رواية "يقظة حالمة" ووصف الأحاسيس
رواية "يقظة حالمة" للكاتبة شذا فاضل يونس، تقع الرّواية التي صدرت عام 2012 عن دار راية للنّشر في حيفا في 159 صفحة من الحجم المتوسّط.
صورة الغلاف في رأيي تمثل النمط الذي ترنو إليه ميسون في نظر الكاتبة، فيه مسحة من الجمال والثقة في النفس والرصانة، ولكن في داخله كبرياء وعنت، كما جاء في رواية جين أوستن الرومانسية تحت عنوان Pride and Prejudice حيث يمكن المقارنة بين الروايتين بشكل ما مع المفارقة. فهناك لدى آل بنيت خمس بنات يافعات يفكران بتزويجهن من رجال في الجوار ذوي ثروة. لم يكن الانفتاح في إنجلترا في القرن الثامن عشر كما هو الآن، إلا أن الاختلاط بين الجنسين كان شائعا مع بعض التحفظ، مما كان يتيح التزاور والدعوات مع المشاركة في حفلات الرقص بمرافقة الأهل. وبالرغم من بعض العقبات التي يثيرها التنافس للحصول على الشريك المناسب، فقد تم في الرواية تزويج ثلاث فتيات، في حين لم تتمكن كاتبتنا من إنهاء الرواية بخاتمة سعيدة، كانت تتمناها ميسون. فبعد أن طوحت بها بين نابلس ورام الله وعمان والولايات المتحدة، رتبت للقدر أن يقضي عليها بحادثة مريعة.
تتضمن الرواية حكاية ميسون البطلة الرئيسية، بينما الوجوه الباقون ليس لهم سوى دور ربما هامشي تابع في مسيرتها الحياتية والرومانسية الفاشلة. ولدى ميسون أسرة مفككة مطلقة، والدها في باريس وأمها سيدة أعمال، يوفران لها حياة رغدة مادية، وليست غنية روحيا. لم تكن صديقة لأمها تفضي لها بأسرارها كعادة الفتيات، لا الأمّ تغمرها بحنانها لأنها مشغولة بالبوتيك وأسفارها، ولا الأب بجانبها يدعمها، ومع ذلك كانت تعطف على المحتاجين والمظلومبن ممثلين برجاء التي أفقدها زوجها عينها وطلقها، وأولادها ربيع ومها اللذين تتحكم فيهما زوجة الأب. فلو كان لديها من يتعهدها بإرواء عاطفتها بالحنان، لتعززت ثقتها، ولم تكن مهزوزة تعيش في الخيال، وتذرف دموعها ليلا، حتى أنها تقع تحت سيطرة أحلام جامحة بشاب تكون قد سألته عن عنوان ما معتقدة أن التفاهم الروحي قد يتم بلحظة واحدة.
كان لميسون عالمها المتفرد، حيث كانت واثقة لو أن أيّ شاب تتمناه كل فتاة رآها لتمناها تماما كما تمنت هي الحب، لذلك عند إقامة علاقة عاطفية مع حسام المناسب لها، نجدها تتردد متخيلة إمكانية وجود شاب قد يكون عاشقا أفضل منه. تغار لوجود فتاة أخرى في مكتبه، فيفلت منها، وبعد أن يتزوج تلاحقه بطريقة صبيانية. عندما جمعتها المؤلفة مع عائلتها الممتدة، تغير سلوكها إلى الأحسن، وخاصة بعد تخرجها ونجاحها في مكتبها كمهندسة ديكور، ودعوتها لزيارة أمريكا، غير أنه لم يكتب لها النجاح في الحب لأنه من نوع خاص، فهي تضع المحاذير في طريقة ارتباطها، إذ كانت مع حسام محتارة أين تتجه جاهة الخطبة، إلى بيت أمها أو عائلة والدها، ومع أدهم الفلسطيني من يافا التي تعرفت عليه في المطار يوم عودتها من أمريكا، أخذت تفكر بالقوانين التي تعرقل ارتباطهما، كونها من الضفة وهو من إسرائيل. وأخيرا عاد رامي إليها، وهو أول من أحبته أو حلمت به، جاء ليكلفها بتصميم ديكور لمنزله، فعاودها الحب القديم، وبعد أن وضعت يدها في كفه راضية كان القدر لها بالمرصاد.
