المضيء والمظلم في أدب (نجيب محفوظ)
إحتل الأستاذ نجيب محفوظ مكانا بارزا في تاريخ الأدب الروائى وقد كان لجائزة (نوبل) الأثر المباشر فى الاهتمام غير المسبوق بأدب الرجل الذي لم يتح لغيره من أمثال الدكتور طه حسين رغم صلته القوية بالغرب أيام شبابه ودراسته وزواجه من سوزان التى لازمته حتى رحيله، وكان الأستاذ نجيب محفوظ من رواد صالون الدكتور طه وكثيراً ما نوه الدكتور عن العبقريه الفنيه للاستاذ نجيب محفوظ كما كان لحديثه الدائم عنه أن تشكلت قاعدة محفوظ الشعبية والتى أطلق عليها (الحرافيش) وكان لقاء الرجل بهم شبه يومى فلا يرى إلا معهم ولا يبرم فى أمور الحياه الأدبيه أمراً إلا وهم على علم به.
ولما كان الرجل تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفه فقد شغلته إلى حد بعيد قضايا الفلسفة ومحاولة الإجابه على أسئله من عندياته كما يفعل (الفلاسفه) رغم إنغماسه فى الواقع ومجالسه الحرافيش ومخالطه الناس مخالطه يوميه كما رأيناه وشاهدناه يقطع الطريق من بيته على شاطى النيل بالعجوزة إلى ميدان التحرير يومياً سيراً على الاقدام ليرى ويتمتع وينقل فى أسلوب لغوى ماتع وخيال بارع حوادث يومية أو حوادث ماضيه تلح عليه من خلال ذاكره حديديه كان يتمتع بها فكتب وابدع عوالم روائيه غايه فى الجمال.
والكتابه عن أدب الأستاذ نجيب محفوظ محفوفه بالمخاطر لانه يمثل قيمه أدبيه كبيرة لدى مجموعه الحرافيش أولاً ثم يمثل بالنسبة لوطنه كله الأديب الذى قدم الاعمال الأدبيه عاليه الجمال والدقه الفنيه مما دعا البعض فى الداخل والخارج يضع أدب الرجل ضمن آداب الأمم الغربيه لانه يكاد أن يكون صوره منه أو لأنه كتب الروايه الغربيه كما قال الاستاذ الدكتور حلمى القاعود فى كتابه (النثر الفني) وكذا الأستاذ الدكتورعماد الدين خليل فى كتابة (فى النقد الإسلامى المعاصر) ونتعرض فى هذه الدراسه المتواضعة إلى محاوله الاجابه عن بعض الأمور قد يجد إجابتها القارئ المحترم فى ثناياها الدراسه.
التكوين الأدبى وعلاقه محفوظ بالجيل الذى سبقه.
السمات العامه لأدب نجيب محفوظ
الواقعيه الإيجابيه والواقعيه الجديدة
عُرف نجيب محفوظ يوم أن قدمه سلامه موسى، وساعده الحظ بالقرب من الدكتور طه حسين فتشجع الرجل وكتب ما كتب وكان المجتمع المصرى قد تجمع فيه رجالات كثير من أنحاء العالم العربى خاصه من لبنان أو الشام كما كان يطلق، وظهرت جرائد ومجلات خاصه عديدة كل له اتجاه حيث سادت المفاهيم القومية والليبرالية والاشتراكيه وكل ما تفتق عنه ذهن الغرب..
وانشغل الناس بفلسفات نيتشه وبرجون وكايم وغيرهم من فلاسفه أوربه وقد ساعد حب جيل ما قبل محفوظ للثقافه الغربيه ان تسيطر على أدمغنه الأمه فأحتل (دارون) و(ماركس) و(دور كايم) أدمغه الناس وتوارت الثقافه العربيه بل حاول الكثير الردم عليها وإهالة التراب على كل كلمه واختل التوازن بما قدمه الدكتور طه حسين من أعمال فى مقدمتها (الشعر الجاهلى)، كما كان الشيخ (على عبد الرازق) قد أصدر كتابه (الإسلام واصول الحكم) وهاجت الدنيا وماجت ..
عاش الاستاذ نجيب محفوظ فى هذا الجو وتشكلت ثقافته على النحو الذى اراده له سلامه موسى وطه حسين فتغذى على أفكار فلاسفه الغرب وشجعه على هذا الأمر كونه طالباً فى قسم الفلسفه.
