الشاعر الكعبي وليد هزّاع اليوسفي، يغرّد من (تعزّ) الحالمة

clip_image001_f8e8e.jpg

خطرتْ أمامي في دلالٍ مترفِ * *  حسناء قد مُزِجَتْ بحسنٍ يوسفي

كانت تجر رداءها وحياءها  *   * وردا يَحِلُ بِخَدِّ وجنةٍ مُرْعَّفي ِ

فأتى النسيم لكي يحرك غصنها *  *  فَسَكِرْتُ مما كان عند الموقفِ

فلمستُ قلبي كي ألطفَ نبضهُ *   *  لكن روحي أخفقت بتلطفي

..... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر وليد هزّاع اليوسفي[2] يصدح على أنغام الكعبيّة ويرفع لواء المحبّة المعبّق بشذى الجلال والجمال، ولتنشر المدرسة الكعبيّة منهجها الجديد في كلّ بقعة من أرض الإسلام ، أو بلغها الإسلام وأضاء بين جوانبها الحرف العربي..

أغلب قصائد الشّاعر وليد هزّاع بلا عناوين عن قصد وعَمْد ، رغبة منه أن يترك للقارئ يعنونها أو يفهم مدلولها العام كما يشاء.. إنّه بمعنى من المعاني يريد أن يفتح المجال للقارئ لكي يبحر في نصّه دون عتبة توصله إلى المعنى المراد مسبّقا، أو قد تذهب به في فهم القصيدة ذات اليمين وذات الشّمال..

عندما سألته عن رأيه في المدرسة الكعبيّة أجابني منشرح الصّدر، متحمّسا للفكرة والنّهج فقال:

" هي نقطة ضوء أراها ستعيد للشعر نظارته وبهاءه من جديد فبارك الله في الداعي وأقّر عينه برؤية ثمرات دعوته وما أروع أن يتم تخليد تلك المدرسة فوالله إنها بعثت الروح للشعر ووالله إنها تصنع الشعراء وتطبعهم بطابعها ".

ويقول عن قراءاته وولعه بالشعرّ:

"  قرأت سلسلة شعراء الدعوة الإسلامية لمأمون جرار ، والذي جمع في تلك السّلسلة درر الشعر، وبسبب تلك السلسلة تابعت دواوين أغلب الشعراء الذين شملتهم تلك السلسلة ، فعرفت عن أدباء المغرب العربي ومشرقه ، فعشقت الزبيري والفضول والأمراني وابن باديس ومحمد مفلح والدالاتي والأميري وأحمد محرم والأعظمي ويوسف العظم والشابي وووووو حتى قادني شغفي إلى الأستاذ محمد جربوعه ووالله منذ أن عرفته وتابعته لم اشتر أي ديوان شعري جديد، لأنه بلغ بي ذروة الجمال والكمال الشعري "[4] يظهر السّمت الكعبيّ بجلاء ، رقّة ألفاظ وعذوبة معانٍ، وطُهر جناح، وقوّة لفظ ترجع بالعربيّة إلى عهود تألّقها وتأنّقها، يقول فيها:

ياقلب رفقا بدمع سال رقراقا

وزاده الشوق إيلاما وإحراقا

يكاد يصعقني مما يمر به والحرف ينشدني بالله إعتاقا

لكي يبوح بمكنون الفؤاد ولا أكتم ترانيمه ليلا وإشراقا

لتستطيب به نفس المحب كما قد استطابت بماء الغيث أعذاقا

وترتوي الروح من أنسام نعمته والكون مما يرى يهتز أنساقا

من زهرة القلب خط الحب ملحمة مدادها الصدق والوجدان قد تاقا

ككلّ شعراء المدرسة الكعبيّة دخل وليد هزّال عالم الشعر من بابه الواسع، باب الغزل العفيف، عفّة قلوب أصحابه، فأرسل لسانه بأعذب الكلام، دون أن يزلق في مدارج الخنا وهجر القول، يأبى عليه دينه ذلك ويأبى عليه خلقه ، ويأبى عليه عهد الجلال والجمال أن يتسفّل في مدارج الحيوانيّة، فالحبّ عنده لواعج وأشواق سامية:

وترتوي الروح من أنسام نعمته

والكون مما يرى يهتز أنساقا

ويحلو للشاعر الكعبيّ أن يعرض صور الجمال في لوحات فنيّة متنوّعة وفاتنة، فلوحة تصوّره وهو يناجي قلبه فيسأله الرّفق بدموعه التي سالت مدرارة وأحرقه الشوق إحراقا، ولوحة ثانية ترى فيها الحرف كأنّه إنسان يسأله العتق من أسر الحبّ وأثره البالغ، ولوحة ثالثة نرى فيها الروح ترتوي من أنسام نعمته فصير الكون يهتزّ لتأثره أنساقا. وهنا نرى الشاعر يخاطب كلّ الكون من حوله ويشعره حبّه المتوهّج فهذا ( اللّيل/ وهذا إشراق ( النهار ) وهذا الغيث والأنسام ..وغيرها من مكوّنات الطبيعة من حوله التي كأنّها تحسّ بحبّه وتتجاوب معه.

