في قوتها. تتفتت في رقتها حينما تبللها دماء المحبين،  لما يهيج الحب ويسري في

 العروق. تتكثف لما يبحث ذاك الفارس عن مهرة الوهاد والتلال، فيخونه المركب ليرتحل ويترجل باحثا في أزقة باريس عن وجه الحرية.

رواية أحلام  تبحث عن الحرية، لتتكلم لما تحتار لغة الشعر وتكسر الانماط الروائية في لغتها. بيد أنها تتكشف عن

مركزية الخطاب الذكوري لما تختار أن يكون الصوت السردي ذكوريا.

رواية أحلام قلقة، حبلى بأنات وطن لم ينجب إلا الموت، رغم حياة النص الذي يبحث ذاته تارة في لغته مرة، ومرة أخرى في شخصياته، وطورا في سردياته.

لم ينفلت النص المستغانمي من التناص أو المناص على حد تعبير النقاد. و قد يكون ذلك إثراء للنص كما قد يكون ثلمة

تؤخذ على الروائية.

صاحبة المقام، سيدتي أحلام: لك مني ألف جمال على حمال لغتك، أرسلها إلى حضرتك بكل المودة وبكل عميق الاحترام،

سلاما وبردا لقلبك الشاعر ولنبيل أدبك.

 أما أنتم، نبلاء الذوق، فلكم مني جميل العرفان، وكل قراءة وأنتم بخير.

عمر جلاب ليون فرنسا، يوم 22/05/2014م.