والحقيقه أن كل مجتمع له خصائصه التى تميزه فنجيب محفوظ هو ابن الأرض العربيه ولا يستطيع ان يمثل غيرها مهما حاول هو أو أجبره البعض على الانفصال عن ارضه ولكن الرجل كان منتمياً ولاشك حتى انتهى من كتابه بعض رواياته الأولى.
لقد عاش الاستاذ نجيب محفوظ فى ظل الجيل الذى سبقه والذى عرف بجيل طه حسين أو كتاب البعث كما أطلق عليهم.
وقد عرف معظم هذا الجيل برفضه للثقافه العربيه وفضل عليها (المنجزات) الثقافيه الغربيه التى شغلت الناس واصابتهم بالدوار واكدت لديهم انهم فى غياهب الظلمات واخذ (ميخائيل نعيمة) يسخر من الشعر الجاهلى وكذا جبران وأنبرى العقاد يسفه شعر أحمد شوقى ومعه المازني فقد سيطر عليهم جنون الشهره كما علمهمالغرب واتلف (دارون) عقولهم مع ان (اليوت) وصف داره بالارض الخراب!!
والحقيقه كما أرها هى أن الاستاذ نجيب محفوظ ومعه كثيرعاشوا هذا الجو السام فنسج من نسج على منوال الغرب ومنهم من تمسك بالقديم وكان محفوظ من الذين نسجوا على منوال الغرب وانسحب وترك منواله القديم وقد استطاع سلامة موسى أن يلفت محفوظ إلى فلاسفه أوربه يجعله الناطق الرسمى بكل فلسفات أوربه من الوجوديات والعبثيات واللاأدريه واللامعقول... فبدأ الرجل مرحلة جديدة من حياته الأدبيه وانتقل إلى الواقعية الجديدة ليعبر في لغة عربية فصيحة وجميلة عن مآسي الإنسان المعاصر الذي أصبحت تشغله القضايا الفلسفية بعد أن تنازل عن (واقعه) وعاش في الافتراضيات!!
لقد ظن الأستاذ نجيب محفوظ أن طرحه للأسئلة الفلسفية سينهى على الحيرة التي ينطق بها كل شخص من شخوص رواياته. لا والله سيظل هو والشخوص على حيرتهم لأنه لا إجابة! وانتأمل معاً هذا النص عن حكاية الفلسفة :
"إن الفلسفة تمثل الضمير الإنساني ، أو الفطرة البشرية ، في حالة غياب الدين الصحيح. أما في حالة وجود الدين الصحيح ، ومنهاجه وقياسه العلمي الكلي ، فلا مكان ولا دور للفسلفة بمفهومها الحالي. فهي قاصرة عن تقديم أي شئ ذى نفع حقيقي لا من جانب الوجود، ولامن جانب المصير، ولا من الجانب الخاص بفكر الخالق وغاياته من الخلق كما وأن الجانب الأخلاقي في الفلسفة هو عادة فكر غير قياسي وناقص أو بمعنى آخر هو فكر قاصربدرجة واضحة وملحوظة لأن هذا يستلزم الإحاطة الكاملة والدقيقة بالفكر البشري وطبيعة الإنسان وهذا لا يتأتى إلا من خلال الدين الصحيح وعموعاً لم تؤد الفلسفة ـ حتى الآن ـ بالإنسان إلا إلى الشعور بالاغتراب وهى تسمية يتبناها فلاسفة اليوم ولا تعني أكثر من (الشعور بالضياع) وهو الشعور الذي يمر به إنسان اليوم والذي يوحى معناه بأن الإنسان يكاد يصبح شيئاً ـ تافهاً ـ من بين أشياء أخرى في هذا الكون وبهذا يكاد يفقد الإنسان معنى وجوده على نحو مطلق"
الحقيقية المطلقة د.م. محمد الحسيني إسماعيل مكتبة وهبه ص 570/571 ويستطرد المؤلف قائلاً:
"ففي الواقع ، أن الفكر الفلسفي منذ نشأته وحتى الآن ـ إذا ما استثينا بعض النظم الوضعية والبحث عن السعادة ـ يمكننا من القول بأن الفكر الفلسفي يدور في فلك الصراع بين المعرفة العقلية (والتي يطلق عليها المعرفة الميتافيزيقية) وبين المعرفة الحسية (التي سيطلق عليها المعرفة العلمية) ويقف الفلاسفة الآن ـ وكل متشيع لرأيه ـ ليتساءلوا هل تأتى لنا المعرفة بطريق العقل وبمنهاج عقلي أم بطريق الحس وبمنهاج حسى؟ أما أنها تأتي إلينا بالحدس أم بالتجربة أم من خلال المادة ولا يزال الفلاسفة يعتقدون أن التفكير الفلسفي هو طريقة بحث ومنهاج للوصول إلى معرفة الحقيقة المطلقلة وهذا يعني أن الفلاسفة لم تكفهم ثلاثة آلاف سنة (أي منذ نشأة الفكر الفلسفي حتى الآن) من المحاولات العبثية الفاشلة ومن إضاعة الوقت فيما لا يفيد حتى يفيقوا أوينتبهوا إلى أن هذه الاتجاهات الفكرية والجدل لن يقودهم إلى معرفة ما عن الإنسان أو الخالق!!)
