رؤوس أقلام (4)

الزهد في النشر

يُلحظ على بعض العلماء من أُولي المكنة في البحث والتأليف عدمُ توجُّههم إلى نشر أعمالهم وإذاعتها بين الناس، مع أن هذه الأعمال جديرة بذلك؛ لما فيها من تتبع وجهد وفائدة، ويَحضرني من هؤلاء العلامة الأديب النسابة عبدالستار بن درويش الحسني، وهو عراقي من بغداد، ومن أعماله القيمة التي لم تطبع: "قيد الأوابد فيمن انتسب إلى غير والد".

وله كتاب كبير صحَّح فيه كثيرًا من أخطاء "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي في طبعته الأولى.

♦ ♦ ♦

مُعطِّر

كان يعمل معنا في دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبيٍّ شيخٌ مالكي من موريتانيا، هو الشيخ أحمدنا بن محمد مالك، وكانت له عادة لا يتركها، وهي أن يعطِّر كلَّ مَن يُسلِّم عليه، وربما كان عطرًا دهنيًّا شديدًا، ولكن الزملاء يَحتمِلون هذا لحسن قصده.

وقلت له مرةً مورِّيًا للاعتذار: لديَّ حساسية، فكان بعد ذلك إذا سلمتُ عليه قال: لديك حساسية! يعتذر هو بذلك عن عدم تعطيري.

والشيخ كان فقيهًا مالكيًّا، ولد في 1 / 1 / 1932، وعمل في دائرة الأوقاف مفتيًا من 1 / 7 / 1988 إلى أنْ أعير إلى دار البحوث بدرجة باحث أول في 1 / 3 / 2000م، وكان عضوًا في لجنة تحرِّي هلال رمضان في وزارة العدل، وأنهى عمله في دار البحوث في 4 / 6 / 2005م بسبب المرض، وتوفي في بلده في ذلك العام.

وهو مشارك في تأليف كتاب: "مختصر في فقه العبادات على مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي الحميري رضي الله عنه"، وشريكاه هما: الشيخ علي محمد عثمان الضبع، والشيخ مليجي علي غانم، رحمهم الله جميعًا.

وقد طبع الكتاب مرتين، وكانت الطبعة الثانية في (1428هـ - 2007م).

♦ ♦ ♦

استدراك على "كتب المُسلسلات عند المحدِّثين"

هذا الكتاب "كتب المُسلسلات عند المحدِّثين" للبحاثة المحقِّق الدكتور الشيخ عبداللطيف محمد الجيلاني (من المغرب) من الكتب الجيدة المستوعِبة لهذا الصنف من التأليف، ومع ذلك فقد فاته منها كتابان ذكرهما الفيروزابادي في كتابه "تفسير الفاتحة"، وهما:

♦ المسلسل؛ للحافظ أبي القاسم محمد بن عبدالواحد بن إبراهيم الغافقي الأندلسي (ت: 619هـ).

♦ المسلسلات الأربعمائة؛ لأبي الفضائل الحسن بن محمد الصغاني (ت: 650هـ).

وكذلك فاتَا الشيخَ المحقِّق الأستاذ مجد مكي في قائمة "كتب المسلسلات" التي صدَّر بها تحقيقه لكتاب "جياد المسلسلات"؛ للحافظ السيوطي.

♦ ♦ ♦

الريف

جاء في موضوع "الفن والطبيعة يُرمِّمان الروح" المنشور في "مسارات" - وهو ملحق بجريدة البيان الإماراتية - يوم الأحد 31 / 1 / 2010م، ص 14:

"الريف وطبيعته المتحولة مخدة للرأس المتعب، وفضاء للروح المأزومة، وملاعب فساح للقلب العليل، فيه تتألق شلالات الضوء، وتهبُّ نسائم الحقول مضمَّخة برائحة الأرض والزرع ورذاذ الغيوم النظيفة، وتأخذ الألوان المبهجة السعيدة مداها. نلوذُ إليه كلما دقَّتْ حلوقَنا غصة، وتراكَمَ الصدأ فوق أحاسيسنا، وغطى الرمادُ جمرَ حياتنا الهاربةِ إلى النهاية بسرعة عجيبة".

♦ ♦ ♦

الأمثال

ظهر تدوين الأمثال مُبكِّرًا، ومِن ذلك الأمثالُ العربية في الجاهلية، والأمثالُ في الحديث النبوي، وجاء عن عمرو بن العاص قال: "عقلتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفَ مثل"؛ رواه أحمد، وإسناده حسن.

ونشطت في العصر الحديث حركة تدوين الأمثال الشعبية بلغاتها - بدوافع متعدِّدة - وممَّن ألف في "الأمثال البغدادية" الشيخ جلال الحنفي البغدادي، فله كتاب جميل بهذا العنوان، وقد أحسَنَ إذ جنَّبه الأمثال التي في ألفاظها فحش، وأفرَدَها على حدة، وكان يريد نشرها نشرًا ضيقًا للباحثين والدارسين والمحللين الاجتماعيين فحسب، ومن المفيد إحصاءُ ما كُتب في أمثال البلاد في هذا العصر.

♦ ♦ ♦

خلاف السُّنة!