وفي فاتنة سلبت لبّه وملكت فؤاده وذهبت به كلّ مذهب حتى ما يرى غيرها ، ولا يرتعش قلبه لسواها، يقول:

نَعَمْ هي امرأة لكنها حورية أظنْ جمالها دلالها ولفظها الأغنْ وعطرها الذي قد فاح من زمنْ تدل أنها حورية لكنها تواضعت لمنْ جمالها لا مثله عين رأت كأنه في ذاتها سكنْ وقدها الممشوق إن مشت ترى القلوب كلها من حسنه افتتن ْ وثغرها يفتر إن تبسمت فيسلب الألباب والفطنْ رأيتها والشمس في الأصيل ترنو إلى بعيد فأشعلت أملْ لا يشكّ من قرأ هذه الأبيات أنّها في حسناء فاتنة، أو غادة ميساء تسلب لبّ من رآها ، وتسحر كلّ من نفحته بشذى عطرها، ولكنّ الشاعر يسمو فوق ذلك كلّه ويدهشنا عندما يُميطم اللّثام عن محيّاها الباهر فإذا هي وطنه ( اليمن ):

نَعَمْ هي إمرأة لكنها حوت مفاتن النساءْ فَعَجَزَتْ معاجم اللغة عن منحها الأسماء لأنها امرأة من طينة السماءْ ومن أراد وصلها سَيُرْخِصُ الدماءْ نَعَمْ هي إمرأة تَجَسَدَتْ بمظهر الوطنْ

إلى أن يقول في توجّع وألم:

سعادتي قد سُلِبَتْ فَغُيِرَتْ حَزَنْ يا سيدي خَشِيتُ من مآل يأتي بلا يَمَنْ. وللكعبيّة في اليمن رجال:

من خاض غمار بحور المدرسة الكعبيّة لابدّ أن يواجه تلاطم أمواجها العاتية، وصخب اضطرام عبابها الهادر.. والحبّ مما يذكي تلك الجذوة ويشبّ نارها المستعرة فلا تنطفئ أبدا حتى يرتوي القلب ، ولا يكفيه أن يرتوي هنيهة.. فيرجع لينبعث الظمأ بين جوانحه عودا على بدء ..

وهذا الكعبي ( وليد هزّاع اليوسفي ) أصابه من أوّارها ، وتلظّى بنارها ككلّ كعبيّ جيّاش الروح رهيف القلب والإحساس، سريع الدمعة قريب العبرة لا يَنِي يتتبّع الجمال متغنيّا ، وفي الزهر شاديّا وإن سَلَبَ ذلك من عمره اللّياليَ ذوات العدد.. !

ومن ثمّ لا عجب أن نسمعه – متوجعا – يقول من قصيدته ( يا أنت )  :

يا أنتِ إني قد فقدت صوابيا * *  لما هواكِ أتى ليطرق بابيا    

قد كنتُ أحيا طول عمري قانعا *  *  وأنام ملء العين كل لياليا

حتى خطرتِ كغصن بان فاتن *  *  فسلبتِ لبا كان قبلك واعيا

فإذا نهاري قد تغير فجأة   *  * والليل أصبح مثله متساويا

وإذا الحياة تغيرت بفصولها * * والدهر لا أدري أصار ثوانيا

كل الفصول تداخلت فتبدلت * * وتشكلت عجبا ربيعا حانيا

يذكرني قوله :

قد كنتُ أحيا طول عمري قانعا *  *  وأنام ملء العين كل لياليا

حتى خطرتِ كغصن بان فاتن *  *  فسلبتِ لبا كان قبلك واعيا

بقول الشاعر مسكين الدّارمي:

قـــد كـــان شـمـّـر لـلـصـلاة ثـيـابـه ** حتى وقفت له بباب المسجد

محبّ يرى الحياة بعيني حبيبه أو ( حبِّه ) فتبدو الحياة بهجة وسرورا ، رغم ما يصحب ذلك من ( سلب الوعي / وتغيّر الليل والنّهار.. ) وهو تحوّل فيه ( ألم محبّب ) كما يقال ، وليس هو ألمَ ( المازوشيّة ) ، بل ألمٌ يشبه حَمل مفاتيح الكنوز التي تنوء بها العصبة من الرّجال.. ! أو هو ألم الأمّ حين الولادة تفرح به،   لأنّه يمنحها عمرا ثانيا في صورة وليدها يدرج أمامها بعد حين.. 

