رواية الخطّ الأخضر وخطوط القطيعة

clip_image002_4aa8a.jpg

هناك خط أخضر يقسم الأرض ويشتّت العائلات، وهناك خط أزرق في الجنوب اللبناني، ولن ننسى "بارليڤ" في سيناء، وخطوط الأقلام التي رسمت لنا صور التّضحيات. أمّا أصعبها فتلك المترهلّة على وجه عجوز تُحاكي مرارة العيش، شقاء السّنين وألم الذّكريات على أرض شريفة مقدّسة تكالبت عليها أيادي الأقرباء والأعداء.

الكاتب الأصيل هو إبن بيئته، أمّا "رولا غانم" فقد لبستْ ثوب مآسي وأفراح مجتمعها ووطنها. فكانت الحكايات واقعية وحقيقية، وثِقل الإحساس والمشاعر كان لهما صدى بعيد ورعشة دافئة في القلب، وذلك في روايتها " الخطّ الأخضر " الصّادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع لعام 2016 والتي تقع في (160) صفحة من الحجم المتوسّط، تُزيّن الغلاف لوحة "المرأة الفلسطينية" للفنان "جمال بدوان.

الأديبة تستعين بريشة التّاريخ لترسم لنا بألوانها القاتمة تلك النّكبات والمصائب التي حلّت بالشّعب الفلسطينيّ في الفترة ما بين نكبة عام 1948 ونكسة عام 1967 من هزيمة وتشرّد وخيانة، ذلك من خلال التّطوّرات السّياسيّة، الحكايات الاجتماعيّة، العادات والتّقاليد السّائدة والسّذاجة المُتمثّلة في الأفكار والمعتقدات آنذاك.

في بداية غير تقليديّة ومُشوّقة، أبدعت الكاتبة "رولا" في جذب القلوب عن طريق حكاية "عبد الله حمدان" ، ذلك الفتى الذي آلت به الأقدار أن يترك عائلته في قرية (باقة الغربيّة) داخل الخطّ الأخضر ليلتحق بالجيش الأردنيّ. إستطاعت الكاتبة في مشاهد دراميّة وعاطفيّة أن تحبس أنفاسنا في كلّ حركة ومغامرة يقوم بها من تسلل عبر الحدود لزيارة أهله. تزوّج من "سهر" وهي فتاة من طولكرم، ليعيش معها في الأردن في رحلةٍ أمتعت القاريء قلبا وروحا. زارا مدينة البتراء والعقبة وعمّان وذلك بالتوثيق الجغرافيّ والتّاريخيّ، والوصف الدّقيق لكلّ بقعة عبراها، مما جعل الرّواية أكثر متانة وقوّة .

"عبد الله" إختار طريق النّضال والكفاح من أجل تحرير وطنه فلسطين من نير الإحتلال، وتحقيق أحلامه في لمِّ شمل أشلاء الوطن. إلاّ أنَّ الواقع المرير الذي حلَّ بالشّعب والهزيمة النّكراء التي تكبّدها، أعادت أدراجه ليستقرّ في مدينة طولكرم .

حادتْ بنا الكاتبة من كآبة المنظر والحرب ونزوح اللاجئين إلى قصة حُبّ "مرام حمدان" مع الشّاب "نديم" . تلك الفتاة المدللة الوحيدة لعائلتها، تدرس التّمريض في الجامعة العبريّة، تعبّر عن الشّريحة التي لم تأبه أبدا للسّياسة والحرب وما يدور حولها، فكان شغفها للحياة كبير والعيش بسعادة هو الأهمّ. تمرّدتْ على طريقة تفكير أهلها، وكسرت عادة الزّواج من ابن العمّ، وبقيت على تعنّتها حتى كان "نديم" من نصيبها .

كان لأسلوب الحوار في الرّواية حيّزا كبيرا، وذلك باللغة البسيطة المحكيّة مدعومة بالأمثال الشّعبيّة الكثيرة والمتداولة التي تلامس القلوب.

الحبكة واردة بجليّة ووضوح في أماكن عديدة من الرّواية، وعنصر التّشويق يبقى بازدياد في سياق مجريات الأحداث. لم تنسَ الأديبة "رولا" عاطفة وقلب الأمّ الفلسطينيّة التي تفقد وتودّع أبناءها الشّهداء على مرّ السّنين، وما يميّزها عن غيرها تلك الزّغاريد بلا دموع، حكايات عاشها أجدادنا وآباؤنا مرفوعي الرّأس دون مهانة أو يأس من إسترداد الحقوق المغتصبة ...

حاولت الكاتبة بين الفينة والأخرى أن تدسَّ لنا بعض الحِكم الاجتماعيّة والانسانية القيّمة لتبقى عالقة في أذهاننا؛ تكلّمت عن السّعادة التي لا تهبط من السّماء، بل هي من صنع الإنسان، وأنَّ كلّ خليّة في الجسد هي إمتداد لنزعة الأرض التي تمدّه ببقائها وديمومتها. صدر الأمّ وحنانها يعادل الوطن، فلا شيء يُضاهي حضنها والعائلة. كما أنّها تؤكّد على المجتمع الذّكوريّ الذي لا زال يسيطر على مساحات واسعة من عقولنا.

 لقد وصلنا إلى ما نحن عليه من ضياع وشتات جسديّ وفكريّ حين بنينا بأيدينا الجدران ورصّ القضبان الحديديّة من حولنا؛ لدواعي إجتماعية زائفة لا أساس لها، نُثيرها بسذاجة عالية وجهل مستفحل؟

هنا ستضع حَملها .. وهناك أبٌ يحلم بالحرّيّة .. وفي جهة أخرى من الأرض أجداد ينتظرون .. وبين هنا وهناك عدوّ يقطع أوصال الوطن ويعيث في الأرض فسادا.

وسوم: العدد 646