رواية جمانة امرأة البوغاز – محمد بروحو، المرأة المدينة
عن شركة النشر والتوزيع المدارس، مدينة الدار البيضاء، المملكة المغربية، صدرت رواية " جمانة امرأة البوغاز " للمبدع محمد بروحو، بدعم من وزارة الثقافة الطبعة الأولى لسنة 2015، في مائة وخمس وثلاثين صفحة من القطع المتوسط.
تعتمد الرواية مدينة طنجة المغربية أفقا إبداعيا، كما تعتمد " طنجة الدولية " خلفية محورية للتخييل الروائي، حكاية الرواية في حد ذاتها تتلخص في ورود طفلة صغيرة مع أبيها إلى مدينة طنجة أيام كانت هذه المدينة تتمتع بالصفة الدولية التي أضفاها عليها القناصلة والمقيمون العامون للدول الغربية القوية، سوف يعمل الأب مع " الجنرال هنري " المقيم العام البريطاني في مزارعه وحدائقه، ترافقه ابنته " جمانة ". بعد موت الأب سوف تتكفل " كونشا " الغجرية بتربية امرأة البوغاز، وبعد إتمام دراستها في المدارس الأمريكية بطنجة ستعين " جمانة " حارسة في سجن القلعة بالمدينة، ستتزوج من " ألكس " الطبيب العسكري البريطاني المنحدر من مدينة " توركيي " الإنجليزية، وبعد وفاته في إحدى معارك الحرب العالمية الثانية ستتحول حياة زوجته " جمانة " من السعادة إلى الشقاء، ومن الحياة الاجتماعية الحافلة إلى حياة العزلة...
إذا أردنا تصنيف الرواية فإننا سنجد كثيرا من الصعوبة والعنت في ذلك إذ يمكن أن يفضي بنا هذا التصنيف إلى مأزق، فنحن لا نستطيع الجزم هل هي رواية تسجيلية؟ أو رواية تاريخية؟ أو سيرة ذاتية؟ أو سيرة مكانية؟ قد نقول إن هذه التصنيفات كلها تتواجد في ثنايا النص الروائي، ومن هنا كان هذا النص ثريا ومثيرا، وكان مبدعه موفقا في المزج بين كثير من العناصر التي تجد صداها متواجدا ضمن الخليط الذي كانت تعج به " طنجة الدولية " على عهد القناصلة والمقيمين العامين الأوروبيين.
وبما أن لكل نص خلفية " ميثية "، فإن ورود " جمانة " على مدينة طنجة في تلك الفترة التي عرفت كثيرا من التدافع له خلفية غامضة وغير واضحة، ويبدو أن الصدفة لعبت دورا كبيرا في توطين امرأة البوغاز بالمدينة الدولية، " إستر " أم " جمانة " يهودية من مدينة الصويرة المغربية حيث كان يقيم أبوها قبل هجرته، وهناك تزوجها، ثم إن الجيلالي أبو " جمانة " الرجل المسكين المريض كبير السن مسلم الديانة، أو هكذا يبدو لنا من بعض الجزئيات البسيطة، مربية " جمانة " بأمر من المقيم العام البريطاني هي " كونشا " المرأة الغجرية ذات الديانة المسيحية، فهل يعتبر هذا الأمر مصادفة أو هو نوع من التعالي الصوفي؟ أو هو فعل قصدي من المبدع يريد به شرعنة تجمع وتجاور الديانات الثلاث بالمدينة الدولية؟
لقد عاشت " جمانة " امرأة البوغاز بعد موت زوجها " ألكس " الطبيب العسكري البريطاني في عزلة، ولكن عزلتها كانت مأهولة بشدة بالأحلام، ضاجة بالاستيهامات، وخصبة بظلال الماضي، إن " جمانة " شخصية عليلة، تتماهى مع القوة التي ورثتها عن كبرياء زوجها، وتتماهى مع القوة بسبب إمساكها بخيوط الحكي، " جمانة " كانت عاقرا لا تلد، فعملت على تعويض عقمها بتناسل الحكايات التي تتقن روايتها، القوة التي تتماهى معها " جمانة " معناها هنا القدرة على إحداث نتيجة إيجابية، وقوة " جمانة " كانت تتجلى في حريتها، لذلك سيطرت على الحكي، واحتكرت حرية الآخرين من خلال امتلاكهم عبر حكاياتهم، وهي حكايات كثيرة ومتعددة تتقاطع مع حياة امرأة البوغاز وتشرطها، كحكاية للاعائشة، وحكاية للافامة، وحكاية حميدو وابن عمه إدريس البحار، وحكاية ألخندرو راعي الماعز، وحكاية شالوم اليهودي وزوجته أم سارة...