وما يمكن أن يلاحظ من سمات الكعبيّة في هذه القصيدة المكوّنة من تسعة وثلاثين بيتا، فإنّنا نجد:

-      متانة اللغة مع بساطة الألفاظ وسهولتها.

-      جمالية النسج والتركيب.

-      طُهر المعاني ونقاوتها.

وفي القصيدة نجوى طويلة بين الشاعر ومحبوبته ، يحسّ معها كأنّه رَقيَ إلى جنّة النّعيم ورأى ثمارها ونعيمها، وجاءه وِلدانها يسقونه ( كاسات ) العشق ، حتّى ما عاد يحتمل فراق الحبيب ولا بُعده ، فبه  تغدو الدنيا كلّها بهجة وسرورا وغبطة وحبورا ، تملأ السّعادة جوانحه وترف الأماني العذبة في قلبه:   

نظراتُ عينكِ بالرضاء تكللت * * سعدا عليَّ أحاط كل فؤاديا

وأخال أني قد رقيتُ لجنة * * فرأيتُ ولدان النعيم أماميا

يأتون لي والبشر ملء وجوههم *  * وبكفهم كاسات عشق صافيا

فشربتُ من نبع الغرام مدامة * * لا غول فيها بل شفاء واقيا

فإذا بشيء قد شعرتُ بلطفه * * يسري بقلبي دفئه وعظاميا

ويحضر القاموس اللّغوي الدّيني بقوّة في هذه القصيدة ، فالشاعر المفتون بحبّه لا يتعدّى حدود ربّه ، ولا يأمل في نعيم عدا ما حلّ منه وطاب ، وبالتالي يستعمل هذه الألفاظ المصانة بقلعة الشرع الحصينة "جنّة/ ولدان /  نعيم / لا غول .." وهي ألفاظ قرآنيّة بامتياز فعبارة ( لا غول ) مثلا تحيلنا على الآية الكريمة التي يقول فيها الحقّ جلّ جلاله:

" لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ " الصّافات 47.

ويختم قصيدته بعبارات لطيفة وشذيّة يمثُلُ فيها الحب في أسمى صوره وأرقاها:  

قد كنتِ أنتِ هناك حقا لم يكن * *وهما رأيتُ فإنّ قلبي واعيا

ما كان حبكِ في فؤادي نزوة  * * أو محض كذب من خيال واهيا

بل إنه كالدين أثمر نهجه  *  * برد اليقين لمن يكون مواليا

يرى الحبّ يثمر ثمار خير وبركة كالدّين تماما ،  وهذا لعمري الحبّ الحقّ ، الحبّ الكعبي الذي يسمو على رغبات الجسد الفانية ويتعلّق بالروح وأشواقها الباقية.

وللشاعر وليد هزّاع قصائد كثيرة على هذا النّهج الكعبي الجميل ، ذات مستوى عالٍ لفظا ومعنى تزيد المشوق اشتياقا والملتاع لوعة ولكنّه هيام في خفر وحياء وحبّ كأنّه الدّر المكنون ، نذكر منها ما يعطي صورة مقرّبة عن هذا الشاعر الرّقيق الحالم ابن ( تعزّ  الحالمة ) ؛ مدينة الثقافة والفكر وقلعة العلم والعلماء في اليمن السّعيد :

قصيدته التي مطلعها ( حسناء فاتنة ) يقول فيها:

حسناء فاتنة العينين ناعسة  * * على الأريكة تمضي الوقت في قلقِ

لمحتها من بعيد كان في يدها * * مثل الكتاب القديم الفاخر الورق

كانت تقلب فيه علها وجدت * * ذكرى سترجعها دهرا إلى الألق

ذكرى تعيد به آثــار تجـــربــــة * * ليرتوي الروح من فيض من الودق  

وقصيدته الثانية :

(  من أوراد المحبة أرتل )

