الإمام الشهيد في كتابين

الإمام الشهيد حسن البنا

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من ثمانية وخمسين عامًا عرفت الأستاذ محمد عبد الله السمان, كانت جماعة الإخوان مثخنة بالجراح, فقد لقي الإمام المرشد ربه بمؤامرة شيطانية خسيسة, والإخوان ما بين معتقل أسير, وطريد مشرد, ومضطهد مضيق عليه في لقمة عيشه. كنت آنذاك طالبًا في المرحلة الثانوية وقد كانت خمس سنين لا ثلاثًا. وكنا - نحن الشباب - متلهفين علي أي قصاصة ورق تنشر شيئًا.. أي شيء للإخوان, أو عن الإخوان.

وأذكر أننا في هذه الفترة كنا نجد متنفسًا في صحيفة «منبر الشرق» التي كان يصدرها الأستاذ المجاهد «علي الغاياتي» رحمه الله. وكان يصدًّر الصحيفة بالبيتين الآتيين كشعار لها:

باسم الكنانة واسم شعب ناهض         لا باسم أحزاب, ولا زعماءِ

كلّ يزولُ وينقضي, أما الحمي         فوديعةُ     الآباء    للأبناء

وذات يوم من هذه الأيام الحرجة أهداني الأستاذ عبد الرحمن جبر - رحمه الله - عضو الهيئة التأسيسية, ورئيس منطقة الإخوان بمركز المنزلة دقهلية مسقط رأسي.. أهداني كتابًا وهو يقول: ستجد فيه دواء وشفاء من ناحية المضمون, ويشبع حبك للأدب من ناحية الأسلوب.

وقرأت - بل التهمت - كتاب الأستاذ السمان «الإسلام حائر بين أهله». كان الكتاب بحق صرخة قوية في وجه الظلم والظالمين وأعداء الإسلام, جمع بين الفكر الناضج, وحرارة الإيمان, وطلاوة الأسلوب الأدبي الأخاذ, مما شدني إلي حفظ صفحات عديدة منه.

أيام مع الإمام الشهيد

ومن عامين أهداني أستاذنا محمد عبد الله السمان كتابه الجديد «أيام مع الإمام الشهيد حسن البنا» الذي قامت بنشره دار الفضيلة بالقاهرة. والكتاب - كما هو واضح من عنوانه - يعتبر شهادة تاريخية صادقة تبرز مواقف متعددة للإمام الشهيد ومواقف للكاتب تبين عن طبيعة ارتباطه بدعوة الإخوان, ونشرها, وآليات العمل لها. ومن هذه الوقائع ما أقرؤه لأول مرة في حياتي, كواقعة إعداد خطة جادة في الصعيد لاغتيال الإمام الشهيد دبرها نائب وفدي, والتنفيذ عند قرية «البربا» بلد النائب, عند مرور المرشد بسيارته في طريقه من أسيوط لزيارة الإخوان في «طما», لولا أن رئيس العصابة المكلفة بالاغتيال ألان الله قلبه وكشف المؤامرة للأستاذ السمان, الذي بادر بإرسال برقية للأستاذ المرشد ليحضر بالقطار بدلاً من السيارة. وخيب الله أمل المتآمرين.

والأستاذ السمان يتخذ من الوقائع التي رصدها منطلقًا لعرض مبادئ الجماعة, والأسس التي قامت عليها دعوة الإخوان, كما يلقي الضوء علي بعض الشخصيات التي كان لها مكان في مسيرة الإخوان مناصرة وتضحية, أو إيذاء أو إضرارًا في سبيل منافع الدنيا, أو خوفًا من بطش الحكام, وقد يمتد بقلمه إلي رصد مشاهد ووقائع حدثت في عهد الانقلاب الناصري, ومنها الطريف المضحك: كتب عن اللواء فؤاد علام ص 121 «... ولهذا اللواء الذي قصد لفت الأنظار إليه طمعًا في وزارة الداخلية التي عاش يحلم بها, كما يحلم الجائع بمائدة شهية من الطعام والشراب, لهذا اللواء قصة يعرفها أبناء قريته من المنوفية.. كان يتولي التعذيب بنفسه, والضحية معصوبة العينين, فأمر -أثناء تعذيب أبناء قريته- المخبرين ألا ينادوه باسم: فؤاد بك, ولكن باسم: " جرجس بك ...".

والكاتب لا يعرض وقائعه عرضًا أفقيًا متتابعًا خاضعًا للخط التاريخي الرتيب, وهو ما نسميه «بالمنهج السردي» ولكن تعامله مع الواقعة يتسع للمضامين الآتية:

  1- اعتصار ما في الواقعة من دلالات ودروس وعبر, وخصوصًا ما ينفع الشباب في مسيرة حياته.

  2- الربط بين الماضي والحاضر انطلاقًا إلي مستقبل رشيد.

 3- الاستعانة بالشواهد القرآنية والأحاديث النبوية, وعمل السلف الصالح, لتجذير الوقائع التي يعرضها, وعاشها بنفسه, وخصوصًا ما يتعلق بأدب المحنة.