الحقيقة المطلقة 572 مرجع سبق ذكره.
نعم لقد نبهنا الله عز وجل ـ وهو أعلم بنا منا إلى أنه خلق الإنسان محب للجدل (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) القرآن المجيد (الكهف) ولابد من الذهاب إلى المنهاج الإلهي لمن أراد الهداية .. إنه الخيار الوحيد.
قد أكون أطلت ولكن كان علينا أن نوضح أن الفلسفة لم تقم إجابات لأسئلة الأستاذ نجيب محفوظ!!
ويبدو أننا لا نزال مع الدكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل، يقول سيادته: عن رواية (أولاد حارتنا) للأستاذ نجيب محفوظ. ((وهي رواية رمزية عن : الخالق والأنبياء والرسل، تعكس التصور الواضح في فكر هذا الكاتب لفهمه للدين والتدين على وجه مطلق ..!!
كما تؤكد هذه القصة ـ من جانب آخر ـ على أن الكاتب قد فشل تماماً في فهم دور الدين في حياة الإنسان ولوعلى وجه نسبي" الدين والعلم ، مكتبة وهبه ص 152 – 153.
وبالمناسبة إن رواية (أولاد حارتنا) تقع ضمن المرحلة الثانية من تطور أدب الأستاذ نجيب محفوظ وأعنى بها الواقعية الجديدة كما سماه الناقد (رجاء النقاش) وهو من كبار نقاده ومعروف باتجاهه اليساري الذي يخفقه البعض بوصفه بالقومي!! وعلى كل حال كان الرجل على قدر كبير من الاحترام والجدية.
ولو أضفنا ما قاله الدكتور عبد الوهاب المسيري وهو "ولا توجد الأعمال الأدبية إلا ولها قاعدة فكرية تقوم عليها وإلا يكون المجتمع فاقداً للخصوصية التي تميزه عن غيره من المجتمعات" البذور والجذور والثمر، مكتبة الشروق.
ولقد كانت القاعدة الفكرية للأستاذ نجيب محفوظ هي نفس القاعدة التي ارتكز عليها أدب ديستوفسكي ، وكامي ، وكافكا كما قال الدكتور عماد الدين خليل في كتابه (في النقد الإسلامي المعاصر) مرجع سبق ذكره.
نحن لا نقلل من قيمة أعمال الرجل مطلقاً لكننا نذكر فقط أنها ترتكز على ما أرتكزت عليه كتابات الغربيين على اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم. إنه كتب الرواية الغربية كما أوضح الدكتور حلمي القاعود في كتابه (النثر الفني) وقد سبق ذكره.
وهل القواعد التي ارتكز عليها كتاب الغرب هي قواعدنا لكى يرتكز عليها أديب مثل الأستاذ نجيب محفوظ؟ نقول بوضوح لا ليست هي من قريب أو بعيد ولكن دفع به ـ على الأرجح ـ إلى محاكاة كتاب الغرب ليصل إلى مقام ترضى عنه الدوائر الغربية ثم يطلق اللقب المعروف كما أطلق على الدكتور طه حسين لقب عميد الأدب العربي وهو الذي كذب الإخبار الإلهي عن وجود سيدنا إبراهيم! وليرجع من يشاء إلى كتب الرافعي (تحت راية القرآن) وكما أطلق على أحمد لطفى السيد أنه (أستاذ الجيل) المجرد أنه ترجم لأرسطو!!