صدح الحمام ويا له من شادي * * فوقفت مستمعا أنا وفؤادي

أواه من عزف القلوب فإنها  * * تهب النفوس سعادة الأعياد

يا لائمي دعني أبث صبابتي * * وحيا لبحر الشوق في أورادي

وهي أيضا قصيدة لا تنزل درجة عن بقيّة الكعبيّات الأخرى، بل تعلو وترقى في أسباب الجمال بغير سلم، ويقول في غيرها بهذا المطلع البهيج ( رمشت بعين كان فيها مقتلي ):

رمشت بعين كان فيها مقتلي * * ومشت على عجل فلم تتمهلِ

كانت تسير على الكثيب كأنها * * ريم الفلاة الأهيف المتدلل

فتبعتها عَلِّي أقارب خطوها * * والعين مني نحوها لم تغفلِ

وهناك غير هذه الروائع يمكن أن نذكر على عجل ( قالت كرهتك / خطرت أمامي / حنين الشوق يدفعني..) وغيرها من أجمل وأروع ما يقرأ عشّاق الشعر ومحبّوه ، ولم يقتصر شعر وليد هزّاع على شعر الغزل وحسب ، بل خاض في أغراض كثيرة منها التغنّي بوطنه اليمن وتعز وصنعاء والتغنّي بأرض النّيل ( مصر )، ولكن حتّى وهو يتغنّى بأرض النّيل يجعل ذلك في قالب غزل عذري أخّاذ:

مليحة ذات غنج زانها حور * * كأنها قمر في إثر غيماتِ

رأيتها قد تثنت حين مشيتها  * * والنور أسفر فيها بابتساماتِ

صار الغزل كأنّه إطار مذهّب يقدّم فيه كلّ موضوع يريد الشّاعر أن يتحدّث عنه ، فيأتي الغزل وسيلة باهرة تضفي على الدنيا جمالها ورونقها..

ورغم كلّ هذه الغزارة في الإنتاج الشعري مع التّفوّق الكبير ؛ إلا أنّ الشاعر الكعبي وليد هزّاع لم يطبع ديوانه إلى حدّ الآن ، وتمنّينا لو فعل، فالسّاحة ملأى برديء الشعر وركيكه حتّى كاد النّاس يزهدون في الشعر ويـملّونه ، لما رأوه من تلبّس الأدعياء بلبوسه ، في حين نجد الأفذاذ من أمثال الأستاذ وليد الشاعر القاضي كما لقّبه أمير الشعراء ، ليس له ديوان مطبوع مثله مثل كثير من الشعراء المجيدين من المدرسة الكعبيّة وغيرها، فهو في هذا الأمر مثل الشاعر عمّار نقاز وعبد القادر بوتدارة  وعبد الوهّاب بوشنّة، والشاعر المميّز جدّا الأستاذ مصطفى كبير ( الذي سنفرده بدراسة على حدة قريبا ) ، لا لشيء إلا لأنّهم يرون للشعر هيبته ووقاره ، ولا يريدون استعجال ثماره ويظنون بأنفسهم دوما النّقص وعدم بلوغ ذروة ما يطمحون إليه من تجويد.. !

عند عتبات قصيدة ( مصل عسى )

لابدّ لكلّ شاعر كعبيّ إذا تغنّى بالحبّ طربا أن يتغنّى بأعظم حبّ وأسماه بعد حبّ الله تعالى، لابدّ أن ينشد في حبّ أحمدَ ما تنتشي له النّفس وتحلّق الرّوح في مدارجها العليا، وكان الشاعر وليد هزّاع وفيّا لهذا النّهج يترسّم خطواته فكتب قصيدته ( التّحفة ) ، التي اختار لها عنوانا طريفا ومميّزا هو ( مصل عسى ) وهي قصيدة من أربعة وثلاثين بيتا كلّها لواعج وأشواق وفيوض من الحبّ في خير البريّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي تكرر ذكر اسمه صريحا في القصيدة أربع مرّات، سوى ما ذكره فيه بأوصافه أو خصائصه وما يشير إليه، يقول في مطلعها:

نورا رأيت وقلبي في هواه رسا 

وبلبل الشوق غنى عنه ما اقتبسا

والروح قد عرجت بالحب وانطلقتْ

إلى ذرى المجد حيث الطهر قد غُرِسا

فجئت من رحلة الأسرار مبتهجا

والسعد يغمر وجداني بما لَمَسَا

يبلغ الشاعر قمّة السّعادة والحبور حين يستشعر حبّ أحمدَ ، حبٌّ هو بلبل الشوق ومعراج الروح إلى ذرى المجد ، وكأنّه غامَرَ في رحلة من الأسرار مضمونةُ النتائج، فيغمر صاحبَها السّعدُ ويلمسه لمسا، أيّ حبٍّ هذا الذي يطوّح بأصحابه في قرارات اليقين والفرح ..؟ !  