أما الأداء التعبيري فيتسم بالسهولة والتدفق, وقوة الإيحاء, وجمال التصوير بعيدًا عن الإسراف والشطط.

وكلماتي- بل كليماتي- هذه ما هي إلا شهادة بعظمة الرجل, وعظمة الكتاب الذي كان لصاحبه فضل كبير عليّ في توجهي الدعوي الرشيد, مما يزيد على نصف قرن.

*********

نظرات في كتاب الله

وإذا كان الكتاب السابق عن " الإمام الشهيد " بقلم واحد من أعلم مريديه, فإن هذا الكتاب للإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله- أصدرته دار التوزيع والنشر الإسلامية بالقاهرة في مجلد ضخم جاء في قرابة 600 صفحة من القطع الكبير. وقد نشرت هذه الدراسات في حياة الإمام الشهيد في المجلات والصحف الآتية: 1- مجلة الفتح, 2-  مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية, 3- مجلة المنار (التي أسسها العلامة محمد رشيد رضا), 4- مجلة النذير, 5- جريدة (الإخوان المسلمون اليومية),  6- مجلة الشهاب الشهرية.

وتعدد المصادر يبين عن طبيعة المشاق التي تحملها - بصبر أيوبي - العالم الشاب الجليل الأستاذ عصام تليمة الذي قام بعمليات الجمع والتحقيق والتعليق. ويدخل في هذا النطاق تصويبه الأخطاء المطبعية الغزيرة في الأصول, وتخريجه الأحاديث, وذكر درجتها من حيث الصحة والضعف. ووضع عناوين لتوضيح المعاني.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي عن تلميذه ومريده: «... سرّني أن يقوم ابننا الناشط عصام تليمة بجمع ما تيسر له من تراث الإمام الشهيد الذي عَُني به منذ سنوات, ونشر من قبل ذلك بعضه مثل (أحاديث الجمعة) و(نظرات في التربية والسلوك). واليوم يقوم بنشر تراث الإمام البنا حول القرآن وعلومه وتفسيره, وقد جمعها من مصادر شتي من كتابات الأستاذ عليه رحمة الله ورضوانه.

ولقد خدم الأخ عصام هذا التراث القرآني والتفسيري للإمام البنا, بما قدمه من دراسات نافعة, وما علق عليه من تعليقات مفيدة..".

وقد صدّر الأستاذ تليمة هذا السًّفر الضخم بمقدمة ضافية من خمسين صفحة أبان فيها عن هدفه من نشر هذه النظرات , وأهمية تحقيق هذا التراث العظيم, والعوائق التي وقفت في طريقه وهددت تحقيق أهدافه, كما عرض آراء الإمام الشهيد في تحفيظ القرآن للصغار, والمنهج الأمثل لفهم القرآن, والعلاج بالآيات القرآنية, وموقف الإمام من الإسرائيليات, ومنهجه في التفسير وملامحه.

وهي مقدمة مهمة جدًا, ويا ليت الكاتب يطبعها في رسالة مستقلة لتعميم النفع بها بين الشباب بخاصة. وكان واضحًا جدًا في تحديد الأهداف من وراء نشر هذه النظرات, وخلاصتها:

 1- أهمية هذا التراث في تبصرة هذا الجيل الذي لم ير حسن البنا, ولم يسمعه. وعمل أعداء الإسلام علي تشويه تاريخه.

 2- جهل كثير من الباحثين تاريخ حسن البنا, والعطاء الذي قدمه للمكتبة الإسلامية, وهذه «النظرات» -بلا شك - ترفع من إنتاجه كمًا وكيفًا, وتصحح كثيرًا من الأخطاء التي أحاطت ببعض أفكاره.

3-  خوف الكاتب من الشعور المحتمل بالإثم لو أنه تردد أو تأخر في طبع أعمال الإمام الشهيد - بعد أن جمع المادة الأصلية - ولم يقم غيره بنشر هذا التراث.

 4- تعريف القراء والباحثين برأي الإمام الشهيد في مسائل مهمة جدًا, مثل ترجمة القرآن الكريم, والعلاج بالقرآن.

 5- من العار علي الحركة الإسلامية أن يضيع تراث مؤسسها بالإهمال والإغفال, في الوقت الذي نري فيه أعداء الإسلام والملاحدة يجمعون مقالات زعمائهم في مجلدات فاخرة, ويوزعونها, بل يغزون بها شعوب العالم كله.

**********

وكم كنت أتمني أن أقدم بعض الشواهد الدالة علي طبيعة المجهود الضخم الذي بذله الأخ تليمة حتي خرج هذا العمل الكبير إلي حيز الوجود في مظهر رائع جميل, كما كنت أتمني أن أقدم نموذجًا يبين عن منهج الإمام البنا في هذه النظرات. ولكني أعتقد أن ذلك لن يغني عن الرجوع إلى الأصل الثرار الغني الكريم .