وأعتقد أن الأستاذ نجيب محفوظ لم يستطع إلا أن يكون جزءاً من هذا (النظام الثقافي!!) فاستطاع أن يحيا وسط كل هذا الظلام وبهروب ذكي إلى الرمزية استطاع أن يقدم (السمان والخريف) و (الطريق) و (ميرامار) و (الشحاذ) وغيرها من روايات الأسئلة الفلسفية التي جنت على جيلين كاملين أو أكثر وكانت (رواية حارتنا) عملاً ضد الدين بلا شك وهي رواية ستظل محل نقاش لأن قوى التحيز لنجيب محفوظ لا تزال تتوالد !! وستظل ولكن لكل شئ نهاية.
لقد أفسد أدب الأستاذ نجيب محفوظ الحياة الأدبية كما ساعده تحيز نقاده على الاستمرار في تقديم الأعمال التي تمجد لحظات الهبوط والتدني كرواية (الطريق)!! واسأل نفسى والغير ماذا قدمت رواية (الطريق)؟ ومذا قدم الفيلم السينمائي المأخوذ عنها بالمقارنة مع العمل القصصى العبقري (شئ من الخوف) للأستاذ ثروت أباظة والذي انتج سينمائياً أيضاً وكان رائعاً.
ماذا تعني رواية مثل (الشحاذ)؟! والذي يتطاول فيها البطل على الذات الإلهية؟
الفلسفة فشلت في الإجابة على أسئلة محفوظ وكامي ودستوفسكي وسارتر ونيتشه وكل من ذكرهم (سلامه موسى) في كتابه (هؤلاء علموني)!!
لا إجابة. الإجابة على الأسئلة لدى المنهاج الإلهي المرفوض شكلاً وموضوعاً في أدب الأستاذ نجيب محفوظ هو مقبول فقط على طريقة المجاذيب في رواية (درب المهابيل)!!! ولا أدرى كيف كتب الدكتور محمد حسن عبد الله كتاباً عن (الروحية) في أدب نجيب محفوظ!! أي روحية كان يقصد أستاذنا الناقد الكبير؟
دنيا المجاذيب ليست هي دين الإسلام.
دنيا اللاأدرية والعبث ليست دين الإسلام.
إن دنيا مجاذيب نجيب محفوظ هى صورة غاية في الغرابة وتصل أحياناً إلى حد السخف ، صحيح أنها حالة واقعية ولكن لا يصح أن يسلط عليها الضوء لتصبح حالة مشهورة ما تلبث أن تكون أنموذجاً حياً للمسلم المعاصر!! ويقول الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في شأن الروحية: "وإذا كان الإسلام يحارب علاقة الإنسان بالحياة الروحية البحتة كما حارب المادة البحتة، ورأى أن الروحية البحتة سبيل التعطل وإهمال لقوى العمل المودعة في الإنسان ولقوى الإنتاج المودعة في الكون وأن المادية البحتة سبيل لقتل المعاني الفاضلة، وتدفع بالإنسان إلى جوانب الطغيان، المفسدة للحياة، كان من ضرورة ذلك، أن يدعو إلى المزاوجة بين حظوظ الجسم المعتدلة، وحظوظ الروح المعتدلة ويبني منهجه في ذلك على الواقع الطبيعي للإنسان" ص 32 من كتابه (منهج القرآن في بناء المجتمع) محلق مجلة الأزهر رمضان 1436 / 2015 م.
أضيف أن الشخصيات الدينية التي قدمها محفوظ من نوعية المجاذيب الذين لا علاقة لهم بصحيح الدين وربما أكثر فالرجل كما ذكر صاحب كتاب (الحقيقة المطلقة) قد فشل تماماً في فهم دور الدين في حياة الإنسان وقد ذكرناه قبل قليل.
أما عن تصوير محفوظ لواقع الحياة المصرية في رواياته الأولى مثل الثلاثية، وخان الخليلي، وزقاق المدق، فقد جاءت موفقة رغم بعض الهجوم على مفردات منظومة القيم الواضحة التي تبديها شخصياته في كل مفرده.