كل الذي كان من قبل يحط بهم

فمن هوى المصطفى شيطانه خنسا

من وحدة صاغها بالحب سيدنا

تفتق الخير من أعماق مَنْ يَئِسا

فأشرق النور للدنيا التي فقدت

 كل الجمال فولى الشر وانتكسا

بمجرّد أن تهوى المصطفى يخنس شيطانك ، وينزوي بعيدا عنك رقية مضمونة النتائج حاسمة في الشدائد والمواقف الحرجة حين يحاصرك الشيطان من كلّ جهة استشعرْ حبّك لأحمدَ وشوقك إليه، وأحمدُ هو الذي وحّد المؤمنين على هواه ، وبعث الخير والأمل في قلوب اليائسين القانطين، وكان إشراقَ النور على الدّنيا كلّها..

معزوفة من الهيام والوجد مفتاحها كلمة سحريّة عجيبة ، من ثلاثة حروف هي ( عسى ) اعتبرها الشاعر المصل الشّافي لكلّ أدوائه والإكسير السّاحر الذي يطير بفؤاده في مدارج الحبور ، حتّى يصل إلى الحبيب فيستشرف ويتمنى ويشتاق وترنو روحه إلى لقياه فيكون الجواب مَطْمَعا وأيّ مَطمع.. ! يطير إليه بأجنة الشوق:

فجاءني الشوق يطويني بأجنحة

لما وصلتُ سألتُ الآن قال عسى عسى !!!

ففرج عني حينما وجدت عيني

حروفا بها الشوق الجميل رسا

إقرأ قرأتُ فلما ارتويتُ به

عاد الحنين سريعا يبتغي جرسا

حتى يبلغ بعضا من بشارته

ويهدي العاشق المنهوك ( مَصْلُ ) عسى

وعسى هنا رجاء يشبه اليقين ، بل هو اليقين القرآني الذي لا شكّ فيه، فلا عجب أن تكون ( عسى ) مصلا يفرّج كرب الشاعر وينعش قلبه.

وهي قصيدة تحتاج إلى قراءة مستقلّة بذاتها لما فيها من أسرار وخفايا إبداع تُستشعر ولا تقرأ صريحة بيّنة إلا بشيء من التفتيش والبحث الفنّي المترويّ.  

وجلّ قصائد الشّاعر وليد هزّاع على ميزان الخليل ونغمه ، وهو نهج شعراء المدرسة الكعبيّة، لكنهم يكتبون أحيانا شعر التفعيلة الذي لا يَبْعُدُ كثيرا عن النّهج الخليلي، وقد قال وليد هزّاع في ذلك:

" وشعر التفعيلة أعشقه إن كان كشعر أحمد مطر ومحمود مفلح وشاعر المغرب الأمراني ومن نهج ذات النهج أما الشعر الحديث فلا التفت إليه ، لا من قريب أو بعيد وكتبت ذات مرة على نسق التفعيلة ولكني أرى الشعر أنه عمودي فقط "

والشّاعر وليد هزّاع يكتب على السّليقة معتمدا على موهبته دون أن يتعلّم العروض أو يدرسها دراسة معمّقة ، وهو في ذلك يذكرني بشاعر الإنسانيّة المؤمنة ( بهاء الدّين الأميري ) رحمه الله تعالى، وهو قبل ذلك مثل شعراء العرب قديما في العصر الجاهلي والإسلامي، ما كانوا يعرفون ما العروض ولا تفعيلاته ولا عللها وزحافاتها.. ! إلا أنّهم يكتبون القصيدة فتأتي موزونة متينة أَلِقَة مثل فلق الصّبح ..  

أتراني بهذه الكُلَيمَات وفّيته حقّه وقرّبت شعره لجمهور القرّاء ومتابعي المدرسة الكعبيّة .. أرجو ذلك وأتمنّاه.. ولكنّ للشاعر ( وليد هزّاع  ) بحر لا ساحل له ، يلزمه أكثر من سفينة عابرة للقارّات لتستكشف درره ومجاهيله من نفائس وكنوز.. !

[2] - يطلق أهل اليمن على مدينة ( تعز ) اسم ( الحالمة ) كما يسمّون اليمن كلّه بـ ( اليمن السّعيد )..

[4] - عناوين القصائد هي من وضعنا على طريقة عنونة القصائد بمطالعها.

وسوم: العدد 653