مآسي القدس والعراق في أشعار د. نجيب الكيلاني
لوحات من التحدي والبقاء ..
مآسي القدس والعراق..
في أشعار الدكتور نجيب الكيلاني!
صلاح رشيد /مصر
[email protected]
لوعة شديدة وحسرة غامرة
تنتاب وتسيطر على أدبائنا ومفكرينا بسبب أحوالنا المزرية وتكالب أحقر الأمم والشعوب
على مقدراتنا، لحظة الاستلاب الحضاري التي وقعنا في أسرها المطبق!وخلال القراءة
الواعية للإبداع الأصيل، نجد أن هموم الأمة وآلامها وعذاباتها الراهنة تنساب عبر
أشعار الدكتور نجيب الكيلاني- عميد الرواية العربية والإسلامية- بكل حسرة ومرارة،
وعاطفة جياّشة في ديوانه "عصر الشهداء" حاملة هاجس القلق والخوف، مما أصاب الإسلام
والمسلمين، وما ينتظرهم من ليلٍ حالك.. إن هم أداموا الخنوع والتبعية للأعداء.
القدس..القدس!
ففي قصيدته "القدس"
تلوح أحزان الشاعر الكبرى للعيان، بسبب سقوط الأعلام وموت الأنغام، وانهمار الدموع
الطافحة من المآقي والجفون بفعل الغزاة الهمج الذين اغتالوا براءة القدس:
أحزان في دنيا الإسلام
سقطت كل الأعلام
ماتت فوق القيثار
الأنغام
وتنوح قبِابٌ ومآذن
ينهمر دموعًا قلبُ
المسلم
أشواق الروح قد اعتُصرت
بأيادٍ حُمْرٍ
"همجية"!!
ويواصل نجيب الكيلاني
رصده الفني الأليم لسقوط زهرة المدائن "القدس" تلك المدينة الأبيَّة البكر الفتية،
رمز الطهارة والقداسة، وعنوان السماحة أضحت بيد من لا يرحم من أعداء الإنسانية،
وتتار العصر الحديث؛ فيقول:
سقطت عذراءُ التاريخ
الأعظم
في قبضة مُوْمس
مقبرةُ صلاح الدين
ينبشها ذئبٌ أجربْ
وشواهد أيام الحرية
داستها قَدَمٌ غجرية
والصخرة في قلب المسجد
يتسلقها بغايا!!
ثم يفرد بعد ذلك د.
نجيب الكيلاني أسباب استطالة بني صهيون علينا، وتعاليهم المادي والعسكري والتقني
الحادث اليوم من منظوره الذي يشاهد المأساة على الصعيد العربي الإسلامي، وعلى الطرف
الآخر المتمادي في الغي والغطرسة ومحاربة دين الله، والمكابرة وادعاء نقاوة العنصر؛
وهم فُجّار الألفية الجديدة؛ لأننا دسنا على كرامتها وفرّطنا في قداستها:
فلماذا لا تسقط في أيدي
الفُجَّار
مدينتنا الشَّمَّاءُ؟!
ولماذا لا يطرب
"ديَّان"
ويدوس بأقدام قذرة
قدس الأقداس؟!
لم ينتصر الزحف الأسود
بل هُزِمت أفراح الحق
في قلب الإنسان المسلم
واندثرت آمال الأحرار
خلف الأسوار!!
أمراض ليلى
وأخواتها!
وفي قصيدته "ليلى
المريضة" يرصد الدكتور الكيلاني- رحمه الله- أوجاع مدن الإسلام، سواء في بغداد أو
في الشام أو في القدس، أو في الحواضر الأخرى التي تنوء تحت الهوان والظلم
والاحتلال، وكأنه يعيش بيننا اليوم، ويرى سقوط العواصم تلو العواصم؛ فالمرض حاصر
أبدانهن، الحزن يخيم على الجميع:
ليلاتي في "بغداد"
جِدُّ مريضةٌ
تشكو اعتلال الروح
والأبدانِ
ليلاتي في دنيا "الشآم"
عليلةٌ
تبكي حُطام المجد في
"الجولانِ"
ليلاتي في "القدس
الشريف" أسيرةٌ
تبغي العَفافَ بدمعها
الهتَّانِ
ليلاتي تائهةُ المنى
محزونةٌ
منكودة الآمال في
عَمَّانِ
ليلاتي في طول البلادِ
وعرضها
مَسْخٌ من الآلام
والأحزانِ
أنا قادمٌ أتلو ترانيم
الهدى
مُستعصمًا بالسيف
والقرآنِ
ولابد أن يرجع أبناء
صلاح الدين وقطز وبيبرس؛ للنهل من مورد القوة والنضال، من معين الحق والاستبسال،من
صفحات العزة والكرامة.. والعودة إلى واحات وبساتين الإسلام. وهكذا يردد نجيب
الكيلاني في كل أشعاره أن قهر الأعادي والانتصار عليهم لن يكون إلا باستخدام سلاح
واحد هو المصحف والقوة، وأن تحرير الأوطان والأمصار يبدأ من طريق الهدى والإيمان.
وبهذا الفهم العميق ،وتلك الرؤية الواعية لجوهر الإبداع في معركة الحق والبقاء،
وتحقيق النصر وقيادة الدنيا إلى بر الأمن والأمان..يبدع الشاعر الكبير الدكتور نجيب
الكيلاني فرائد من حديقة أشعاره الجميلة، ويُقدّم للأجيال الدرس على قدرة القريض
على تبصير الأمة وبث روح الأمل فيها والحياة من جديد!