لو كانت القصة حقيقية، لقلت أن لا ذنب للقاصة في ذلك، فمثل هذا يحدث في الحياة، أما الرواية فيتدخل الكاتب ليقدمها بالثوب الذي يرتئيه للقارئ، ضمن الظروف المحيطة التي يساعد الروائي في حلها، فهل هي عدم اهتمام بالنهاية أو نوع من السادية، مع أن المؤلفة كما يبدو لي خبيرة في توصيف أحاسيس المرأة، أو أنها رسالة تدعو فيها لتغيير العادات والتقاليد المعيقة في المجتمع في رأيها، و التي جعلتها تقدم ميسون هكذا؟ وهذا ما تبين لي بأن الرواية هادفة ونقدية. المؤلفة من جنين حيث النساء منطلقات أو متحررات أكثر من مناطق الضفة الغربيّةالأخرى، لأن جنين كانت الأغنى، وليس عبثا أن جمعت المؤلفة ميساء من الخليل التي تهرب من التقاليد المتشددة للدراسة في نابلس، حيث الجو أكثر تحررا. تتزوج ميساء من زميل لها من رام الله يرفضه أهلها لأنه جاء لخطبتها وحيدا، ومع ذلك يتزوج الشريكان منفردين، مع أن الزواج عائلة وعمّات وخالات كما تقول الممثلة يسرى في أحد أفلامها. أمّا أميمة القروية فيرفض والدها زواجها من زميلها في الجامعة، ظنا منه أنهما كانا على تواصل دائم، ويزوجها رغما عنها لأرمل كبير السن له أبناء من زوجته الأولى (هذا حصل مع قيس وليلى وعنتر وعبلة في سالف الزمان), كما أن العنف ضد المرأة يتمثل في ضرب رجاء مما أفقدها إحدى عينيها.
تشير الرواية إلى عادة النساء إخفاء الوجه عن الرجال، حتى لو اضطرت الواحدة إلى رفع ما ترتديه إلى الأعلى ووضعه على وجهها، إذ المهم أن لا يعرفوها من وجهها، بينما أعضاء جسمها الأخرى لا تدل عليها. كما أن الشاب يتبع الفتاة من بعيد إلى البناية، ولا يقف معها في الشارع حتى لا يراهما أحد خوفا عليها من أن يعيبها الناس، بينما في يافا بلدة أدهم يعيش الرفيقان معا قبل الخطبة أو الزواج، كما أنه يجب على المرأة مهما كان سنها أن تأخذ موافقة ولي أمرها عند السفر، كما فعلت ميسون لدى قبول البعثة. من أجل هذا لم تنتظر أن تصل أمريكا كي تشعل سيجارتها في الشارع، بل فعلت ذلك في العاصمة عمّان، وهذا ما يظهره الغلاف من الصورة المعاكسة للحياة عندنا. وأخيرا فإن الطفل الذي يحاول جاهدا السيطرة على خطواته ليجاري من يمسك بيده، يمكن أن يمثل عندها المرأة التي تسير خلف زوجها. وبما أن كل هذه العادات المعقدة ظهرت في رواية شذا، فلم يكن بالإمكان أحسن مما كان، حيث "تطربقت" الأمور على رأس ميسون.
تعترف المؤلفة أنها ليست روائية فصيحة، فاللغة فيها تعابير عامية، كما أنها أحيانا تحور الكلمات شكلا ونحوا، كما تستعمل الجملة الممتدة كفقرة بدون ترقيم تجمعها الفواصل بدون أدوات ربط، ومن الناحية الأخرى فإنها تجيد وصف الأحاسيس والعواطف وحتى المؤثرات الخارجية.
"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع"
وسوم: العدد 646