قال الشاعرُ الأضبط بن قريع من قصيدةٍ - كما في "الوافي بالوفَيَات" للصفدي (9 / 288) -:

وصِلْ حبالَ البعيدِ إنْ وصل الـ ♦♦♦ ـحبلَ وأقصِ القريبَ إنْ قطعَهْ

قلتُ: وهذا خلاف السُّنة، وفي الحديث الصحيح: ((ليس الواصل بالمكافئ، لكنَّ الواصل الذي إذا قُطِعت رحمُه وصَلَها)).

•     •     •

مسطرة المؤرخ

جاء على ظهر "بغية الطلب" لابن العديم:

"يَنبغي للمؤرخ أن يقدم اللقب على الكنية، والكنية على العلم، ثم النسبة إلى البلد، ثم إلى الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى المذهب في الاعتقاد، ثم إلى العِلم، أو الصناعة، والخلافة أو السلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو الإمرة، أو المشيخة، أو الحج، أو الحرفة، كلها تقدم على الجميع [كذا]..."؛ انظر (1 / 23)، وفي (1 / 24) ما يخالِف القول عن الحرفة هنا.

•     •     •

محاسن الإسلام

♦ للراغب الأصبهاني: "الذريعة إلى مكارم الشريعة".

♦ للقفال الشاشي: "الذريعة إلى محاسن الشريعة"[1].

♦ للزاهد البخاري (ت: 546هـ): "محاسن الإسلام وشرائع الإسلام" [كذا].

♦ للعامري: "الإعلام بمناقب الإسلام".

♦ لعبدالعزيز السلمان: "من محاسن الدين الإسلامي".

♦ لعبدالرحمن السعدي: "الدرة المختصرة من محاسن الدين الإسلامي" 48 صفحة.

♦ لمحمود سعيد الطنطاوي: "محاسن الدين الإسلامي" 148 صفحة.

♦ لمحمد الأمين الشنقيطي: "محاسن الإسلام والرد على أباطيل خصومه" 105 صفحة.

♦ لعلي الرفاعي: "محاسن الإسلام" ط في مكتبة الخانجي سنة 1374هـ.

•     •     •

أدب الاستئذان

رأيت في تدريسي في إحدى الكليات أن الطلاب في السنة الثالثة والرابعة إذا أراد أحدُهم الخروج من الصف لقضاء حاجة يرفع يده ويصرِّح: أريد الذهاب إلى الحمَّام، وقد استقبحتُ هذا وقلتُ لهم: مَنْ أراد ذلك فليكتفِ بقوله: ائذنْ لي، فقال طلابُ السنة الرابعة: يا أستاذ، أنتَ تقول هذا، وعندنا دكتور إذا قلنا له: نذهب إلى الحمَّام، يقول: ماذا تفعلون في الحمَّام؟ وعجبتُ من هذا المستوى.

وسُرِرتُ كثيرًا حين رأيتُ ما ذكره الرازي في "تفسيره" (28 / 49) أن مِن آداب اللسان التي استفادها في بلادهم مِن معلِّمي الصبيان أنهم "يعوِّدون الصبيانَ بأن يقولوا وقت حاجتهم إلى إراقة البول وغيره: يا معلِّم، غفر الله لك، فيفهم المعلِّم أنهم يطلبون الإذن في الخروج لقضاء الحاجة، فيأذن لهم".

نقل هذه الفائدةَ عن الرازي الدكتور وليد العلي في تعليقه على "رسالة في رياضة الصبيان"؛ لشيخ الأزهر محمد الأنبابي (ت: 1313هـ) ص38.

•     •     •

من زهديات أبي العتاهية

وليس الغنى نشبٌ في يدٍ ♦♦♦ ولكنْ غنى النَّفسِ كلُّ الغنى[2]

__

أتراك تُحصي مَنْ رأيتَ مِنَ الـ ♦♦♦ أحياءِ ثم رأيتَهم موتى؟[3]

__

يا أيها الحيُّ الذي هو ميِّتٌ ♦♦♦ أفنيتَ عمرَك في التعلُّل والمُنى

خالفْ هواكَ إذا دعاكَ لرِيبةٍ ♦♦♦ فلرُبَّ خيرٍ في مخالفة الهوى[4]

__

وكيف تريدُ أن تُدْعى حكيمًا ♦♦♦ وأنتَ لكلِّ ما تهوى رَكُوبُ[5]

__

لا يحلبون لحيٍّ درَّ لقحتهِ ♦♦♦ حتى يكون لهم صفوُ الذي حلَبوا[6]

__

تبغي من الدنيا الكثيرَ وإنَّما ♦♦♦ يكفيكَ منها مثلُ زاد الراكِبِ[7]

__

ايتِ الأمورَ وأنتَ تبصرُها ♦♦♦ لا تأتِ ما لم تَدرِ ما سببُهْ[8]

[1] ذكرهما الزبيدي ضمن مصادره في فاتحة "الإتحاف" (1 /4).

[2] الديوان (ص: 20).

[3] أيضًا (ص: 23).

[4] (ص: 26) أيضًا.

[5] (ص: 36) أيضًا.

[6] (ص: 35) أيضًا.

[7] (ص: 55) أيضًا.

[8] (ص: 62) أيضًا.

وسوم: العدد649