إلى جانب القوة والحرية اللتين كانت تتمتع بهما سلطانة البوغاز توجد الضرورة، وهي لا تعني هنا الحتمية، كما لا تعني السبب الذي يقصي الحرية ويلغيها، وإنما تعني المقاومة، المقاومة التي تحرر صاحبها من مواجهي القوة، ومجهضي الحرية، لقد حاولت " جمانة " أو افترضت بسياقها لحكايات المحيطين بها ضرورة محاصرة تلك الحكايات وتوجيهها نحو مصائر من اختيارها، ولكن حريتها في فترة عزلتها بعد موت زوجها كانت قد أصبحت بائسة، ولذلك فالرواية لم تصور فقط مأساة " جمانة "، بل وكذلك مأساة الحياة في طنجة الدولية، حيث الانتقال المفاجئ الذي أحدثة التطور الرأسمالي في المدينة وأهلها، وحيث لم يستطع الناس استيعاب التحول من الاقتصاد الرعوي الزراعي إلى الاقتصاد السلعي البضائعي عبر ميناء المدينة الذي كان يعج باستمرار بأنواع السفن والبواخر التي تفرغ حمولاتها في كل وقت وحين، إن القرار في مدينة طنجة القاضي بتحويلها إلى دولية صنع تاريخها، وبذلك تتحول " جمانة " في الرواية إلى ما يصطلح عليه بالفرد التاريخي.
تتميز الرواية حسب الإشارات التي سقناها أعلاه بالتفريع الحكائي من خلال دمج المكان عبر حكايات من داخل مدينة طنجة ومن خارجها، والتفريع الحكائي يكون إما بسبب ضعف التأثير الطبيعي للحكاية الأصلية في الرواية، أو يكون بسبب حدوث شرخ وتشتت في الحكاية الأصلية للسرد الروائي، ولكن التفريع الحكائي في رواية " جمانة امرأة البوغاز " مفيد، وفعال، ومقصود من المبدع من أجل ترسيخ لقب سلطانة البوغاز الذي كانت تحظى به " جمانة " بين سكان طنجة الدولية وأماكنها الساحرة، لقد ركزت الرواية على أمكنة في طنجة الدولية: جنان قبطان، دار البارود، الميناء، مقهى الحافة، مقهى المكينة، حومة بني يدر حيث كانت تقيم السلطانة... لقد كان حضور هذه الأمكنة هنا قويا، وطاغيا بهمومها، وقلقها، ونبضها، ومآسيها، وضجيجها، وسكونها، وروائحها... بينما بعض الأمكنة كان حضورها عابرا وباهتا، وأخرى تم إغفالها تماما، وظل التركيز في الرواية طاغيا على البحر والميناء، إنه المكان، طنجة الدولية بعمقها التاريخي، والنفسي. لقد عمل المبدع على افتتاح الرواية بورود " جمانة " على طنجة وهي مفعمة بالأمل وحب الحياة، وأنهاها بموت جمانة، وبموتها انتهت سلطانة البوغاز، وتم اقتسام السلطنة بين الإقامة البريطانية، والإقامة الإيطالية، والإقامة الفرنسية.
نص المداخلة التي ألقيت يوم 13 دجنبر 2015 بمدينة تطوان بالمملكة المغربية، بمناسبة تنظيم عيد الكتاب بشراكة بين فرع تطوان لاتحاد كتاب المغرب والمديرية الجهوية لوزارة الثقافة.