خاطرة في ذكرى محمود درويش

وسطحية فكره والتهويل من شأنه

الشاعر محمود درويش

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

هالني ما سمعت عن شعر درويش الذي بلا أدنى شك أُقدّر له نضالاته ووقوفه إلى جانب الثورة الفلسطينية ، ولكنني هنا لست بصدد الحديث عن هذا الجانب الذي بدا حياته فيه مؤيداً لإسرائيل ، ومنتظماً في أحزابها الماركسية ومُغرداً حينها خارج السرب العربي الذي أطلقه الى العالمية ،  بل لأتحدث كناقد عن فكر درويش الذي لا يُفقد للود قضية ، ولربما لأقف كعادتي في هذا الموضوع ضد التيّار الهائج لإثارة المزيد من التساؤلات حول هذا الكم الهائل من تسليط الأضواء عليه دون غيره من فطاحلة الشعر المغمورين أمثال بهاء الدين الأميري وعبد العزيز المقالح  وعبدالله عيسى السلامة وغيرهم الكثير ، والذي وُصف من هؤلاء بشاعر القصيدة الكونية  ، لأكون كذلك الطفل الذي لا يملك الكثير من الخبرة السياسية والبروتكولية عندما وقف بين الحشود الخائفة معلناً حقيقة الملك الذي زاع صيته ، وعلت رهبته بأنّه عاري بعدما أوهمه المُحيطين به بأنه يلبس خير الثياب ، وكذلك أنا هنا حقيقة فكر درويش ، الذي يحسبه البعض أنّه على شيء ، وهو ليس أكثر من سراب وأوهام ، تمّ التضخيم من أمرها لأسباب معلومة لا أُريد الخوض فيها ، ولكن سأكتفي بتسليط الضوء فقط على بعض أعماله الشعرية ، لا سيّما التي كتبها في آخر أيّامه ، والتي تغنّى بها القوم ، ومنها" بقية حياة " و " وإجازة قصيرة " و " الحياة إلى آخر قطرة " والتي سُمّيت بالقصيدة الكونية

وفي الحقيقة أنا لست من مُتابعي أعماله الشعرية التي كنت أسمع بعضها شذراً ، عندما اُقلب بين القنوات الفضائية ، لأستمع إلى بعض الجمل الغير مُكتملة إلى يوم وفاته الذي أفردت له صحيفة الثورة الأدبية اليمنية حيّزاً كبيراً منها ، لأقرأ بعض القصائد المذكورة أعلاه وقصائد أُخرى لأستغرب بالفعل لما أُحيط به من الهالة والتضخيم الغير مُتناسبين مع فكره السطحي الذي يفتقد إلى أي عمق معرفي في كثير من الأمور ، ومنها معنى الحياة والموت ووجود الإنسان وغير ذلك ،  وسكوت الكثير من الأدباء والشعراء عن تلك المهزلة ، وسأبدأ بقصيدته" بقية حياة" التي آمل على الجميع التأمل فيها وبمعانيها وانحطاط مراميها والتي يتحدّث  فيها عن أهم وآخر لحظات عمره ، وما يمكنه لفعله حينها حيث قال :  

إذا قيل لي: ستموتُ هنا في المساء

فماذا ستفعل في ما تبقَّى من الوقتِ؟

قال  أنظرُ في ساعة اليد

أشربُ كأسَ عصيرٍ،

وأَقضم تُفَّاحَةً،

وأطيلُ التأمُّلَ في نَمْلَةٍ وَجَدَتْ رزقها،

ثم أنظر في ساعة اليدِ

ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني

وأَغطس في الماء/ أهجس:

"لا بُدَّ من زينة للكتابة/

فليكن الثوبُ أزرق"/

أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي

لا أرى أَثر اللون في الكلمات،

بياضٌ، بياضٌ، بياضٌ...

أُعِدُّ غدائي الأخير

أَصبُّ النبيذ بكأسين: لي

ولمن سوف يأتي بلا موعد،

ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ

لكنّ صوت شخيري سيوقظني...

ثم أَنظر في ساعة اليد:

ما زال ثمّةَ وَقْتٌ لأقرأ

أقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ

وأرى كيف تذهب مني حياتي

إلى الآخرين، ولا أتساءل عَمَّنْ

سيملأ نقصانها

 هكذا ؟

 هكذا ، هكذا

 ثم ماذا ؟

 أمشّط شَعْري، وأرمي القصيدة...