ووصلت السخرية من منظومات القيم إلى الحد المرفوض شرعاً بل يمكن محاسبته عليه لأن الأعمال الأدبية تعبر عن خصائص الأمة ولا تعتدي عليها ولا تتجاوز المساحة التي حددها الدين للعمل ولنتأمل معاً ما كتبه الدكتور عماد الدين خليل في هذا الشأن:
"وصحيح أن الإسلام قد وضع معالم وحدود ومساحات وألزم أدباءه وفنانية بعدم تخطيها لئلا يقعوا في الحرام لكن هذه المعالم والحدود ليست سوى إشارات تحذير للفنان المسلم كيلا يلصق بالمستنقعات ويتحول إلى أداة رخيصة ، مبتذلة، تافهة .. بالأحرى إلى إمعة تقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت ، وإن أساؤوا أساءت .. إمعه تمدح مع المادحين لغير سبب ، وتهجوا مع الهجائين لغير ما سبب .. إمعة تكتب عن العفن والتفسخ لا لكي تنفر الإنسان من مستنقعاتها القذرة وتدفعه إلى أن يرتفع إلى فوق ولكن تكتب عنها محببة مغرية ، داعية أكبر قدر من الناس لكي يخوضوا في أوحالها إلى إعناقهم .. إمعة تصدر عنها الكلمة أو التعبير أو الصورة ، أو الصوت مبتذلة رخيصة، دونما إحساس غامر أصيل ، ودونما اعتزاز إنساني بأن هذا الذي صور إنما هو قطعة من وجدان الفنان" من كتابه (فى النقد الإسلامي المعاصر) ط 3 بيروت 1404 / 1984. والذي يقرأ رواية (الطريق) لنجيب محفوظ يشعر أنه في مدينة القحاب!! ليست هذه هي الواقعية أنها الواقعية المنحرفة وليس هذا هو الواقع الذي نحياه كشعب مسلم. والكاتب مولع بالساقطات من (زوبة) إلى (بسيمة عمران) !! نعم إنها موجودة ولكنها رغم (التعامل) معها فهي منبوذة ومرفوضة من المجتمع ككل وقد حكى لنا (رجاء النقاش) في كتابه عن نجيب محفوظ بخصوص هذا الأمر ما لا محل لعرضه هنا رغم نشره في جريدة (أخبار الأدب) أيام رئاسة تلميذه (جمال الغيطاني) عفا الله وعنه.
إن القول أن نجيب محفوظ كتب الرواية بالمعني الغربي وهو قول للأستاذ الدكتور حلمي القاعود ، قول في غاية الدقة والتحديد والوضوح ليس لأنه وقع من نفس موقع الإعجاب ولكنه قول كشف حقيقة أدب الرجل وأنه صورة من الآداب الغربية كما قال أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل ، نعم قدم أعمالاً فنية رائعة ولكنها لا تحمل رسالة بل تدعوا إلى الفوضى مثل أعمال كافكا وكامي وغيرهما من كتاب العبث.
إن تمجيد لحظات الهبوط ينزل بالعمل الأدبي إلى مستوى قصص الإثارة الجنسية كما أن تمجيد لحظات التسامي يصعد به إلى مستوى الوعظ المباشر.
العمل الأدبي لا يمجد لحظات الهبوط إنما يذكرها فقط العمل الأدبي لا يمجد لحظات التسامي إنما يذكرها فقط.
دلونى على رواية نجيب محفوظ لم يمجد فيها لحظات الهبوط ولم يسخر فيها من الموروث! ماذا قدم محفوظ لأمته؟!
الفن هو رسالة الجمال في طريق الحياة كما يقول أستاذنا الدكتور عماد الدين خليل فهل من رسالة جميلة قدمها الأستاذ نجيب محفوظ من خلال ما كتبه؟
إن وظيفة الأدب هي أن يعلوا بالجماعة لا أن يهبط بها، وهو قول منسوب إلى الدكتور طه حسين.
هذه ليست محاصرة لأدب نجيب محفوظ الذي أساء (لخصائص أمته..) بشكل مباشر أو حتى بشكل رمزي فأقبل على ترجمة أعماله (الأب قنواتي) رئيس دير الأباء الدومنيكان بالقاهرة بمعرفة (ج جوميه) وأتيح له ما لم يتح لغيره من الذين استمدوا فكرهم من دينهم وكانت إساءات محفوظ وتصويره للنماذج البشرية الشاذة والتعدي على حق الله من أسباب حصوله على جائزة (نوبل) !! ويمكن مراجعة ما كتبه الدكتور محمد الحسيني إسماعيل في كتابه (الدين والعلم) مرجع سبق ذكره ص 152.
لا شك أنه كاتب صاحب موهبة أدبية كبيرة ، ولكن أبالسة العصر الذي نشأ فيه استطاعوا أن يديروا رأسه إلى الغرب تماماً فأصبح وكأنه منهم، فقد تشبع الرجل بفلسفتهم الفاشلة فلم يدركه منها إلا خسارة الدنيا والله أعلم بالآخرة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وسوم: 641