هذي القصيدة في سلة المهملات

وألبس أحدث قمصان إيطاليا،

وأُشَيّع نفسي بحاشيةٍ من كمنجات أسبانيا

ثم أمشي إلى المقبرةْ !

بينما الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" ، والإنسان السوي يجلس يتأمل بعمق لما بعد الموت على أقل تقدير ، ويذهب ليُصفي ذمته ويسترضي الناس ليدوم ذكره ، والمؤمن يكون أشد خشوعاً وتعلقاً بالله ، ويوصي لمن وراءه لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ، وينفق مما أعطاه الله ليكون له ذلك زاداً يوم الميعاد ، بينما درويش في سطحية واضحة سيحلق ذقنه ويمشط شعره ويشرب النبيذ ، وفي قصيدته الثانية " الحياة إلى آخر قطرة" إذا نعس نام  ، وإذا كان يُقشر البصل تذرف دموعه إلى آخر هذه التُرهات التي لا تدل على عمق المعرفة ، ولا تذكّر  ما يُفترض أن تكون قضيتة الكبرى وقضية أبناء شعبه فلسطين

الحياة... حتى آخر قطرة

وإن قيل لي ثانيةً: ستموت اليوم،

فماذا تفعل؟ لن أَحتاج إلى مهلة للرد:

إذا غلبني الوَسَنُ نمتُ. وإذا كنتُ

ظمآنَ شربتُ. وإذا كنتُ أكتب، فقد

يعجبني ما أكتب وأتجاهل السؤال. وإذا

كنت أتناول طعام الغداء، أضفتُ إلى

شريحة اللحم المشويّة قليلاً من الخردل

والفلفل. وإذا كنتُ أُحلق، فقد أجرح

شحمة أذني. وإذا كنتُ أقبِّل صديقتي،

التهمتُ شفتيها كحبة تين. وإذا كنت

أقرأ قفزت عن بعض الصفحات. وإذا

كنتُ أقشِّر البصل ذرفتُ بعض الدموع.

وإذا كنتُ أمشي واصلتُ المشي بإيقاع

أبطأ. وإذا كنتُ موجوداً، كما أنا الآن،

فلن أفكِّر بالعدم. وإذا لم أكن موجوداً،

فلن يعنيني الأمر. وإذا كنتُ أستمع إلى

موسيقى موزارت، اقتربتُ من حيِّز

الملائكة. وإذا كنتُ نائماً بقيتُ نائماً

وحالماً وهائماً بالغاردينيا. وإذا كنتُ

أضحك اختصرتُ ضحكتي الى النصف احتراماً

للخبر. فماذا بوسعي أن أفعل؟ ماذا

بوسعي أن أفعل غير ذلك، حتى لو

كنتُ أشجع من أحمق، وأقوى من

هرقل؟

وفي قصيدته الثالثة التي يُقرر فيها موته يوم السبت ,والتي من أجلها ، وللزيادة في الهالة ، قرر الأطباء المُعالجين له في أمريكا بعد إجراء عملية القلب المفتوح وبناءاً على وصيته قبل دخوله إليها بنزع أجهزة الإنعاش بعدما تعثرت يوم السبت ، حتّى يُنسب له النبوءة بيوم موته من خلال هذا التدليس الخطير

صدّقت أنّي متُّ يومَ السبت

قلتُ عليَّ أن أوصّي بشيءٍ ما

فلم أعثر على شيء

وقلتُ : عليّ أن أدعو صديقاً ما

لأخبره بأني مت

لكن لم أجد أحداً ...

وقلتُ : عليّ أن أمضي إلى قبري

لأملأه فلم أجد الطريق

وظلّ قبري خالياً منّي

وقلتُ / عليّ واجبً أن أؤدي واجبي :

أن أكتبَ السطر الأخير على الظلال

فسال منها الماء فوق الحرف ..

قلتُ / عليّ أن آتي بفعل ٍ ما

هنا , والآن

لكن لم أجد عملاً يليق بميّت

فصرختُ / هذا الموت لا معنى له

عبثٌ وفوضى في الحواس

ولن أصدّق أني قد متُّ موتاً كاملاً

فلربما أنا بين بين

وربما أنا ميّت متقاعد

يقضي إجازته القصيرة في الحياة ..